لحظة فارقة في تاريخ المنطقة، دك أهم نماذج الحزب الواحد، والبشير ونظامه مسألة زمن
(حريات – تحليل إخباري)
بعد 18 يوماً من الإحتجاجات، ومايزيد عن 302 شهيد، ومئات الجرحى، إنتصرت إرادة الشعب المصري، تقلَّد المجلس العسكري الأعلى السلطة، واطيح بالرئيس المصري حسني مبارك.
وكان النظام المصري الذي أسسته ثورة 23 يوليو 1952م أهم نماذج الحزب الواحد في المنطقة، وانتقل بعدواه الى غالبية دول المنطقة العربية الإسلامية، بل والى غالبية دول العالم الثالث. وتأسست شرعيته على التحرر – تحرير الأرض العربية من الإحتلال الأجنبي والسيطرة الإستعمارية، وعلى العدالة الإجتماعية، وديمقراطية العمال والمزارعين في مواجهة الديمقراطية الليبرالية. وانتهى النظام، والنظم الشبيهة بسبب غياب الحريات الأساسية الى الهزائم العسكرية في مواجهة الأجنبي، فإتضح بأن تحرير الأرض لا يمكن فصله عن تحرير الإنسان، وانتهى وانتهت الى مستويات عالية من غياب العدالة الإجتماعية، وسيطرة الفئات الطفيلية على الإقتصاد، والى مبروز ما يعرف بـ (الجمهو ملكيات)، أي توريث الجمهوريات الى الأبناء.
وإستند نظام الحزب الواحد المصري على أجهزة دولة مركزية تمتد في التاريخ لآلاف السنين، كواحدة من أقوى السلطات المركزية التي عرفها التاريخ الإنساني.
ويشكل سقوط نموذج الحزب الواحد المصري علامة فارقة في تاريخ المنطقة، فهو النموذج الأصل، الذي قلَّدته النظم الأخرى، وكان أقواها، ويبدو الأكثر إستعصاء على التغيير.
ومقارنة بالسودان حيث يسيطر المؤتمر الوطني على أساس نموذج دولة الحزب الواحد، فالنموذج المصري اكثر فاعلية واكثر اكتمالاً، فهو أقل عقائدية، وأفضل من حيث العلاقات الإقليمية والدولية، ولا يعاني من ذات حدة التوترات الجهوية والإثنية الموجودة في السودان.
وسبق وصرَّح محلل سياسي لـ (حريات) بأن الشعب المصري انتفض ضد مبارك ونظامه لسببين رئيسيين، هما غياب العدالة الإجتماعية وقمع الحريات، وكلا السببان قائمان في السودان، وبمستويات أعلى.
ففيما يتعلق بالحريات، فإن النظام المصري، ورغم القيود الشديدة، سمح بدرجة معينة من حرية التعبير وبقيام صحف معارضة ومستقلة اتيح لها انتقاد الرئيس مبارك ونجليه جمال وعلاء، هذا في حين يتم إغلاق أو إحتواء ومحاصرة الصحف المستقلة في السودان، بل ويعتبر إنتقاد البشير أو الاشارة الى فساده وفساد أسرته من الخطوط الحمراء التي تؤدي الى إغلاق الصحيفة مباشرة.
وكذلك فإن غياب العدالة الاجتماعية أسوأ في السودان، فخلاف التفاوت الطبقي الواضح، ونهب أموال البترول وتحويلها للحسابات الشخصية، فإن المؤتمر الوطني وبطابعه العقائدي المغلق يحصر العطاءات والإستثمارات والتسهيلات المصرفية، بل وغالبية فرص العمل، يحصرها على منسوبيه. وتتراكب في السودان المظام الإجتماعية مع الإنتماءات الإثنية والجهوية، مما يجعلها أكثر التهاباً وقابلية للإنفجار.
وكذلك المقارنة بين البشير ومبارك ليست في صالح البشير، فقد وصل مبارك الى السلطة بشرعية ثورة 23 يوليو التي حققت منجزات معينة للشعب المصري قبل أن تُفلس وتصير عائقاً أمام التقدم اللاحق، كما يستند على الجيش المصري الذي واجه حروباً مع العدو الأجنبي ويحُظى بإحترام واسع لدى الشعب المصري، إضافة الى أن مبارك شخصياً يعد أحد أبطال حرب أكتوبر 1973م. ولكن في المقابل فإن البشير بلا (بطولة) الا إذا كانت مواجهة شعبه، خصوصاً من العُزَّل تعتبر بطولة، ويستند على جيش ليس له معارك الا مع الداخل، بل وترى دوائر واسعة في القوات المسلحة السودانية بان ولاء البشير الحقيقي ليس لها، وإنما لحزبه العقائدي ومليشياته كالدفاع الشعبي والأمن الشعبي والشرطة الشعبية، والتي يميزها على الأجهزة الرسمية في التجهيزات وشروط الخدمة.
واذا كان نظام الإنقاذ الشمولى في عهده الأول قد استند على طغيان الحزب أكثر من الطغيان الشخصي، الا أنه منذ الإطاحة بالدكتور الترابي، تحولت الإنقاذ الى شبيهة بالنظم الإستبدادية في المنطقة، حيث يتخذ الإستبداد طابع الطغيان الفردي للرئيس الحاكم. ومن حينها بدأت تظهر أعراض ذلك على نظام الإنقاذ، في إنفراد البشير بالقرارات، وفي الطابع الأهوج والإنفعالي لقراراته، وفي تراكم ثروته الشخصية، وفي ولوغه وأسرته في الفساد.
وختم المحلل السياسي لـ (حريات) قوله بأنه مادام تمت الإطاحة بمبارك ونظام حزبه الواحد الأقوى في مصر، فإن الإطاحة بالبشير ليست سوى مسالة زمن.