يخضع السودان لنظام يفتقد كل الكوابح والروادع الذاتية، فهو نظام فاشل وعاير بلغة عالم الحيوانات. فالنظام يفتقد العقال (الدستور والقانون) والعقل،وفي نفس الوقت لا يأبه برأي الآخرين خاصة لو كانوا سودانيين مثله أي أهله. وإن كان الأمر يختلف بالنسبة للأجانب بالذات الخواجات. فالنقد الآتي من الغرب يقلقه ويزعجه رغم إدعاء النظام الاستقلالية ومقارعة الغرب. ولذلك،كان من الطبيعي أن يقوم المؤتمر الوطني الحاكم بعملين مستفزين مزدوجين: ترشيح احمد هارون وتزوير الانتخابات. وهو في الحقيقة سلوك إسلاموي ثنائي الشكل وموحد الدافع: تأكيد الوقاحة. فبالنسبة للسلوك الأول فهي عملية غسيل افعال حين يصبح المتهم بجرائم ضد الانسانية،منتخبا ديمقراطيا.وهنا تصبح التهمة والمحكمة عبثية ومضحكة. أمّا السلوك السياسي الثاني: التزوير، فهي عملية تطبيع للتزوير وبالتالي الفساد عموما في الحياة السياسية والعامة.
لماذا تكرر التزوير في الانتخابات بهذه السرعة وبقيادة نفس الطباخين والشيف؟ ولكن السؤال الحقيقي والجاد هو: ما هو رد الفعل تجاه التزوير السابق رغم التقارير والادانات الدولية والمحلية؟حتي أضعف الإيمان وهو نشر وتوزيع هذه التقارير علي نطاق واسع ولم تصل الي قطاعات كبيرة.وقد كان من الطبيعي أن تكون الخطوة الأولي بعد كشف جريمة التزوير هي اللجؤ الي القضاء والوصول الي المحاكم. ورغم أننا نمتلك مجموعة معتبرة من المحامين اللامعين والملمعين والمكرفتين التقدميين والمنافحين عن حقوق الانسان في المحافل الدولية والاقليمية؛إلا أنهم لم يبادروا بتشكيل هيئة تتبرع بتبني الدفاع عن حق الشعب السوداني في التمتع بانتخابات حرة ونزيهة.والأهم من ذلك،جرجة مفوضية الانتخابات الطفيلية لكي لا تظهر مرة أخري لتعلن نتائج انتخابات جنوب كردفان.وسكتت الاحزاب عن حقها في انتخابات واعطت المؤتمر الوطني حق القامها حجرا كلما طالبت بحكومة قومية،بأن يقول أن هذه حكومة منتخبة ولابد أن تتم دورتها.وعلي ضوء هذا الباطل يبني النظام كل باطله الآخر.فلو-وهي لا تفتح أي باب ولا باب الشيطان حتي – نازعت المعارضة المؤتمر الوطني في نتائج انتخاباته المزورة لما تعامل بهذه العنجهية..وسهر الجداد ولا نومو.تصور لو قام المرشحون المنتشرين في كل أنحاء هذا االقطر بالذهاب الي المحاكم شاكين المفوضية وحزب المؤتمر الوطني.
هذا في حد ذاته نشاط وحراك سياسي مدهش ولا يمكن منعه بأي طريقة في تلك الاجواء الانتخابية مهما كان القمع الخفي.ثم ماذا فعل مرشحو الرئاسة هل انتهي المولد بإعلان
النتيجة؟وكيف تابعت الصحافة والاعلام ذيول الانتخابات المزورة؟
يبدو لي- احيانا- أن السودانيين يدرجون السياسة في ميدان التسلية والفكاهة، وبالتالي لا يتعاملون معها بالجدية الكافية.إذ نلاحظ عدم المثابرة في العمل السياسي أي عدم السير في المهمة حتي إكمالها بغض النظر عن الفشل أو النجاح. فالسياسيون يبدأون أي عمل بهمة ونشاط ووعود وآمال كبيرة،وسرعان ما تخبو الجذوة،ويهبط الحماس مثل فورة الاندروس. لذلك،كل أو أغلب المشروعات مجهضة بسبب قصر النفس أو قلة الصبر وقد يكون عدم الاقتناع الكامل لدي السياسي.وهذا ما يفسر التحولات الفجائية،وصرنا لا نتعجب من شئ في السياسة السودانية.إذ يتحول في أيام الناطق الرسمي للتجمع الوطني ليصبح الناطق الرسمي لحزب المؤتمر الحاكم ثم يطرد ويبلع لسانه الذي شتم به زملاء الأمس.كما نشاهد علي شاشات التلفزيون الكاتب الصحفي يدافع عن سياسات نفس الحكومة التي كان قبل سنين قليلة يسلقها بألسنة حداد. ولعلنا لم ننس النميري الذي احتفل بالعيد المئوي لميلاد الزعيم الشيوعي لينين في أبريل1970 ثم أعلن تطبيق الشريعة الاسلامية في سبتمبر1983! أو الترابي الذي هندس الانقلاب الذي نعاني منه حتي الآن بينما صار هو المعارض الأول والأشد لانقلابه الخاص! لكل هذا يمكن أن يكون قد غيّر قاداتنا الكرام رأيهم في تزوير الانتخابات السابقة وقبلوا نتيجتها.ومازلت اسأل كمواطن:هل الانتخابات السابقة مزورة أم صحيحة؟وإذا كانت مزورة لماذا لم تدقوا علي الأبواب – كما قال غسان كنفاني في رجال تحت الشمس.
لقد جرب الاسلامويون التزوير في أهم انتخابات في تاريخ السودان بعد الاستقلال ولم يردعهم أو يحاسبهم أي شخص أو مؤسسة،فكان من الطبيعي أن يجربوا مرة اخري
في جنوب كردفان.فهم يعتقدون أنهم أمام معارضة ثرثارة تتحدث باستمرار بلا فعل وعمل ملموس وحاسم.وسيظل هذا النظام العاطل من الضمير والاخلاق، فاسدا ومزورا طالما بقي الآخرون عاجزين أو لامبالين.
أما الجانب الآخر للاستهتار فهو تنصيب احمد هارون واليا علي جنوب كردفان. فالمشكلة أنه سيكون حاكما معوقا، فهل يستطيع – مثلا- أن يقوم بعقد توأمة
بين مدينتيّ لاهاي وكادوقلي ويذهب هناك للتوقيع؟ يريد النظام القفز بطرائقه الاكروباتية في السياسة تجاوز عقدة المحكمة الجنائية.ولكن ما هكذا تورد الأبل،فهناك وسائل للداخل لا تصلح ابدا للخارج، منها الكذب والمناورة واللولوة.فهي قد تفوت علينا أو نفوتها بسبب الخوف.لابد من معالجة تداعيات المحكمة الجنائية بطريقة موضوعية والزمن لا يلعب لصالح المظام السوداني.
أخشي أن يكون مقتل هذا النظام من خارج العاصمة ومن غير الانتقاضة الشعبية السلمية. لذلك،يستوجب علي النظام إذا أراد تجنيب البلاد العنف ونفسه الكارثة أن يحسن تقدير الازمات ولاتسلم الجرة كل مرة. ولقد استفز الاسلامويون هذا الشعب وأهانوه بما فاق الحدود. كفاكم غرورا وعودوا الي رشدكم وتعالوا الي كلمة سواء مستبقين الشارع. فالنظام الحالي في حالة الانتفاضة سيكرر سيناريوهات ليبيا وسوريا واليمن مجتمعات. فعلي النظام الا يتحدث عن شرعية دستورية كسبها من الانتخابات الماضية والتي يعلم قبل غيره مدي التزوير فيها لانه –ببساطة- هو الذي قام به! ويجب علينا التأكيد علي عدم شرعية هذا النظام الانقلابي فقد جاء عن طريق صندوق الذخيرة وجنزير الدبابة. وهو في هذا الظرف مثل ابن السفاح لا تنزع عنه ولا تنقذه “دساتير”1998 أو2005 ولا نيفاشا.اتمني في هذه اللحظات الاخيرة ان يعود الوعي لرجال النظام رغم ما ران علي قلوبهم من ظلام الظلم
[email protected]