مرثية على أطلال دارفور
في الثمانينيات القرن الماضي , كان مسئول رفيع في وكالة الاستخبارات الأمريكية ( CIA ) في مهمة إلى الإتحاد السوفيتي السابقة تحت عباءة الدبلوماسية تبعاً..! , ففي إحدى حفلات الدبلوماسية بالسفارة الأمريكية بموسكو , انفرد المسئول الأمريكي بأحد المسئولين السوفيت إلى ركن قصي من الصالة الحفلة , وهناك دار بينهما حديث سري خاطف ..!,دون ان يلتقطه ضابط مخابرات السوفيتية (KGB ) , ولكن الضابط تعقب المسئول السوفياتي حتى النهاية المنظومة دون جدوى . صدفة وحدها جمعت المسئولين السابقين في دولة جورجيا الوليدة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي , من باب الفضول سأل الضابط السابق, المسئول : عن ما دار بينهما يومذاك مع الجاسوس الأمريكي..!؟ : رد المسئول قائلاً : كان الطلب غريباً , : طلب مني الأتي :”إذا سنحت لي فرصة اختيار مسئول سوفيتي في أي مهمة تنفيذية, يجب ان اختار أسوأهم ..! هذا مقابل كل ما أريده من متاع الدنيا …!0″
يا ترى هل هذا هو المنطق الذي يعامل به نظام المؤتمر الوطني أبناء دارفور بعد الثورة في الإقليم المهمش حتى لا يتسنى لأبناء دارفور أنجاز أي مهمة أو مشروع ينسب لهم في الإقليم تفادياً لمنافسة القلة الحاكمة في المؤتمر الوطني في السودان ..؟ أم يريد النظام ان تكون دارفور في أسوأ وضع ممكن انتقاماً للأذى النفسي الجسيم الذي سببته المحكمة الدولية لرئيس النظام بسبب قضية دارفور..!؟ .
قبل أربع سنوات كانت قضية دارفور شغل شاغل المجتمع الدولي ,وتتصدر عناوين أخبار الصحف والقنوات الفضائية العالمية , وكان نظام المؤتمر الوطني يتوسل إلى دول الجوار الأفريقية والعربية لكي تتوسط وتحث حركات دارفور إلى مفاوضات لتسوية القضية , أما اليوم , تحولت القضية برمتها إلى أرشيف الماضي وفي طريقها إلى سرداب المؤتمر الوطني لا شك في ذلك ,. مع ذلك تعتكف حركات دارفور في الفنادق شهور وسنين من اجل مفاوضات مسدود الأفق..! شيء مؤسف حقاً , وهذا غازي صلاح الدين يعلن للملأ انه لا يتفاوض مع طلاب السلطة , وان الحركات لا تمثل أهل دارفور وهم مجرد مجموعات تبحث عن السلطة..! .
جيل من أبناء دارفور فجروا الثورة في الإقليم وصنعوا القضية , وفي وقت وجيز وصلت القضية إلى أورقة الأمم المتحدة ودهاليز المجتمع الدولي , لأنها كانت وما زالت ثورة حقيقية وقضية عادلة بكل المقاييس ,. ولكن عناصر من هذه زمرة آثرت المصالح الشخصية على قضية شعب دارفور..! , وفريق آخر من ضعاف النفوس ومن ألفوا نيل الدنيا على الدناءة والخسة خطفوا القضية وصادوا في الماء العكر, وتهافتت الجماعات تلو الجماعات إلى المفاوضات والمساومات هنا وهناك , والكل يراهن على تقسيم عادل السلطة والثروة ..تناسوا جوهر القضية وعدالتها ..هناك ملايين من شعب دارفور في انتظار العدالة والعودة الطوعية إلى ديارهم مع التعويض مادي مجزي مقابل ممتلكاتهم المنهوبة .., ورد الاعتبار معنوياً ..والخ, .
إستراتيجية حكومة المؤتمر الوطني اتجاه دارفور بعد انفصال الجنوب, هي إستراتيجية “العودة إلى سنار..!,” والتي يعتقد مروجوها , أن دارفور خرجت من طاعة المركز المهيمن على السلطة والثروة ,وكذا شرق السودان , فلذا لابدا من إستراتيجية جديدة للدولة السودانية المرتقبة , والتي جغرافيتها محور سنار ومرجعيتها سلطنة الزرقاء ( الفونج ) التي شاركت العبدلاب في تأسيسها في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي ..!, ذلك تفادياً لحكم “الزرقة ” أو” الجهادية “مستقبلاً ,شرقاً أو غرباً وفي هذا السياق صرح الرئيس البشير مرة محذرا للعربان بأنه آخر رئيس عربي يحكم السودان ..!وبعضهم ذهب ابعد من ذلك ..إنهم- أي مروجو محور سنار- يفضلون حكم الأجنبي على حكم الغرابة ..! سياسية المؤتمر الوطني تلقاء دارفور واضحة جداً لا يختلف الاثنان في تحديد ملامحها , وهي تتسم بكراهية شعب دارفور واحتقاره , وابلغ دليل على ذلك النعوت العنصرية والتهميش والوعود الكاذبة والمكر والخداع ولعبة “فرق تسد ” التي يمارسها النظام على المكشوف . رغم ذلك يفضل المؤتمر الوطني أن تأتي مبادرة حق تقرير المصير من أغلبية شعب دارفور , ولا يتأتى ذلك إلا بعد أن ييأس شعب دارفور ويفقد الأمل من نيل حقوقه المشروعة , عند ذلك يقول لشعب دارفور: إذا أردتم ذلك الحقوا بنسلكم في بحيرة تشاد ..! كما صرح أحدهم من قبل..!
فريق من أبناء دارفور بدأ ينادي بحق تقرير المصير لشعب دارفور , في الحقيقة هكذا بدأت قصة انفصال جنوب السودان في مطلع التسعينيات …!, وأصبحت حقيقة ماثلة أمامنا اليوم , .أما جيل الثورة والسواد الأعظم من شعب دارفور لهم رأي آخر ..!, لا انفصال ولا انقسام بعد الجنوب..! , فليكن الجنوب آخر إقليم ينفصل عن السودان ,من الآن فصاعداً تصفية الحسابات داخلياً , الثورة المهدية التي ألهمت هذا الشعب , وأعطت معناً لكيانه لكي يعيش وينتصر ..وذاتاً ليضاهي به الأمم ..وقودها إبطال من الغرب والشرق والوسط , من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنىً أن يعيش وينتصر ,..من غيرنا يقهر طواغيت العنصرية ويركلها إلى مزبلة التاريخ .
حامد جربو /السعودية
[email protected]