من رحم المعاناة- خرج محمود
بقلم: التجـــــــــاني
بالأمس رحل عن دنيانا البائسة شاب قد لايعرف عنه الكثيرغير أنه فنان الشباب الأول. ذلك الشاب الذي أثري الساحة الفنيه السودانيه في زمن كان الشعب السوداني في أمس الحاجة لسماع نغم متجدد وفريد فكان بروز وظهور الفنان محمود عبدالعزيز في نهاية الثمانينيات وتحديدا عام 1988 ومن وقتها وهو يبدع ويثري الساحة الفنيه بصوته الفريد وأداءه المتميزعن أبناء جيله فكان أن لقب بفنان الشباب الأول.
وكما كان هناك العديد من المبدعين من الشعراء والفنانين العظام من قبل, في عهد الإستعمار وبعده, فقد واجهوا العديد من الصعاب في أن يصل صوتهم إلي الشعب, كذلك فقد واجه المبدع المتفرد محمود عبدالعزيز الكثير من الضغوطات من قبل السلطات السودانية والتي كان لها الأثر الواضح في ان يلجأ الفنان إلي وسائل أخري علها تنسيه بعض من آلامه وأحزانه, مما كان له تبعياته وتأثيراته علي صحة وسلامة المبدع محمود عبدالعزيز, فبدلا من أن يفرش الوطن لهذا الإبداع الشامخ الزهور والورد نجد أن السلطات قضدت وكتمت ونهت شاب كان بمقدوره أن ينهض بالأغنيه الحديثه والفن السوداني إلي العالم أجمع والأجيال القادمه, فموهبة محمود فريده كان يمكن أن تنهض بالفن السوداني إلي أفاق أرحب, ولكن كيف لنا أن ننتظر حلم جميل من دولة قتل العلماء والمبدعين, فأسمحوا لي بتسميتها بدولة قتلة العلماء والمبدعين فليس هناك أنسب من ذلك.
خلال الفترة الماضيه قد عملت الدوله علي دعم وفرش البساط للمبدعين الفاشلين أمثال صباحي وأولاد الصادق, فرفور وغيرهم في محاوله فاشلة في أن يكونوا فنانوا المستقبل ولكن دون جدوي. فعندما يغني محمود تطرب الطيور في السماء ويفرح الصغار في أحضان أمهاتهم, ومع ذلك فنادرا أن نجد محمود في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعه والسبب طبعا معروف لكل الناس وهو كبت لزوق وحس لجمهور هذا الشاب, فأذكر فيما أذكر ان هناك ترتيبات تقوم بها الجهات المختصه لخلق بلبله يوم حفل لمحمود أو تقييب له وهناك أمثله غير محصورة لمثل هذه المكايدات وأذكر منها أنه كان في طريقه إلي المسرح في إحدي الولايات الشرقيه فتم توقيفه بتهمة أنه مخمورا. وغيره من الفنانين الفاشلين تمد لهم كؤوس الخمور بأيدي الساده النظاميين. فسلاح محمود كان جمهوره الذي بادله الود بالود, فأحب محمود جمهوره وكذلك جمهوره أحبه ولقبه بالحوت كناية للذقن الدائريه التي يتميز بها والعديد من ملبوسات الموضه التي كانت بإسمه فشخصيته كانت فريده وجزابه.
ولكن يبقي هناك سؤال حائرا, إلي متي تتحكم سلطاتنا في كتم وخمد رغبة الشعب والمواطن؟ إلي متي يستمر الكتمان والظلم, فمحمود كان يغني دائما للأمل والفرح وللغد الجميل فعلي الرغم من معاناة السجون والإعتقالات المتواصلة إلاأنه كان يري الأمل والحلم في الغد دون الإلتفات إلي المؤامرات والمكايدات التي تقوم بها السلطات. فالهم الأول لهم أنه كيف يوقف هذا المبدع, كيف يفشل حفل خيري لمحمود, كيف وكيف؟ كيف لا يفعلون ذلك وهو الفنان الذي لاينصاع اليهم كغيره من الفنانين, كيف لا وجمهور محمود في حفل غير معلن يضاحي جمهور السيد الريس, بعد حمله دعائيه لإسبوع وإلزام للطلاب والموظفين المقلوب علي أمرهم أن يحضروه.
هكذا رحل الحلم الجميل كما رحل قبله أفزاز وعمالقة الشعب السوداني أمثال د. جون قرنق ود. خليل إبراهيم وغيرهم ذهبوا بعد ان وضعوا لبني الأمل والتقيير, فهذا الوطن لايمجد فيه إلا الكازبون والمنافقون وهواة الإنفصال.
قد إنتقل الفنان محمود في نفس اليوم الذي إنتقل فيه الفنان الراحل/ مصطفي سيد أحمد. 17-01-1996 و17-01-2013 ووجه الشبه مابين الفنانين ليس فقط في تاريخ الوفاة وإنما لكل منهما رساله فالصعاب والمعاناة التي عاشها كل منهما في المواجهه مع السياسات كانت كفيله بخلق هذا الإبداع الذي أحبه الشعب السوداني. بالإضافه إلي المرض الذي نتج عنه الوفاة متأثرين بجراح وألام الشعب الصابر باثين في نفسه الفرحه والأمل والتقييير.
ومالايعرفه الكثيرون عن محمود ايضا أنه ولد من صلب المعاناة, من أسرة فقيرة, وإستطاع أن يشق طريقه بنفسه رغم كل الصعاب والعراقيل وقد سمي طريقه هذا بسكة الرباب, وكان إسم لاحد إلبوماته المتفرده وله أكثر عن خمسه وعشرون تسجيل كاست بها مالايقل عن مائتين أغنيه, وهو رقم لم يصله أحد الفنانين السودانيين من قبل, علي الرغم من قصر الفترة التي تغني بها. فعلي الرغم من أن الفنان محمود يعتبر فنان الشباب الأول إلا أنه ومنذ لمعان بريقه الاول في نهاية الثمنينيات إلا أنه لم يجد الفرص والسوانح الجيده للظهور علي الإعلام المرئي والمسموع كماذكرت نسبة للسياسات المتبعه في الدوله, ونتيجة لذلك يستمر مسلسل اكل الشعب السوداني للفاصوليا كما قال الاستاذ محمد وردي, رحمه الله, موضحا الزوق الذي يفرضه الإعلام علي الشعب البسيط الذي لايري في التلفزيون والإزاعه غير الفاشلين حتي تعود أن يسمع لهم.
هكذا رحل عن دنيانا مطرب في زهرة شبابه , حيث لم يتجاوز عمره الخامسه والاربعين. ذهب وترك لنا رسالة مفادها الأمل والتقيير والحب والسلام, ولسان حاله يقول لنا إذا لم تقيروا هذا الكابوس الحاكم هذا البلد, فمثل محمود مواهب كثيره هدمها وكبتها وقضي عليها هذا النظام. رحل وكأنه يقول لنا بأن للصبر حدود فصبر محمود حتي مات وإن صبرتم إلي مالانهايه ستموتون جميعا وتورثون أبناءكم الجبن والعار. محمود أحب الشعب والشعب أحبه ورحل وهو يقول لكم الوداع يانسايم الروح الوداع.
رحم الله الفقيد والزم آله وزويه الصبر وحسن العزاء, إنا لله وإنا إليه راجعون
[email protected]