لبني – امرأة ليست كالرجال
ان من الناس من تزلزل كيانه وتطيش صوابه المصائب ونوازل الزمان , فيرتج عليه وتغلبه الحيرة وربما يتملكه الخوف والخشية , فيعجز عن تدبير امره , فيؤثر السلامة ويستسلم مكرهاً لمصيره , وعلي نقيض ذلك فهناك الذي يتماسك ويملك زمام امره , ويحشد في نفسه ما لديه من قوة ومضاء عزيمة موقناً ان ما نزل به ليس سوي سحابة صيف سوف تتبدد او دوامة هواء سوف تتفرق , واذا كان الامر أمر رأي سديد متمكن في ايمان عند صاحبه فأنه يصمد ويصر عليه ولا يبالي مهما كانت العاقبة , فالحق ثابت لا يزول ولا يتلون والحق ابلج والباطل لجلج .. وهذه الظروف الضاغطة القاسية ربما تغشي الرجال ذوي الأيد والمنعة , وقد تنال منهم , فما بالك بامرأة وقر في عرف الرجال انها ضعيفة وهشة , مهما كان في هذا الظن من خطل و مجافاة للواقع ولسنة الخالق في خلقه , فليس التميز بضخامة الاجسام وقوة العضلات , فلو كان الامر كذلك لفضلنا الحمار علي الانسان !
وتهمة الاستاذة لبني احمد حسين انها ارتدت ملابس خادشة للحياء في تقدير رجل شرطة ليس عنده من الفهم والتعليم والادراك واحداً من ألف مما عند لبني , وهنا تكمن السخرية ! وأعجب من ذلك هم الذين وضعوا هذه القانون الهلامي العجيب , فقد حكموا فهمهم الغريب لتوصيف العيب في لبس المرأة للبنطلون , وبدلاً من ان يكون القانون عادلا كما يجب ان يكون جاء هلامياً وظالماً و معيباً في صياغته وغير محدد كما يقول اهل القانون , فما يرونه خادشاً للحياء نراه لا غبار عليه بل نراه محتشماً , ويقول علماء الدين ان مواصفات لبس المرأة لباس لا يشف أو يبرز اجزاء جسمها , وقد شاهدنا علي شاشة التلفزيون لبني بنفس الملابس التي اعتقلت بها بدعوي انها خادشة للحياء , وكانت هذه الملابس تتكون من بنطلون واسع وبلوزة بأكمام طويلة وتضع علي رأسها طرحة وهذه ملابس محترمة محتشمة لا تكشف عن خبايا الجسم او تثير غريزة سفيه . ولقد نقل من حضر جلسة المحاكمة التي أجلت ان مراسل القناة الفرنسية عبر عن دهشته واستغرابه لآن العديدات من الحاضرات داخل المحكمة كن يرتدين البنطلونات !! وبهذا المنظر يكون حكام النظام العام قد جعلوا من انفسهم ومن حكمهم موضع استنكار وسخرية العالم , فزادوا من بلاويهم المشهودة ضغثاً علي ابالة .
لقد كانت بناتنا التلميذات (البالغات) في المرحلة المتوسطة يرتدين زياً مكوناً من سراويل (وهونفس البنطلون) وفوقه فستان من قماش بني , والطالبات في الثانوي يرتدين نفس هذه الزي ولكن من قماش لونه ازرق مع طرحة تغطي الرأس , وكان ذلك في عهد الدكتاتور جعفر نميري والذي بايعه أهل الجبهة الاسلامية اميراً للمؤمنين ! هذا البنطلون المفتري عليه والذي حللتموه سابقاً تحرمونه الان وتقودون المرتديات له لمحكمة النظام العام وتوقعون عليهن عقوبة الجلد والغرامة مع ان عقوبة الجلد عقوبة حدّية لا توقع شرعاً الا علي الزنا وشرب الخمر والقذف .
ان الخير ما زال باقياً في نساء بلادي الشريفات الشجاعات اللاتي هبن للدفاع عن كرامتهن وحريتهن التي يود بعض منغلقي الالباب وعميان البصر والبصيرة الاساءة اليهن والاهانة لمكانتهن والتهوين من شأنهن , ولكن هيهات فأن نظام الظلم والفساد والاستبداد الي زوال لا محالة .
وما تقديم لبني للمحاكمة بهذه التهمة القبيحة الا ذريعة رخيصة لأشانة سمعتها وذلك بسبب كتاباتها ضد ممارسات النظام وقوانينه القمعية للحريات والتضييق علي الصحف والصحفيين المعارضين الشرفاء ولجم حرية الرأي والتعبير وغيرها من التصرفات والقوانين المخالفة للدستور الانتقالي لعام 2005 ولمواثيق حقوق الانسان الدولية , وهذه الامور غير مستغرب صدورها من سدنة النظام , فقد صرح أكبر مسؤولين اثنين عن الامن بالويل والثبور بحق من يقول بمناصرة محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة المشير عمر البشير لمسؤوليته عن الجرائم البشعة التي ارتكبت في دارفور , فالرجل الاول وهو مدير عام الشرطة قد اسرف في نفاقه وهدد بنفي المؤيدين للمحكمة من السودان واسقاط الجنسية منهم , وأما الثاني وهو مدير جهاز الامن والمخابرات فقد اشتط في تطرفه وهدد بقطع اعناق وتقطيع اوصال مؤيدي محكمة الجنايات الدولية , ولكن لم ينفع الاول نفاقه المغالي وكيده الرخيص فقد استغني عن خدماته واحيل علي المعاش , وأما الثاني فقد يجئ الدور عليه ان عاجلا او آجلا وسيرد الله كيده الي نحره فأنه تعالي يمهل ولا يهمل .
وانني لا أمل من ترديد قول عمير بن سعد والي عمر علي حمص وهو علي المنبر : لا يزال الاسلام منيعاً ما اشتد السلطان وليست شدة السلطان قتلا بالسيف او ضرباً بالسوط , ولكن قضاء بالحق وأخذاً بالعدل .
فهل يعتبر المتأسلمون أم علي قلوب اقفالها ؟!
ولا يفوتني هنا ان أحيي الاستاذة الصحفية أمل هباني علي وقفتها الصلبة مع لبني وهذه القضية والتي هي قضية جميع النساء السودانيات , وقد حولوها هي الاخري للمحاكمة .
والتحية المقرونة بالتقدير والاعزاز للأخت لبني التي اصبحت رمزاً لكفاح المرأة السودانية الحرة الابية في وجه الظلم والاستبداد .
هلال زاهر الساداتي
[email protected]