قيادي من جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط»: سياسة واشنطن المتناقضة تشعرنا بـ«الخيانة»
انتقد رفضها إرسال الدبابات إلى جوبا
واشنطن: محمد علي صالح
انتقد قيادي من جنوب السودان يقيم في الولايات المتحدة إدارة الرئيس باراك أوباما لرفضها السماح لكينيا بإرسال دبابات إلى جنوب السودان كانت حكومة جنوب السودان قد اشترتها من أوكرانيا قبل سنتين.
وقال ستيف باتيرنو لـ«الشرق الأوسط»: «أوضحت مشكلة الدبابات أن الحكومة الأميركية مثل (فتوة الحي) الذي يخيف الأطفال الضعفاء. في الحقيقة، هذه سياسات عالمية تعرض أرواح الملايين للخطر». وفضل القيادي الجنوبي أن تعتمد «دولة جنوب السودان» المقبلة على كينيا وأوغندا كدول مجاورة أكثر من الاعتماد على الولايات المتحدة. وقال: «إن سياسة الولايات المتحدة المتناقضة تخلق عدم ثقة وإحساسا بالخيانة». وباتيرنو ولد في جوبا في جنوب السودان، وينتمي إلى قبيلة اللاتوكا، والآن يدرس في كلية ميرسي هيرست (ولاية بنسلفانيا) الأميركية، وكتب كتاب «الأب ساتيرنينو.. القس الذي صار متمردا».
كان موقع «ويكيليكس» قد نشر وثائق للخارجية الأميركية، أوضحت أنها كانت تتابع شحنات سرية لدبابات من أوكرانيا إلى جنوب السودان عن طريق كينيا. وكانت تقلق على المبالغة في تسليح الحركة الشعبية. وأوضحت وثيقة أخرى أن الحركة الشعبية كانت تريد مزيدا من الأسلحة، منها طائرات هليكوبتر «هجومية». وفي عام 2008، خطف قراصنة صوماليون السفينة الأوكرانية «فينا»، وفيها 32 دبابة كانت متجهة إلى حكومة جنوب السودان عن طريق كينيا. وفي ذلك الوقت، نفى ذلك بشدة كل من أوكرانيا وكينيا وحكومة جنوب السودان.
حسب الوثائق، كانت الاستخبارات الأميركية تعلم أن هذه الدبابات ليست فقط متجهة إلى جنوب السودان، بل كانت الدفعة الأخيرة من شحنات أسلحة سرية، منها 67 دبابة من طراز (T 72) كانت قد وصلت بالفعل إلى جنوب السودان، وأن إدارة الرئيس السابق بوش الابن كانت تعلم، وقررت عدم التدخل لإيقافها. لكن، في عهد الرئيس باراك أوباما، احتجت واشنطن لدى أوكرانيا وكينيا، بل وهددت بفرض عقوبات عليهما.
وحسب الوثائق، لا يزال مصير الدبابات التي نقلتها السفينة «فينا» غير معلوم، بعد أن تم تسليمها إلى كينيا. ويعتقد مراقبون في واشنطن أنها لا تزال في كينيا. وكشفت الوثائق عن أن حكومة جنوب السودان كانت قد تعاقدت على شراء 100 دبابة من أوكرانيا. ووصلت أول شحنة إلى جنوب السودان عام 2007 من دون ضجة كبيرة. وأيضا الشحنة الثانية سنة 2008، آخر سنوات الرئيس بوش. وفي عهد أوباما، عرضت الولايات المتحدة حوافز على الخرطوم للتعاون من أجل تنظيم الاستفتاء المقرر له الشهر المقبل. واتخذت الإدارة الجديدة موقفا أكثر تشددا من إدارة بوش فيما يتعلق بشحنات الدبابات. كانت وثيقة أخرى قد كشفت أن كينيا شكت في أن أوباما بدأ ينحاز نحو الرئيس السوداني عمر البشير ضد جنوب السودان. وتساءلت كينيا ما إذا كان أوباما سيغير سياسة الرئيس السابق بوش الابن. وما إذا كانت واشنطن «غيرت سياستها، وتريد إعادة النظر في اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب في السودان، وتريد الميل نحو البشير، وتريد دولة موحدة في السودان». وكتب السفير الأميركي لدى كينيا أن كينيا «تخلط بين مفهومين» حول أهداف الولايات المتحدة: «تحويل الجيش الشعبي إلى قوة تقليدية صغيرة، قادرة على الدفاع عن جوبا» و«ليس لتقدر على الزحف نحو الخرطوم وتحتلها».
وأمس في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، استعمل باتيرنو، القيادي الجنوبي المقيم في الولايات المتحدة، شعار «تكلم بهدوء واحمل عصا كبيرة» للرئيس الأميركي قبل مائة سنة تقريبا ثيودور روزفلت. وقال باتيرنو: إن الشعار يلخص ما كشفته وثائق «ويكيليكس» من أن الولايات المتحدة «تستعمل دبلوماسية قسرية، كلها تهديدات، وفيها مطالب غير واقعية». وأضاف: «في كل حالة، لا تفرق أميركا بين العدو والصديق. والذين يعتقدون أنهم أصدقاء أميركا هم الذين يصابون بصدمة عندما يعلمون بسياسات أميركا المتناقضة».
وقال: إن حكومة جنوب السودان «حليف حقيقي، أو حليف على السطح» للولايات المتحدة. وأشاد بالدور الأميركي، عبر السنوات الأخيرة، في وقف الحرب بين الشمال والجنوب في السودان. والتوقيع على اتفاقية السلام سنة 2005. وتقديم ملايين الدولارات لإنشاء مشاريع تنمية في الجنوب. وأنها «تؤيد تأييدا كاملا استقلال جنوب السودان». وتحث الدول المجاورة على مساعدة «الدولة الجديدة». لكنه قال: إن الدول المجاورة، مثل كينيا وأوغندا واجهت ضغوطا أميركية لعدم إرسال الدبابات إلى جنوب السودان. وأن كينيا «وجدت نفسها في موقف حرج»، واضطرت لإنكار أن الدبابات متجهة إلى جنوب السودان. وأشار إلى ضغوط أميركية على حكومة أوكرانيا؛ لأنها ترسل الدبابات. وإلى تهديد بمعاقبتها إذا فعلت ذلك. وقال باتيرنو: «من سخريات القدر أن حلفاء أميركا وجدوا أنفسهم معرضين لعقوبات أميركية».