بقلم : أحمد ويتشي
تابعت ردود الأفعال الصادرة من العديد من المتابعين للشأن العام في السودان . حيال طرد وزير خارجية نظام البشير المدعو إبراهيم غردون من منصبه . لقد علق الكثيرين علي هذه الخطوة ما بين شامتا لطرده باعتباره شريك أصيل في جرائم النظام و بين متعاطفا معه باعتباره شخص مؤهل وجدير لا يمكن طرده بتلك الطريقة المهينة بعدما كشف عن إفلاس المادي للنظام وفشله في توفير مرتبات بعثاتها الدبلوماسية في الخارج . في الحقيقة انا لست شامتا في طرد المدعو إبراهيم غردون والامر برمته لا يزيدني ولا ينقصني شيئا .لأن إبراهيم غردون لم يكن سوي أحد المجرمين من أعضاء العصابة المدمرة في البلاد . فهو ظل يتنقل من موقع كبير الي موقع آخر أكبر منفذا مخلصا لسياسات النظام الفاشية ضد السودانيين عموما وضد مواطني الهامش العريض خصوصا .فهو ساهم في تدمير نقابات عمال السودانيين بعد توليه لمنصب الأمين لنقابات عمال السودان لسنوات عديدة . بعد تصفية عناصره الوطنية المخلصة للعمل النقابي ومن ثم تولي منصب مساعد البشير لإصدار القرارات المصيرية بما في ذلك قرارات الحرب و من ثم تقديم تنازلات فظيعة بحق الوطن وشعبه من أجل رفع العقوبات المفروضة جزئيا ضد نظامه من قبل المجتمع الدولي و الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا . فهنا من يحتلفون برفع هذه العقوبات و يتضامون مع غردون لم يتسالوا لماذا من الأساس فرضت هذه العقوبات . ألم تكن هذه العقوبات فرضت نتيجة لجرائم الدينية و العرقية العنصرية ضد جزء مواطني السودان الذين يعتبرهم النظام عبيد يجب القضاء عليهم .
ففي الأنظمة العنصرية أو حتي الأنظمة الديموقراطية يعتبر وزير الخارجية أحد أهم الشخصيات التي تلعب أدوار جوهرية في بلورة الرأي العام تجاه نظامه و تجميل وجهه خارجيا و الدفاع عنه في المحافل الدولية. و بل يعتبر وزير الخارجية عضو في الهيئة القيادية المصغرة التي في الغالب يتألف من الرئيس و نائبه و وزير دفاعه و وزير داخليته ومدير جهاز أمنه و قائد أي من المليشيات التي يشكلها النظام لحماية نفسه . و هذا ما انطبق علي المدعو إبراهيم غردون وزير الخارجية الذي ظهر اسمه في تسريبات البروفسور إريك ريفز أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد في أمريكا وهو باحث قدير متخصص في قضايا أفريقيا و انظمة الحكم فيها ولقد كشفت هذه الوثائق المسربة في العام 2016م عقلية المنظومة الحاكمة وطرائق تفكيرها تجاه قضايا الوطن عموما و الهامش و مناطق الحرب خصوصا . بحضور ابراهيم غردون الذي صرح متفقا مع كل المخرجات و القرارات التي صدرت في هذا الاجتماع وهي قرارات لقهر و قتل السودانيين . فبالتالي إبراهيم غردون هو مجرم حرب مثله ومثل رئيسه الهارب من العدالة الدولية . الأمر الأهم في الموضوع هو أن منصب وزير الخارجية في مثل هذه الأنظمة كنظام البشير العنصري الفاشي من المستحيل أن يمنح لشخص عادي مثل المستاقطين من قوي المقاومة ولا من أحزاب المولاه و التملق الرخيص . بل يتم تنصيب الموالون المخلصون للنظام وهم بالضرورة متشربين بالعنصرية الدينية و العرقية .
ففي العام 1945م بعد سقوط نظام ادولف هتلر في ألمانيا النازية بعد هزيمة النكرة التي تلقاه من قبل قوات الحلفاء و سقوط الرايخ الثالث . تم القبض علي أغلب رموز الرايخ الثالث و معهم المدعو جواكين فون روبنتروب وزير الخارجية في الرايخ وتم تقديمه الي المحاكمة في محاكمات نورنبيرغ الشهير وأعدم في نهاية الجلسات بعد أن وجد بأنه جزء من المنظومة الإجرامية لهتلر الذي ارتكب تلك الفظائع التاريخية بحق الإنسانية . رغم أن هنالك شخصيات كانت مقربة من هتلر و ظلت ملازمة له طوال مسيرته ولم يتم إعدامهم كالمهندس المعماري البرت شبير الذي بني الصروح الضخمة لقائده هتلر النصاب بجنون العظمة . مع العلم المدعو جواكين روبنتروب لم يحمل السلاح في حياته و ظل أحد أساطين الدبلوماسية الأوروبية في تلك الحقبة . وهو مهندس متمكن جدا ودرس في ارقي جامعات ألمانيا في معهد ميونيخ للتكنولوجيا الشهير . لقد أعدم هذا المجرم لدوره الخفي في جرائم هتلر و رايخه البائد. ولم يبكي أحد عن مؤهلات وزير خارجيته بتاتا . و للعلم هنالك شخصيات لم يعدموا رغم أنها كانوا من قادة الفرق السرية لهتلر. في حالة هنريش هملر قائد القوات الخاصة الSS. فريديريك باولوس مهندس عملية برباروسا لغزو الاتحاد السوفيتي. و كذلك غودريان قائد فرقة الدبابات
فبالتالي مسألة التضامن مع غردون مسألة عاطفية فاشلة تماما .غردون هو مجرم حرب و أقل ما يمكن تقديمه إليه هو تقديمه لمحاكمة عادلة ينال جزائه. هل فهم الناس الدرس من عبق التاريخ