هاجسان لنظام البشير: الإنتخابات وإنفصال الجنوب

هاجسان لنظام البشير: الإنتخابات وإنفصال الجنوب …
بقلم / آدم جمال أحمد  – سدنى – استراليا

تبدو الصورة داخل العاصمة السودانية مفعمة بالتناقضات والغموض الشديد ، ثمة مخاوف بإرجاء وتأجيل الإنتخابات المزمع عقدها فى الحادى عشر من أبريل 2010 م وما نتج عنه من ردود أفعال واسعة بدأت تتضح جلياً ، وذلك من خلال علو نبرات صوت الرئيس عمر البشير والتهديدات  الأخيرة التى أطلقها على الهواء من مدينة بورتسودان لبعض الجهات الأجنبية وأحزاب المعارضة  التى تطالب بتأجيل الإنتخابات .. أو من خلال الكلمات غير اللائقة والقاسية لرئيس دولة ضد خصومه تفتقر للحكمة والعقلانية والتريث .. من باب ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) .. والتى أطلقها من ( أم ضوبان ) بمحافظة شرق النيل ، وفى سياق الحرب الكلامية التى يشنها الطرفان ( المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ) من إتهامات لبعضهما البعض ، فإن كل الدلائل والمؤشرات توحى بإنفصال الجنوب والتى ربما تقود الى إندلاع  حروب قبلية طاحنة فيه وفى مناطق شريط التماس التى فشلت فيها لجان ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب فى إكمال مهمتها بسبب الإنفلاتات الأمنية على الحدود والتى عجزت بدورها الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب فى معالجتها ، وصارت أكثر تعقيداً بسبب مشكلة أبيى عندما أصرت قبائل المسيرية على منع ترسيم الحدود ، بحجة أن قرار هيئة التحكيم الدولية فى لاهاى حرمتهم من بعض مناطق الرعى والمياه التى كان يستغلونها طوال عدة شهور فى السنة ، وكذك قرار مفوضية التصويت التى تشترط حق الإقامة على ( المواطنين السودانيين الآخرين ) دون أن تشترط ذلك على دينكا نقوك ، ولا سيما أن منطقة جبال النوبة قد تصبح ( أرض المحرقة ) بين الشمال والجنوب.

غير أن الخوف الحقيقى يساور المسئولين حيال الضغوط  الأمريكية الخاصة بتسوية مشكلة الجنوب ودارفور ، بإجراء تسوية نهائية للوصول الى إتفاق بين الحكومة والحركات التحررية فى إقليم دارفور بالدوحة .. وأن يمضى الطرفان فى تطبيق بنود إتفاقية سلام نيفاشا وخاصة فيما يتعلق بإجراء الإنتخابات وحق تقرير المصير لجنوب السودان فى الموعد المحدد لهما بعد الوصول الى تسوية بوقف أطول حرب أهلية فى أفريقيا يناير 2005 م ، خصوصاً أن الإحساس قوى هذه المرة بأن إنفصال الجنوب لا محالة من وقوعه وإستفتاء سكان أبيى وتطبيق المشورة الشعبية فى كل من ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق سيكونا ثمناً للسلام ، وبالتالى بقاء الحكومة الحالية فى الخرطوم هو الهاجس الذى تراجعت إزاءه هواجس تحقيق الوفاق الوطنى وترتيب الوضع ، والذى لا تخطى العين النظرالى تأثيره فى كل جوانب الحياة العامة فى شوارع مدن العاصمة القومية المثلثة ودواوينها الحكومية.

التجول فى شوارع الخرطوم ليلاً أو نهاراً أو من خلال المشاهدة الى أجهزة الاعلام المملوكة للدولة المختلفة من صحف وإذاعة وتلفزيون ليس بحاجة الى أدلة تؤكد إستمرار سيطرة حكومة المؤتمر الوطنى التى يتزعمها الفريق عمر البشير على مقاليد السلطة والأمور فى البلاد بأحكام يجسدها قانون الأمن الوطنى والقوانين الأخرى المقيدة للحريات .. الفقر يجتاح كل جوانب الحياة العامة .. تبدو الشوارع فى حال بؤس رغم الإنجازات الكبيرة والضخمة فى مجال البترول وتصديره وشبكة الاتصالات والطرق والجسور والكبارى والأنفاق والسدود والمشاريع التنموية والنهضة العمرانية والتغيير الذى طرأ على وجه العاصمة القومية ، إلا أن الخدمات العمومية والضرورية لحياة المواطن متدنية للغاية ، الوضع المعيشى للمواطنين أسوأ ما يكون رغم وعود الدولة بتحويل عائدات النفط لمشاريع التنمية والتخفيف المعيشى على السكان ، إلا أن الغلاء والتضخم يقضمان مداخيل المواطنين على رغم حديث السلطات القائمين على أمر البلاد وشئون العباد فى خفض معدلات التضخم وتأكيد نمو الاقتصاد الوطنى بمعدلات ترضى طموح مسئولى صندوق النقد الدولى.

أحزاب المعارضة السياسية ( تحالف جوبا ) والحركة الشعبية لا أثر لها فى الشارع السودانى حتى على مستوى مؤيديها ، فنجد أن الحكومة تلقى باللوم على الحركة الشعبية والتبعية على قادة الأحزاب السياسية المعارضة وأنها ضعيفة لا تستطيع تلبية إحتياجات البلاد وأن قراراتها رهن لإشارة دول أجنبية ، ويلقى هؤلاء بدورهم المسئولية على عاتق الحكومة ويتهمونها بالتشبث بكراسى السلطة والتسويف لضمان البقاء.

ليس هناك ثمة ما يهدد بقاء حكومة المؤتمر الوطنى بقيادة عمر البشير سوى ملف التسوية السياسية فى جنوب السودان ، وعلى الرغم أن الحكومة بدت فى سنواتها الأولى مستعدة للتفاوض على فصل الجنوب وتنصلت عن ذلك لتقبل فى نهاية المطاف الدعوة الى منح الجنوب حق تقرير المصير إسوة بقادة أحزاب المعارضة الشمالية ( التجمع الوطنى الديمقراطى ) التى أقرت ذلك ، وهو مطلب أجمعت عليه الأحزاب السودانية فى ( مؤتمر القضايا المصيرية ) الذى عقد فى أسمرا عام 1995 م ، وفى مؤتمر مفاوضات نيفاشا التى إستمرت لسنوات ما بين الحكومة والحركة الشعبية ، غير أن جمهورية مصر التى تتطلع لحماية دائمة لمصالحها فى السودان .. خصوصاً مياه النيل لا تستسيغ بنود الاتفاقية مهما كانت الضمانات من الطرفين أو الدول الراعية للاتفاق وخاصة بعد قصد الأمريكان تغيب دورها.

الحكومة إكتشفت مؤخراً بعد قيام الرئيس عمر البشير بتدشين مشروع تصدير النفط السودانى ، أن الوفاء بذلك التعهد سيعنى حرمانها من النفط الذى توجد غالبية حقوله الكبيرة فى الجنوب ، وتصل عائدات النفط حالياً الى أكثر من خمسة ملايين دولار أمريكى .. كانت تنفق الحكومة مليونين منها على مجهودها الحربى فى الجنوب وجبال النوبة والشرق والغرب وتوظف البقية فى متطلبات الدولة ، وهذا ما أقر به كبار المسئوليين فى الدولة وخاصة فى وزارة المال والنفط .. وأضافوا اليه بأنه لولا مشروع النفط لكانت الحكومة إنهارت ، خصوصاً فى ظل إنهيار المحاصيل الأساسية التى كانت تعتمد عليها خزينة الدولة كالقطن والسمسم والكركدى والصمغ العربى ، فالسؤال الذى نطرحه للمسئولين بالدولة أين تذهب الآن المليونين دولار بعد عمليات السلام فى الجنوب وجبال النوبة والشرق ودارفور التى سوف تنضم الى ركب السلام ؟؟!!.. ولا سيما نحن نعلم بأن عائدات النفط منذ إكتشافه والشروع فى تصديره لم تدخل ميزانية الدولة بعد !! .. ولا حتى وزير المالية يعلم عنها شيئاً ، ولا حتى قيادات الحركة الشعبية !!.. الشريك الأساسى والوجه الأخر للمؤتمر الوطنى ، والتى ألحت فى تقسيم الحقب الوزارية آنذاك بضم كلاً من وزارتى النفط والمالية لحصتها وكادت أن تفض الشراكة وتؤدى الى نسف الاتفاق بينهما لرفض المؤتمر الوطنى التنازل أو التخلى عنهما طوعاً أو عنوة لخصمها الحركة الشعبية ، ولكن أخيراً إلتزمت الحركة جانب الصمت بعد فضيحة الفساد المالى والإدارى والإختلاسات التى حدثت فى صفوفها بسبب أموال عائدات البترول ، والتى ظهرت على سطح الأحداث ما يقدر ب ( 60 مليون دولار ) .. ولم يحاسب أحداً حتى الآن .. رغم لجان المحاسبة التى شكلت من قبل النائب الأول ورئيس حكومة جنوب السودان الفريق سلفاكير .. وما خفى أعظم.

رغم الحديث عن ضغوط دولية تمارس على السودان من المجتمع الدولى ، إلا أن العلاقات بين الحكومة السودانية والولايات المتحدة الأمريكية شهدت إنفراجاً كبيراً فى الأونة الأخيرة .. وحتى أمريكا تفضل بأن تبقى حكومة المؤتمر الوطنى على سدة الحكم فى السودان لإعتبارات كثيرة تراها من ضمنها لا بديل لهذه الحكومة ، فالمعارضة ضعيفة لا تمتلك برنامج ليؤهلها ، وتعلم مدى الإنجازات التى حققتها هذه الحكومة على الصعيدين الداخلى والخارجى ، فلذلك قامت برفع بعض العقوبات عنها .. وتم إغلاق ملف الإرهاب فى أعقاب التحقيقات المكثفة التى أجراءها عملاء أجهزة الاستخبارات ومكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى فى الخرطوم ومدن السودان الأخرى قبل الحادى عشر من سبتمبر ومغادرة الأفغان العرب السودان أثر تسليم الأرهابى الفنزويلى كارلوس الى فرنسا .. وإبعاد زعيم تنظيم ” القاعدة ” أسامة بن لادن 1996 م ، ولم يبقى فى البلاد سوى قلة من الأفغان العرب .. وغالبتيهم سوريون قرروا إمتهان التجارة وفتحوا مطاعم ومحلات تجارية وشركات سياحية  للمواصلات الحديثة فى قلب العاصمة بالسوق العربى والسوق الشعبى بالخرطوم وأم درمان وبحرى .. وفروع بالولايات فى المدن الكبيرة.

وفى مقابلة بجريدة الوسط الللندنية مع السفير السابق لدى السودان دونالد بيترسون .. الذى خدم فى السودان من 1992 الى 1995 م وألف كتاباً عن سنوات عمله فى السودان ، وعاد الى الخرطوم فى عام 1997 م فى ” مهمة خاصة ” تتعلق بتشجيع تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان ووقف الحرب الأهلية .. وكان وراء فكرة قيام الولايات المتحدة بدور رئيسى فى إحلال السلام فى السودان ، فقد كان واضحاً إن منظمة ” الايقاد ” التى رعت مبادرة السلام السودانية لم تنجز شيئاً  وكان واضحاً أن الأمم المتحدة لا تريد أن تتورط فى السودان .. الولايات المتحدة الأمريكية هى وحدها التى تمتلك العضلات الدولية والمكانة التى تتيح لها إحلال السلام لو كان ذلك ممكناً أصلاً ، وإعتقد بأن إدارة الرئيس بوش أقدمت على خطوة جيدة فى الاتجاه السليم .. وحينما سئل عما إذا كان فصل الجنوب حلاً ناجعاً لمشكلة البلاد ، فأجاب ” إن إنفصال الجنوب قد يحدث .. وقد يكون الحل الوحيد للمشكلة .. غير أنه لا يعتبر الحل الأمثل ، لأن ثمة خلافات عميقة فى صفوف الجنوبيين ، وأضاف إذا توفرت حصة عادلة من عائدات النفط لضمان مشاركة الجنوب المنفصل فى جنى ثمرة ذلك المورد الطبيعى فى شأن ذلك أن يجعل الإنفصال أمراً ممكن التحقق ، إلا أن كثيراً من القادة الجنوبيين يؤمنون بوحدة السودان ، غير أن معظم الجنوبيين يقولون لا يمكننا أن نعيش مع هؤلاء القوم .. يعنون الشماليين المسلمين .. أما بخصوص الخوض فى الجدل الدائر فى شأن تغيير الرئيس البشير برئيس أكثر مرونة .. قال ” هذا صحيح أن البشير بقى فى الحكم طويلاً لكن النظام قوى وهو يعرف دوماً ما يتعين عليه القيام به من أجل البقاء فى السلطة ، أما المعارضة فهى ضعيفة ومختلفة بينها حول مصالحها الحزبية فهى لم تتحالف حتى الآن تحت زعامة أى قيادى بذات الخصائص العظيمة لتنافس البشير “.

أما الحديث فيما يتعلق بمقاطعة الحركة الشعبية الانتخابات فى جنوب كردفان لقد إتفقت مؤسسة الرئاسة على زيادة مقاعد الجنوب فى المجلس الوطنى ( 40 ) مقعداً إضافة الى أربعة مقاعد لولاية جنوب كردفان ومقعدين لأبيى ، وأقرت بإعادة عملية التعداد السكانى فى جنوب كردفان مع إستثنائها من الانتخابات العامة بعد أن خاطبت هيئة الرئاسة المفوضية بإرجاء الانتخابات على مستوى الوالى والمجلس التشريعى فى ولاية جنوب كردفان ، على أن تجرى على مستوى الرئاسة والمجلس الوطنى.

وبناءاً على ذلك نرجو أن نسلط الضوء هذه النقاط فى ولاية جنوب كردفان:

اولاً: قرار الهيئة بإضافة أربعة مقاعد لولاية جنوب كردفان ومقعدان لمنطقة أبيى يؤكد ما أشرنا اليه من الأخطاء السالبة والفادحة نتيجة للقصور الذى صاحب عملية التعداد السكانى وتقسيم الدوائر الجغرافية وترسيمها على أسس قبلية تفتيتية ، وما ورد فى مذكرة القوى السياسية فى جنوب كردفان حول خروقات فاضحة وتزوير فى السجل الانتخابى بالعديد من مناطق الولاية وتحريض بعض قادة الحركة الشعبية لسكان كادقلى وأريافها بمقاطعة التعداد السكانى والسجل الانتخابى وهى تعلم بأنه لا يتم ممارسة المشورة الشعبية إلا بإكتمال الإستحقاق الانتخابى ، والتى كانت الحركة الشعبية جزءاً أساسياً فى لجان التعداد السكانى والإشراف والمتابعة والتنفيذ والسجل الانتخابى.

ثانياً: هذه الخطوة تؤكد إصرار شريكى الحكم المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية على المضى فى ذات نهج القرارات الجزئية والثنائية الإقصائية فى القضايا المتعلقة بحاضر البلاد ومستقبلها ، وخاصة فى جنوب كردفان .. وما يؤكد ذلك التحالف الاستراتيجى الأخير بين الوالى أحمد هارون ونائبه القائد عبد العزيز آدم الحلو واللجان المشتركة لتقسيم الدوائر الجغرافية بينهما وتنازل أحدهما للأخر لمنصب الوالى لمنافسة مكى على بلايل الذى يعتبر أقوى المرشحين لمنصب الوالى بجنوب كردفان.

ثالثاً : تكمن خطورة قرار عدم مشاركة الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة فى الانتخابات المحلية .. لقد قصدت الحركة خلق واقع غير مستقر لمنطقة تعتقد أنها تبعت للشمال بموجب المشورة الشعبية بتبعية جنوب كردفان الى رئاسة الجمهورية ، وقد وافقت عليها الأطراف ووقعت على ذلك فى نيفاشا ، وهذا يوضح حقيقة ما تمارسه الحركة الشعبية من ظلم متواصل وخزلان لرفقاء الأمس ( أبناء جبال النوبة ) .. الذين إتخذتهم مطية فى تحقيق أهدافها الجنوبية من أجل الحرب وأجندتها الخفية ، حيث نراها تخوض هى الانتخابات وتمارس ذلك الحق الدستورى فى المشاركة وحق الانتخاب فى جنوب السودان وعلى جميع المستويات بداية من رئاسة الجمهورية وغيرها من المناطق ، وفى نفس الوقت تسعى لعرقلة ممارسة هذا الحق الأصيل فى جنوب كردفان وحرمان قواعدها وغيرهم من ممارسته ، وخاصة إذا ما حققت الحركة الشعبية ( الجنوبيين ) ما تريده من إنفصال للجنوب من خلال الاستفتاء لتقرير المصير فى يناير 2011 م.

رابعاً : المذكرة المشتركة التى تقدما بها كلاً من الوالى أحمد هارون ونائبه عبد العزيز آدم الحلو ، والتى رفعت الى مؤسسة الرئاسة لتسوية المشكلة ، تتضمن زيادة ما لمقاعد ولاية جنوب كردفان .. فالسؤال هو كيف تزداد مقاعد جنوب كردفان أو مقاعد جنوب السودان أو مقاعد منطقة أبيى قلت أم كثرت عن طريق زيادة الدوائر الجغرافية .. هذا يعنى فى حد ذاته تعديل قانون الانتخابات الذى تعمل بموجبه المفوضية وإعادة ترسيم الدوائر وإعادة باب الترشيح ، مما يعنى تأجيل الانتخابات .. وهذا ما تنادى به قوى المعارضة فى تحالف جوبا وحركة العدل والمساواة فى مفاوضات الدوحة ، والتى وقعت إتفاق إطارى مع الحكومة وتأمل الأخيرة بأن يتم توقيع الاتفاق النهائى الذى بموجبه أن يضع حداً لمأساة إنسان دارفور ووقف نزيف الحرب وإحلال السلام قبل موعد الاتنخابات ، وخاصة بعد أن ألحقت بقية الحركات التحررية الدارفورية  بتوقيعها على إتفاق إطارى آخر معها ، إلا أن الحكومة ترى أن العنف قد خفت حدته فى دارفور خاصة بعد إلتزام حركة العدل والمساواة بوقف إطلاق النار المضمن فى الترتيبات الأمنية ، وتراهن بأن الانتخابات ممكن أن تجرى فى معظم أنحاء الإقليم دون إضطرابات ، وأنها تستطيع أن تؤمن إجراء الانتخابات بصورة سلمية ، ولكن حركة العدل والمساواة تقول هذا يتنافى مع الواقع لأن هناك الكثير من مناطق دارفور لم يشملهم التعداد السكانى وخاصة مناطق النازحين واللاجئين والمناطق التى تسيطر عليها الحركة ، فلذا ترى أن الأجواء غير مهيأ لقيام الانتخابات فى السودان وهناك ما يمنع قيامها ، ولكن حزب المؤتمر الشعبى برئاسة الدكتور حسن الترابى ترفض الدعوات التى تطالب بتأجيل الانتخابات ويتفق فى رؤيته مع المؤتمر الوطنى ولجنة حكماء مجلس السلم والأمن الأفريقى والأمم المتحدة والدول المانحة وعلى راسها أمريكا فى إجراء الانتخابات فى موعدها الذى حددته مفوضية الانتخابات ما بين 11 – 18 أبريل 2010 م ، وهذا يعزز موقف الشريكين الأساسين الحاكمين ( المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ) فى قيام الانتخابات فى موعدها .. حتى يكتسب الأول الشرعية السياسية التى إفتقدها طيلة العقدين السابقين من سنوات حكمه ، فلذا يعتقد أنه الفرس الرابح مع إدراكه بفوز الرئيس عمر البشير فوزاً كاسحاً على منافسيه نسبة لجاهزيتهم ، أما الحركة الشعبية تريد أن تتفرغ لقضية الإستفتاء وحق تقرير المصير فى الجنوب ومنطقة أبيى التى ستحقق له إستقلال دولة الجنوب وهذا يعزز تصريحات رئيس حكومة الجنوب  الفريق سلفا كير فى كاتدرائية جوبا فى نهاية العام الماضى و الذى قال فيها ..( .. إذا أردتم أن تعيشوا مواطنيين درجة ثانية فصوتوا للوحدة .. أما إذا أردتم أن تعيشوا مواطنيين درجة أولى  أحرارا فى وطنكم فصوتوا للانفصال ..  )… خطورة هذا التصريح الذى يدعم روح الخطاب الانفصالى جعلت الحركة الشعبية وأجهزتها المختلفة تحاول جاهدة فى إيجاد تفسيرات أخرى بوضع المساحيق والرتوش حتى تستطيع أن تخرج المعنى عن سياقه رغم وضوح الرسالة .. وقبل أن تفيق قيادات ومناصروا الحركة الشعبية وتستعيد توازنها وعافيتها من التصريحات الأولى ، جاءت هذه المرة الرسالة قوية وصريحة لا تحتاج الى تأويل من قمة الإيقاد وشركاؤها التى إنعقدت فى نيروبى بكينيا .. وعندها كان الفريق سلفاكير صريحاً وجاداً الى أبعد الحدود لوضع النقاط على الحروف وقطع قول كل خطيب .. عندما خاطب الجمع قائلاً .. ( .. أن الاستفتاء حول إنفصال جنوب السودان أهم من الانتخابات الوطنية بالنسبة لشعب جنوب السودان .. وإن جنوب السودان يعتبر الاستفتاء حول استقلاله إنجازاً سياسياً كبيراً تحقق عبر إتفاقية السلام الشاملة .. وأنه سيدافع عن ذلك بأى ثمن وللاستفتاء أولوية مطلقة .. ) ، فإستطاع الفريق سلفاكير أن يفك الشفرة لماذا رفض ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية لها دلالات .. وأن ترفض الحركة الشعبية القيام بترشيح أى جنوبى لمنصب رئاسة الجمهورية وترتضى بترشيح ياسر عرمان لرئاسة الجمهورية هى مفارقة لا تخلو من دلالات عميقة جديرة بالتأمل .. فماذا ينتظر الشعب السودانى والمجموعات التى حاربت مع الحركة الشعبية فى جبال النوبة والنيل الأزرق بعد أن إختزلت الحركة الشعبية وقائدها سلفاكير مشروع السودان الجديد فى الانفصال وحق تقرير المصير وهى ما زالت تركض لاهيثة وراء السراب والأحلام الزائفة .. أما الأحزاب الأخرى من أحزاب المعارضة ( تحالف جوبا ) وأحزاب التوالى ترى أن تأجيل الانتخابات من مصلحتها .. حتى تستطيع أن تستكمل جاهزيتها المنقوصة وترى أن الجو غير مهيأ لقيام الانتخابات فى الوقت الراهن ، ولكن ترى أن ذلك لا يمنع من قيامها وتأمل بأن يكون هناك إحتمال كبير أن تجرى دورة ثانية من الانتخابات على مستوى الرئاسة.

29 مارس 2010 م      –         سدنى   –   استراليا

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *