مسخرة إسمها ترقية أبناء النوبة إلى رُتب عسكرية متقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
مسخرة إسمها ترقية أبناء النوبة إلى رُتب عسكرية متقدمة !
عبدالغني بريش فيوف/الولايات المتحدة الأمريكية
قامت قيادة الجيش السوداني بإستدعاء عدد 250 جندياً  من أبناء جبال النوبة الذين يعملون في صفوفها في الأسبوع الأخير من شهر يناير 2011 ، وتم ترقيتهم إلى رتبة ملازم وملازم أول دون توضيح أسباب هذه الترقية المفاجئة ؛؛ مع العلم أن جميع هؤلاء الجنود خدموا في الجيش السوداني بإخلاص وبإنضباط شديدين لأكثر من ثلاثة عقود 0
الشيئ القليل الذي نعرفه عن الخدمة في الجيش ( أي جيش ) ، هو أن الترقية فيه تتم وفق قواعد وضوابط وأصول معينة –  منها مثلا ( الأقدمية – الخبرة – الشهادة العلمية 00 الخ ) 00 غير أن الحالة التي نحن بصددها والترقية المتأخرة جداً لهؤلاء الجنود تطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة 0 ومنها مثلا لماذا جاءت الترقية في هذا الوقت بالذات ؟ وما هو السبب الحقيقي وراء هذه الترقية التي أثارت استغراب ودهشة حتى من تم استدعاءهم ؟ سيما أن جميع ممن تم ترقيتهم عمل في الجيش السوداني لفترات طويلة تتراوح من 30 إلى 40 سنة دون أن تراجع الإدرات العسكرية التي ينتمون إليها أحوالهم الخدمية 0
الذين تم استدعاءهم هم جنود عاديون – عريف – وكلاء عريف – رقيب  – رقيب أول ، وجميعهم على أبواب ( المعاش أوالتقاعد القانوني ) 0 لكن على أي حال تم ترقيتهم إلى رُتبة ملازم وملازم أول ، وتبدو هذه الترقية ضمن خطة ممنهجة خبيثة قذرة اعدتها حكومة الإنقاذ بعناية تامة لإحداث فتنة نوبية نوبية ، لأنها جاءت بعد استفتاء جنوب السودان على تقرير مصيره مباشرةً ، وبعد احالة الجيش السوداني عددا كبيرا من أبناء النوبة برتب عسكرية كبيرة إلى المعاش التعسفي ( الصالح العام ) 0
إن هذه الترقية ، وفي هذا الوقت بالذات أريد منها إشاعة أجواء الاستقرار في جبال النوبة كما تبدو للوهلة الأولى 0 لكن الحقيقة هي أن النظام القائم في الخرطوم أراد بهذا القرار تطبيق سياسة ” فرق تسُد ” 00 لأنه من جهة يقوم بتسريح أبناء النوبة المتعلمين الذين يحملون رُتب عسكرية كبيرة  من ( نقيب –  فريق ) من صفوف الجيش السوداني ، ومن جهة أخرى يقوم بترقية ” كِبار السن ” من أبناء النوبة إلى رُتب وهمية ! 0 أليس في الأمر استغراب ؟ يعني – لماذا يمنح الجيش ترقية لأشخاص في السبعينيات من عمرهم ، ويعفي أشخاصاً في الثلاثين من العمر من الخدمة العسكرية  ؟ 0
 الحقيقة – هي أن في الشهور الأخيرة من عمر استفتاء جنوب السودان كان قد سادت أجواء ملبدة داخل االنظام الحاكم في السودان على خلفية الوثيقة التي حملت اسم علي عثمان محمد طه يحث فيها الجيش السوداني ووالي ولاية جبال النوبة السيد أحمد هارون على مراقبة سلوك أبناء النوبة في كافة المرافق العامة والخاصة في السودان لإحتواءهم والقضاء عليهم أول بأول حتى لا تخرج ولاية جبال النوبة من سيطرة ” المركز ” كما خرج جنوب السودان 0
وكانت المذكرة المسربة التي حملت اسم علي طه قد تضمنت الأتية :

بسم الله الرحمن الرحيم –
( سري للغاية)
لعناية الأخ والي ولاية جنوب كردفان –

توجيهات الأخ نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في الزيارة الأولى بالولاية
للأخ والي جنوب كردفان 0

* التقييم السياسي الأمني والخطط الإستراتيجية للأحزاب للمرحلة القادمة

* الخطة الإستراتيجية رقم (11) رباعية الأهداف تجاه الجنوبيين الجدد *

 1/ يجب تجنيد الجنوبيين الجدد في القوات النظامية والغير نظامية حتى يتم التمكن من السيطرة عليهم بالأوامر العسكرية 0
2/ عرقلة المثقفين والمعاشيين في العودة للمنطقة حتى لا يشاركوا في الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي بالمنطقة ويجب استيعابهم وتنظيمهم في إضعاف الجنوب الجديد 0
3/ يجب تفعيل ودعم المؤسسات الدينية (الدعوة والإرشاد، الزكاة، ..الخ) واستيعاب أكبر عدد من أبناء الجنوبيين الجدد في المشاريع أعلاه على وجه الخصوص في المناطق المختارة حتى يتم التمكن من السيطرة على عقولهم 0
4/ الزج بهم في الصراعات الداخلية والخارجية حتى يتم التمكن من اقتلاعهم من جذورهم0
 إذن يمكن اعتبار هذه الترقية العسكرية تطبيقاً لما جاءت في الوثيقة المسربة ، التي تحث على قتل القضية النوبية قبل فوات الآوان عن طريق تشريد القيادات النوبية المتعلمة والواعية ، ومنعهم من العودة إلى مناطقهم حتى لا يشاركوا في الحِراك الاجتماعي والثقافي فيها ، وترقية العواجيز منهم إلى رتب عسكرية وهمية بغرض زرع الفتن واشعال الصراعات الداخلية بين المتعلمين وغير المتعلمين حتى يسُهل القضاء عليها جميعا 0
نعم – الحكومة السودانية أرادت بهذه الترقيات العشوائية الجزافية إحداث نوع من الفتن بين أبناء النوبة بقصد تصفية قضيتهم بأكملها 00 والمصيبة هي أن قطاع كبير من أبناء النوبة لا يعلمون أن ما تقوم به حكومة الخرطوم هو فتنة بغيضة 00 ولذا وجدنا بعضهم يشيد بهذه الترقيات ، وبعضهم رقص فرحاً بها 0 لكن أحرار النوبة في كل مكان لا تنطلي عليهم مثل هذه الترقيات التي يراد بها تفتيت وتشتيت صوت النوبة إلى مجموعة أصوات ضعيفة 0
إنها سياسة فرق تسُد في صورتها الخبيثة تجاه النوبة ، لكي يتمكن المركز من فرض سياسة الجلبنة والبدونة والعربنة 00 ولا مانع لدى حكومة الخرطوم من توزيع الهبات على البعض من أجل انجاح هذه الخطة العنصرية البغيضة 0 فهناك ما يشبه القناعة لدى ” أهل الإنقاذ ” بأن الأمور لن تسير على ما يرام عندما يتعلق الموضوع بأبناء النوبة ، إلآ بشراء مواقفهم وذممهم وتوزيع الهبات والترضيات السياسية الرخيصة على ضعفاء النفوس منهم ، والدفع من تحت الطاولة حتى بات يدفع من لا يملك لمن لا يستحق ، فقط لكي يتم تنفيذ خطة القضاء على ( الجنوبيين الجدد ) كما سماهم علي عثمان طه 0
الحكومة السودانية تدرك تماماً بأن العبث بالقضية النوبية لا يمكن لها أن تمر إلآ بهذه الترضيات والترقيات الوهمية ، لأن أبناء النوبة اليوم ليسوا بأبناء النوبة بالأمس 0 الكل اليوم أو قُل أغلبية النوبة اليوم يعرفون حقوقهم ، ويعرفون كيف تؤخذ هذه الحقوق من اللصوص والنهابين 00 وإذا كانت الحكومة محقة في دعاويها ضد الشعب النوبي ، كان عليها  أن تأتي وتدخل الجبال نهاراً جهاراً بعيداً عن توزيع الهبات أو الترضيات السياسية الشخصية ، والدفع بضعاف النفوس من النوبة لتأييد خطتها الخبيثة تحت غطاء الحفاظ على ما تبقى من السودان ، وبإسم الأمن والاستقرار 0
نعم – الحكومة تمارس سياسة فرق تسد بهذه الترقيات لتفكيك النوبة إلى مجموعات صغيرة ، لتصبح أقل قوة غير متحدة مع بعضها البعض ، مما يسهل لها نشر روح الانتقام والكراهية بين مجتمعه ، وإشعال حروب داخلية بينهم 0
والحال أن سياسة فرّق تسد قد غدت كلمة السر في التعاطي الجلابي مع الشأن السوداني الداخلي ، وتبدو الساحة النوبية أكثر استجابة لهذه السياسة بفضل أبناء النوبة الذين جعلتهم الحكومة كالأيتام على موائد اللئام ، يتسوّلون حصة بائسة في حكومة عنصرية تعادي الشعب النوبي وتطلعاته المستقبلية المشروعة 00 إذ تستهدف الحكومة هؤلاء النوبة بلعبة الاستدراج والبيع والشراء ، الأمر الذي ساهم في المزيد من إرباك الساحة السياسية النوبية 00 ولعل الخطر الأكبر الذي يتهدد الساحة النوبية برمتها هذه الأيام هو أن سياسة فرّق تسد خفّفت العبء عن الحكومة المركزية ، ليتحول الصراع إلى نوبي نوبي نيابةً عن ” المركز ” ، الشيئ الذي يفتح الباب على مصراعيه من جديد على فرصة نجاح مشروع الاسلمة والتعريب 00 ومن هنا لا بد أن نعيد القول ، إنه من دون توعية الناس بالمخططات المدمرة للمركز تجاه النوبة ، فإن الخسارة ستكون كبيرة 0
لا بد أن يتوقف التخبط السياسي في الساحة السياسية النوبية ، ولا بد أن يتوقف التسابق النوبي على حضن الجلابة 00 وتبدو الحركة الشعبية شاهدة على الجميع ببوصلتها السياسية الواضحة ، ومعها ، وإلى جانبها عدد من قوى التحرر النوبية التي تصر هي الأخرى على مواصلة النضال والكفاح حتى النصر 00 وإلى هناك 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *