كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟

كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(14) هارون سليمان يوسف
محاربة الفساد
يُعد الفساد ظاهرة اجتماعية سيئة وجدت منذ أن وجد الإنسان على ظهر البسيطة، حيث عرفتها كافة المجتمعات البشرية في كل الأزمنة والعصور، كما أصبح الفساد في عصرنا الحاضر ظاهرة عالمية تنتشر في كافة المجتمعات المعاصرة المتقدمة منها والنامية ،وذلك رغم إجماع هذه المجتمعات على قُبح الفساد ومخاطره المتعددة الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية والأخلاقية .
حظيت ظاهرة الفساد باهتمام واسع من قبل غالبية قادة العالم والمنظمات الدولية الرسمية والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحوث، منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، نظراً للآثار السلبية للفساد على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد ظهر منذ تلك الفترة العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت ظاهرة الفساد، قدم فيها الباحثون عرضاً لصور الفساد ومظاهره وأسبابه ودوافعه، وتحليلاً لهذه الظاهرة في محاولة جادة وصادقة منهم لكشف هذه الظاهرة وتعريتها والدعوة إلى مكافحتها والحد من انتشارها.ولا سيما أن الفساد تحول من ظاهرة محلية إلى ظاهرة عالمية تستوجب التعاون الدولي (حكومات، وبرلمانات، ومنظمات غير حكومية، والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام المختلفة) لمواجهتها وإبداء قدر أكبر من الاهتمام بإعادة النظر في الترتيبات الحالية لمواجهة الفساد، ووضع استراتيجيات تُحدّث باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة.
ولم تقتصر هذه الجهود على الدول المتقدمة، وإنما شملت أيضاً الدول النامية التي تعاني اقتصادياتها ومجتمعاتها من تفشي هذه الظاهرة بصورة أكبر مما تعانيه الدول المتقدمة، حتى أضحى موضوع الفساد يحظى بالأوَّلية في قائمة اهتمامات الحكومات في غالبية الدول النامية وذلك للحد من الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها، ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية، كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات.
فالفساد في المجتمعات نتج عن بيئة سياسية، وجدت منذ عقود، وهذه البيئة السياسية تميزت بوجود سلطة احتكرت كل شيء (الثقافة، الإدارة، الاقتصاد وأيضاً السياسة، وكل النشاطات الاجتماعية و الدينية و الحزبية و الرئاسية ( الفساد أتى من هذه البيئة السياسية العامة و ليس من أشخاص أشرار منعزلين.
كما أن لضعف الثقافة السياسية لدي المواطن وعزوف الشعب عن المشاركة الايجابية في الأحزاب واتجاه الدولة إلي تحويل الفكر الشعبي إلي الأمور الخاصة بالحياة بنشر الفقر والمرض والحروب دور في نشر الفساد.

تعريف الفساد
تتنوع التعريفات الخاصة بمفهوم الفساد
1. خروج عن القوانين والأنظمة (عدم الالتزام بهما) أو استغلال غيابهما من اجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية مالية وتجارية أو اجتماعية لصالح الفرد أو لصالح جماعة معينة للفرد مصالح شخصية معها.
2. كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة، أي أن يستغل المسؤول منصبه من اجل تحقيق منفعة شخصية ذاتية لنفسه أو لجماعته.
3. إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص.
4. انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة واستغلال السلطة من اجل المنفعة الخاصة.
5. كل اعتداء على حق المواطن الذي يضمنه الدين والقانون الطبيعي والقانون الوضعي والقانون الإنساني.
6. استغلال أو إهمال للقانون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية على حساب الأفراد أو المجتمع.
7.  استغلال السلطة من اجل الحصول على المنفعة الخاصة سواء كانت تلك المنفعة مادية أم معنوية”
8.  تلك آلافه التي تنخر في صحة المجتمع وتنهش اقتصاد البلد يشكل عائقا كبيرا أمام عملية التنمية في أي مجتمع .

أنواع الفساد
1. الفساد الأخلاقي : مثل جرائم الكذب والخيانة والقتل وانتهاك الحرمات الخ
2. الفساد السياسي : وهو تحقيق المصالح الذاتية على حساب الوطن والشعب
3. الفساد المالي: وهو السرقة من خلال استغلال موقع حكومي أو منصب أو سلطة أو قرابة لمسئولين كبار
4. الفساد الإداري : وهو مظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية
5. الفساد الثقافي والفكري : وهو بث الثقافات والأفكار المنحرفة ونشرها بين الناس

أشكال وصور الفساد
تتعدد أشكال وصور الفساد  وتختلف باختلاف الجهة التي تمارسه أو المصلحة التي يسعى لتحقيقها، فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة رسمية أو أهلية، وقد يهدف لتحقيق منفعة مادية أو مكسب سياسي أو مكسب اجتماعي. وقد يكون الفساد فردي يمارسه الفرد بمبادرة شخصية ودون تنسيق مع أفراد أو جهات أخرى، وقد تمارسه مجموعة بشكل منظم ومنسق، ويشكل ذلك اخطر أنواع الفساد فهو يتغلغل في كافة بنيان المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وينقسم الفساد وفقا لمرتبة من يمارسه إلى فساد أفقي (فساد صغير (يشمل قطاع الموظفين العموميين الصغار بحيث يتطلب إنجاز أية معاملة مهما كانت صغيرة تقديم رشوة للموظف المسؤول، وفساد عمودي (فساد كبير (يقوم به كبار المسؤولين ويتعلق بقضايا اكبر من مجرد معاملات إدارية يومية، كما يهدف إلى تحقيق مكاسب اكبر من مجرد رشوة صغيرة. وعلى وجه العموم يمكن تحديد مجموعة من صور الفساد وأشكاله على النحو التالي:
1. استخدام المنصب العام من قبل بعض الشخصيات المتنفذة (وزراء، وكلاء، مستشارون …الخ) للحصول على امتياز خاصة كالاحتكارات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية، والوكالات التجارية للمواد الأساسية، أوالحصول من آخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات دون وجه حق.
2. غياب النزاهة والشفافية في طرح المناقصات الحكومية، كإحالة عطاءات بطرق غير شرعية على شركات ذات علاقة بالمسؤولين، أو أفراد عائلاتهم، أو إحالة العطاءات الحكومية على شركات معينة دون إتباع الإجراءات القانونية المطلوبة كالإعلان عنها أو فتح المجال للتنافس الحقيقي عليها أو ضمان تكافؤ الفرص للجميع.
3. المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية، كقيام بعض المسؤولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة على أسس القرابة أو الولاء السياسي أو القبلي أو بهدف تعزيز نفوذهم الشخصي، وذلك على حساب الكفاءة والمساواة في الفرص، أو قيام بعض المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية أو المبالغ المالية من المال العام على فئات معينة أو مناطق جغرافية محددة على أسس عشائرية أو مناطقية أو بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
4. تبذير المال العام من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص أو شركات بدون وجه حق بهدف استرضاء بعض الشخصيات في المجتمع أو تحقيق مصالح متبادلة أو مقابل رشوة، مما يؤدي إلى حرمان الخزينة العامة من أهم مواردها.
5. استغلال المنصب العام لتحقيق مصالح سياسية مثل تزوير الانتخابات أو شراء أصوات الناخبين، أو التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية، أو التأثير على قرارات المحاكم، أو شراء ولاء الأفراد والجماعات.
أسباب تفشي ظاهرة الفساد
تتعدد الأسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمعات بالرغم من وجود شبه إجماع على كون هذه الظاهرة سلوك إنساني سلبي تحركه المصلحة الذاتية، ويمكن إجمال مجموعة من الأسباب العامة لهذه الظاهرة.ومن هذه الأسباب:ـ
الأسباب الداخلية
1. ضعف الوازع الديني وضعف النفس وجشعها للمال وعدم القناعة بما قسم الله تعالى للإنسان.
2. قلة الدخل وزيادة المصروفات وارتفاع مستوى المعيشة مما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.
3. انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية والجماعية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على الواسطة والمحسوبية والمحاباة والرشوة على النسب والقرابة.
4. عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة, كما أن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته يعتبر سبباً مشجعاً على الفساد.
5. ضعف أجهزة الرقابة ومتابعة الأداء الوظيفي في الدولة وعدم استقلاليتها.
6. تغلب علاقة النسب والقربى على الواجبات والالتزامات الوطنية .
7. قوة ترابط وتكاتف الفاسدين والمفسدين ودقة تنظيمهم واتساع نطاقهم.
8. قلة الكوادر المؤهلة في كافة المجالات المختلفة .
9. الجهل بمخاطر الفساد المختلفة على المجتمع .
10. ضعف المنافسة السياسية .
11. نمو اقتصادي منخفض وغير منتظم .
12. ضعف المجتمع المدني وسيادة السياسات القمعية .
13. تزداد الفرص لممارسة الفساد في المراحل الانتقالية والفترات التي تشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية ويساعد على ذلك حداثة أو عدم اكتمال البناء المؤسسي والإطار القانوني التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين مستغلين ضعف الجهاز الرقابي على الوظائف العامة في هذه المراحل.
14. ضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية جادة بحق عناصر الفساد بسبب انغماس نفسها أو بعض أطرافها في الفساد.
15. ضعف وانحسار المرافق والخدمات والمؤسسات العامة التي تخدم المواطنين، مما يشجع على التنافس بين العامة للحصول عليها ويعزز من استعدادهم لسلوك وطرق غير مستقيمة للحصول عليها ويشجع بعض المتمكنين من ممارسة الواسطة والمحسوبية والمحاباة وتقبل الرشوة.
16. تدني رواتب العاملين في القطاع العام وارتفاع مستوى المعيشة مما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.
17. غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والأهلي الخاص، وهو ما يفتح المجال لممارسة الفساد.
18. غياب حرية الأعلام وعدم السماح لها أو للمواطنين بالوصول إلى المعلومات والسجلات العامة، مما يحول دون ممارستهم لدورهم الرقابي على أعمال الوزارات والمؤسسات العامة.
19. ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتعها بالحيادية في عملها.
20. غياب التشريعات والأنظمة التي تكافح الفساد وتفرض العقوبات على مرتكبيه.

الأسباب الخارجية
 الفساد ليس ظاهرة محلية لصيقة بالأنظمة السياسة أو الدول فقط، فقد يكون الفساد عابرا للحدود ومصدره شركات متعددة الجنسيات ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية كنتيجة لوجود مصالح وعلاقات تجارية مع شركاء خارجيين أو منتجين من دول أخرى، استخدام وسائل غير قانونية من قبل شركات خارجية للحصول على امتيازات واحتكارات داخل الدولة، أو قيامها بتصريف بضائع فاسدة.
وتمارس العديد من الشركات العالمية الكبرى التي تمتد عبر الحدود العديد من السلوكيات التي تشكل صورا للفساد الخارجي كاللجوء للضغط على الحكومات من اجل فتح الأسواق لمنتجاتها أو من اجل الحصول على عقود امتياز لاستغلال الموارد الطبيعية أو إقامة البنى التحتية، كما قد تلجأ إلى أساليب الرشوة للمسؤولين في المناصب العامة لضمان الحصول على هذه الامتيازات، أو لتصريف بضائع فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات.
وتبرز السلوكيات الفاسدة لبعض الشركات متعددة الجنسيات خاصة في ظل الدول التي تمر في مراحل انتقالية والدول النامية أو في الأقطار حديثة الاستقلال.
ونظرا لما يمكن أن يلحقه الفساد من أضرار ليس على المستوى المحلي فحسب بل وأيضا على المستوى الدولي خاصة في ظل التوجه نحو حرية التجارة  واقتصاد السوق وحرية المنافسة، فقد لجأت العديد من الدول والمنظمات الدولية والكتل الاقتصادية الدولية إلى إبرام اتفاقيات دولية لمكافحة الفساد، حيث أعدّت الأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومن الاتفاقيات الدولية الأخرى اتفاقية الأمريكتين لمكافحة الفساد، واتفاقية المجلس الأوروبي للقانون الجنائي بشأن الفساد، كذلك بادرت بعض الدول الإفريقية لبلورة اتفاقية لمقاومة الفساد.
وتساعد الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف ضد الفساد على إنجاح جهود مكافحة الفساد في مختلف الدول كما تضفي الصفة الرسمية على الالتزام الحكومي بتنفيذ مبادئ مكافحة الفساد.

مظاهر الفساد
تتجلى ظاهرة الفساد بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وبالرغم من التشابه أحيانا والتداخل فيما بينها ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد في: الرشا، الاختلاس، التهرب الضريبي والجمركي، تخصيص الأراضي، المحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية، إعادة تدوير المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة، قروض المجاملة التي تمنح دون ضمانات، عمولات البنية التحتية، العمولات المحصلة بحكم المنصب، استغلال امتيازات المنصب أو الوظيفة (السلطة القسرية) لفرض أو إجبار الآخرين على تأدية خدمات وأعمال مختلفة غير مكلفين بها رسمياً، والإسراف في استخدام المال العام ومن مظاهر الفساد :ـ
1. الرشوة :هي شكل من أشكال الفساد المالي وهي تلقي الموظف العام أموالا من صاحب المصلحة مقابل تسهيل معاملات هذا الأخير على وجه مخالف للقانون أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل أو الامتناع عن تنفيذه مخالفةً للأصول. كان يتلقى الموظف العام أموالا من رجل أعمال مقابل إعفاءه كليا أو جزئيا من الضريبة المستحقة عليه مما يحرم الميزانية العامة للدولة من مبالغ ماليه دون وجه .
2. المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة…الخ، دون أن يكونوا مستحقين لها.
3. المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.
4. الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي أو القبلي رغم كونه غير كفؤ أو مستحق.
5. الاختلاس أو نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة. ويعتبر اختلاس الأموال العامة وموجودات المؤسسات العامة من اخطر صور الفساد وأشدها فتكا ذلك لان المال العام بمجمله يجب أن يصرف وفقا لخطة شامله هدفها الاستراتيجي إنجاح العملية التنموية في المجتمع بكافة مفاصلها ،مما يعني تغييب تلك الأموال والموجودات العامة التي تم اختلاسها من خدمة العملية التنموية والمساهمة فيها مما يؤدي إلى انعكاسات سلبيه خطيرة على إنجاح العملية التنموية.
6. الابتزاز: أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.

الآثار المترتبة على الفساد
للفساد نتائج مكلفة على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن إجمال أهم هذه النتائج على النحو التالي:
اثر الفساد على النواحي الاجتماعية:
يؤدي الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية والى الإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص. كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي وتراجع الاهتمام بالحق العام. والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد والكراهية بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة وبشكل خاص النساء والأطفال والشباب.
تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية:
يقود الفساد إلى العديد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية منها:
1. إعاقة التنمية المستدامة وجهود تخفيض الفقر والأداء الحكومي الجيد.
2. الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، فالفساد يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة التي تشكل شرطا أساسيا لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر.
3. هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة، والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة.
4. الفشل في الحصول على المساعدات الأجنبية، كنتيجة لسوء سمعة النظام السياسي.
5. هجرة الكفاءات الاقتصادية نظرا لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في أشغال المناصب العامة.
تأثير الفساد على النظام السياسي:
يترك الفساد آثارا سلبية على النظام السياسي برمته سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته، وذلك كما يلي:
1. يؤثر على مدى تمتع النظام بالديمقراطية وقدرته على احترام حقوق المواطنين الأساسية وفي مقدمتها الحق في المساواة وتكافؤ الفرص وحرية الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام، كما يحد من شفافية النظام وانفتاحه.
2. يؤدي إلى حالة يتم فيها اتخاذ القرارات حتى المصيرية منها طبقا لمصالح شخصية ودون مراعاة للمصالح العامة.
3. يقود إلى الصراعات الكبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات مختلفة.
4. يؤدي إلى خلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الولاءات السياسية.
5. يؤدي إلى ضعف المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني ويعزز دور المؤسسات التقليدية، وهو ما يحول دون وجود حياة ديمقراطية.
6. يسيء إلى سمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية خاصة مع الدول التي يمكن ان تقدم الدعم المادي له، وبشكل يجعل هذه الدول تضع شروطا قد تمس بسيادة الدولة لمنح مساعداتها.
7. يضعف المشاركة السياسية نتيجة لغياب الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الرقابة والمساءلة.

مكافحة الفساد
لا يمكن الحديث عن مكافحة الفساد دون الحديث عن الشفافية فمن متطلبات الحديث عن الفساد في المجتمع والدولة الشفافية، إن لم تكن أعمال الدولة ومؤسساتها شفافة وتحت اطلاع المواطنين فلا يمكن أن نحقق مكافحة للفساد هذا من حيث المبدأ. و كلما كان هناك تداخل بين السلطات لا يمكن أن تحقق مكافحة الفساد، بمعنى أن فصل السلطات مبدأ أساسي في مسألة مكافحة الفساد. فلا يمكن وضع حد للفساد، دون فصل السلطات إنه شرط أساسي.
أما الشرط الأساسي الآخر فهو استقلال القضاء أي القضاء المستقل والفاعل في البلد، وبدون وجوده لا مجال أصلا للحديث عن مكافحة الفساد، فحتى و إن تم الكشف عن ملفات الفساد ولا يوجد قضاء مستقل يضع الحد لها، ويعاقب المسيء فكأن شيئاً لم يكن و الحالات كثيرة لازالت أمامنا.
عناصر مكافحة الفساد
يتصل بمفهوم الفساد مجموعة من المفاهيم الأخرى التي تشكل عناصر أساسية في إستراتيجية مكافحته كالمحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة.
1. المحاسبة: هي خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم، أي أن يكون الموظفين الحكوميين مسؤولين أمام رؤسائهم (الذين هم في الغالب يشغلون قمة الهرم في المؤسسة أي الوزراء ومن هم في مراتبهم) الذين يكونون مسؤولين بدورهم أمام السلطة التشريعية التي تتولى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
2. المساءلة: هي واجب المسؤولين عن الوظائف العامة، سواء كانوا منتخبين أو معينين، تقديم تقارير دورية عن نتائج أعمالهم ومدى تنفيذها، وحق المواطنين في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال الإدارات العامة (أعمال النواب والوزراء والموظفين العموميين) حتى يتم التأكد من أن عمل هؤلاء يتفق مع القيم الديمقراطية ومع تعريف القانون لوظائفهم ومهامهم، وهو ما يشكل أساسا لاستمرار اكتسابهم للشرعية والدعم من الشعب.
3. الشفافية: هي وضوح ما تقوم به المؤسسة ووضوح علاقتها مع المواطنين (المنتفعين من الخدمة أو مموليها) وعلنية الإجراءات والغايات والأهداف، وهو ما ينطبق على أعمال الحكومة كما ينطبق على أعمال المؤسسات الأخرى غير الحكومية.
4. النزاهة: هي منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص والمهنية في العمل، وبالرغم من التقارب بين مفهومي الشفافية و النزاهة إلا أن الثاني يتصل بقيم أخلاقية معنوية بينما يتصل الأول بنظم وإجراءات عملية.

إستراتيجية مكافحة الفساد
إن تعقد ظاهرة الفساد وإمكانية تغلغلها في كافة جوانب الحياة يقتضي تبني إستراتيجية تقوم على الشمولية والتكامل لمكافحة هذه الظاهرة، على أن يسبق ذلك تحديدا لمفهوم الفساد وأسبابه وأشكاله ومن ثم العمل على التقليل من الفرص والمجالات التي تؤدي إلى وجوده أو تضفي عليه الشرعية والقبول من المجتمع. وتعزيز فرص اكتشافه عند حدوثه، ووضع العقوبات الرادعة بحق مقترفيه.
وينبغي الإشارة إلى أن القضاء على الفساد يتطلب كذلك صحوة ثقافية تبين مخاطره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنشر الوعي بتكاليفه العالية.
كما ينبغي توفر الإرادة من قبل القيادة السياسية لمحاربة الفساد حتى يكون ذلك على مستوى الدولة والمجتمع أو على الأقل بان لا تصطدم توجهات مكافحة الفساد مع السلطة السياسية.
أن محاربة الفساد تتطلب رأيا عاما نشطا وواعيا يتابع الأحداث، ويهتم بالكشف عن حالات الفساد ويعاقب عليها من خلال الحرمان من التأييد الشعبي للعناصر الفاسدة في النظام السياسي.
إن إستراتيجية محاربة الفساد تتطلب استخدام وسائل شاملة ومتواصلة ومتنوعة سياسية وقانونية وجماهيرية وذلك على النحو التالي:
1. تبني نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ فصل السلطات، وسيادة القانون، من خلال خضوع الجميع للقانون واحترامه والمساواة أمامه وتنفيذ أحكامه من جميع الأطراف، نظام يقوم على الشفافية والمساءلة.
2. بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية على احترام أحكامه .
3. إعمال القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد على جميع المستويات، كقانون الإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون حرية الوصول إلى المعلومات، وتشديد الأحكام المتعلقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامة في قانون العقوبات.
4. تطوير دور الرقابة والمساءلة للهيئات التشريعية من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة في هذا المجال مثل الأسئلة الموجهة للوزراء وطرح المواضيع للنقاش العلني، وإجراء التحقيق والاستجواب، وطرح الثقة بالحكومة.
5. تعزيز دور هيئات الرقابة العامة كمراقب الدولة أو دواوين الرقابة المالية والإدارية أو دواوين المظالم، التي تتابع حالات سوء الإدارة في مؤسسات الدولة والتعسف في استعمال السلطة، وعدم الالتزام المالي والإداري ، وغياب الشفافية في الإجراءات المتعلقة بممارسة الوظيفة العامة.
6. التركيز على البعد الأخلاقي في محاربة الفساد في قطاعات العمل العام والخاص والأهلي وذلك من خلال التركيز على دعوة كل الأديان إلى محاربة الفساد بأشكاله المختلفة، وكذلك من خلال قوانين الخدمة المدنية أو الأنظمة والمواثيق المتعلقة بشرف ممارسة الوظيفة (مدونات السلوك(.
7. إعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنح الحصانة للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها و إصدار نشرات، تعرّف بنشاط وعمل الجمعيات المساهمة في الحرب ضد الفساد ، وتشجيع الكتّاب والأدباء والفنانين لنشر ثقافة تعمّق الأخلاق النبيلة.
8. تنمية الدور الجماهيري في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها وتكلفتها الباهظة على الوطن والمواطن، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد التعليمية والمثقفين في محاربة الفساد والقيام بدور التوعية القطاعية والجماهيرية.
9. إعادة الاعتبار للمثل والقيم الاجتماعية الأصيلة والتي تعتبر الفساد أمراً مشيناً لذات الإنسان وكرامته .
10. دراسة مواطن الخلل في القوانين والأنظمة الإدارية والإجراءات التي تفضي إلى انتشار الفساد وصياغة اقتراحات لتعديلها.
11. دراسة الواقع المعيشي الاجتماعي للمواطنين وتأثيره على الفساد.
12. إعداد وفتح ملفات الفساد لنشرها وتفعيلها لدى الجهات المعنية المختلفة.

مبادرات ووثائق الدولية لمكافحة الفساد 
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد:
إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ تقلقها خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوّض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرّض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر،وإذ تقلقها أيضا الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية، بما فيها غسل الأموال،وإذ تقلقها كذلك حالات الفساد التي تتعلق بمقادير هائلة من الموجودات، يمكن أن تمثل نسبة كبيرة من موارد الدول، والتي تهدّد الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة لتلك الدول، واقتناعا منها بأن الفساد لم يعد شأنا محليا بل هو ظاهرة عبر وطنية تمس كل المجتمعات والاقتصاديات، مما يجعل التعاون الدولي على منعه ومكافحته أمرا ضروريا،واقتناعا منها أيضا بأن إتباع نهج شامل ومتعدد الجوانب هو أمر لازم لمنع الفساد ومكافحته بصورة فعالة،واقتناعا منها كذلك بأن توافر المساعدة التقنية يمكن أن يؤدي دورا هاما، بما في ذلك عن طريق تدعيم الطاقات وبناء المؤسسات، في تعزيز قدرة الدول على منع الفساد ومكافحته بصورة فعالة،واقتناعا منها بأن اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن أن يلحق ضررا بالغا بالمؤسسات الديمقراطية والاقتصاديات الوطنية وسيادة القانون، وإذ عقدت العزم على أن تمنع وتكشف وتردع، على نحو أنجع، الإحالات الدولية للموجودات المكتسبة بصورة غير مشروعة، وأن تعزز التعاون الدولي في مجال استرداد الموجودات، وإذ تسلمّ بالمبادئ الأساسية لمراعاة الأصول القانونية في الإجراءات الجنائية وفي الإجراءات المدنية أو الإدارية للفصل في حقوق الملكية، وإذ تضع في اعتبارها أن منع الفساد والقضاء عليه هو مسؤولية تقع على عاتق جميع الدول، وأنه يجب عليها أن تتعاون معا بدعم ومشاركة أفراد وجماعات خارج نطاق القطاع العام، كالمجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، إذا كان يراد لجهودها في هذا المجال أن تكون فعالة، وإذ تضع في اعتبارها أيضا مبادئ الإدارة السليمة للشؤون والممتلكات العمومية، والإنصاف والمسؤولية والتساوي أمام القانون وضرورة صون النـزاهة وتعزيز ثقافة تنبذ الفساد، وإذ تثني على ما تقوم به لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من أعمال في ميدان منع الفساد ومكافحته، وإذ تستذكر الأعمال التي اضطلعت بها المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى في هذا الميدان، بما في ذلك أنشطة مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الدول الأمريكية ومجلس التعاون الجمركي المعروف أيضا باسم (المنظمة العالمية للجمارك) وجامعة الدول العربية، وإذ تحيط علما مع التقدير بالصكوك المتعددة الأطراف لمنع الفساد ومكافحته، بما فيها اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد، التي اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية في 29 آذار/مارس 1996، واتفاقية مكافحة الفساد بين موظفي الجماعات الأوروبية أو موظفي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبـي، التي اعتمدها مجلس الاتحاد الأوروبـي في 26 أيار/مايـو 1997، واتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية، التي اعتمدتها منظمــة التعــاون والتنميـــة في الميدان الاقتصـــادي في 21 تشرين الثاني/نوفمــبر 1997، واتفاقية القانون الجنائي بشأن الفساد، التي اعتمدتها اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا في 27 كانون الثاني/يناير 1999، واتفاقية القانون المدني بشأن الفساد، التي اعتمدتـها اللجنـــة الوزارية لمجلس أوروبـــا في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1999، واتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومحاربته، التي اعتمدها رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في 12تموز/يوليه2003، وإذ ترحب بدخول اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية حيّز النفاذ في 29أيلول/سبتمبر2003 وغيرها من المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية .

 منظمة الشفافية الدولية
“الاتحاد العالمي ضد الفساد” هذا هو شعار “منظمة الشفافية الدولية” التي أنشأت عام 1995م -ومقرها برلين- لتساعد الدول والأفراد الراغبين في أن يحيوا في “جزر النزاهة”، بعد انتشار الفساد المالي والإداري سواءً على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، وعجز المؤسسات القطرية المعنية بمحاربته عن مواجهته، بعد أن تحول إلى غول يلتهم ليس فقط جهود التنمية المحلية، بل الجهود الدولية المتمثلة في المنح والمعونات والقروض.
ومنظمة الشفافية هي منظَّمة غير حكومية مهمتها أن تزيد من فرص ونسب مساءلة الحكومات، وتقييد الفساد المحلي والدولي، وهي تمثّل حركة دولية لمحاربة الفساد.
وطريق المنظمة في العمل لتحقيق أهدافها ينبع من إيمانها بأنه من الممكن محاربة الفساد بشكل مستمرّ، في حالة مشاركة كل المعنيّين سواء من الحكومة أو المجتمع المدني، أو القطاع الخاص. ووسيلتها في ذلك أن تجمع في فروعها المحلية الأفراد ذوي الذمم والمعروفين بالنزاهة في المجتمع المدني، وفي عالم التجارة والأعمال، وفي الحكومات؛ للعمل في تحالف من أجل إصلاح النظام، ومبدأ المنظمة في ذلك عدم تسمية أسماء أو مهاجمة أفراد بعينهم، وإنما تركّز على بناء نظم تحارب الفساد، كما أن المنظمة تلعب دورًا هامًا في زيادة الوعي العام بمخاطر الفساد في الكثير من البلاد.
وتؤمن المنظمة كذلك أن هناك طرقًا عملية يستطيع من خلالها كل رجل أو امرأة –على اختلاف أعمارهم– القيام بدور فعال في هذه المؤسسة العالمية الفريدة.
تعتمد المنظمة في تمويل أنشطتها على التبرعات والإعانات التي يقدمها عدد لا بأس به من الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمؤسسات الاقتصادية كالبنك الدولي والأمم المتحدة، وشركات بوينج، وجنرال موتورز، وكوداك، ولاشك أن هذه المؤسسات ترى أن هذا التمويل يحقق عوائد متعددة الأبعاد، فمن ناحية يظهر اهتمامها بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية كنوع من الدعاية لها، ومن ناحية أخرى فإن محاربة الفساد يمكن أن يحقق لها عوائد اقتصادية، تتمثل في توفير تكلفة العمولات والرشاوى التي تضطر لتقديمها لبعض المسئولين؛ لتمرير بعض الصفقات، وفوق كل هذا وذاك المساهمة في تدويل وسيطرة النموذج الغربي، وخلق مجموعة من التشابكات تؤدي إلى اضطرار كافة الدول للخضوع له كآلية من آليات النظام العالمي الجديد، فضلاً عن استخدام مثل هذه المنظمات وتقاريرها عن الفساد، كورقة ضغط على بعض الدول لتمرير قوانين تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات أو المؤسسات الدولية.
أهداف المنظمة ومبادئها الإرشادية
هدف المنظمة كما جاء في أوراقها هو الحدُّ من الفساد عن طريق تفعيل اتحاد عالمي لتحسين وتقوية نظم النزاهة المحلية والعالمية.
وتعتمد المنظمة على مبادئ إرشادية تتلخص في:
1. إدراك أن مخاطر الفساد تتعدّى حدود الحالات الفردية؛ ولذا فهناك مسئولية مشتركة وعامة لمحاربة الفساد.
2. اعتبار الحركة ضدَّ الفساد حركة عالمية تتجاوز النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية داخل كل دولة.
3. الاهتمام بمبادئ؛ مثل: المشاركة، اللامركزية، التنوع، المساءلة والشفافية على المستوى المحلي.
4. عدم التحزّب.
5. إدراك أن هناك أسبابًا عملية قوية وأخرى أخلاقية لوجود الفساد.

أربعة عناصر لتحقيق أهداف المنظمة
تتبنى منظمة الشفافية إستراتيجية مكونة من عدة عناصر لتحقيق أهدافها تتمثل في الآتي:
1. بناء تحالفات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي تضمّ: الحكومات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل محاربة الفساد الداخلي والخارجي.
2. تنظيم ودعم الفروع المحلية للمنظمة لتحقيق مهمتها.
3. المساعدة في تصميم وتنفيذ نظم النزاهة الفعالة.
4. تجميع وتحليل ونشر المعلومات وزيادة الوعي العام بالأضرار المهلكة للفساد (خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض) على الإنسان والتنمية الاقتصادية.

أهم إنجازات المنظمة
طبقًا لتصريحات المسئولين للمنظمة؛ فقد تحقق عدد من الإنجازات خلال السنوات الخمس الماضية من عمر المنظمة، تتمثل في الآتي:
1. تحريك موقف البنك الدولي من وضع رافض لتقبل فكرة محاربة الفساد إلى وضع جعل رئيسه “جيمس ولفنسون” معروفًا بأنه زعيم الحركة العالمية لاحتواء الفساد.
2. تقديم الدعم لمنظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية في إصدار “اتفاقية مقاومة رشوة الموظفين الأجانب الذين يعملون في المعاملات التجارية العالمية” التي قالت عنها جريدتا: “واشنطن بوست” و”نيويروك تايمز” أنها تُعد نصرًا لمنظمة الشفافية.
3. الضغط على دول منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية(48 دولة) من أجل إنهاء تخفيض الضرائب على الرشاوى، وتم ذلك في كل الدول تقريبًا فيما عدا هولندا.
4. كسر حاجز الحذر المفروض في مناقشة أمور الفساد المتعلق بالتجمعات الدولية.
5. إنشاء تحالفات من المنظمات والأفراد لاختيار حكومات صادقة وأمينة على مستوى العالم، وتنمية ممارسات تجارية أكثر تحملاً للمسئولية الاجتماعية.
6. زيادة فروع المنظمة باستمرار حتى شملت أكثر من 60 دولة على مستوى العالم، وهذا يوضح مدى الأهمية التي اكتسبتها قضية الفساد، حتى إن ورش عمل “النزاهة” بهذه الفروع دفعت رؤساء الدول إلى الإفصاح عن ممتلكاتهم الخاصة؛ وذلك في تنزانيا وموريتانيا.
7. اكتساب المنظمة شهرة عالمية كمشارك مهم في معركة الفساد، خاصة إصدارها السنوي الذي تنشره المنظمة عن الفساد، وترتب فيه الدول حسب مستويات الفساد بها.

الخاتمة
إن انتشار الفساد لدى أصحاب المناصب والوظائف العامة وخاصة العليا منها يؤدي إلى نزع الثقة بين المواطنين والدولة ويضعف الشعور لدى الجمهور بالانتماء الوطني مما يؤدي في نهاية الأمر إلى أن ينأى المجتمع المدني ومؤسساته بنفسه عن التفاعل مع قضايا وهموم الوطن وينأى بنفسه أيضا عن المشاركة بالعملية التنموية ، مع العلم أن نجاح العملية التنموية مرهون بمشاركة المجتمع المدني وقواه والقطاع الخاص جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة ، فالدولة وحدها لا تستطيع القيام بالعملية التنموية .
 إن محاربة هذه الآفة الخطيرة التي تسمى الفساد ليس بالأمر السهل فلا بد من تضافر جهود كل من الدولة بمختلف سلطاتها ومؤسسات المجتمع المدني وقواه وأيضا الهيئات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الفساد ضمن برامج علميه عمليه للحد من هذه الظاهرة ومحاولة القضاء عليها .
فالفساد هو سلوك بشري سواء كان فرديا أو جماعيا ويجب أن نعي أن الفساد موجود في كل قطاعات المجتمع الحكومي والعام والخاص وأن القضاء عليه لا يعتبر مسؤولية الحكومة فقط وإنما هي مسؤولية جميع أطراف المجتمع .
في الحقيقة الفساد ظاهرة عالمية ولكنها في بلدان العالم الثالث أصبحت مرض خطير بل وباء فتاك بسبب غياب الشفافية والحكم الرشيد ومنظمات المجتمع المدني والديمقراطية فضلاً عن تسلط الأنظمة وجهل الشعوب.

أقوال من الفلاسفة
1. من يتخلى عن حريته خوفا على أمنه ، لا يستحق حرية ولا يستحق أمناً .بنيامين فرانكلين
2. السياسيون متشابهون في كل مكان. فهم يعدون ببناء جسور حيث لا يوجد هناك أنهار.نيكيتا خروتشيف
3. حين تصمت النسور، تبدأ الببغاوات بالثرثرة. ونستون تشرشل
4. إستراتيجية الضعيف العاجز هي الإيقاع بين الأقوياء عله ينجو بنفسه.مايلز كوبلاند
5. رأينا الحرية مرة واحدة عندما سرنا في جنازتها لدفنها . باكونين
6. إننا نعيش تحت رحمة غددنا الصماء , إذا اختل توازنها تحول الرجل الحكيم إلى أبله والمرأة الفاضلة إلى شيطان. واطسون
7. لا يجب أن نحكم على ميزات الإنسان بمؤهلاته ولكن باستخدامه لهذه المؤهلات
8. نحن نسقط لكي ننهض ونهزم في المعارك لنحرر نصرا أروع ..تماما كما ننام لكي نصحوا أكثر قوة ونشاطا .بروانبخ
9. الرجل الناجح هو الذي يظل يبحث عن عمل بعد أن يجد وظيفة
10. عندما أقوم ببناء فريق فأني أبحث دائما عن أناس يحبون الفوز ،وإذا لم أعثر علي أي منهم فأنني ابحث عن أناس يكرهون الهزيمة . روس بروت
11. من يعش في خوف لن يكون حرا أبدا . هوارس
12. جميع الرجال يملكون حقوقا متساوية، ولكن ليس لأشياء متساوية.” إدموند بيرك 
13. أن نكون تحت السيطرة في شؤوننا الاقتصادية، هو أن نكون محكومين في كل أمر آخر.” فريدرك هايك
14. الحرية الوحيدة التي تستحق الاسم هي تلك التي نستطيع من خلالها متابعة ما هو في صالحنا، وبطريقتنا الخاصة، ما دام أننا لا نحاول حرمان الآخرين من ذلك، ونعيق جهودهم لتحقيقها. جون ستوارت ميل 
15. إننا نؤمن بأن هذه الحقائق ثابتة، أن جميع الرجال خلقوا متساوين، أن خالقهم قد منحهم حقوقا ثابتة غير قابلة للتصرف، وأن من بينها الحياة، الحرية والسعي لتحقيق السعادة.”  توماس جيفرسون 
16. العدالة هي أن تعيش بصدق، وأن لا تؤذي أحدا، وأن تعطي كل ذي حق حقه.”  الفيلسوف الإغريقي ألبيان
17. عندما لا تجتاز البضائع الحدود، فسوف يعبرها الجنود.”  فريدريك باستيا 
18. الكائنات الذكية قد تملك قوانين من وضعها؛ ولكنها أيضا تملك بعض القوانين التي لم تضعها أبدا.” شارلز لويس مونتيسكيو 
19. كثير من المؤسسات كانت نتيجة فعل الإنسان، ولكن لم تكن نتيجة عمل متعمد منه.” آدم فيرجسون

هارون سليمان يوسف  [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *