مجزرة الضعين للحاضرين واللاحقين منا حتي لا ننساها!!( حلقة أولي يوم 26/3/2012)
بقلم:شول طون ملوال بورجوك
أضواء علي الاجواءِ العسكرية والسياسية قبلَ وقوعِ المجزرةِ
في مثلِ هذا اليومِ السابعِ والعشرين من شهرِ مارس 1987 أي قبلِ عقدين ونصفِ بدأتْ المذبحةُ والمجزرةُ ألتي عرفَها التاريخ فيما بعد بمذبحة الضعين أكبر مركز حضري والرئيس لبطون قبائل الرزيقات بجنوب دارفور… سألت هناك دماءُ أحبابِنا ،فاضتْ أرواحُ اعزائِنا ، إخوةٌ لنا واخواتُنا ،امهاتُنا ،ابناؤنا معظمهم من أهلي دينكا ملوال جيرنيانق ألذين نزحوا إلي الضعين وما حولها هربا من حريق مراحيل الزمان كما كانوا يسمون وجنجويد اليوم كما يعرفون الان في دارفور ..قتلوهم بالنار حرقا وبالسيوف ضربا وبالسكاكين طعنا، بالسلاح رصاصا .كل هذا نفذه أناس من قبيلة الرزيقات وأخرون من قبائل دارفور الأخري والمؤامرة اصلا تم طبخها هناك في الخرطوم من قبل حكومتي سوار الذهب و امام الانصار الصادق المهدي رئيس وزراء حكومة السودان حينذاك .. علي مرأي ممثلي حكومته ارتكبوا الجريمة ولا أحد فتح الله فاه ليحدثنا بصدق لماذا وكيف حدث ولولا انسانية العالمين السودانيين الأستاذين الأخوين : سليمان أحمد بلدو وعشاري أحمد محمود الذين تخليا ، بإباء مشهود ومقدر ، عن التعصب الإثني والديني والجغرافي في اطاره الضيق الذي هو، للأسف ، السمة الأكثر شيوعا لدي أغلب المثقفين الشماليين وأهل السياسة والرأي وهي ذات الخصلة التي تلجم ألسنة الكثيرين منهم فيحجمون عن قول الحق خاصة عندما يتعلق الامر بالجنوب والجنوبيين طيلة حقبة الصراع السياسي والعسكري الذي مر بها الجنوب والشمال. تخلي الرجلان عن هذا وخاطرا بحياتهما وكتبا كتابا وثائقيا قيما بعنوان “مذبحة الضعين والرق في السودان” رغم ما كانا يعرفانه مسبقا أن السواد الأعظم من بني جنسهما ودينهما لن يرضوا أن تكشف الحقائق المتصلة بمحرقة الضعين بهكذا الشكل،حقا ما قام به الاستاذان من كشف وعرض جزء مقدر من حجم جريمتهم ووحشيتهم لأشعة الشمس الصيفية او قل للرأي العام المحلي والعالمي لهم جد كان امرا خطيرا لكونه تجربة غير مألوفة . فالمعروف لديهم وكما أكدت تجاربنا معهم هو أنهم ،أي حكام الخرطوم، لا يترددون دوما في ممارسة اي وحشية وابشع صنوف عنف ضدنا طالما هناك ستارٌ جاهزٌ مفصلٌ كافيٌ لتغطية مساحة ذلك الانتهاك (وليم دينق نيال قتله انانيا !! ). وليعلم قراؤنا أنه فعلا و بسبب هذا الكتاب غضب عليهما قومهما سخطا عظيما فكان مصيرهما معاودة غياهب السجون والمعتقلات مرات عديدة بإعتبارهما خائنين لدين الله والوطن والشعب السوداني اجمع !! فالجبان عندهم من قال الحقيقة والشجاع وسطهم من لي عنقها وخنقها.. و بهذا جلب الرجلان لأنفسهما بكامل وعيهما الكثير من المتاعب والمضايقات حتي اضطرا في أخر اليوم الي مغادرة السودان مرغمين مجبرين فقط كي تبقي الحقيقة وراءهم لقادم الأجيال ولو رفض الصادق اَنيا بسط العدل والانصاف بين من كان يسميهم جميعا رعيته .فالتحية لكما عشاري وبلدو، عزيزاي لو تتصفحان وتقراَن لنا ما نكتب ،فإنا من أعماقنا نبلغكما شكرنا اللامحدود ونيابة عن شعب جمهورية جنوب السودان ، رغم اننا رسميا من قبلهم لم نفوض فإنا لا أري من منهم عن قول الحق يحيد او يلوي لسانه ويعوجه ، و نرسل لكما تحية الاحترام والتقدير ،من هنا ، من علي البعد ،فلولا اَدميتكما وإعمالكما ضميريكما الانسانيين لمسحت اصابع الجناة معالم المذبحة في مسرح الجريمة و من سطور التاريخ ايضا ليبقي مصيرها كمصائر بقية مجازرهم ضدنا التي بالكاد تقرأ تفاصيلها ومواقيتها .. نقول مقدما لمثقفي امتنا، إنه للأسف في عهود احفادنا ربما سيطوي النسيان واللامبالاة صفحاتها إن لم نشرع بتوثيقها اليوم. فيا قومي هل من متطوعين يوثقون لنا مذابح (واو ،جوبا ،بابونوسا ) في عهد المدعو محمد المحجوب 1965، أبي الديمقراطية في الميزان ،عن أي ديمقراطية تكلم الرجل وأي ميزان ؟و مجزرة رابعة في الجبلين ضد أهلي الشلك 28/12/ عام 1989 من علي أيدي قبيلة الصبحة العربية تحت رعاية البشير وعن حمامات الدم الاخيرة في جوبا عام 1992 تحت رعاية البشير ايضا والتفيذ المباشر من قبل مساعديه أبي جهلهم الصغير والشرير المقبور ابراهيم شمس الدين و الفريق اَدم حامد قائد الفرقة الاولي الجنوبية حينه ورئيس مجلس الولايات بجمهورية السودان حاليا….الخ
الحديث عن محرقة الضعين بعد وقوعها في مارس عام 1987 وكما ورد علي لسان قلة ممن كانوا يمثلون حكومة السودان حينذاك من القاعدة الي قمة الهرم الحكومي حديث ينم عن حقد وإحتقار أشد ما يكون الإحتقار منهم لاّدميتنا ويؤكد لك أن السودان الذي كان ما كان ينبغي أصلا أن يكون لولا وجوب إنتصار أحكام القدر علي إرادة مخلوقات الله بما فيها البشر وهكذا قالها القدر وحكم فحدث وصرنا نسمي سويا حينه بسودانيين رغم كل هذا !!.كلامهم أظهر لنا بجلاء أن الناس في ذاك السودان الذي كان وحتي في سودان اليوم قسمان اثنان:بشر من جسد وروح ، مخلوق اَدمي مكرم معزز لديهم وأخر من جسد وروح مشكوك فيها اَدميته ومجهول لديهم مَنْ أوجدهم في الارض وإلا فهل يعقل أن يعامل هكذا من خلقهم وسواهم نفس الاله الذي يصوم ويصلي السيد الامام الصادق في محرابه إبتغاء الفوز بإحدي جناته عند خواتيم الحياة الدنيا واقرار مصائر العباد فردا فردا حين لا رئيس وزراء ولا اَل المهدي ينفعان او يفيدان؟……
بإعلان الحركة الشعبية تمردها علي الخرطوم في مايو عام 1983 بمدينة بور بقيادة المقدم كوانين بول واخطارها الخرطوم أولا والعالم أجمع ثانيا ، فيما بعد بقيادة العقيد الدكتور قرنق دي مبيور، أنها تنظيم عسكري وسياسي أهدافه كذا وكذا وأنها ستناضل متتبعة سبل و سائل شتي من ضمنها الكفاح المسلح ضد الهيمنة و المهيمنين لتحقيق مقاصدها ومراميها.حتي ذلك الحين كان المشير جعفر النميري لا يزال قابضا علي مقاليد الامور بالقصر الجمهوري وكان نظامه منشغلا بأمور اخري كثيرة يرأها أنها هي الاكثر أهمية في سلم أولوياته وعلي رأسها قفل حوانيت البيرة ومتاجر الكحول في قلب الخرطوم تطبيقا لشريعة الله ألتي بمقتضاها بترت أيدي وأرجل صغار اللصوص بترا وتركت أطراف كبار اللصوص سليمة حرة لتسرق وتخطف مزيدا من ثروات الشعب السوداني..وفيما يختص بالمسألة الجنوبية اكتفي المشير بإرسال ألوية جيوش الي الجنوب وأحراشه لتأديب من خرجوا من بيته ، بيت امام المسلمين ،إمام القرن ، وهو بيت الطاعة والأدب والامتثال، وظنا منه أن ما كان يعده ويرسله من جنود وعتاد الي الجنوب يكفي للإتيان برأس الخارج قرنق ،كما كان يسمونه، …والرئيس بهذه الذاكرة و التفكير الاقرب الي التوهان والجنون ظل يردد هو ومن حوله اسئلة سخيفة لا قيمة لها علي سبيل: ماذا يريد الجنوبيون؟(الجنوبيين دايرين شنو؟) وارسال بعض رسائل التحدي بغطرسة وكبرياء الي أهل الجنوب عموما والحركة الشعبية والجيش الشعبي خاصة . وكيف لا وهو الذي قال أمام اعضاء مجلس الشعب القومي في احدي جلساته وبعد اصداره قراره الرئاسي الفردي قضي بتقسيم الجنوب الي ثلاثة اقاليم سياسية و إدارية في مخالفة صريحة لإحدي بنود اديس ابابا فيما يختص بتقسيم الجنوب او عدمه ولقد كان نص الاتفاق فيه واضحا صريحا وهو ألا يتم تقسيمه إلا اذا وافق عليه ثلثا سكانه عبر استفتاء شعبي.ضرب المشير النميري بهذا البند عرض الحائط وقال امام الاشهاد في ذاك المجلس:وثيقة اديس ابابا ليست قراَءن ولا انجيل مضيفا أنه هو الذي أوجدها وأتي بها إلي الوجود وبالتالي له ايضا الحق في أن يعدمها من الوجود!!.
بعد عام ونيف عصفت انتفاضة ابريل الشعبية بنميري ورماه رميا ابديا ، هو ومايوه، في مذبلة التاريخ وتولي بعده المجلس العسكري الانتقالي الحكم برئاسة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب وحكم لفترة عام ولكن قبل انقضاء عهده وسلطانه ترك بصمة فتنة وراءه لا تزال اثأرها باقية حية في نفوس سكان القبائل الحدودية بين الشمال والجنوب …يذهب من يحكم من حكام الخرطوم ولكن ستبقي المصالح المتداخلة بين هذه الشعوب باقية قائمة رغم ما تحدثه مخالب السياسيين من جروح علي جسد العلاقات بين تلك الشعوب من حين لأخر . اخترع مجلس سوار الذهب الانتقالي استرتتيجية حربية جديدة لمجابهة القوة الجنوبية المتمردة وكانت من ابرز جزئيات ذلك المخطط اقحام القبائل العربية علي التماس الحدودي في في صراع مسلح كان يفترض أن يدور فقط بين المركز والجيش الشعبي لتحرير السودان وأما قبيلتا المسيرية والرزيقات اللتان جرتا جرا الي اتون الصراع ، فقد تثبت الايام لهما الان ما كان تردده الحركة الشعبية في كل المنابرعلي اسماع الملأ وهو أن القبيلتين تحتاجان حقيقة الي جيش رزيقي مسيري شعبي لتحريرهما فلو حسب المهمشون في السودان فلا نعتقد أن القائمة ستنتهي دون ذكرهما بمجرد انهما قبيلتان عربيتان والحكامون هناك مثلهم عرب قريشيون او كما ينسبون…
خطة اشتراكهما في حرب الخرطوم –الجنوب، كما رسمت ،تكلفهما حينه بالقيام بأدوار محددة واضحة مرسومة ومنها تدمير بنية حياة الدينكا اجتماعيا واقتصاديا وخاصة بطون قبائل الدينكا المتاخمة للحدود لكون عماد الحركة الأساسي ،كما تصوروه،سيكون الدينكا ولو تركت الدنيكا فقد تكون المصدر الرئيس والممول لمجهودات الحركة الحربية لوجستيا وبشريا ولذا وجب مسح هذه الاثنية مقدما من الوجود تماما ما استطاع الجيش السوداني و المسيرية والرزيقات وكل من لف لفهم الي هدفهم سبيلا..كان من ضمن انصار الخطة المتعصبين والمتشددين داخل المجلس العسكري اللواء فضل الله برمة ناصر عضو المجلس وهو ذاته من ابناء المسيرية . بدأت السلطات العسكرية والمدنية توزع السلاح لهذه القبائل اذانا باقتراب أوان تنفيذ المهمة وعلي رأسها الرزيقات والمسيرية .
في اواخر عام 1985 وبالتحديد يوم 21121985 دشنت المخططَ مجموعةٌ مشتركةٌ مسلحةٌ من قبيلتي الرزيقات والمسيرية بهجومها علي قرية اريا ط شمال غرب مدينة اويل عاصمة محافظة شمال بحر الغزال حينذاك وعاصمة ولاية شمال بحر الغزال حاليا، كانت الخسائر عددا من قتلي من مواطنين و من ضباط حكوميين جنوبيين منسوبين لقوات السجون والبوليس وحماية الحياة البرية ونهب عدد كبير من الابقار..ولكن اللواء البينو اكول اكول حاكم بحر الغزال حينه أرسل خلفهم قوة عسكرية التي استطاعت استرجاع الابقار المنهوبة.. توالت الغارات تباعا علي بقية قري الدينكا من قبل الرزيقات والمسيرية واصبحت نهب البقر وسب النساء والاطفال والقتل وحرق القري واجبا روتينيا و كانت اكثر المناطق تعرضا وتاثرا بهجمات المراحلين هي: قري قوك مشار،نيامليل، ،مريال باي ، ،اشانا ،اشورو ومناطق اخري عديدة. اختطفوا منها ألاف الاطفال والنساء يضاف اليها مئات الالاف من البقر والغنم.. ورغم أن أولي طلائع الجيش الشعبي شوهدت في المنطقة لأول مرة عام.1985 إلا أنها كانت في بادئ الأمر قوة صغيرة فاقدة الكثير من العتاد الحربي ولذلك لم يكن في مقدورها التصدي للعرب المهاجمين بشكل فعال ولكن ما أن جاء مطلع عام 1987 اي فبراير منه كان الجيش الشعبي في موقف عسكري أفضل من حيث عدد المحاربين والعتاد نتيجة للدعم الذي وصلهم من الخطوط الخلفية .وبناء علي هذه المعطيات الجديدة فأجأت تلك القوات المراحلين العرب المهاجمين الذين وجدوا في شمال بحر دربا سريعا ومختصرا للثراء السريع والوفير بقرا وغنما واطفالا ونساءا يقتلون من ضحاياهم كما يريدون،تفاجأ الرزيقات هذه المرة بوجود قوات مدججة بسلاح من الجيش الشعبي،أنزلت بالمغيرين هزيمة كبيرة بخسائر لم يتوقعوا حدوثها ففر من نجا بجلده الي حيث أتي أو جاء…
في منتصف مارس نفس العام غام 1987 تقدمت قوات الجيش الشعبي الي الامام الي مناطق كير أديم المتاخمة لحدود جنوب دارفور حيث اشتبكت مع قوات حكومية مرسلة من حامية نيالا لتصدي لها ،كان مراحلو الرزيقات سندا لقوات الحكومة ،بالطبع، في معركة كير أديم…اشتبك الطرفان وانتهي النزال وقد حسمته قوة الجيش الشعبي لصالحها وكانت هزيمة مهينة لعدويها واستطاعت وحدة الجيش الشعبي المنتصرة من استرجاع بعض الابقار التي تم نهب من قري الدينكا في غارات سابقة…
سمت صحف الخرطوم واعلامها هذه المعركة بأحداث سفاهة(كير اديم) وصورت ما حدث للرأي العام الشمالي علي أنه كان مجزرة أليمة بشعة ارتكبها الجيش الشعبي ضد مواطنين عزل وقالت إن الابقار المستردة منهوبة وهي للرزيقات اصلا .واما الغارات التي ظلت تشنها مليشات البقارة مسيرية كانت او رزيقات علي اراضي الدينكا وما رافقها من سلب وسب وخطف الاف من أطفال الدينكا فلا صحيفة ولا محطة اذاعية هناك سمعت فتذكر ولا عين مسؤولي حكومي رأت..لا اَذاَن حتي اَذاَن بعض ابنائنا من الجنوب الذين كانوا جزءا من منظومة الصادق سمعت…كنا نتوقع منهم دفاعهم عن اهلهم ولو بأضعف ايمان ،للأسف، حدث منهم العكس :في اوان الكلام طنشوا ، سكتوا سكوت مَنْ في مراقدهم في القبور !! و ذهبوا الي أبعد من ذلك حيث حاولوا منع الاخرين بل هددوا الذين تشجعوا وتحدثوا علنا عن بشاعة وفظاعة ما حدث في الضعين وصحيح انطبق في هؤلاء يومذاك المثل الدارفوري القائل”الدابي الفي خشمو جراداي ما بعضي” أي “الثعبان الذي في فيه جراد لا يلدغ أحدا”.نعم كانت في أفواههم حشوات ورقية نقدية لذا ما كان في مقدورهم النطق اوالكلام او الاعتراض،لا احد منهم قال للصادق ولو مرة كلمة لا.. لو كنت اليوم أحدهم،وخيرا فعل ربي أننا لسنا أحدهم، لأعتزلت العمل السياسي بتاتا والشأن العام عموما بعد أن ادركوا بحكم المعطيات التي امامهم انه لا الصادق ولا عمر ولا اي منهم من عزب بالنار او قتل استطاع ان يوقف إرادة شعب قرر السير الي الامام و صمم وأنه بدماء من تأمروا عليهم حرقا او ذبحا يرفرف علم جمهورية جنوب السودان امام سرايا الرئاسة في جوبا الان ،علمٌ يمكنُك مشاهدتَه بعينيك المجردتين او لمسها ولما لا وهو راية حقيقية خفاقة تحمل معاني وطنية و رمزية عميقة و نبيلة .. لو كنت صنوهم لتفرقت لأموري الخاصة امتثالا لحكم محكمة ضميري!ولكن كيف يفعلون هذا وضمائرهم لا تزال غائبة نفس الغياب الذي حاولوا به التستر علي مقتل الأحبة والأهل.تصدقوا لايزال هؤلاء يحشرون انوفهم حتي اليوم في شأن الجنوبيين عموما وشأن أحبتي ملوال جيرنيانق دون حياء او خجل وحقا صدق من قال:
مَنْ يهُنْ يسْهُلْ الهوان عليه..ما لجرحِ بميتِ ايلامُ.
عفوا أخي القارئ وأختي القارئة لنعود إلي ما كنا فيه من حديث،نعود لنقول إن حوادث النهب المتكررة والحريق والقتل وخطف الأطفال السابقة من قبل العرب المراحلين في مناطق دينكا ملوال كانت قد أدت مفعولها السالب(خلاص) في بنية حياة الدينكا الإجتماعية والإقتصادية في معظم مناطقهم بولاية شمال بحر الغزال، بالمختصر فقدٌ شبهُ كاملِ للمالِ و البنين..
ومحاولة من الضحايا للخروج من البيئة التي كانت تنذر بفناء مجتمعاتهم بشرا وما يملكون قرر بعض منهم ترك المسكن و التوغل الي مناطق الغير بأرض الداخل درءا وابتعادا من هجمات المغيرين وشرورهم ،كما فضلت مجموعة أخري النزوح الي داخل اراضي جنوب دارفور ظنا منها أن بتقربها من المدن حيث حكومة الشمال ، وجودها ونفوذها ، سيحميانها من هجمات المراحيل وكان هذا بالطبع ناتج من اعتقاد اَخر خاطئ وهو ربما أن الذي كان يحاك بهم لم تكن لحكومة الصادق المهدي ايدي ظاهرة فيه أولم تكن هي العقل المدبر واصيلا . توغلت هذه المجموعة الي مدن جنوب دارفور فوصلوا الي الضعين حاضر عموم الرزيقات ومناطق اخري قريبة منها…
عندما كبد الجيش الشعبي الرزيقات خسائر فادحة في الأرواح في معركة كير و تمكن بعد ذلك من استرجاع بعض الأبقار المنهوبة من الدينكا كما ذكرنا اَنفا . طبعا لم تعجبهم هذه المعادلة الغير طبيعية والجديدة والغريبة في نظرهم (جينقي يقتلون من احرار العرب و أبطالهم ويسترجعون بقرا قد نهبوها واصبحت لهم ملكة اياديهم)..ما أتي به الجيش الشعبي حينذاك كان لهم مفردة عسكرية جديدة في ادبيات الصراع السائد خلال هذه الفترة فالمألوف لديهم حينه هو أن يتأتوا مسلحين بأسلحة نارية التي وفرتها لهم حكومة الصادق ووزيره فضل برمة ناصر الي قري الدينكا العزل فلا يجدون اي مقاومة تذكر منهم كون الطرفين من حيث التسلح غير متعادلين وغير متساوين ، كانت الهزيمة لهم صدمة نفسية كبيرة وتحت تأثيرها ضاع لهم تجاه البوصلة و المنطق وعديل المسار فقرروا الانتقام والثأر ولكن مِنَ مَنْ وضد مَنْ ؟. بدلا من تعبئة أنفسهم والعودة الي الاتجاه الصحيح ،حيث هزموا من قبل لملاقاة من هزموهم في كير ، عوضا عن ذلك اختلقوا عدوا وهميا ،واجواء حربية خيالية توفر لهم الانتصار المضمون و الأكيد ،فرضوا المعادلة القديمة علي الارض فرضا ،وضعا يضمن لهم التفوق كما حققوه في قوك مشار ونيام ليل حينذاك قبل ظهور جيش الحركة الشعبية في مسرح الاحداث،اختاروا نازحي الدينكا المساكين اللذين تدمرت بنية حياتهم الاقتصادية والاجتماعية علي ايديهم(اي الرزيقات والمسيرية) فإختاروا الهجرة و الترحال وهكذا وجدوا انفسهم مجبرين في الضعين وتخومها بعد طول السفر وهم بدورهم كانوا يعانون ايضا من صدمة اخري اشد واخطر وأفدح ..
[email protected]