مذكرات الإسلاميين محاولة لإنقاذ مشروع الإنقاذ

مذكرات الإسلاميين محاولة لإنقاذ مشروع الإنقاذ
لايهمنا مصدر المذكرات وإنما مغزاها وتعبيرها عن عمق أزمة النظام


المذكرات تظل أسيرة الرؤية الآيديولوجية الصماء، وترفض حقيقة أن جرثومة فشل المشروع الإنقاذي إنما تكمن في جوهره نفسه، لا في ظروف تطبيقه
ازدحمت الساحة السياسية مؤخراً بوابل من المذكرات المرفوعة من بعض قيادات وأعضاء من يسمون أنفسهم بالحركة الإسلامية إلى قادة نظامهم الإنقاذي. ما أطلق عليها “مذكرة الألف أخ” نحت للتباكي على مشروع رسالي فشل النظام في تطبيقه، وهي بالتالي إنما تسعى للعود على بدء وإعادة الكرٌة. إنها، وبعد ما يقارب ربع قرن من الفشل، تحاول ضخ الدماء فى جسد ميت فسدت شرايينه. ونشرت مذكرات أخرى تنعى “تحول المشروع الاسلامى برمته تحت الحصار والحرب من مشروع ثقافي فكرى مفتوح يتدرج نحو مسار التفويض الشعبي الى مشروع عسكري
/أمنى منغلق على نفسه يضيق بالديمقراطية في داخله ويُضيق بمسالكها فى الخارج”، وهذه تحاول أن تكون أوسع صدراً وأكثر انفتاحاً، ولكنها، في نهاية الأمر، تظل أسيرة الرؤية الآيديولوجية الصماء، وترفض حقيقة أن جرثومة فشل المشروع الإنقاذي إنما تكمن في جوهره نفسه، لا في ظروف تطبيقه. نحن في حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) لن ننشغل، على مستوى البيان العام، بتناول التفاصيل الدقيقة لمحتوى تلك المذكرات، وماذا تناولت كل منها، وممن صدرت ..إلخ، وهو ما يحاول النظام شغل الناس به. إن ما يهمنا هو مغزى تلك المذكرات، ونتائجها وآثارها على العمل السياسي، وما تطرحه من تحديات ومن مهام وواجبات أمامنا في جبهة المعارضة.
يرى البعض في تلك المذكرات لعبة من النظام لإلهاء الناس عن المآزق الصعبة التي غرق فيها، وقد يكون في هذا القول جانب من الحقيقة. ولكننا في (حق) لسنا من المغرمين بنظرية المؤامرة، ولا نظن، كما يظن أهل النظام في أنفسهم، أنهم أعلى من القوانين الطبيعية للأشياء أو أنهم فوق الصراعات والخلافات. لذلك فإن صدور تلك المذكرات، حتى وإن لم تك أيدي النظام بعيدة عنها، وتعددها، وتناقضاتها الداخلية، كل على حدة، أو تناقضها مع بعضها البعض، تعني بالنسبة لنا احتدام أزمة النظام، واتساع الفتق على الراتق، وتخبط مساعى المخارجة.
لقد تضاءلت الكيكة كثيراً، بعد أن استنفد متنفذو النظام معظم موارد البلد نهباً، خاصة بعد انفصال الجنوب وفقدان النظام أكثر من 75% من البترول وأكثر من ذلك من مصادر النقد الأجنبي، كما تضاعفت الأعباء باشتعال الحروب في النيل الأزرق وجبال النوبة واستمرارها متصاعدة في دارفور. لقد فشل مشروع النظام على كل الصعد، فدعوى طهارة الحكم أنجبت أكثر الأنظمة فساداً سياسياً ومالياً وإفلاساً أخلاقياً في تاريخ السودان، متوهطاً في قاع ترتيب الدول في الشفافية. أما وعود الأسلمة وهزيمة الكفار، فقد تحطمت على صخرة انفصال الجنوب. ولم تتمخض أحلام النهضة الاقتصادية الكبرى إلا عن فقر وإملاق مطلق وانهيار شامل للخدمات والبنى الأساسية. إجمالاً، إنه نظام مطوق بالأزمات من كل حدب وصوب. وفي وضع كهذا ليس غريباً أن يبحث البعض عن مهرب من السفينة الغارقة، أو أن يحاول آخرون إنقاذ السفينة بالتخفيف من حمولتها وإلقاء بعضها في اليم.
ما ذكرناه عن ازمات النظام ليس بجديد، إنما الجديد هذه المرة هو إدراك النظام أنه لم يعد لديه من الأكاذيب ما يمكن أن يخدع به أحدا. المكابرة والغطرسة، من شاكلة أن الربيع العربي قد مر هنا قبل 23 سنة، لم تعد تقنع حتى أكثر مشايعيه غلواً. الجديد هذه المرة، أن النظام قد أدرك أن الأمور لا يمكن أن تستمر كما كانت عليه، وأن وقع خطوات التغيير آخذ في العلو والاضطراد. لقد ضاقت حلقة السلطة ولم تعد تتسع حتى لأقرب المقربين، وهاهي صدامات نيالا تثبت هذا. وفي جنوب البلاد وغربها يترسخ أكبر وأوسع تحالف للحركات المسلحة في تاريخ الحروب السودانية، وتتسع رقعته،  وتتوالى انتصاراته يومياً. وفي الشمال والوسط هناك اعتصام المناصير في منطقتهم ثم في الخرطوم، وهناك تضامن الحركة الطلابية معهم، والذي يعلن لأول مرة أن المواطنين لن يخوضوا بعد اليوم معاركهم ضد النظام جزراً معزولة، وهناك التحطيم المتواتر لحواجز الخوف والرهبة متمثلاً في التحدي الصريح لأساطين العنف والإرهاب والتعذيب في النظام من قبل شباب عزل، وحركات شبابية نابضة، وحركة طلابية جسورة، مما قاد لإغلاق الجامعات خوفاً من اتساع التحركات. لقد حاول النظام أن يوسع قاعدته، وانتظر اشهرا طوال مقدما الإغراءات ذات اليمين وذات اليسار، فلم يستجب له، إلا القلة ممن تعودوا على الفتات، وعلى استحياء.

اللجنة التنفيذية
حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *