طائرة البشير السياسية لا يعول عليها غالبية المشاركين باستطلاع ..سخرية من إعلان الحكومة إنتاج طائرة بينما تفشل في الصرف الصحي وملايين المواطنين يقضون حاجتهم في الخلاء..!!
ها هي السياسة حاضرة حتى في أبعد نقطة لا تبدو ذات صلة بالأمر، وأقصد صناعة النقل، إذ يتواكب هذا مع ثقافة سياسية متجذرة لدى غالبية السودانيين، فهم “مسيّسون بالفطرة” كما يحلو لكثير من المهتمين بالشأن السوداني أن يصف ذلك الشعب الذي يتنفس سياسة.. ويدفع أيضًا فواتير ثقيلة جراء سياسات متعاقبة، من أقصى اليسار الماركسي والتحول صوب الاتجاه المضاد، في أبعد زاوية أقصى اليمين الديني المتطرف، حين استضاف نظام الجبهة قاعدة أسامة بن لادن ومقاتليه، وذلك إبان تحالف الرئيس الحالي عمر البشير مع معلمه الذي انقلب عليه حسن الترابي، على النحو المعروف لكل معنيّ بأحوال السودان.
هذه المرة تتجه الأنظار مرة أخرى صوب الخرطوم في محاولة لقراءة المشهد السياسي الملتبس، وسط تصاعد أصوات الانفصال من كل صوب وحدب، من الجنوب الموشك على اتخاذ قراره، إلى الغرب الملتهب تحت وطأة مأساة إقليم دارفور وما يكتنفه من مآسٍ إنسانية غير مسبوقة، وصلت لحد توجيه اتهامات للرئيس السوداني من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وصولاً إلى شرق السودان الذي يعج بدوره بحركات المعارضة، وفي صدارتها كل من: “مؤتمر البجا”، و”الأسود الحرة” وهما التنظيمان اللذان يقودان حركة المعارضة شرق السودان، وقد سبق اندماجهما في تنظيم واحد أطلق عليه جبهة شرق السودان.
وسط هذا المشهد السياسي المعقد والملتبس، خرج الرئيس السوداني عمر البشير خلال الأيام القليلة الماضية “مبشراً” بتدشين أول طائرة مصنعة محليًا، ما دفعنا في “إيلاف” لطرح سؤال الاستفتاء للأسبوع الأخير عن مدى جدوى وجدية هذا الأمر على أرض الواقع السوداني، وما إذا كان إعلان البشير عن إنتاج طائرة قدرت تكلفتها بنحو 15 الف دولار أميركي في حل مشكلة النقل الجوي المزمنة في السودان ؟، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد بروباغندا سياسية لن تكون لها ثمة آثار مباشرة على صعيد الأزمة في الواقع وما يترتب عليها من معضلات تتعلق بعشرات الأنشطة المرتبطة بمسألة النقل الجوي، خاصة في بلد كبير ومترامي الأطراف مثل السودان.
وجاءت النتائج حاسمة لصالح عدم الإفراط في التفاؤل حيال ما بات يوصف بطائرة البشير السياسية، إذ رأت غالبية قوامها 66% أن هذه الطائرة التي أعلن عنها البشير لن تسهم بأي قدر في حل أزمة النقل الجوي بالسودان، بينما رأت نسبة قدرها 26% خلاف ذلك الأمر، معربين عن تفاؤلهم حيال هذه الطائرة، في ما انحصرت نسبة المصوتين سلباً باختيار الجواب (لا أعلم) عند حدود 8 في المئة فقط من مجموع الأصوات التي تجاوزت خمسة آلاف صوت حتى ساعة كتابة هذا التقرير.
وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أن اختصاصيين سودانيين في حقل النقل الجوي وصناعة الطيران يرون أنه لا مستقبل لهذه الصناعة في ظل الأوضاع الراهنة التي تزداد تعقيداً، فالدولة ليس لديها استراتيجية في مجال النقل الجوي، ولا نظرة مستقبلية لتدفع بهذا المجال الحيوي الهام للسودان، ولكن مسؤولين سودانيين يردّون على ذلك قائلين إن الدولة فتحت الأبواب للشركات الخاصة التي لم تحصل على فرصة كافية، مؤكدين أنها قادرة وتتمتع بخبرات هائلة في هذا المضمار.
النقل الجوي
ويعرف النقل الجوي الدولي بأنه نقل الركاب أو البضائع أو البريد من نقطة واقعة في دولة إلى نقطة واقعة في دولة أخرى، وقد عرف السودان النقل الجوي منذ أربعينيات القرن الماضي عندما أنشأت الحكومة البريطانية مؤسسة للنقل الجوي تطورت لاحقًا لشركة عرفت باسم “الناقل الوطني”، لأنها تحتكر عمليات النقل الجوي داخليًا وخارجيًا.
ومع انتهاج سياسة التحرر الاقتصادي برزت شركات تعمل في نقل البضائع داخليًا وخارجيًا، وتنقل الركاب بين مدن السودان المختلفة مترامية الأطراف، لكن لم يسمح لأي منها بتسيير خط دولي منتظم والاكتفاء بالنقل بين المدن السودانية، بينما تتمدد خطوط من دول العالم المختلفة في رحلاتها المنتظمة للسودان، فالخطوط المسجلة من دول الإمارات نجد أنها تسير 21 رحلة للسودان من مدن دولة الامارات المختلفة كما أن الخطوط الجوية المصرية تسير رحلتين يوميًا ما بين القاهرة والخرطوم.
وهكذا ظلت صناعة الطيران في السودان تواجه ظروفًا صعبة خاصة منذ العام 1996، إثر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1070 الذي فرض حظرًا اقتصاديًا على الشركة، لكن المسؤولين بحكومة الخرطوم يقولون إن قرار الحظر لم تتأثر به “سودانير” وحدها فقد عمت آثاره على كافة شركات الطيران بالسودان.
وكان مدير شركة “الصافات” التابعة للتصنيع الحربي وصيانة وعمرة الطائرات العميد ميرغني إدريس قد أعلن اكتمال وتصنيع عدد (2) طائرة من شركة الصافات (1) و(2) تم تصنيعها حسب الأجواء السودانية للتصنيع الحربي من أصل عشر طائرات صناعة سودانية بمصنع الصافات، كما أكد إدريس استعداد الدولة في اتجاه تصنيع الطائرات، بالتنسيق مع بيوت خبرة أجنبية وسودانية في التصنيع في مجال الطيران وتوطين الصناعة بالداخل واتجاه السودان شرقًا لاكتساب التكنولوجيا الحديثة وتصنيع الطائرات الخفيفة، كطائرات الرش الزراعي والاستطلاع الميداني وأنتنوف.
وعندما طرحت شركة الخطوط الجوية السودانية للخصخصة في عام 2003 تقدمت شركة سعودية كما أعلن أن عدداً من شركات الطيران العالمية تطمح في الدخول مع سودانير كشراكة، إلا أن الأمر لم يتعد الأمنيات، ولم تتقدم المفاوضات مع أي من الشركات العالمية، لتقرر الحكومة في آب (أغسطس) من العام 2004 العمل على تهيأة “سودانير” للخصخصة، وعينت لها إدارة انتقالية ومجلس إدارة جديد وظلت هذه تعمل حتى الثالث عشر من تموز (يونيو) 2007 حين تم توقيع عقد الشراكة مع مجموعة “عارف” الكويتية وشركة “الفيحاء” المسجلة في السودان على أن تمتلك الأولى 49% والثانية 20% والمتبقي يظل أسهما للحكومة السودانية وتم حساب نسبة الـ 49% التي آلت إلى محموعة “عارف” بمبلغ 95 مليون دولار، اتفق على أن تدفع منها 40 مليون دولار إلى الحكومة السودانية والمتبقي تستثمره في تطوير البنية التحتية لشركة “سودانير”.
ولعل الأكثر إثارة في هذا السياق تلك السخرية التي علق بها مواطن سوداني عبر موقع شبكة “فيس بوك” الاجتماعية الشهيرة، متندراً على نبأ الإعلان عن تدشين أول طائرة في السودان، وذلك من خلال ملاحظات ساخرة تقارن بين واقع الحال على الأرض، وتلك الأمنيات السياسية التي لا يصدقها الناس قائلاً :
* حكومة تصنع الطائرات وملايين المواطنين يقضون حاجتهم في الخلاء
* حكومة تصنع الطائرات وفشلت في توفير ماء نقي حتى في بعض أحياء العاصمة
* حكومة تصنع الطائرات وأطفال السودان يموتون نتيجة سوء التغذية والتيفويد و الملاريا
* حكومة تصنع الطائرات وتفشل في أطفاء نيران اشتعلت بطائرة * حكومة تصنع الطائرات وعاصمتها تغرق في شبر مياه بعد زخات محدودة من الأمطار الموسمية
* حكومة تصنع الطائرات و الذباب و الناموس يحاصر حتى أرقى أحياء العاصمة
* حكومة تصنع الطائرات وتزعم تحقيق السلام، بينما رئيسها مطلوب للعدالة الدولية
والله المستعان
نبيل شرف الدين
من القاهرة : ايلاف