أقلام متحدة
هل ظل أبناء دارفور أسرى لتاريخ تمسكوا بأطلاله وتركوا روحه؟
إن الصورة الذهنية المتأصلة لدى كثير من أهل السودان بل كثير من المحيط الإسلامي أن دارفور هي القران ومنارتها التي استطاعت أن تنفذ من خلالها للعالم حتى قبل تكوين الدولة الوطنية , ولا شك أن هذه الصورة تجلت في العطاء السخي الذي عرف بها أهل دارفور من خلال تراث ثقافي وعرف اجتماعي ونظام قضائي مستمد من قيم اهل السلطنة وقيمهم وفي تفاعلهم مع المحيط الإقليمي وبطبيعة الحال خدمة الإسلام وتجلى ذلك في محمل السلطان و كسوته للكعبة المشرفة , وكذا رواق دارفور الأزهرية التي يعضد هذه الصورة الزاهية التي لم تأتي من فراغ دون ادني شك.
ولكن السؤال هل ما زال الناس يحملون ذات الانطباعات والصور الذهنية الزاهية عن مجتمع دارفور ؟
هذا مدخل أردت أن أنفذ من خلاله إلى حال أهلنا البسطاء في ربوع دارفور الكبرى وأنا اعتصر ألما و أهلي أهل التقابة والقرآن يرمون كل تلك الصورة الرائعة خلفهم ليستعيدوا عنها بحروب عبثية بمبررات وأسباب واهية تتقاذم امام أتفه سبب لحرب ضروس عرفته البشرية ,حرب فرعي قطفان (عبس وذيبان ) وهما ينتصران لفرسيهما (داحس والغبراء ) لان ليس بعد الجهل شيء!!
ولكن بماذا نبرر حروب أهل التقابة هذه ؟؟
ما يجري في ربوع دارفور من تطاحن بين القبائل في جبل مون وقبلها في كولقي وتابت و الجنينة وقريضة وغيرها من هذه المناطق العزيزة ,هي نتاج طبيعي للجهل الكبير بحرمات الدماء ,واستغلال مفضوح لبساطة الانسان هناك من بعض القوى خلال مؤامرة كبرى حيكت بتمعن وخبث كبيرين ظاهرها عسل وباطنها سم زعاف, المتربصون بدارفور وأهلها جعلوا دارفور وسيلة للوصول لأهدافهم الشريرة , لم يذكروا دارفور إلا اتبعوها بالقران ولكن يحمل كل الحقد عليها لأنها القوة القادمة بقوة نتيجة للوعي الكبير بالحقوق والحراك الاجتماعي والثوري الذي أصبح البعض يرى في ذلك تهديد مباشر لمصالحه التي لا يستطيع الحصول عليها إلا عبر دك إسفين الفرقة بين أهل دارفور والمتاجرة بدمائهم , والذين يغذون هذه النعرات معروفون هم من أطلقوا العنان للمغرر بهم وممن أُرهبوا أو رُغبوا بالأموال وكذلك الذين أصبحوا يبكون على أطلال ماض لا عودة له ,أولئك الذين يسهرون ليلا في تدبير أسباب الفتنة بين البسطاء ويصبحون وهم يذرفون الدموع الخادعة على ضحايا مؤامراتهم ,الذين يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي لبث سمومهم وحقدهم بل والمتاجرة بتلك الدماء من خلال الشحن والشحن المضاد وتهويل الاحداث وتضخيم اعداد الضحايا أحيانا وفي أحيانا أخرى يقللون منها فاصبح الدم الدار فوري يرتفع قيمته وينخفض وفق أمزجة هؤلاء , ولا نعفي أنصاف المثقفين من أبناء دارفور الذين اصبحوا قدوة سيئة في اشعال الحروب وإذكاءها فقط لتصفية حسابات سياسية وذاتية ضيقة.
إن أشرار هذا الوطن أرادوا أن يصوروا اهل دارفور على أنهم الشر كله وان ابدوا خلاف ذلك , ولعلنا نذكر جيدا احد قادة النظام البائد عندما سئل عن لماذا اعتقل ذلك الدار فوري الموالي للنظام والمخلص له وملكا أكثر من الملكية أنفسهم؟ !! أجاب ذلك الرجل بقوله ( إن أهل دارفور والتمرد مثلهم كمثل مرض السكري, أهل دارفور جميعا مصابون بداء التمرد ولكنهم يتفاوتون فمنهم له صليب واحد واثنان وهكذا )
عرفت يا هذا على أي شيء تقتل أخاك ؟؟
ان جيل الأجداد ما كانوا ليصلوا لتلك السمعة الطيبة الرائعة لولا تمسكهم بأخلاق دينهم الذي استحقوا ان يوسموا بها دون غيرهم , ولا يكفي أن نبكي على الأطلال ولكن يجب أن نبدأ اليوم قبل الغد وذلك بإزالة كافة أنواع الاحتراب الداخلي بين القبائل , وهذه مسئولية كبرى على عاتق مستنيري أبناء دارفور ومسئولية أبناء السودان جميعا من بعد ,لا تتركوا شياطين التفتيت وممزقي الوطن يزرعون بذر الشقاق بينكم.
ظل أبناء دارفور أسرى لتاريخ تمسكوا بأطلاله وتركوا روحه
يا أهل دارفور القران, ان القران سلوك ونظام حياة , لا يكفي احدنا ان يشار اليه انه (قوني كبير ) أي حافظ للقران حفظا لا فكاك فيه , ولكن يجب ان يشار إلى فلان انه حافظ للقران و فاهم لمعانيه , عاملا بروحه! كيف يفسر أهل القران قوله جل وعلا : } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم إن اللّه عليم خبير{ الحجرات 13.
إنكم يا أهل القران ذكرانا وإناثا وبقبائلكم من نفس واحدة وجدتم من اجل أعمار الأرض وليس لخرابها , وجدتم معا لتتعايشوا ولتكونوا لوحة بديعة خلقها الله سبحانه وتعالى لحكمة غايتها إرسال رسالة لأولى الألباب ان في التنوع ووحدة التنوع قوة , لا أن تجعل التباين نافذة لدك إسفين الفرقة والشتات بين أبناء الوطن الواحد , ولا يجوز لكائن من كان يريد ان يصل لغاياته وطموحاته من على جماجم البسطاء.
الفهم الذي اعنيه هو الذي ينبع من مبدأ (إن الدين المعاملة) لا فهم المتاجرين بالدين والمتسترين بها لارتكاب الشرور, فهم لا يخالطه فهم من يطلقون على التستر على المفسدين فقه السترة بل فهم عمقه روح التعايش بين الإنسانية على مختلف معتقداتهم ومشاربهم .
رسالتي لقوى الكفاح المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا ان القوة المشتركة التي نص عليه الاتفاق يجب ان يكون اليوم قبل الغد ولو من طرف واحد وباي الية كانت لا يكفي ايفاد وفود للوقوف على اكوام الرماد وعلى جثث الضحايا لكن المطلوب تفاعل جدي وعملي فان أي قطرة دم وروح تزهق هي بالضرورة امتحان أخلاقي للثورة وللاتفاق ,القوات التي استطاعت ان تدحر ارتال الجيوش المدججة بأحدث الأسلحة خلال الثورة سوف لن تعجز عن حماية المدنيين والحيلولة دون الصدام بين القبائل .
ونلتقي في وطن يسع الجميع.
حسن إبراهيم فضل
أقلام متحدة