تتواتر قصص نساء سودانيات تتعرضن للملاحقات القضائية بتهمة”ارتداء لباس فاضح”. يمنح القانون السوداني سلطة تقديرية واسعة للسلطات لتفسير مدلول هذه العبارة الملتبسة، كما تقول الكاتبة الصحفية رشا حلوة في مقالها* لـ DW عربية.
ألقت الشرطة السودانيّة القبض على 24 امرأة سودانيّة في إحدى صالات جنوب الخرطوم يوم الخميس الماضي، خلال مشاركتهن في حفل خاص بتهمة ارتداء “زيّ فاضح”، وكانت قد أخلت المحكمة يوم الأحد الماضي، 10 ديسمبر/ كانون الأول 2017، سبيل النساء مع تغريم منظمة الحفلة مبلغ عشرة ألف جنيه سودانيّ، وذلك لأن الحفل “ذو طبيعة تجاريّة وليس خاصًا”. وما هو “الزي الفاضح”؟ هو ارتداء النساء للبنطال
، فوفقًا لمادة في قانون “النظام العامّ” السّودانيّ، فإن البنطال يعتبر زيًا فاضحًا!
أثار الخبر ضجة كبيرة وسط الناشطات في السودان، علمًا، وللأسف، بأنّ هذه ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها محاكمة نساء بتهمة “ارتداء زي فاضح”، حيث تواجه النساء – وفقًا للقانون السوادنيّ- عقوبة الجلد بأربعين جلدة ودفع غرامة في حال إدانتهن! الكثير من النساء السودانيّات تعرضن لهذه التهمة، كما أن عددًا كبيرًا من الناشطات يحاربن هذا القانون يوميًا، لأنه تعدي على حقوقهن كنساء، ومن النساء اللواتي حوكمن بهذه التهمة، كانت الصحافيّة السودانيّة لبنى حسين في العام 2009، حيث واجهت احتمال حكم 40 جلدة عليها، لكن المحكمة اكتفت بالحكم عليها بالسجن أو دفع غرامة، وكانت قد أصدرت لبنى حسين فيما بعد كتابًا بعنوان “40 جلدة لارتداء بنطال”، صدر عن دار نشر فرنسيّة.
بالعودة إلى قضية تربئة 24 امرأة سودانيّة من “تهمة ارتداء زيّ فاضح”، مما اعتُبرت التبرئة، وفقًا لبعض الناشطات في الحركة النسويّة السّودانيّة، بمثابة انتصار لها في مسارها النضاليّ، حيث أشارت إحداهن بأنّ الانتصار ليس كبيرًا، لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح.
تأتي “تهمة ارتداء الزيّ الفاضح” في السّودان، كواحدة من سلسلة انتهاكات تتعرض لها النساء، والتي تُستخدم كأداة لقمع حرياتهن الفرديّة، حتّى في أبسط تفاصيل الحياة: ارتداء ما يشأن من ملابس. والأمر الذي يعطي هذه الأداة بعدًا أقسى، هو كونها مشرّعة ضمن القانون، بالإضافة إلى أنّ مصطلح “زيّ فاضح” هو فضفاض بلا شك، وبالتالي، يمنح هذا من هم بالسلطة السياسيّة والتشريعيّة في إقرار “ما هو فاضح” وفقًا لمعاييرهم الفرديّة والذكوريّة، مما لا تتوفر فيها أساسيات المحاكمة العادلة لقانون غير عادل وظالم بحد ذاته. وكانت قد كتبت (و.) من السّودان عبر صفحتها في فيسبوك: “إنّ مواد القانون ذاتها هي فضفاضة جدًا، أيّ لا يوجد نص واضح ضد البنطال أو حتى الهوت شورت، لكن هنالك كلام عن الآداب العامّة والحياء العامّ. وبالمواد الفضفاضة هذه، يُترك موضوع تقييم الزيّ الفاضح أو غير الفاضح وفقًا لمعايير خاصّة لشرطيّ النظام العامّ والقاضي وتعريفهما للحياء والأدب من قلتهما!”.
مؤخرًا أيضًا، تواجه الناشطة الحقوقيّة السّودانيّة، ويني عمر، تهمة ارتداء “زيّ فاضح”، بعد توقيفها من قبل وكيل نيابة وضابط شرطة، حيث أجّل قاضي محكمة النظام العامّ في الخرطوم يوم الأثنين، 11 ديسمبر/ كانون الأول 2017، النظر في قضيتها. في حديث مع (أ.) من السّودان، قالت: “الملازم الأوّل الذي ألقى القبض على ويني عمر، ليس لديه أي أحقيّة بالقبض على أي شخص. وحين قال القاضي لوكيل النيابة: الفتاة ترتدي تنورة وبلوزة محترمة وطرحة، أين المشكلة؟ فتحجج وكيل النيابة قائلًا بأن أسلوبها في المشي، لم يعجبه. وبالتالي، لا من معيار يحكم ما هو الزي الفاضح، عدا عن التصورات المريضة في أذهان هؤلاء الرجال في السلطة”.
قضيّة ويني عمر، وقضيّة النساء الأربع وعشرين في السودان، هي كقضايا عديدة تخضع فيها النساء لأحكام مجتمعيّة و/أو قانونيّة مبنيّة على عقليات ذكوريّة وسلطويّة للتحكم بالنساء ولمواصلة التمتع بامتيازات السلطة المجتمعيّة و/أو تلك السياسيّة، وبالطبع، ضمن معايير لا يعرفها إلّا رجلًا يمسك بزمام الحكم في لحظة عينيّة ما. بمعنى، لا يهم إن ارتدت المرأة فستانًا أو تنورة أو بنطالًا طويلًا أو قصيرًا، فمن يحدد ارتدائها “للزي الفاضح” هو رجل يملك سلطة ما بيده، قرر بأنها ترتدي “زيًا فاضحًا” وفقًا “لمزاجه”، أو ما “أثاره جنسيًا” ربما. تشبه هذه الفكرة تمامًا حين يتم التحرّش جنسيًا بامرأة، أو اغتصابها، وبدلًا من توجيه العقوبة للمتحرّش أو للمغتصب، يتم توجيه أصبع الاتهام للمرأة الضحيّة، لأنها على سبيل المثال “أثارته جنسيًا”، ووفقًا لهذه العقليّات، فهي المسؤولة عن التحرّش بها، وبمثل هذه الحالة، بما يتعلّق بقضية النساء السّودانيّات، فهن المسؤولات عن اعتقالهن أو محاكمتهن أو جلدهن لأنهن يرتدين، وفقًا لمعايير البعض، زيًا فاضحًا!
تعاني النساء السّودانيّات منذ سنوات من قانون “النظام العامّ”، وعلى الرّغم من القصص الكثيرة التي نسمعها لما تتعرض له السّودانيّات من انتهاكات لحقوقهن الإنسانيّة، إلّا أنّه وفقًا لناشطات عديدات، هذه القصص تشكّل نسبة قليلة لما يحدث بالفعل على أرض الواقع، تواصل (و.)، حديثها عن هذا الجانب: “ما نسمع عنه من قضايا، لا يشكّل 1% من القضايا. لو توجهنا لأي مبنى محكمة نظام عامّ في صباح أيّ يوم من أيام الأسبوع، سنجد عشرات النساء والرجال يتعرضون للجلد في ساحات المحكمة، وسنجد صفوف ممتدة أمام خزينة المحكمة لدفع الغرامات”.
كلّ هذا، لا يردع ناشطات وناشطي حقوق الإنسان وحقوق المرأة في السّودان من مواصلة النضال لمحاربة قوانين “النظام العامّ”، من خلال حملات إعلاميّة وحقوقيّة يطالبون الحكومة السودانيّة بإلغاء قانون النظام العامّ، الذي تُستخدم سلطته لقمع النساء وكأداة لانتهاك حقوقهن وحريّاتهن الإنسانيّة الأساسيّة. فإن هذه الأصوات التي تقف بوجه 40 جلدة واعتقالات ودفع غرامات وتضغط على إلغاء جميعها، هي بالضرورة التي تصرخ بوجه آليات قمع النساء بشتّى أشكالها، قائلة: ليس زيّ النساء هو الفاضح، إنّما العقليّات الذكوريّة.
* نقلا عن مؤسسةDW.