هل انتهى نظام الإخوان المسلمين عمليا في البلاد؟

صلاح شعيب

لا يتغالط “كوزان” حول أن الأوضاع في البلاد دخلت في مرحلة حرجة جدا. فأزمة حكم الإخوان المسلمين العضوض انتهت إلى إفلاس اقتصادي ماحق اعترفت به الحكومة قبل المعارضة. فضلا عن ذلك فإن فساد الإسلاميين الإداري، والمالي، وصل إلى أعلى سقوفه. وليست هناك حاجة لرئيس النظام سوى التهديد بمحاكمة المفسدين. ولكنه هو، وزوجته، وأهل بيته، يدركون كلفة هذا الإجراء. والحال هكذا حتى رقابة جهاز الأمن توقفت عن معاقبة الصحف، والصحفيين، المتجاوزين لخطوط الجهاز الحمراء. مبروك أنها خطوة للحكم الرشيد. ولكن هل وراء الأكمة ما وراءها. فمرة نطالع أن واليا سرق خمسة كيلو جرامات من الذهب. وتارة نطالع خبرا عن اختفاء ثلاثة وخمسين مليون يورو. ومرة أخرى تنشر صحيفة موالية تقريرا بأن شركة صينية سرقت جبلا بحاله في الشرق، وليس جملا. وتارة أخرى يحدثنا كتاب أعمدة بأن زيارات النائب الأول لمصانع السكر السرية، وأماكن أخرى، أشبه بالحرث في البحر. هذا في وقت يقول فيه الدكتور حسن مكي: “في كل بيت يوجد إخفاق واضح للإسلاميين، عنوسة وعطالة وبؤس ومرضى بلا علاج وفقر مدقع، بل المشهد أكثر سوء بسبب الميزانية الكاذبة وكله كذب في كذب، لا مجلس وطني ولا وزارة تستطيع اعادة الوزنة، الكل الآن في حيرة، والدولة مغلقة من كل الجوانب، والجميع في زمن الخلاص الفردي”.
وانطلاقا من أخبار الصحف الصادرة في الخرطوم نفسها نقرأ أن هناك مصانع كثيرة توقفت بسبب الوقود، وأن موسم إنتاج بعض المحاصيل مهدد بالخراب بسبب جفاف خزانات الوقود. وتورد الميديا الحديثة أن علماء سوء يحلبون ضروع البلد لسنوات خرجوا للناس ببيان آيته الهروب من السفينة الغرقى.
وحين تشاهد حسين خوجلى في برنامجه فإن ما يميزه أنه يعض بنان الندم على ذبول المشروع. تلحظ من تعبيرات وجهه الندي حزنا، وأسى، وحسرة دفينة. وبعد أن يصلح عمامته الساكوبيس يجلد الذات الاسلاموية. ولكنه بحق، أو تذاك، أيضا يعوم القضية، ويحمل السودانيين أزمتهم الحالية. أي أنه يفرق دم الاسلاميين المراق لثلاثة عقود على أحزاب البلد. هههههه ليس أمام الكوز من رادع أخلاقي. أما الأستاذ الطاهر حسن التوم فيتمطى في كرسي برنامجه الوثير، ويحرض ضيوفه عند حلول الفاصل الإعلاني لتعميق النقد ضد الحكومة. وليس بعيدا منهما يتذاكى الأستاذ عثمان ميرغني في عموده، ويقول بأن استقالة غندور أكسبته تعاطفا جماهيريا “هايل” على طريقة تخريجات السر قدور. أي أن عثمان التيار ما يزال حريفا ليبيع لنا الترام، ويقصد أن الشعب السوداني ما يزال مغفلا ليحتفي بصراحة غندور. بل وربما يدخل عثمان زميله غندور ضمن الذين عملوا بطولات من لدن المهدي، إلى علي عبد اللطيف، إلى الماظ، إلى القرشي، إلى سلطان عجبنا، وحفيدته عوضية، والجميلة هندوسة.
-٢-
أما والحال عن المواصلات داخل المدن، والفيافي، فيغني عن السؤال، ولم يبق أمام المواطنين إلا العودة للدواب. وهناك تجد تواصل الولايات بعضها بعضا مهددا بالانهيار. باختصار أعيت الحيلة الحكومة، وجهاز قوش معا. بل الأخير دخل لحل إشكالات المواصلات عبر دفارات، وتراكتورات، وكوامر، أكل عليها الدهر وشرب. ولكن الصورة ستؤرخ لما فعله الإخوان المسلمون بمسلمي، ومسيحيي، وكجوري البلاد على حد سواء. وحين لحظت حالة السائقين استحضرت حالا أغنية يا السايق الفيت. ولَم يخجل قوش، وزبانيته، من أن شعبنا يستحق أحسن من هذا، إذ لا يعقل أن يرحله بعربات قديمة قدم الفيت الذي كان آية زمانه قبل خمسين عاما ..بينما قادة قوش صرحوا بأن مجيئهم للسلطة سيدني عذاب روسيا، وأمريكا، مرة واحدة.
ولا يدري المرء هل عجز أولاد قوش عن ملاحقة الإعلاميين المتفلتين، أم أنه يهيئ الملعب للانفجار حتى يرثه مع إخوة يوسف..الكودة؟. وكل الاحتمالات واردة. فربما يخرجون علينا في مقبل الأيام، أو الشهور، ببيان ينعون القصة الطويلة عن سيطرة البشير الدموي، النازي، على البلاد ضمن تمثيلية جديدة. ولا ننسى أن محايات شيخ إسحاق عن المهددات الأمنية ما عادت تجد رواجا عند الزبائن. فسكتت خزعبلاته التحليلية التي تدخله قائمة أرقام جينيس في بذل التضليل. فربما رأى أن التصالح مع نفسه ضرورة، متقفيا أثر نافع الذي أصبح وديعا وقال إنه “تحلل من كل شيء، ولا يكن للشعب إلا الاحترام والتقدير”.
إن الناس جميعا في بلاد الخير أسلموا أنفسهم للمحنة بينما هناك إسلاميون يترجون الحكومة بخفة أن تفارق منطقة الصمت. أي ألا تدس رأسها في الرمال كالنعام، وأن تخرج آن عاجلا، أم آجلا، ببيان عن اشتداد الوطأة الاقتصادية على الشعب، وفوق ذلك عن الفشل في قضاء حوائج الناس. وعندئذ يمكن أن توعد بالكذب حتى يجري مفعول التخدير مجراه الطبيعي. أما البرلمان الصوري نفسه فقد أتته فجأة الحمية للجهر بالرأي حول أزمة الحركة الإسلامية أكثر من البلاد.
وبالنسبة للخال الرئاسي نفسه فهو ينشط في إبراء الذمة عند الساعة الخامسة وعشرين. ولا ينسى أن يذكرنا بأن الأجواء تشبه الأيام الأخيرة للديموقراطية. أي أن كلبا لو لقطها فلن يقول له: جر، كما قال الهندي حينذاك.
كذلك تبهرنا دولة الإخوان المسلمين المعرقنة. وكذلك يسوقنا الإخوان إلى خواتيم نموذجهم في الحكم الذي لم يفصل الدين عن الدولة فقط بطريقتهم الشيطانية. بل فصلوا الدولة عن الكهرباء، والبندورة، والمواصلات، والنزاهة، والنزهة، والترفيه، والعصرية، مشروع الجزيرة، والمرتب، وصابونة الفنيك، والموانئ البحرية، والماء، والبنسلين، والزراعة، كما جاء في الواتساب.
-٣-
وكذلك ستسير بكم هكذا قافلة أولاد، وبنات، المسلمين، كما يسميهم حسن موسى، والذين يكرهونكم العلمانية، ويبتزونكم بها، بينما هم يتمرمغون في ترابها، ويبعثون أبناءهم لهارفارد، واكسفورد، والسوربون، وليس إلى الأزهر، أو القيروان، أو حوزة البصرة، أو أم القرى. إنهم يعلمون فلذات كبدهم في أرقى بلاد العلمانية التي يحجون لها للترويح كل عام، ويلبسون من لبوسها، ويستوردون أثاثهم، ولوحات الصوالين منها. أما رأسمالهم المنهوب فيدورونه في بنوك الغرب الربوية، وهؤلاء هم إخوان العصر. فما من وسيلة يجدونها للثراء من عرق الكادحين إلا واهتبلوها. ولذلك امتصوا خيرات البلاد ثم صاروا يتفرجون من على نوافذ قصورهم على الشارع العام. ولذلك كل صيحة يحسبونها العدو عليهم.
إن عضوية الحركة الاسلامية مستعدة لإبادة شعب السودان جوعا، أو قتلا، أو موتا بالبطي عبر الأطعمة، والأدوية الفاسدة التي تنهش في صحة المرضى. إنهم لا يعنيهم أن تتسرطن البيئة، ولبن الحيوان، وثمر النبات، بمادة السيانيد بينما شركات التنقيب تدر عليهم ملايين الدولارات عبر ذهب السودان الذي نهبوه مع المافيا الدولية. إنهم لا يضيرهم في شي أن يهدروا سمعة السوداني في الخارج وألا يحققوا له كرامة عيش إلا بعد أن يستخدمونه مرتزقا في حرب تتداخل فيها صراعات مذهبية، وقبلية، ودولية، وإقليمية. ولا يهم ما دام الدفع يوطد أركانهم فإنهم جاهزون لخلع أي رداء فضيلة. وهذه هي السمة التي تميز بها حكم الإخوان المسلمين في السودان منذ أن اعتمدوا البراغماتية، أو فقه الضرورة، أو التقية، وسيلة لثراء شخوصهم، وتحكمهم على رقاب الشعب المسكين.
خاتمة المطاف أن الانتباهة واجبة لأي تحولات في واقع السودان، والذي ربما يحاول فيه إسلاميون مغامرون بعون قوش، أو جماعات من الجيش، لتدبير انقلاب صوري استباقا لأي حركة جماهيرية تطيح بنظام الإخوان المسلمين الذي يقوده البشير. ولعل كل الاحتمالات واردة، وعلى القوى السياسية أخذ زمام المبادرة لتفعيل حراكها، والالتزام بمبدأ إسقاط النظام، وعدم الاستجابة لأي دعوة من الحزب الحاكم للحوار حول أزمة البلاد، خصوصا بعد تسريبات لجس النبض مؤداها أن أحزابا تلقت دعوة في هذا الشأن. كل قرائن الأحوال تشير إلى أن البلاد فقدت بوصلتها ويحاولون إسلاميون الآن الانفضاض عن سامرهم، كما قال حسن مكي للبحث عن مخارج آمنة لأنفسهم، بينما استنفد البشير كل حيل البقاء وتطوقه الأزمات من كل حدب وصوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *