الجزيرة نت-خاص
دفع عدد من المواطنين السودانيين ثمنا باهظا أثناء قمع قوات الأمن للمظاهرات التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة احتجاجا على الإجراءات التقشفية لمعالجة الأزمة الاقتصادية بالبلاد. وبرغم سلمية الاحتجاجات التي شملت عددا من الجامعات والأحياء بالعاصمة ومدن أخرى، فإنها خلفت ضحايا عانوا من جراء فض الشرطة -الذي وصف بالعنيف أحيانا- للاحتجاجات الشعبية على غلاء المعيشة قبل أن تتحول للمطالبة بإسقاط النظام.
فبينما لا يزال عدد من السودانيين يقبعون بالمعتقلات، فإن من خرجوا من تلك المعتقلات يرون قصصا “لا تشبه إنسان السودان بأي حال من الأحوال” بحسب قولهم.
فبجانب مقتل ثمانية أشخاص في المظاهرات التي شهدتها مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور الأسبوع الماضي، تتحدث الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات بالبلاد عن خضوع مواطنين آخرين لأنواع مختلفة من التعذيب.
عاهة مستديمة
ذلك هو حال حليمة حسين طالبة المستوى الأول في كلية الزراعة بجامعة الخرطوم التي ما إن خرجت من إحدى غرفة الامتحان حتى تفاجأت برصاصة مطاطية اخترقت عينها اليمنى. بحسب ما أفاد المسعفون لاحقا، على الرغم من عدم مشاركتها في المظاهرات.
وتقول إنها تعرضت وبعد سقوطها إلى وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع لم تجد معه سوى الزحف والابتعاد ولو قليلا عن المكان الخانق ليكتشفها زملاؤها من الطلاب فهرعوا لإسعافها.
وتضيف أنها دخلت إحدى المستشفيات العامة عند العاشرة صباحا لكنها لم تتلق إلا إسعافات أولية عند الساعة الخامسة مساء قبل تحويلها إلى مستشفى عام للعيون، مشيرة إلى رفض المستشفى المعني التعامل مع حالتها لأسباب مختلفة.
وتؤكد أنها وأسرتها اضطروا للتوجه نحو عيادة خاصة قرر طبيبها التدخل الجراحي الفوري لإزالة ما تبقى من العين التي أتلفت بالكامل.
ويعتقد ناشطون وقانونيون وجود ضحايا آخرين لحملة العنف ضد المواطنين المحتجين، مؤكدين عزمهم على مقاضاة كافة الجهات المسؤولة عن ذلك.
وأشاروا إلى أن من أسموهم ضحايا التعذيب النفسي والجسدي “يفوق عددهم المئات من الطلاب والناشطين والسياسيين والصحفيين”.
فالمحامي شوقي يعقوب أحد المبادرين للدفاع عن الذين تعرضوا لانتهاكات يقول للجزيرة نت إن كثيرين تعرضوا للضرب والشتم أثناء ترحيلهم إلى المعتقلات في أماكن مختلفة.
ويشير إلى وجود عدد من الأشخاص لا يزالون معتقلين “ولا يعرف مكان اعتقالهم أو احتجازهم رغم مرور أكثر من أربعة أسابيع على احتجازهم”، مطالبا بإطلاق سراحهم فورا.
كما لفت لمحاكمة مئات من الطلاب أمام محاكم إيجازية بتهمة ممارسة الشغب “وليس ممارسة حق دستوري سلمي”.
ويرى أن بعض القوانين غير متوافقة مع الدستور “فهي تقيد حق التظاهر السلمي بإذن مسبق من السلطات بل وتعتبر أي تجمهر لأكثر من خمسة أشخاص غير مشروع ومخالفا للقانون”.
ويقول إن هناك بلاغات شطبت لعدم كفاية الأدلة “ومع ذلك فإن بعض الأحكام تصدر مصحوبة بكتابة تعهد بعدم التواجد في أي مكان للتجمهر”.
إيمان حسين: المسؤولية الجنائية لا تسقط عن مرتكبي الفظائع بحق المتظاهرين
(الجزيرة نت)
انتهاك حقوقي
أما الناشطة الاجتماعية إيمان حسين فقالت إن ما واجهه المتظاهرون من عنف وقمع يمثل انتهاكا صريحا لحقوق الإنسان والقيم الإسلامية “بل إنه يناقض ما ترفعه الحكومة من شعارات إسلامية”.
وترى في حديثها للجزيرة نت أنه لأول مرة في تاريخ السودان تتعرض طالبات للاعتقال لأيام عدة مصحوب بأذى جسماني ونفسي جسيم.
وأكدت استمرارية المطالبة بحقوق المتأثرين “لأن المسؤولية الجنائية لا تسقط عن المجرمين الذين ارتكبوا الفظائع بحق الطلاب والشعب السوداني”، بحسب قولها.
ومن جهته أكد الناشط السياسي كمال بولاد أن ما أسماه القمع الوحشي والاعتقالات التي شملت مئات الناشطين ستفتح الباب للحديث عن حقوق الإنسان بالسودان.
وقال إن هناك أكثر من ألفي معتقل من الناشطين والطلاب “وهو أكبر رقم يتم اعتقاله بتاريخ السودان في وقت واحد”.
وذكر في حديثه للجزيرة نت أن التصدي باستخدام القوة المفرطة ضد من يحاولون ممارسة حقوقهم الدستورية سيقود البلاد إلى مزيد من التمزق “أو ربما يقود إلى غضب يقابل فيه العنف بعنف مضاد”.
المصدر:الجزيرة