عضو في وفد الحكومة السودانية: نريد أن نعيش مع واشنطن وسنرد التحية بأحسن منها

قال عضو الوفد الحكومي السوداني، الذي زار الولايات المتحدة، أخيرا، البروفسور بكري عثمان سعيد، إنهم لمسوا خلال الزيارة أن الإدارة الأميركية الجديدة تتحدث عن تطبيع العلاقات بين البلدين بنية حسنة، وأضاف «ونحن نرحب ونرد بأحسن منها»، غير أنه، وهو من اللاعبين الأساسيين في مشوار التطبيع بين حزب المؤتمر الوطني والولايات المتحدة، نفى بشدة وجود صفقة عقدها حزب المؤتمر الوطني خلال الزيارة مع المسؤولين في إدارة أوباما بغرض التطبيع، وقال «أبدا لا توجد صفقة.. ونحن لم نقل شيئا لم نتحدث عنه في وسائل الإعلام»، وأضاف أن التطبيع عملية مستمرة. وقال سعيد، وهو مدير جامعة السودان المفتوحة في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، أن الزيارة أنجزت أشياء لحزب المؤتمر الوطني «لم تكن متاحة لنا من قبل»، وأضاف «لقد وجدناهم يتحدثون بلغة جديدة»، وحسب الناشط في حزب المؤتمر الوطني فإن حزبه حصل خلال الزيارة على «شهادة براءة من قلب العاصمة الأميركية»، وقال لأول مرة يزور حزبه الولايات المتحدة زيارة رسمية، ولأول مرة «يتحرك بحرية ويجد الأذن الصاغية هناك». واستغرب لما سماه انزعاج الحركة الشعبية للتقارب بين حزبه والإدارة الأميركية.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

* ما هو السبب الرئيسي لزيارة الوفد الحكومي إلى واشنطن، هل لحضور مؤتمر داعمي اتفاق السلام الشامل «اتفاق نيفاشا»، أم للمباحثات الثلاثية بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والمبعوث الأميركي للسودان أسكوت غرايشن؟

ـ السبب الأول للزيارة هو لحضور مؤتمر داعمي «اتفاق نيفاشا»، ولكن المباحثات الثلاثية كانت مقدمة ضرورية وفرت مادة أساسية مرتبطة بالمؤتمر. ثم أجرينا لقاءات مع المسؤولين في الإدارة الأميركية ومسؤولي المنظمات وغيرها من المؤسسات هناك.. وكانت اللقاءات بمثابة امتداد للحوار الأميركي السوداني الذي بدأ في الخرطوم إبان زيارة المبعوث الأميركي غرايشن، وغيره من المسؤولين في الإدارة الجديدة.

* وهل خرج المؤتمر بما يدعم تنفيذ اتفاق السلام الشامل «نيفاشا» في الفترة المقبلة؟

ـ المؤتمر كان مفيدا، حث فيه المشاركون على دفع تنفيذ اتفاق السلام، وأعاد التركيز الدولي على الاتفاق، وجدد الدعم الإقليمي والدولي له، وكان المؤتمر بالنسبة لنا في حزب المؤتمر الوطني فرصة لتقديم وجهة نظرنا في القضايا المطروحة في عملية تنفيذ الاتفاق.

* اتفاق السلام في مرحلة العد التنازلي، فهل ترون أن ما بقي من زمن كاف لتنفيذ الاتفاق بتجاوز القضايا الخلافية؟

ـ من وجهة نظرنا ممكن، لأن ما بقي من ملفات يحتاج إلى نوايا حسنة والعمل بروح الشراكة، إذا ما توفر هذا فإن تنفيذ الاتفاق ممكن.

* وما هي القضايا المعقدة في قائمة القضايا العالقة؟

ـ ترسيم الحدود، وهذه قضية فيها اتفاقات أخرى في نزاعات محلية، كما أن عملية تنزيل أي ترسيم على الأرض أمر صعب.. والخلاف الأكبر يتمثل في نتيجة الإحصاء السكاني.. نحن في المؤتمر الوطني نرى أن العملية تمت بعلمية وحيادية، واعتبرها المراقبون أنموذجا يحتذى به، غير أن الحركة الشعبية تنظر إلى الأمر نظرة سياسية، وتتحدث عن تغييرات في نتيجة التعداد، ونحن نقول إن أي تغييرات تحدث تفتح الباب لإثارة المشاكل التي لا تنتهي، نحتاج إلى تحاور لتجاوز هذا الخلاف.

* تتحدثون عن نوايا حسنة لتجاوز عقبات اتفاق السلام، ولكن مرور الزمن يفرض اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ الاتفاق عبر اختراقات محددة؟

ـ جرى اتفاق مع الحركة الشعبية على تكثيف الاجتماعات، حيث يتم الاجتماع الثاني لاجتماع واشنطون الثلاثي في الخرطوم في يوليو (تموز) الحالي، والثالث في مدينة «جوبا»، عاصمة جنوب السودان في أغسطس (آب) المقبل.

* وما هي الأشياء التي سيركز عليها الاجتماعان المقبلان؟

ـ قضايا الخلاف حول نتيجة الإحصاء وترسيم الحدود وقانون الاستفتاء، وإعادة الدمج والتسريح للجيشين، وقضايا الانتخابات.

* وماذا لمستم من الإدارة الأميركية في شأن تطبيع العلاقات من خلال اللقاءات التي جرت خلال الزيارة؟

ـ نحن نرى أن هذه الإدارة منذ أن أتت وهي تتحدث عن التطبيع بنية حسنة، ونحن نرحب بهذا التوجه.

* ما هي الشروط التي طرحتها الإدارة الأميركية لعملية التطبيع؟

ـ ليست هناك شروط، ولكنهم يرون ضرورة التقدم في حل الأزمة في دارفور وتنفيذ اتفاق السلام الشامل، ويرون أن هناك فرصة لمواصلة الحوار.. ونحن نقول لهم إن الولايات المتحدة إذا أرادت أن تكون وسيطا نزيها فيقدح في ذلك حقيقة أنها تتحدث معنا وهي في الوقت نفسه تضعنا في خانة العدو.

* هذه مطالب مستمرة، فهل من جديد آخر من جانبهم؟

ـ الجديد هو دخولهم في عملية تسهيل تنفيذ اتفاق السلام.

* وأين دارفور في اللقاءات التي جرت؟

ـ لم نناقش موضوع دارفور بشكل أساسي في الزيارة.. ولكن نحن نعرف أن المبعوث الأميركي يدعم المبادرة القطرية، كما أنه يعرف أهمية تطبيع العلاقات مع تشاد.. كما نرى نحن أن تطبيع العلاقة مع تشاد يعني بالضرورة تسوية الأوضاع مع حركة العدل والمساواة والأوضاع مع المعارضة التشادية.

* ومتى نتوقع حدوث نقلة من خانة النوايا الحسنة بين الطرفين إلى خانة الخطوات العملية في اتجاه التطبيع، ماذا طرحوا هم في هذا الاتجاه العملي؟

ـ في مجال رفع العقوبات الاقتصادية قالوا لنا على رجال الأعمال السودانيين أن يتقدموا بحزمة للتعاون في مجال المال والأعمال بين البلدين، مع الجانب المماثل الأميركي.. وهذه إشارة قد تؤدي إلى رفع العقوبات جزئيا.

* وماذا عن رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب؟

ـ تحدثنا حول هذا الموضوع، ولكن نحن نعلم أن القرار في الولايات المتحدة اتخاذه صعب، هناك الكونغرس وهناك اللوبي وهناك الإعلام، وعليه فإن مثل هذه القرارات لابد أن تكون مسبوقة بمراحل كثيرة ودلائل عملية.

* وما هي الحصيلة الملموسة للقاءات التطبيع في واشنطن؟

ـ هناك حوار مستمر، وهذه الزيارة هي الأولى التي توجه من الولايات المتحدة رسميا لحزب المؤتمر الوطني، ولأول مرة هناك حرية تامة في التحرك تستطيع من خلالها الدخول إلى أي مكان، وأن تجد الأذن الصاغية، ذهبنا إلى أماكن كثيرة، وفي الكونغرس تحركنا وسط مجموعات الكتلة السوداء، تحاورنا معهم ودعوناهم لزيارة السودان، وفي هذا الاتجاه سيصل وفد للسودان في أغسطس (آب) المقبل في زيارة رسمية.. نحن نعتبر أن هذه الزيارة أنجزت أشياء لم تكن متاحة لنا من قبل.

* هل تقدمتم بمقترحات محددة للمبعوث بشأن حل الأزمة في دارفور؟

ـ لا، كما قلت لك أن دارفور لم تناقش في اللقاءات إلا في إطار تبادر الآراء.

* وما هو المتوقع في شأن تطبيع العلاقات بين البلدين؟

ـ إذا حدث تقدم في دارفور وفي اتفاق السلام والأميركيون موجودون في هذه الأمور بدور الوسيط فلن يكون لهم عذر ألا يبدأوا التطبيع… لا نريد أن نستبق الأمور.. هذه عملية مستمرة دخلنا فيها بصدر رحب، وكما قال الرئيس من قبل نحن لسنا أعداء لأميركا، وأقول هم بدأوا الآن وجاءوا لنا بصدر مفتوح ونحن نرد التحية بأحسن منها، ونقول لهم نحن نريد أن نعيش معكم.. وهنا أريد أن أذكر بأن الدكتور غازي صلاح الدين العتباني «مستشار الرئيس رئيس الوفد الحكومي إلى الولايات المتحدة» قال لهم لقد استطعنا أن نعيش بدونكم ولكننا نريد أن نعيش معكم.

* هناك شكوك من الحركة الشعبية بأنكم ذهبتم إلى الولايات المتحدة من أجل التطبيع، وليس من أجل شيء آخر؟

ـ الحركة الشعبية تتوجس من وجود المؤتمر الوطني في الولايات المتحدة، وصلت حد تصريحات للقيادي من الحركة الشعبية بأنهم سيوقفون التطبيع بين حزب المؤتمر الوطني والإدارة الأميركية. لم أكن أعرف أن للحركة الشعبية تأثيرا على السياسة الأميركية بهذه الدرجة.. ولكنها أثارت دهشتنا تلك التصريحات، ودهشنا أكثر حينما برروا في تصريحات لاحقة لهم العقوبات الأميركية على السودان… ونحن نستنكر كيف يوافق مواطن سوداني على عقوبات مفروضة عليه.

* والشكوك تمضي في اتجاه أنكم عقدتم صفقة مع الإدارة الأميركية في خضم حوارات التطبيع، أليست هناك صفقة؟

ـ هم يرون أن وصول المؤتمر الوطني إلى مراكز القرار هناك التي كانت فقط تستمع إليهم دون الآخرين ليس بدون شيء.. ولكن الحقيقة أن الواقع يقول إن هناك تفهما للأوضاع في السودان.. هم الآن لا يحمّلون تأخير تنفيذ بعض جوانب اتفاق السلام لأية جهة.. يقدرون الظروف التي أدت إلى ذلك.. وكانت الحركة الشعبية تحمل الحكومة مسؤولية ذلك…. الآن ومن خلال اللقاءات التي تمت في الزيارة فإن المؤتمر الوطني تمت تبرئته على رؤوس الأشهاد وفي قلب العاصمة الأميركية.. نقول عليهم ألا ينزعجوا.. علينا أن نرحب بالتقارب الماثل.

* لم تجب عن السؤال.. هل هناك صفقة؟

ـ لا توجد صفقة أبدا..ونحن لم نقل شيئا لم نتحدث عنه في وسائل الإعلام.. كما التطبيع عملية، وهذه العملية لها معارضون في الولايات المتحدة في الكونغرس والإعلام واللوبي… وعليه فإن أي بطء في إنجاز أعمال على الأرض لا يساعد هذا التوجه.

* وما هو العمل المطلوب في مسألة الإنجاز على الأرض؟

ـ إذا حققنا اختراقا في دارفور وتقدما في ملف اتفاق السلام فإن ذلك يساعد عمليات التطبيع في الوصول إلى نهاياتها…هم «الإدارة الأميركية» الآن يتحدثون بلغة جديدة، فمثلا يرون ضرورة الضغط على الحركات المسلحة في دارفور ويرون أن المعلومات التي كانت تصلهم عن دارفور غير دقيقة.

* من خلال للقاءات، هل الإدارة الأميركية الجديدة تدعم مفاوضات الدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة؟

ـ نعم هم يدعمون الدوحة، ولكنهم لا يحصرون نشاطهم وتحركاتهم عليها، واضح جدا أن نشاطهم وتحركاتهم غير محصورة في الدوحة… وجولة المبعوث الأميركي غرايشن الحالية من فرنسا إلى تشاد إلى سرت الليبية الآن والتي تأتي في حين الدوحة دخلت في إجازة، لابد أنها تمضي في ذلك الاتجاه.

* هل ناقشتم في واشنطن الأزمة بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب في دارفور؟

ـ الأميركيون لا يتحدثون عن المحكمة كثيرا، ولكن رئيس الوفد الحكومي غازي قال هناك إن المحكمة الجنائية لا تساعد على بناء السلام، كما أن المشاركين في مؤتمر دعم تنفيذ اتفاق السلام لم يتعرضوا للمحكمة الجنائية… ولكن إذا استمر النقاش حول التطبيع وذهبنا في ملف التطبيع إلى الأمام فلا بد أن يثار الموضوع لاحقا.

* هل أنتم متفائلون باجتماعي الخرطوم وجوبا المرتقبين، وهل سيشارك الأميركيون فيهما؟

ـ التقدم فيهما مرهون برغبة الشريكين في ذلك، وإذا جددا روح الشراكة فإن العقبات كلها قابلة للتجاوز. والأميركيون إذا لم يشارك غرايشن بنفسه فسوف يشارك عبر الفيديو كونفرانس.

* كيف تناولتم مسألة انفصال الجنوب عن السودان كطرح موجود نهاية اتفاق السلام؟

ـ طالبنا الحكومة الأميركية بأن تعلن بأنها مع وحدة السودان، وما زلنا على ذلك. نوقشت هذه المسألة مع بيوت الفكر هناك، وقلنا لهم نحن نحترم خيار أهل جنوب السودان إذا اختاروا الانفصال، ولن نعود للحرب مرة أخرى، والحركة الشعبية تقول إنها مع الوحدة ولكن بأسس جديدة، نرى أنه من الصعب ربط الوحدة برؤيتك لا بخيار الشعب، هذا خيار أهل الجنوب، وليس خيار الحركة الشعبية.

إسماعيل آدم
الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *