عشيّة المحاولة الانقلابية المشؤومة، يوم 21 سبتمبر الجاري، تابع الشعب السوداني الوزير خالد سلك والقيادي بإزالة التمكين وجدي صالح يعّلقان على تداعيات الحدث الساخن عبر القناة القومية. بلا شك أنّ الكثيرين ممن استمعوا إليهما قد شعروا بطمأنينة على مستقبل البلاد من حيث أنّ هنالك قيادات شبابية دمائها حارة ومستعدة للذود عن ثورة ديسمبر المجيدة بكل ما أوتوا من قوة، تجلى القياديين الشابين بثقة كرجال دولة، بيد أننا نشك أنّ الحماسة الثورية، وصدقيّة الأشواق للتحول الديمقراطي وحدها كافية للعبور بالبلاد إلى مرافئ التبادل السلمي للسطلة.
فقد تمحّور حيث القياديين الشابين خلال تلك اللقاء الساخن كأول تناول رسمي للحدث الأسخن حول التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسطلة عبر انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية، ولم يخرجا في حديثيهما عن هذا الإطار إلاّ لماما من قبل وجدي صالح ليقحم ضرورة تفكيك التمكين الانقاذي المستشري في مفاصل الدولة وهو صادق فيما ذهب.
عبرا بكل وضوح أنّ مهمة الحكومة الانتقالية تتمركز في هذا الأمر، وأسقطا ضرورات كانت من صميم مهام هذه المرحلة، على رأسها الكشف عن هوية مرتكبي مجزرة فض الاعتصام، وتقديمهم للعدالة، وتحسين معاش الناس، وتحقيق السلام، وتسليم مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية، أضيفت إليها لاحقا حسم الانفلات الأمني في المدن والأرياف، هذه الملفات كانت حاضرة بكثافة في أجندات الحكومة الانتقالية خلال الفترة السابقة. لكن من الواضح أنها سقطت جميعاً من حساباتها بالتقادم، وعمداً وليس سهواً عن عجز مبين.
نعم لا يوجد من “يحكّ رأسه” في مسألة ضرورة العبور بالبلاد إلى مرحلة التحول الديمقراطي إن لم يكن من الفلول المندحرين، حتى الذين وجدوا أنفسهم خارج قسمة كعكة السلطة الانتقالية، لا نظن هناك من يراوده التآمر على الحكومة الانتقالية، أو الشماتة فيها بغبن سياسي أخرق.
لكن هذا الإجماع الشعبي ليس مبرراً لأن تتخلى الحكومة الانتقالية عن استحقاقات ملحّة، أكدوا عليها مراراً وتكراراً، وإن كانوا عاجزين عنها، أو أنهم شعروا أنّ التفويض الشامل والمفتوح التي منحهم الشعب لإدارة دفة البلاد بموجب الشرعية الثورية ليس كافياً، وفقدوا الثقة في شرعيتهم؛ فما عليهم إلاّ التحلي بالشجاعة السياسية والإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة كيفما اتفق.
بالعكس من ذلك فإن سلوكهم وجلّ تحركاتهم تشير إلى أنهم يبيتون النيّة على تمديد الفترة الانتقالية، رغم عجزها المبين عن فعل شيء ذا بال، يفش غليل المواطن الصابر، الأمر الذي يغري المتآمرين، ويحفّز المغامرين للعبث بمصير الفترة الانتقالية كنوع من تشتيت الانتباه، وصرف الأنظار عن كبائر تستحق كشف الغطاء عنها، ومعاقبة مرتكبيها، مستغلين هذا العجز والنكوص عن أشواق ووعود ينتظرها الشعب بفارغ الصبر مع بزوغ كل فجر انتقالي.
فليعلم قيادات الفترة الانتقالية، إنّ الممارسة الديمقراطية ما هي إلاّ وسيلة للاستقرار السياسي المفضي إلى تغيير أوضاع المواطن إلى الأفضل، وهي بالطبع ليست غاية في ذاتها، وما هذه الفترة الانتقالية إلاّ تمهيد وأنموذج للتحول المنشود، فإن جاءت عاجزة عن فعل شيء من الضرورات الملحّة، قد يكفر بها عوام الناس، رغم إصرار النخب السياسية عليها، بل اصبح العسكر يزايدون بها، رغم كراهية الشارع للكيزان، ومقتهم للشموليين و”الجيّاشة” كراهية العمى.
نرجو من قيادات الفترة الانتقالية، مراجعة أنفسهم وأجندتهم، والتقاط الساقط منها، فالكلمة شرف، ووعد الحر دين عليه.
القصاص من مرتكبي مجزرة فض الاعتصام، وتحسين معاش الناس، وتسليم المطلوبين للجنائية الدولية، وضبط الأوضاع الأمنية، وتنفيذ استحقاقات سلام جوبا، ملفات لا تنتظر نتائج الانتخابات العامة، والتي يراه المواطن سراباً بقيعة يحسبه الظمآن للحرية ماء.
أقلام متّحدة ــ العدد ــ 31
30 سبتمبر 2021م