مجرد سؤال .. الأمة والعدل
بقلم : حامد إبراهيم حامد ..
لم يجد حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي الذي أعيته الانقسامات الخارجية والداخلية إلا مفاجأة الشارع السوداني بتوقيع اتفاق سياسي مع حركة العدل والمساواة التي تقاتل الحكومة والتي طالب المهدي شخصياً إبان غزو أم درمان بتوقيع أشد العقوبات على قادتها ولذلك فإن هذا الاتفاق هو بمثابة انقلاب في مواقف الحزب الأمر الذي لم يعجب الحلفاء القدامى أصحاب التراضي الوطني حيث طالب المؤتمر الوطني الحزب بمراجعة مواقفه والتخلي عن هذا التحالف الجديد والذي وصفه قيادي مؤتمري بأنه يهدف لإسقاط الحكومة ولكنه لم يحدد بأي وسيلة هل بالوسائل السياسية كما يدعو حزب الأمة ويتمسك بها مثل العصيان المدني والاضرابات وغيرها أم بالعمل العسكري الذي تعتبره حركة العدل والمساواة وسيلة مشروعة.
فمن المؤكد أن هذا التحالف الجديد لا ينفصل عن الواقع السوداني الحالي والذي يتقبل أي تطورات وتحالفات سياسية خاصة في ظل تمسك المؤتمر الوطني بمفاصل السلطة والثروة وفي ظل تباعد المواقف ما بين حزب الأمة وأحزاب المعارضة الأخرى والتي تجمعت في تحالف عريض يضم 17 حزباً ولذلك فرأى حزب الأمة أن يفاجئ الجميع بتحالف جديد من العيار الثقيل ومع حركة تقاتل الحكومة وتفاوضها الحكومة.
فهذا التحالف الجديد رغم أنه مجرد اتفاق سياسي إلا أن المضامين التي شملها الاتفاق يؤكد وجود إمكانية لتطويره خاصة أنه شمل قضايا خلافية عديدة منها تشكيل الحكومة القومية التي يرفضها المؤتمر الوطني ويعتبرها خطاً أحمر ومنها أيضاً الموقف من الانتخابات ودارفور وغيرها وكل هذه القضايا هي موضع خلاف حاد حتى داخل شركاء الحكومة بسبب مواقف المؤتمر الوطني وأن اتفاق الأمة والعدل يمنحها زخماً سياسياً ويزيد من الضغط على المؤتمر الوطني الذي يبدو أنه لم يسكت على هذه التطورات الجديدة.
الموقف الرافض الذي عبر عنه أكثر من قيادي بالمؤتمر الوطني للاتفاق الجديد يؤكد أن الأمر لن يمر مرور الكرام وأن المؤتمر الوطني لن يسمح لغيره بدخول مواقع محظورة ومن هذه المواقع التحالف أو توقيع أي اتفاق مع حركة العدل المساواة التي يفاوضها هو إنابة عن الحكومة، فهذا الاتفاق في نظر المؤتمر الوطني هو تحدٍ لسلطة الحكومة وبالتالي فلا يجب التسامح مع موقعيه ومن هنا ينبع أهمية الضغط على حزب الأمة للتنصل منه وإلا سيكون مصير الموقعين مثل مصير الترابي عندما وقع اتفاق إعلان مبادئ عام 2001 مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنيف.
لقد ظل المؤتمر الوطني طيلة فترة ال20عاماً الماضية يوقع اتفاقات مع الأحزاب والفصائل المتمردة، فيتحالف مع هذا الحزب اليوم ويفك التحالف غداً ويتحالف مع فصيل منشق عن الحزب ويطرد قادته من الحكم وبمقتضى هذا الواقع، وقع اتفاق مع جماعة زين العابدين الهندى، ومع المنشقين السابقين عن الحركة الشعبية بمقتضى اتفاقية الخرطوم للسلام ومع لام أكول باتفاقية فشودة ومع أبناء النوبة وأيضاً مع حزب الأمة وأخيراً مع الحركة الشعبية وجماعة مناوي والتجمع الوطني وجبهة الشرق والتراضي الوطني مع الأمة بعد الانشقاقات التي حدثت بسبب ضغوط المؤتمر الوطني علي مبارك الفاضل ومجموعته الذين انشقوا الآن إلى أكثر من خمس فصائل أربع منها مشاركة بالحكومة بأسماء الأمة.
ورغم تعدد هذه الاتفاقات إلا أن الواقع لم يتغير وأن الأحزاب خاصة الكبيرة منها ظلت تعاني من تصرفات المؤتمر الوطني الذي لم يكن حريصاً على تنفيذ الالتزامات وبالتالي فكان لابد أن يسعى قادة هذه الأحزاب إلى بحث البديل للضغط على المؤتمر الوطني من خلال توقيع اتفاقات مع حركات مسلحة تملك السلاح وتقاتل الحكومة وأن حزب الأمة أراد بهذا التوجه الجديد إرسال رسالة واضحة للمؤتمر للوطني بأن ساحة دارفور تسع الجميع وأن التفاوض مع الحركات المسلحة لم تعد ملفاً خاصاً بالمؤتمر الوطني الذي تفاجأ بموقف حزب الأمة فكان رد الفعل حاداً لأنه لم يستوعب ما حدث.
الراية القطرية