طبيبة تسئ لمريضتها قائلة :كل زول بتكلم حسب خلقتو (1)

أمل هباني
طبيبة تسئ لمريضتها قائلة :كل زول بتكلم حسب خلقتو (1)
مارست طبيبة (نائب اخصائي) تمييزا عنصريا سافرا تجاه مريضة جاءت الى مستشفى حكومي عريق في الخرطوم في حالة وضوع قبل الموعد المحدد لتوليدها بعملية قيصرية أذ اساءت الطبيبة المريضة (منتقدة شكلها) أثر احتدام النقاش معها وخرجت قبل اكمال الاجراءات الطبية ،وانتظرت المريضة التي انفجرت باكية من حديث الطبيبة حتى حضور الوردية الأخرى لتجري لها عملية الولادة ….
هذا هو الخبر ولنتخيل السيناريو التالي من وحي الخبر
المكان غرفة ولادة أمراة تتقلص ملامح وجهها وتغمض عينيها بشدة مع كل (وجعة) تعلن عن قرب خروج الجنين
الطبيبة …بعد ان تراجع الملف ..تسأل المريضة ما الذي أتى بها وهي في وحدة طبيب آخر …
المريضة تجيب بأن داهمتها آلام الولادة في هذا الوقت
الطبيبة تزيد من نبرتها العنيفة تجاه المريضة وتقول لها انها مسئولية طبيب آخر وكان يجب ان تتصل به و(نقة ) كثيرة تزعج المريضة التي ترد عليها (بأن الاطباء يجب أن يكونوا ملائكة الرحمة ) تنتهرها الطبيبة و(تعنفها ) وتختم تعنيفها ب(ذاتو كل زول بتكلم حسب خلقتو ) ترد المريضة بصوت منكسر (هذه خلقة الله ولا اعترض عليها ….تقاوم دموعها محاولة ابتلاع الاهانة لكن الجرح كان اكبر من الاحتمال تنفجر باكية وتنحدر دمعات هنا وهناك ممن شهدوا الموقف حزنا على الانسان وقيمته المتدنية في بلادي ..وتخرج الطبيبة دون أن تجري عملية الولادة للمريضة لتنتظر المريضة طبيبا آخر اكثر احتراما للانسان ولمهنته ليقوم بمهمته في (الوردية القادمة ) …
هذا الحوار حدث في مستشفى في قلب الخرطوم وربما يحدث كل يوم ،وكل ساعة في منطقة ما في بلادي الملغمة بالعنصرية في ابشع صورها …والاخطر في هذا الخطاب العنصري أنه من طبيبة والاطباء يجب أن يكونوا الابعد والاسمى عن اي خطاب عنصري تمييزي ،وأن فئة الاطباء كانت ومازالت (رغم التردي المريع) الفئة الاكثر محافظة على اخلاقيات المهنة وأن هناك عدد مقدر من الاطباء يؤدوا عملهم بنبل انساني كبير ،….وأنه في احلك الاوقات للمريضة وفي اكثرها حوجة وثقة وتعلقا بالطبيب ،لذلك تعتبر هذه أهانة القوي للضعيف،والقادر للعاجز لأن الطبيب في هذه اللحظات رسول الحياة بالنسبة لمريضه …وانه من أمرأة تجاه أمرأة أخرى …والأجدى أن تنحاز النساء برحلة شقائهن وعذابهن التي فرضتها الطبيعة والمجتمع والدولة والرجل الى بعضهن ويكن أكثر احساسا ورأفة وابعد من ظلم بعضهن البعض ..المشكلة أن الخطاب العنصري التمييزي تتصاعد وتيرته بصورة مقلقة في المجتمع السوداني على كافة المستويات….هذا ليس كل شئ ولنأخذ نموذجا مدعما لطبيب آخر في مستشفى ولائي معروف
(2) انشالله ينفصلوا
طالبة دكتوراه ذهبت الى جارتها أيام الاستفتاء والانفصال ،الجارة حمدت الله على انفصال الجنوب داعية أن يفصل الله دارفور ..مع العلم أن الطالبة من تلك المنطقة ..
ومثل هذا الحوار العنصري يحدث على مستوى الصفوة التي يفترض أنها أكثر علما ووعيا ….كلما نزلت الى أسفل ستجد الأمر مستفحلا وكلما طلعت الى اعلى ستجد الأمر أكثر استفحالا …فالعنصرية في السودان مزروعة في تركيبته القبلية والعرقية المتباينة …وفي هذا العهد وجدت من يرعاها و يغذيها يستثمر فيها حتى أتت أكلها مجتمعا غارقا في الكراهية واحتقار الآخر وتحقيره …وكره الذات التي جزء من تكوينها ذاك الآخر …. امشي ياشايقي يا….،يا جعلى يا …،يافلاتي يا….،يافوراوي يا….،يا… يا……،يا يا……..،والقائمة تطول …كل له رأي في كل خلقة ونوع سحنة ولونا ولهجة وسلوكا ….وكل يرى نفسه المنزه عن كل النقائص ،المبرأ من كل العيوب ….
لكن كيف لا يحدث هذا والنظام السياسي يمارس العنصرية سرا وعلنا ،مؤسسية وعشوائية …تمييز مبني على العرق والجهة والدين والنوع والوضع الاقتصادي والاجتماعي والانتماء السياسي …
وكل ما يجب ان يزول لتبنى دولة المواطنة والعدالة ينمو ويكبر كأشجار الشوك في جسد هذا الوطن وهذا المجتمع …كيف لا يحدث هذا وصحف التمييز العنصري والانحطاط والاسفاف تحتل صدارة التوزيع وتشكل الرأي (العوام) وليس العام …وبدلا أن يترفع الصغار ويعي الجهلاء يصغر الكبار ويتجهل العقلاء ليدخلوا في (هيصة المولد) ويجدوا موطئ قدم (للعبث) .. أن الاستثمار في العنصرية اشرف منه الاستثمار في المخدرات ،على الاقل مستهلك المخدرات يشتري وهو يعلم أنه يضر نفسه ،لكن مستهلك العنصرية يشتري وهو مغيب ومغفل عن الوعي ومبعد من ادراكه لبساطته ومحدودية رؤيته ..وكل ذلك يدخل في اطار العنصرية المؤسسة والمدعومة فكل صحفية عنصرية ناجحة دفعت دفعا ودفرت دفرا بأموال الشعب والوطن لتصل لما هي عليه من خطاب قمئ وانتشار واسع يشبه انتشار حبوب الهلوسة والبنقو في المجتمع …الذي لم يجد غير التخدير وغياب العقل ملازا من مشاكله المستفحلة .
والعنصرية وخطابها المتصاعد المزدهي تحتاج الى عمل ونضال كبير لاجتثاثها بكافة أشكالها من كل قوى الوعي والاستنارة والحداثة والتغيير العاملة من أجل حقوق الناس كافة وسواسية بلا فرق ولا أوزان ….ولكن كيف يكون الاصلاح ومن يقوم به وماهي معاوله ؟ وكيف نواجه المد الأعلامي العنصري البذئي ونحن لانسطتيع حتى كتابة عمود في صحيفة يومية ؟ بل وكتاب المواجهة العنصرية امثال رشا عوض وخالد فضل وفائز السليك ممنوعون من الكتابة بقرار رسمي من جهاز الامن (انظر بيان صحيفة الجريدة عن ايقافها من المطبعة)….
أن أجتثاث هذا النظام (العصبجي) الفاسد العنصري بازرعه الاعلامية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية والتي ذرعها (كالدرن) في جسد هذا المجتمع هو الحل مافي ذلك شك ..ولا يمكن أيقاف الانحدار السلوكي الذي وصل لدرجة الانحطاط في المجتمع دون أن يستبدل هذا النظام بنظام حر ديمقراطي يأتي عبر الثورة السلمية لكننا نواجه الآن بمشكلتين اساسيتين هو كيفية اقتلاع هذا النظام ؟،وكيفية اصلاح الحياة والمجتمع الذي افسده اعلام الانتباهة والاهرام اليوم وتلفزيون السودان وغيرهم من وسائل الاعلام المشابهة …وقبل كل ذلك التحرير الاقتصادي الذي استعبد المواطن وحوله الى عبد في خدمة سيده الرأسمالي بل وفي بحثه عن متطلباته المادية في مجابهة الحياة ….وماتبع ذلك من تسطيح وتجهيل و(تغبيش للوعي) على رأي الاستاذ الحاج وراق وفي هذا المناخ المبتذل تصبح العنصرية خطابا جاذبا للاستثمار فيطفوا الطفابيع على السطح ويصبحوا ابطالا ونجوما تراهم في الصحف وفي التلفزيون وفي الندوات وفي اللقاءات يعرضون بضاعتهم المبتذلة ويشتريها المجتمع فتسن الطبيبة سكين العنصرية على مريضتها وهي بين الحياة والموت ،والجارة على جارتها والرجل على زوجته …لما لا يحدث ونجوم العنصرية يسيئون لهذا بضخامة جسده وذاك باعاقته وآخر بمهنته كسائق تاكسي ..ويهينون في النساء وفي غير المسلمين وكل مختلف عنهم بعد أن التهمت شهيتهم الدنيئة (مواطن الجنوب) الذي ذهب مأسوفا عليه بفعل هذا الخطاب العنصري الكريه …ويحتفون كل يوم بأزدياد مبيعاتهم التي اعتبر ارباحها اشد حرمة (انسانياووطنيا ) من ارباح البنقو والهيروين …
أمل هباني
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *