بسم الله الرحمن الرحيم
من مذكرات محمد عبدالله عبد الخالق ( ا – 20 )
نشأنا بالفطرة فى كنف الانصارية التى ينتمى اليها الأجداد والأباء واصبحت بالنسبة لنا إرثاً تاريخياً وكنا نظن بأننا لا يمكن أن نُحيد عنها لاننا علقنا عليها كل آمالنا السياسية عبر جناحها السياسى ( حزب الاُمة ) ، بدليل ان كل أنصارى حزب اُمة وليس كل حزب أمة أنصارى ، لكنها فى الحقيقة لا تُحقق إلا رغبات آل المهدى الذين إعتبروها ورثةً لهم وما الآخرين إلا جُنوداً أوفياء .
لم ندر بان القائمين على أمرها فى عصرنا هذا ليسوا على عهدها لانهم خالفوا قاعدتها الاساسية ، وهى الشورى بينهم إقتداءاً بقوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) .
على هذا النهج سار الامام محمد أحمد المهدى فولى الخِلافة من بعده للاحق بها ، وهو حامل الراية الزرقاء ( راية كل أبناء غرب السودان ) الخليفة عبد الله التعايشى ، ولم يخلف أخاه الخليفة محمد شريف حامل الراية البيضاء ( راية باقى اهل السودان ) . وفى هذا إنصافاً لود تورشين نسبةً للتضحيات الجِسام التى قدمها أبناء الغرب فى مناصرة دعوة الإمام المهدي ، فلولاهم لما تم النجاح لهذه الدعوة وهذا لا ينكرها إلا مُكابر ، أو أصحاب الاجندة الخفية اللذين زوروا تاريخ السودان .
عندما كنا نتعامل من البُعد مع القيادات كنا نُهلل ونُكبر لكل من يقال لنا هذا ( قيادى ) سواء كان ذلك على مُستوى الكيان او الحزب بالرغم من عدم معرفتنا له مُسبقاً ، لكن عندما إقتربنا منهم إتضح لنا الكثير المُثير الذى لم نكن وضعناه فى الحسبان ، مُحاباة ، أنانية ، حب النفس وعدم الصدق ، كل هذه الصفات لصيقة بمعظم قياداتنا السياسية الذين يسيرون دولاب العمل فى داخل أروقة الحزب .
إنخرطنا فى برنامج العمل السرى لحزب الامة فى أوائل العام 1978 م تحت قيادة وإشراف العم : محمد ابوشمة شطة ، المُدير السابق لشركة التبغ الوطنية بزالنجى ، فكان بحق وحقيقة نعم القيادة المُخلصة ، وكل اللذين تعاملت معهم إبان تلك الفترة كانوا أصحاب عقيدة تُسرى الأنصارية فى دِمائهم .
كانت أجهزة أمن جعفر نميرى تُطارد وتقتل كل من يريد ان يجمع شمل الانصار وحزب الاُمة ، لكننا كنا لهم بالمرصاد ، فلهذا توسع نشاطنا بمدرسة زالنجى الثانوية ، وفزنا برئاسة الاتحاد لاكثر من دورتين ولعبنا دوراً قيادياً فى إنتفاضة أهل دارفور عندما نادوا وأجبروا قيادة مايو بان تنصاع لرغبتهم فى تعيين إبن من أبناء دارفور حاكماً على الإقليم ، إسوةً ببقية أقاليم السودان .
السبب الرئيسى لهذه الإنتفاضة كان بسبب قيام الرئيس جعفر نميرى بتعيين السيد : الطيب المرضى حاكماً على إقليم دارفور فى عام 1980 م ، مُتجاوزاً قراراً اصدره بنفسه ( أن يُحكم كل إقليم بإبن من أبنائه ) وكان منطقه فى ذلك بان الطيب المرضى له معرفة جيّدة بدارفور وأهلها ، لانه عمل بها فى فترة سابقة وخوفاً من إنعكاس آثار الحرب الدائرة فى تشاد سلباً على دارفور ، أما أهل دارفور فكان منطقهم غير ذلك ، فقد راوا بان جعفر نميرى سلبهم حقاً مشروعاً .
تم إختيارى فى إجتماع ضم أعيان مدينة زالنجى عُقد بمنزل العم محمد ابوشمة شطة بحى الوادى عضواً فى لجنة المدينة ، لتسيير الإنتفاضة بالتنسيق مع بقية مدن دارفور الاُخرى .
بدأنا الإتصال المُكثف من حينها مع جميع مدن دارفور ، وحددنا يوماً تخرج فيه جماهير الإقليم فى كل مُدنها وقراها وفرقانها فى زمن مُتزامن فى مسيرات ترفع فيه طلبها الموحد لجعفر نميرى ، تطالبه بتعيين أحد أبناء دارفور حاكماً علي الإقليم .
فعلاً خرجت جماهير دارفور عن بكرة أبيها فى إنتفاضة شبيهة بإنتفاضة رجب أبريل ، وفى هذا اليوم كُلفت بقراءة الخطاب المُعد من اللجنة العليا الموحدة للإنتفاضة ومقرها مدينة الفاشر ، قراته بساحة مجلس مدينة زالنجى ومن ثم تم تسليمه لمفتش الحكومات المحلية .
فى أثناء قِرأتى للخطاب وكنت محمولاً على أعناق زُملائى ، أذكر منهم : مقبول بُشرى الإمام ، داؤد بوش وعثمان عيسى عثمان ، أطلق أحد الجنود يدعى : ود ضو البيت ، رصاصاً فى الهواء لكنى لم اُبالى به وإستمريت حتى أنهيت قرأتى .
إنصاع جعفر نميرى لإرادة أهل دارفور ، وقام بتعيين السيد : أحمد إبراهيم دريج حاكماً لاقليم دارفور بعد إجماع اهل دارفور عليه ، وكان لابناء دارفور المُتواجدين بالعاصمة دوراً كبيراً فى إختيار دريج نسبة لوحدة رأيهم فى القضايا التى تهم الاقليم .
قابلته فى عام 2000 م بمنزل الصادق المهدى باسمرأ ، عندما حضر لمؤتمر التجمع الوطنى الديمقراطى ، المؤتمر الذى أعلن فيه حزب الامة إنسلاخه من التجمع ، فقلت له مازحاً : يا سيد احمد طالبنا بك ونحن طلاب بمدرسة زالنجى الثانوية فى عام 1980 م ، وهانذا اُناضل معك اليوم من أجل إعادة الديمقراطية ، فرد علىّ : نحن الان كبرنا فعليكم الإستعداد لحمل الراية .
ليس من السهل مقارنة العمل الحزبى السِرى بالعلنى ، الاول يقع على عاتق أصحاب الوجع وليس فى وسطهم مُنافق ولاخائن ولا مُنتفع ، كما هو الحال فى العمل الظاهرى أو العلنى ، الذى يلهث إليه اولئك النيام طيلة فترة النضال السرى ، يبحثون عن المناصب دون كدٍ او جهد بذلوه ، حتى تحتار فى أمرهم وتسال نفسك ، أين كان هؤلاء ؟ .
هذا ما ألتمسناه عقب إنتفاضة رجب أبريل فى عام 1985 م وبعد عودتنا الى السودان بعد توقيع إتفاقية نداء الوطن ( نوفمبر 1999 م ) حيث أصبح اللذين حملوا السلاح مُشردين ، بينما أبناء الذوات والقُربى والمُتملقين هم الكاسبون .
فى عام 1983 م نقلت نشاطى السياسى إلى الخرطوم ، نسبة لإلتحاقى بجامعة القاهرة – فرع الخرطوم ( كلية الآداب – قسم الجغرافيا ) وكنت وقتها مُقيماً بحلفاية الملوك ببحرى ، مع الاخ الباشمُهندس صالح عبد الله أحمد ( فى هذا البيت وُضعت خطة لإعادة تاهيل خزان امبرو ، خزان اورشى ، خزان كورنوى ، خزان أنا بجى ، خزان ابوجِداد ، خزان كامو ، وخزان ابولِحا ) ساهم فى وضع الخطة كلٍ من : صالح عبد الله احمد ، رجل الاعمال آدم يعقوب ، السيد سليمان مُصطفى ، السيد سليمان محمد جاموس والاستاذ : تجانى مصطفى ، المُعيد بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم .
إتسعت معرفتى وكبرت مداركى ومفاهيمى وتعرفت على تنظيمات سياسية كثيرة عن قرب من خلال اللقاءات وأركان النقاش التى تُقام بالجامعة يومياً ، فكثرت إنتقاداتنا لقوانين سبتمبر ومحاكم العدالة الناجزة التى أظهرت عدم كفائتها فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وظلت محل إنتقاد داخلياً وخارجياً .
أصبحت مُطارداُ من قِبل أفراد أمن جعفر نميرى فحبست نفسى لأكثر من أربعة أشهر فى برنامج عمل بشركة المطاحن الاهلية ( الخرطوم بحرى – المنطقة الصناعية ) من الساعة السادسة صباحاً حتى السادسة مساءاً ، فإختفيت عن الانظار وغيرت سكنى من الحلفاية إلى مدينة جبرة ، إنقطعت صلتى بالجامعة حتى لحظة قيام الانتفاضة ، فسرعان ما وجدت نفسى فى مسيرات طلاب جامعة القاهرة – فرع الخرطوم ، حتى سقطت مايو بإنحياز قوات الشعب المسلحة للشعب بقرار أصدره سيادة المشير : عبد الرحمن سوار الدهب فى صبيحة يوم 6 / 4 / 1985 م .
محمد عبد الله عبد الخالق
[email protected]
Tel : +201015466166