ما بين خطاب الفريق اول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش في المرخيات والمؤتمر الصحفي للصوارمي خالد سعد الصوارمي الناطق الرسمي السابق باسم الجيش.. خيط رفيع باتت تتضح معالمه بين العناوين العريضة وما تحت السطور.. فما هي إلا سوي سويعات الا وقد استبان الخيط الابيض من الأسود.. وبان ما كان يحذر منه قائد الجيش وسط جنوده.. وما افصح عنه الصوارمي في مركز الحاكم بالخرطوم في نفس نهار يوم خطاب البرهان عن تدشين ما يسمي بقوات كيان الوطن وسط العاصمة الخرطوم هو ليس البداية وكذلك ليس النهاية.. ارهاصات الجنين العنصري المتجدد كانت باينة في الافق.. فالتظاهرات الأخيرة من جماعات ما تسمي نفسها بالتيار الإسلامي العريض وما قبلها من هجوم منظم من رموز هذا التيار علي رئيس مجلس السيادة الانتقالي كانت بعض ملامح المشهد المتجدد القادم.. والذي كشر عن انيابه بالامس بتكوين كيان عسكري موازي للجيش وقياداته الحالية.. وفي النهاية ما هو الا انقلاب وتمرد علي السلطة الانتقالية بكلما تحمله العبارة من معني وكلمة.. وقد يخفي هذا الإعلان التمردي تحركات انقلابية تالية.. مثلما حدث في انقلاب عام ١٩٨٩. فما يحدث هو مجرد غطاء لما خطط له.. ويلاحظ المراقب هنا أن هذا الانقلاب أو التمرد الذي يقوده ضباط سابقون في الجيش يحاول الاستقواء والاتكال علي أرضية خلقت منذ زمن طويل عبر واجهات وتكوينات عنصرية ارتكزت علي نقد اتفاقية جوبا لسلام السودان وشيطنة قيادات الحركات الثورية المسلحة. (بكائيات) د. حياة عبد الملك كانت أولي المؤشرات علي ان هناك ما هو قادم وتلي ذلك خطابات أكثر تنظيماً ومنهجية متمثلة في مجموعات دولة النهر والبحر الشبابية والتي عبر عنها التكوين العسكري الجديد المسمي بكيان الوطن.. وفي الحقيقة ليس هناك من جديد في الأمر.. ما يحدث هو احدي الخطط البديلة لقيادات النظام البائد والتي كانت تعد علي نار هادئة ومنذ وقت طويل.. في رؤية بدر الدين حمدي وزير المالية الأسبق عن السودان البديل الذي يضم دنقلا وسنار وكردفان..
وفيما كانت قوي الثورة والتغيير غارقة في تشاكساتها وصراعاتها العبثية المدمرة للكل وللوطن. كانت قوي الظلام تعد العدة للعودة مجدداً الي الساحة عبر تنفيذ مثلث حمدي علي الارض.. وها هي الآن تعتقد أن هذا الوقت هو الأنسب للإطاحة بالكل. واذا أعتقد اياً كان أن الاستهداف مقصود به اتفاق جوبا للسلام فهو واهم.. والاكاذيب التي قالها الصوارمي هي ليست بالجديدة عليه فما اتفاق جوبا الا قميص عثمان وذر للرماد في العيون لما هو آتٍ.. والقادم خطير سيستهدف ليس اتفاق جوبا فحسب بل الجيش السوداني نفسه حامي الفترة الانتقالية وقوي الثورة والتغيير بكل معسكراتها.. لن يفرق الأمر حينها فالكل سيان لا فرق بين برهان وحميدتي وجبريل ومناوي والهادي ادريس وعقار وعرمان وبرمة ناصر والدقير.. وحينها لن يفيد الندم..
بغض النظر الي مواقف التنظيمات الثورية من بعضها البعض ومن البرهان فان الأمور اتضحت الان.. بين جيش وطني كرر قائده التزامه الغليظ للمرة الثانية أمام جنوده بالدفاع عن الفترة الانتقالية والعبور بها الي ديمقراطية كاملة الدسم لا تستثني الا المؤتمر الوطني (حزب المعزول).. هذا من جهة.. ومن الجهة الاخري يبرز تمرد جديد علي السلطة الانتقالية تحت مزاعم الغاء اتفاق جوبا وطرد الحركات ومنسوبيها ومن والاهم الي خارج العاصمة القومية الخرطوم.
وفي هذا كله لا زال اركان النظام القديم هم نفسهم لا يتغيرون .. ابتدءاً وليس بداية من تحذيرات د. حسن مكي عن الحزام الاسود حول الخرطوم مرورأ بدعوات الطيب مصطفي العنصرية وتنظيرات بدر الدين حمدي وإنتهاءً وليس نهاية بمنسفتو حركة الصوارمي بالأمس..
وما بين هذا وذاك لا وسط ولا حياد.. اذ والحالة هذه علي قوي الثورة وطلاب الديمقراطية الحقة تنحية الخلافات البينية جانباً والانحياز الي موقف الجيش الحالي وقيادته. الأمر في نظري يحتاج وكما كتبنا سابقاً الي وحدة القوي الثورية والسياسية علي صعيد واحد لإستكمال المرحلة الانتقالية الحالية.. حان الوقت لإيقاف هذا الصراع العبثي بين هذه القوي ذات المعسكر الواحد والاتجاه لتكوين حكومة كفاءات تتفق عليها للمضي بالدولة السودانية الي الامام. فلا مجال للسماح للتاريخ بأن يعيد نفسه!!
*القيادي بحركة العدل والمساواة السودانية