ورشة "اديس" لحركات دار فور : الحقائق مقابل مخاوف المشفقين وترهات المغرضين

محمد بشير ابونمو
[email protected]
بدعوة من البعثة الاممية المشتركة فى دار فور (اليوناميد ) وبرعاية مشتركة مع الهيئة الحكومية المشتركة للتنمية (الايقاد) ، حضرت حركتا تحرير السودان بقيادة مناوى والعدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل ورشة “فنية” فى العاصمة الاثيوبية اديس ابا ابا فى الفترة من 9 – 11 ديسمبر الحالى ، وقد قُدمت فى هذه الورشة اوراق عدة من قبل اليوناميد فى مجالات القانون الانسانى الدولى واوضاع حقوق الانسان والوضع الانسانى فى دارفور ، علاوة على استعراض تجربة اليوناميد (الفاشلة ) فى حماية المدنيين فى دار فور خلال الفترة الماضية ، بالاضافة الى استعراض وتقويم اتفاقات السلام الخاصة بدار فور ، بدءً بابشى وانجمينا ثم ابوجا وانتهاءً بما يسمى بوثيقة الدوحة للسلام الحالية ، وكما قُدمت ايضا ورقة عن وقف العدائيات من منظور اكاديمى ، وقد خُتمت الورشة بمناقشة موضوع الساعة ، وقد تم طرحه فى شكل سؤال وهو : ما هى فرص التقدم فى العملية السلمية (Way forward for the peace process) ؟ وهو سؤال موجه بالطبع للحركات المشاركة فى الورشة ، ويبدو ان هذا هو محور اللقاء الاساسى ، وقد بُنى عليه البيان الختامى المشترك للحركتين ، اما الاوراق والنقاشات التى امتدت الى ثلاث ايام فكانت “تحصيل حاصل” لا تتعدى العصف الذهنى المترف فى اجواء اديس الجميلة !
الورشة كانت عبارة عن امتداد للجهود التى يبذلها الممثل الخاص للبعثة المشتركة للاتحاد الافريقى والامم المتحدة لدار فور (اليوناميد) فى اطار بحثه عن فرص السلام فى دار فور ، والذى كان آخر محطاتها مدينة اروشا التنزانية قبل فترة حيث عقد الممثل الخاص والوسيط الدولى الدكتور محمد بن شمباس اجتماعا مع نفس الحركتين ، تم الاتفاق بنهايته على عقد هذه الورشة الفنية فى العاصمة الاثيوبية فى التاسع من ديسمبر 2013 م .
كانت هناك محددات (limitations) من طرفى الورشة من تناول موضوع السلام فى السودان ، المحدد الاول من طرف الوسيط ، وهو انه مقيد من مجلس الامن بتفويض لا يتعدى دار فور حيث لا يستطيع مناقشة موضوع السلام خارج اقليم دار فور ، اما “حركات دار فور” فان انتمائهم للجبهة الثورية والالتزام بمقرراتها ، فرضت عليهم تبنى مشروع سلام شامل فى اى محادثات مرتقبة سواء كانت مع حكومة المؤتمر الوطنى الحالية او اى حكومة اخرى ، واهم من ذلك كله ، القناعة الراسخة لدى هذه الحركات وبقية مكونات الجبهة الثورية من ان المؤتمر الوطنى ليس هو الشريك المناسب لبدء اى مفاوضات جادة لانهاء الصراع فى السودان بتسوية سلمية وعادلة ، على الاقل بنهجه الحالى المتجه نحو حسم “التمرد” عسكريا ، وبتجاربه المعروفة بعدم احترامه لاى اتفاق يُبرم مع اى طرف .
رغم صدور بيان مشترك من الحركتين باللغة الانجليزية وتبعه ترجمة بالعربية تم نشرهما فى المواقع الالكترونية المعروفة ، ورغم ان فحوى البيان كان واضحا ، الا ان هنالك بعض وسائل الاعلام وخاصة الحكومية قد درجت الى الايحاء بان الحركتين قد قررتا فى هذه الورشة الدخول فى مفاوضات مع حكومة المؤتمر الوطنى دون التقيد بقناعاتهما المعلنة او بارتباطاتهما المسبقة فى الجبهة الثورية . نورد هنا ولغرض الرد على مثل هذه الترهات ترجمة للبند الاول من البيان والذى تحدث بوضوح عن موضوع التفاوض وهو :
( تؤكد الحركتان التزامهما الصادق للسعى الى تسوية سلمية متفاوض عليها للنزاعات السودانية للوصول الى سلام شامل ، كامل ،عادل ومستدام ، ومثل هذه التسوية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال توحيد مسارات السلام ودعوة جميع أطراف النزاع حول طاولة مفاوضات واحدة . الحركات المشاركة فى هذه الورشة مقتنعة بشكل كبير بان الاتفاقات الجزئية محكومة عليها بالفشل وقد اثبتت انها تساهم فى تطويل معاناة السكان المتأثرين بالحرب وتفتح الباب الى المزيد من تفتت البلاد . )
الامر الجلى فى هذا النص هو ان “حركات دار فور ” لا تسعى باى حال من الاحوال الدخول مع الحكومة فى اى تفاوض احادى للوصول الى اى تسوية جزئية للمشكل السودانى ، والحل يكمن فقط فى تسوية شاملة وكاملة بوجود جميع الفرقاء فى طاولة واحدة . حتى موضوع “وقف العدائيات” فقد بينت الحركتان رأيهما بوضوح شديد وهو ان يتم ذلك باسم الجبهة الثورية ولدواعى انسانية بحتة ويكون مقيد بزمن محدد ، ونورد ادناه ايضا نقل حرفى من البيان بهذا الخصوص :
(من أجل المساعدة في تخفيف الوضع الانساني الكارثي في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، أعربت الحركتان عن استعدادهما للتفاوض على وقف شامل وموقت للأعمال العدائية باسم الجبهة الثورية السودانية (SRF) مع حكومة السودان ، وفي هذا الصدد، جددت الحركتان التزامهما بعدم عرقلة قوافل الإغاثة وعمالها اومشاريع التنمية الجارى تنفيذها فى مناطق الحرب )
قد يقول قائل : اذا كان الوسيط مقيد بتفويض محدد من مجلس الامن لا يستطيع تجاوز سلام دار فور الى مناطق السودان الاخرى وحركات دار فور مقيدة بمقررات الجبهة الثورية ، فما الداعى اذن من هذا اللقاء ؟
رغم وجاهة السؤال الا ان البحث عن سلام عادل ودائم يجب الا يتوقف من اجل ايقاف معاناة الشعب السودانى المنهك بالحرب وتبعاته الاقتصادية المدمرة ، ثم ان تفويض الوسيط يمكن ان يتعدل من قبل مجلس الامن الدولى اذا رأى المجلس ضرورة التعديل بطلب من الوسيط ، وحتى المواقف المتصلبة كمواقف المؤتمر الوطنى يمكن ان تتغير ، وخاصة فى ظل الضغوط والهزائم العسكرية التى يتلقاه من الجبهة الثورية من حملته المعلنة لانهاء التمرد قبل نهاية هذا العام ، وها هو العام قد عزف على الرحيل وابطال الجبهة الثورية قد قضوا على المتحركات الحكومية واحدة تلو الاخرى وهربت المرتزقة “الكسابة” من ميدان المعركة بعد ان مُنيوا بخسائر فادحة فى الارواح والعتاد واكتفى الاحياء منهم بما كسبوا من عتاد الحكومة من عربات اللانكروزر والاسلحة ، والتى تعود هى الاخرى فى النهاية الى ابطال الجبهة الثورية اما بقلعها منهم (رجالة وحمرة عين) او شراؤها منهم باثمان بخسة لانهم فى النهاية كسابة !
محمد بشير ابونمو
لندن
الاحد 15 ديسمبر 2013 م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *