حسين شبكشي
مسكين الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وكأنه لا تكفيه المشاكل والتحديات التي تأتيه من الشخصيات النافذة المختلفة من حوله مثل منافسيه في المعارضة السياسية السودانية من أمثال حسن الترابي والصادق المهدي وغيرهما، أو من رئيس جمهورية جنوب السودان ونائبه الأسبق سلفا كير، وكذلك من رئيس المحكمة الجنائية الدولية الأسبق أوكامبو والرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما ليظهر له النجم الهوليوودي الأكبر والأكثر شهرة جورج كلوني ليتبنى موضوع دارفور بشكل شخصي ويصنف الرئيس السوداني بأنه أخطر الشخصيات في العالم اليوم ويتظاهر أمام السفارة السودانية في العاصمة الأميركية واشنطن دي سي مع والده ويلقى القبض عليه من قبل الشرطة المحلية بذريعة إزعاج السفارة والاعتداء على أرضها، وطبعا ينال بسبب ذلك تغطية إعلامية مهولة تعيد التركيز على قضية الوضع في دارفور ودور الحكومة السودانية في إلحاق الأذى بالمدنيين هناك وسياسات التفرقة العنصرية البغيض التي تُتبع بحقهم عبر السنوات الطويلة الماضية والإهمال الكبير بحق السكان هناك.
وطبعا كان التعاطف كبيرا جدا مع موقف جورج كلوني، وأيدت الكثير من وسائل الإعلام الدولية ما صرَّح به الرجل باتجاه حكومة السودان ورئيس الدولة عمر حسن البشير، وللحق فإن هذه ليست المرة الأولى التي يتبنى فيها نجم كبير موقفا سياسيا مهما ويدافع عنه ليصبح تحت المجهر والأضواء ويأتي بجاهه ومكانته ونفوذه لمساندة الموقف المدعوم؛ فهناك النجم الأميركي الكبير ريتشارد غير الذي يتبنى قضية الدالاي لاما، المرشد والزعيم الروحي للبوذيين حول العالم، وقضية التيبت ضد الحكومة الصينية وقمعها للمنطقة المذكورة، وكذلك يوجد الموقف المعروف للممثل شون بين، المناهض لحروب أميركا في الشرق، وهو الذي وقف مع أطفال العراق ضد حرب جورج بوش الابن عليهم، وكذلك موقف المخرج الأميركي الكبير أوليفر ستون، المؤيد لحاكم فنزويلا هوغو شافيز، وحاكم كوبا الأسبق فيدل كاسترو أمام العقوبات الأميركية بحق بلديهما، وكذلك الممثلة البريطانية الكبيرة فينيسا ريد غريف ومواقفها المؤيدة للفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وكذلك طبعا الممثلة الكبيرة جين فوندا ومواقفها المناهضة للحرب الأميركية على فيتنام، وكذلك موقف الممثلة الفرنسية بريجيت باردو وموقفها الداعم لحماية الحيوانات وقتلها وذبحها، ولا يمكن إغفال دور الممثلة المشهورة أنجلينا جولي وحراكها الإغاثي المستمر ضد مناطق النزاع المسلح لصالح اللاجئين والمشردين.
وفي يوم من الأيام كان لموقف الممثل الأسطوري مارلون براندو في الدفاع عن قضايا مواطني بلاده من الهنود الحمر الصيت والشهرة الكبيران. طبعا هناك أرضية حقوقية واضحة الملامح يقف عليها الفنان جورج كلوني حين مطالبته بالدفاع عن حقوق دارفور وسكانها ومطالبته بالعقاب والمحاسبة لحاكم السودان ورموز حكومته المسؤولين عن سياسات القمع والقتل الممنهجين، لكن ما يضعف الحجة ويبطل مفعولها هو انعدام النمط العادل لملاحقة كل المجرمين وكل الأنظمة التي ترتكب الجرائم ذاتها والذنب ذاته، وإن كان بأشكال مختلفة، لكنها تلقى حماية إعلام منافق وحملة علاقات عامة تحميها، إضافة إلى سياسة ترى الناس بمعيار آخر وتكيل بمكيالين.
آخر هموم البشير كان أن تفتح هوليوود وآلتها الإعلامية العملاقة، عن طريق نجمها الأشهر والأكبر، عليه وعلى نظامه، لكن هذا ما حدث. واليوم جورج كلوني لا يمثل مشهدا في آخر أفلامه ينال بسببه الثناء والإطراء، لكن يتصدر نشرات الأخبار وأنباء الصحف كمدافع عن دارفور وأهلها وخصمه الأول عمر حسن البشير. شهرة وصلت للبشير لم يكن يبحث عنها، وخصم جديد يضاف لم يكن بحاجة إليه. وكأني أتخيل البشير متنهدا في الخرطوم وهو يتساءل: «داير شنو كلوني؟».
[email protected]
الشرق الاوسط