على ابوزيد على
تمر بنا فى معاملاتنا اليومية بعض الوقائع الصغيرة من سلوك لفظى يعبر عن اسقاطات الدواخل واعتقاد ساذج يقترب من الجهل حتى اصبح بعض من الثقافة الشعبية لدى الهامش الاجتماعى لبعض مناطق الحضر الوسطية ومع الاسف ونحن فى حراكنا الدؤؤب نحو بناء وطن وهوية تحقق قومية السودان لا نلقى الاهتمام المطلوب لهذه السلوكيات والتى قد تشكل مدخلا لازمات وعقد اجتماعية سالبة تهدد تماسك وتعايش المجتمع المتمدين وتقدح فى تمسكنا بمبادئ حقوق الانسان وارثنا الحضارى ويؤدى الى تغيب العقل الذى ميزنا به الله دون خلقه من الحيوان والسوام فتختل موازين الامن والعيش وتسود شريعة الغاب بين الافراد والجماعات كما ان بعض هذه السلوكيات الشعبية هى احدى الاسباب الرئيسية لاضعاف الوطن وتراجعه كدولة موحدة ومتماسكة تسيرقدما نحو التقدم والرفاهية
من بين هذه الظواهر الشعبية السالبة التى يمارسها العامة ازدراء الاعراق والجهات والادعاء بالسيادة والشرف استنادا للانتماء الاثنى او الجهوى والقبلى والتعبير عن هذه الافكار البائسة فى التجمعات العامة او بين افراد الاسرة باعمارهم المختلفة خاصة الاطفال فى طور النشأة والتربية حيث يمارس هذا الازدراء دونما مصوغات استفزازية انية من الجانب الاخرتستدعى هذه الاسقاطات اللفظية المتسربلة بوهم الحقيقة ومثل هذا السلوك غالبا ما يكون جزءا من مكونات الشخص فهو لا يبرئ انتمائيه العرقى او الجهوى انما يعتقد ان الرزائل والعيوب متلازمة لعرق او جهة او جماعة ولمجرد انتماء هذا الشخص للجهة او العرق يكون هو الادنى فى الرشد دونما اعتبار للكسب والاجتهاد والعلم والتقوى وغيرها من القيم المكتسبة بالتدافع والتطوير الذاتى
وغالبا ما تكون التعابير الدالة لهذا السلوك العنصرى فى مستوى الثقافة الشعبية صادرة من الاشخاص الفاشلين والعاطلين فكريا والعاجزين عن التفوق وبناء الذات وفى احيان كثيرة يكون سلوكا ناتج من ضعف المعرفة والاضطلاع على مصادر القيم النبيلة المهذبة للسلوك البشرى فى المساواة والعدالة والكرامة والحرية والانسانية وهى مجموعة القيم التى نادت بها الرسائل السماوية المقدسة والتعاليم الدينية وتجربة المجتمعا ت عبر مسيرة البشرية من البدائية الى المدنية التى تكونت بالمعرفة التراكمية والتجارب العلمية و حققت سيادة البشرية على الكون
ان المتأمل للتاريخ يتوقف فى الاحداث الكبيرة التى حولت مجرى الفكر الانسانى فهنالك ثورات الرسل والانبياء المبعوثين بالرسائل والتعاليم اللالهية والتى صوبت لطمأنينة النفوس وجعل الحياة الاولى امنة ومستهدفة اعمار الارض ومحققة لكرامة الانسان دون تمميز وهكذا خاطبت رسالة الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم (بيا ايها الناس) فى كل ما يتساوى فيه البشر بمختلف اعراقهم وجهاتهم ومعتقداتهم فكرامة الانسان ومساواة البشر واحدة من اقوى مقاصد الديانات السماوية وتمثل للعلماء والعباقرة وقادة الفكر من الفلاسفة والرواد فى كل العصور الدالة الكبرى لانسانية البشر وركيزة الاخلاق الحميدة
ان التجربة والارث الانسانى اثبتتا عبر الحقب التاريخية ان السلوك العنصرى للافراد والجماعات والشعوب من اسوأ ما يفعله الاشرار بالانسانية ابتداءا من ابليس الذى تباهى بخلقه من نار وعصى امر ربه بالسجود لادم المخلوق من طين والعنصرية هى المقدمة التى قادت البشرية الى ابشع الكوارث والحروب التى دمرت صروح المعرفة والحضارة ونخرت بنيان الدول والامبراطوريات فجعلتها اثر بعد عين فنظرية التفوق الارى وسيادة الشعوب باحتقار اثنيتهم ودمهم قادت العالم الى الحرب الكونيةة بكل ما جلبت للانسانية من ويلات واحزان ونظرية مسئوولية الرجل الابيض تجاه شعوب العالم الثالث كانت وراء الحملات الاستعمارية التى انتجت الفقر والتخلف فى جنوب الكرة الارضية واسقاطات شعب الله المختار وراء عنصرية الاحتلال الاسرائيلى وبناء الجدار العازل فى فلسطين
ان بحثنا لمعاالجة هذه الظاهرة يبدأ من الاصلاح التربوى والتعليمى والذى عليه ان يستجيب لدواعى واسباب اعادة صياغة المجتمع والتصدى لمسببات التباغض بين المكونات الاثنية والجهوية ابتداءا من الاسرة وصولا الى المستوى القومى ويتم ذلك من خلال المناهج التعليمية النابعة من القيم الانسانية والمصوبة نحو حقوق الانسان والمواطنة المتساوية وتأسيس دولة المساواة والكرامة لكل المواطنين من خلال تمتعهم بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالتالى فان غرس هذه القيم النبيلة فى نفوس النشئ بالعملية التعليمية ومضاعفة الجهود للقضاء على الامية المعرفية بالتوسع افقيا ورأسيا سوف يبنى القاعدة العلمية لمعالجة الاسباب الجذرية الكونة للظواهر الاجتماعية السالبة
الفقرات السابقة التى تناولناها فى هذا المقال تمثل الاطار النظرى للسلوك العنصرى المصادم لحقوق الانسان وما دفعنى لتناول هذا الموضوع موقف تداخل فيه الخاص والعام فرغم انتشار التعليم والاستفادة من تجارب الاخرين وتداخل المجتمع السودانى وانصهاره عن طريق المصاهرة التى لم تترك جماعة او قبيلة الا وكان لها جزء من مكونات اى منا حيثما كانت جهته اوقبيلته ورغم المصالح المرسلة بين المجموعات السكانية لاهل السودان والتى كونت الهوية السودانية رغم كل ذلك ما زال بعض من افراد مجتمعنا يحمل رواسب التفوق وازدراء ثقافة الاخرين فى مجتمعنا السودانى المتنوع الثقافات دون مبررات علمية تؤكد نقاء اصله او سمو معرفته
ولله الحمد
[email protected]