سلمى التجاني
الهزَّة التي أصابت النِّظام طيلة أيام التشكيل الوزاري ، أَظهَرت وعكست صورة حقيقية لما آل إليه من تآكل داخليّ، وفقدان ثقة بين قادته، وهشاشة حلفائه.
فمشروع أسلمة الدولة والمجتمع الذي ظلَّ يطرحه النظام، قد تم تشييعه إلى مثواه الأخير، بعد أن فشل النظام في تكدير وتأهيل اقتصاديين من بين صفوفه، لإخراجه وإخراج الاقتصاد من وهدته الحالية. لم يستطع تسمية وزير مالية من بين الإسلاميين ومعتنقي أسلمة الاقتصاد، وخَلَت صفوف حلفائه من رجلٍ أو امرأة يثق النظام في قدرته/قدرتها على إدارة الاقتصاد، فطفق يستغيث بالضفة الفكرية الأخرى، دون جدوى. أبَعْدَ تجريبٍ استمرَّ لثلاثين عاماً، وكليات اقتصاد وموارد دولة تمكنها من ابتعاث من تشاء للخارج للتحصيل الأكاديمي، يجد النظام نفسه يقف حائراً وسط ركاب الوضع الاقتصادي؟ بذلك، أعلن فشل مشروعه الحضاري في اجتراح الحلول العملية للأزمة الاقتصادية، تماماً كما فشل في السياسة والاجتماع، وقبلها سقط في امتحان الأخلاق في كل هذه المجالات.
على مستوى التحالفات الداخلية، فقد أظهرت أزمة التشكيل الوزاري الأخير، أن النظام قد استنفد كل أطروحاته التي كان يستقطب بها الأفراد والمجموعات السياسية؛ فبعد أن وَأَد وثائق ومقررات الحوار الوطني في مهدها، أصبح خالي الوفاض من أيّ مشروعٍ جديد يَكسَب به حلفاء من القوى المعارضة. ما يعني كذلك، أنه فشل حتى في سياسة الإغراء، التي كان يتبعها منذ مجيئه، وذلك بضم وجوهٍ من خارجه لطاقمه الوزاري، بغرض الإيحاء بالمقبولية والانفتاح على الآخر المعارض له. لذا، يبدو أن من يشاركون المؤتمر الوطني الآن في الحكم، يمثلون كل القوى السياسية والأفراد، ذات القابلية لمشاركته وتقاسم فشله وجرائمه. الآن، وقد نضب المعين، فقد أيقن النظام أنه في كامل إفلاسه المادي والمعنوي.
فيما يتعلق بفقدان الثقة الذي أصبح السمة الغالبة التي تحكم علاقة الرئيس بتنظيمه من جهة، وقادة النظام ببعضهم البعض من جهةٍ أخرى، فإن تغيير مدير مكاتب الرئيس، رغم صلة القرابة التي تربطه به، بعد خمس عشرة شهراً من تعيينه، مقروناً مع سابقة الفريق طه، يشير إلى فقدان البشير للثقة في دائرة المقربين منه، عسكريين كانوا أم سياسيين ، لذلك لم يجد رئيساً للوزراء سوى ابن شقيقته .
ولعل أبرز ما يمكن إيراده هنا، تصريحات الدكتور علي الحاج، الأمين العام للمؤتمر الشعبي، الحليف التوأم للوطني. فقد قال إن الأزمة الاقتصادية الحالية مُفتَعلة من قِبل أفراد داخل النظام، وأن لديه من الشواهد ما يؤكد ذلك. لِمَ لَمْ يَحظَ تصريحه بأيِّ نفيٍ أو تعليقٍ من المسئولين المعنيين؟، وكأنهم أرادوا أن يميتوا الحقيقة بالصمت؟.
ملمحٌ آخر من تزعزع الثقة، تعكسه مآلات الحرب على القطط السمان التي أعلنها البشير، والتي انتهت إلى تصفية حسابات بين قادة النظام، ودس وتزوير وثائق الإدانة، ومساومات داخل بيت النظام.
زلزال التشكيل الوزاري الذي هزَّ صورة النظام، بشكلٍ غير مسبوق، هو بمثابة (الصدمة) التي وضعت الحزب الحاكم أمام حقيقة تضعضعه وزوال أسباب بقائه، وذَكَّر الشعب السوداني، بقواه السياسية، بأن هذا النظام قد شبع موتاً، وأن دابَّة الأرض قد أكلت منسأته، وعاجلاً سيضطر للرضوخ إلى دعوات التغيير، ناعماً كان أم خشناً.