من القلب
مشروع مارشال عربي لتعمير الجنوب
أسماء الحسيني
[email protected]
سعدت للغاية بدعوة السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار لضرورة دعم الجنوب تنميته وإعماره عبر مشروع مارشال عربي كبير وعبر إقامة توءمة مع شمال السودان ،والتأكيد علي المصالح المشتركة بين الشمال والجنوب من ناحية والجنوب ومحيطه العربي من ناحية أخري ،وكانت هذه القناعة قد تأكدت في نفسي منذ وقت مبكر ،لكن الأمور كانت تسير معاكسة لها ،وأذكر أنه أثناء مرافقتي السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة خلال إفتتاحه المؤتمر العربى للإستثمار والتنمية بجنوب السودان العام الماضي أن آمالي كانت كبيرة بهذا الشأن ،وتمنيت وقتها من اعماق قلبى أن يكون المؤتمر خطوة جيدة من أجل التوجه العربى نحو الجنوب ،هذا الجنوب الذى كان يخشى العرب إنفصاله وكانوا يبكون على ذلك ،ولكنهم فى الحقيقة لم يفعلوا الشىء الكثير من أجل الإبقاء عليه داخل هذا الكيان الذى يضمهم …ويبدوا أننا فصلناه فى قلوبنا وعقولنا قبل أن ينفصل حقيقة على أرض الواقع .
سعدت بالدعوة لحضور المؤتمر برفقة موسى ،ولكننى كنت أتمنى أن يكون هناك إعداد افضل للمؤتمر ،وكنت أتخيل أن مسئولين من الحكومة المركزية وآخرين من الجنوب ،ممن يحوزون القبول ويتميزون بالفاعلية ،يمكن أن يطوفوا بالدول العربية دولة دولة ،ومنظمة منظمة،للإعداد للمؤتمر ،ولحشد اكبر حضور ومساهمة ممكنين ،صحيح أن الأمانة العامة للجامعة بذلت جهدها فى توجيه الدعوات ،واستخدم موسى علاقاته الشخصية ،لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لى. وقد هبطت طائرتنا فى الخرطوم يومها مساء ،وبعد إستراحة قصيرة للغاية ذهبنا إلى إتحاد أصحاب العمل ،كنت أتوقع أن يفتتح المؤتمر لأهميته السيد على عثمان طه نائب الرئيس ،لكننى وجدت من يفتتحه وزير الإستثمار بورينق ونائب رئيس مجلس الأعمال الأستاذ على أبرسى ،وخلال الجلسة الإفتتاحية حدث بينهما أخذ ورد ،بشأن قضية الوحدة ،حيث قال السيد أبرسى أن الجنوب فى حال إنفصاله سيكون دولة حبيسة ،وأن الجنوب يجب أن يدرك أن الوحدة ضرورة ،فرد عليه السيد بورينق بأن هذا ليس وقت الحديث عن الوحدة،وبانه فى حال الإنفصال سيكون لدى الجنوب ميناء مومباسا الكينى ….ولم يكن هذا الجدل إلا صورة مصغرة لما ظل يتكرر على مدى السنوات الست الماضية من الفترة الإنتقالية ،وهو مابدا أمرا غير مبشر على الإطلاق بالنسبة للحضور من العالم العربى ،وبعضهم لم يأت للسودان من قبل ،كما لم يكن هناك حماس فى وسط رجال الأعمال السودانيين بإستثناء بعض سيدات الأعمال ….وكثير منهم جاء متأخرا كثيرا بعد بداية الجلسة ،وبعض من أعرف من رجال الاعمال المشهورين لم أعثر لهم على أثر ….ومن حضروا يبدو أنهم قد جاءوا لتحية عمرو موسى, وليس للمشاركة الفعلية فى المناشط التى يدعو لها المؤتمر .
وحاول السيد عمرو موسى بدبلوماسيته المعهودة إختتام الجلسة الإفتتاحية سريعا ،وإنتقل الحضور بعدها إلى حديقة المبنى للعشاء على أنغام فرقة موسيقية ،سرعان ما اندمج الحضور معها فى الرقص بمن فيهم المختلفون فى القاعة ،وحمل السيد عمرو موسى العصا يلوح بها للحضور ويرقص بها .
وبعد ساعات قليلة كان الوفد يهبط فى جوبا ،ومن يسافر مع السيد عمرو موسى لن يعرف طعما للنوم أو الراحة،فالرجل متعه الله بالصحة والعافية فى حالة نشاط دائم ،وفى جوبا افتتح السيد سلفاكير ميارديت المؤتمر ولكنه غادر سريعا ليلحق بدء حملته الإنتخابية ،وإن ظل نائبه الدكتور رياك مشار ومعه عدد من وزراء حكومة الجنوب حاضرين لكل جلسات المؤتمر حتى نهاية اليوم .
….عدت بعدها أنا إلى القاهرة وقلبى
يتمزق حزنا على حال السودان ،الذى يضيع على نفسه أكبر فرصة للتضامن معه ،إذ كان يمكن للسودان أن يجتذب مشروع مارشال عربى كبير لإعمار الجنوب ودارفور وجميع المناطق المتأثرة بالحرب ،فقط لو ركز على ذلك ،ولوكان هناك قدر أكبر من الوفاق الداخلى ….فالأطراف السودانية جميعا والظروف التى خلقوها والرسائل السلبية التى يصرون على إرسالها فى كل وقت وحين ،حجبت عن السودان منافع كبيرة ،والعالم العربى الذى يلام دوما فى قضية السودان أعتقد أن مواقفه كان يمكن أن تكون أفضل، وتحركه كان يمكن أن يكون أكثر جدوى لو انه إستمع إلى رسالة موحدة واضحة لا لبس فيها ولاغموض ولاتضارب أو شقاق ،فالناس غالبا ماينأون بأنفسهم عن المشكلات وكذلك الدول ….ثم تأجل بعدها مؤتمر المنامة الذي كان مقررا من أجل دعم وحدة الجنوب فى نوفمبر الماضي…..ومازال الأمر يحتاج إلي رؤية تغلب المصالح الإستراتيجية للشعب السوداني في الشمال والجنوب،حتى بعد أن يصبحا دولتين فى التاسع من يوليو المقبل.