في حوار مع رئيس المخابرات في «حركة العدل والمساواة»
سليمان صندل: ليس لنا علاقة بإسرائيل وزعيم الحركة لم يزر تل أبيب
نفى سليمان صندل رئيس المخابرات في «حركة العدل والمساواة» أي علاقة لحركته بإسرائيل، وقال في حوار من القاهرة إنهم لا يسعون للانفصال عن السودان، كما نفى أن تكون العدل والمساواة جزءاً من مؤامرة دولية على السودان، كما تحدّث في هذا الحوار عن توحيد الحركات في دارفور، وانتهاء الولاية القانونية للبشير، وضرورة انتخاب مسيحي من الجنوب رئيساً للسودان، حتى يكون خيار الوحدة خياراً جاذباً في الاستفتاء المقرّر على الوحدة في العام ٢٠١١، وهذا نص الحوار:
«المشاهد السياسي» ـ القاهرة
> هناك جهود حثيثة من جانب قطر والوسطاء الدوليون لاستئناف عملية التفاوض مع الحكومة السودانية، هل لكم شروط لاستئناف المفاوضات من جديد؟
< نحن لا نضع الشروط والعراقيل، بل نسعى في كل مكان على وجه الأرض حتى يتحقّق السلام في دارفور، ومنذ اندلاع أزمة دارفور لم نترك مكاناً إلا وذهبنا إليه من أجل تحقيق السلام، فنحن شاركنا في مفاوضات إنجامينا وأبوجا وأديس أبابا وسرت وأخيرا في الدوحة. ونحن ذهبنا الى الدوحة بناء على موقف واضح للوسيط الدولي جبريل باسولي يقوم على أننا ذاهبون لتوقيع اتفاق حسن نوايا، وإذا تمّ تنفيذه يمكن توقيع اتفاق إطاري، وإذا التزمت الحكومة يمكن بعدها توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. ومنذ أن وصلنا الى الدوحة في الجولة الأولى من المفاوضات، كان تركيزنا ينصبّ على ضرورة تنفيذ اتفاق بناء الثقة الذي يتضمّن ضرورة الافراج عن الأسرى لدى الحكومة والحركة، لكن الحكومة ترفض حتى الآن تنفيذ هذا البند، وفوجئنا أثناء مفاوضات الدوحة أن الحكومة السودانية قامت بطرد المنظّمات الاغاثية من دارفور، بحجّة أنها تقوم بعمليات تجسّس على السودان، رغم أن بعض هذه المنظّمات تعمل في السودان منذ ٣٥ عاماً، ونحن لا نريد منظّمات بعينها حتى لا يقال أن هناك علاقات بيننا وبين هذه المنظّمات، نحن لا نريد ثُغُراً في العمل الإنساني، لأن الإنسان في دارفور يعاني كثيراً ولا يجب أن تستمرّ معاناته أكثر من ذلك، لذلك طلبنا من الحكومة إعادة المنظّمات السابقة أو منظّمات جديدة للعمل في دارفور، لكن الحكومة قالت إنها سوف تسودن المنظّمات الإنسانية، وحتى يتحقّق ذلك هناك ضرر كبير بأبناء دارفور. وبرنامج الغذاء العالمي وصف الوضع في دارفور في آخر تقرير له بأنه كارثي، وأن الكارثة سوف تكون كبيرة في دارفور إذا حلّ فصل الخريف والوضع الإنساني في دارفور على هذا الوضع، ورغم كل هذا لا تطالب الحكومة الا بوقف إطلاق النار.
> لماذا ترفضون وقف إطلاق النار وأنتم تعلمون أن استمرار القتال يزيد الأزمة الإنسانية تفاقماً؟
< لا يمكن وقف إطلاق النار الا إذا استجابت الحكومة لعودة المنظّمات الإنسانية، وإطلاق الأسرى، لأن خلاف ذلك يعني تمييع الأزمة في دارفور على غرار ما حدث مع البوليساريو، ونحن لن نمنح الحكومة وقف إطلاق النار من دون مقابل.
> هل يمكن أن تتخلّى الحركة عن سلاحها ضمن أي ترتيبات للأمن والسلام في دارفور؟
< نحن في حركة العدل والمساواة اضطررنا الى حمل السلاح في وجه الحكومة، بعد أن أعلن الرئيس البشير بصراحة أنه لن يتفاوض إلا مع من يحمل السلاح، ونحن لا نحب سفك الدماء، وغالبية المنتمين الى «العدل والمساواة» حاصلون على مؤهّلات تتعلّق بالقانون والمحاماة وهم يكرهون الحرب. وأنا أتمنّى أن يأتي اليوم الذي تنتهي فيه الحرب ونعيش فيه بسلام ومن دون حرب، وهذا السلام هو الحلم الذي يراود جميع أبناء دارفور، لكن كيف يمكن أن يكون سلام في الإقليم والحكومة ما زالت تمارس عمليات القتل الجماعي وحرق القرى، ومن يشاهد القرى التي تم حرقها بسكانها لا بد من أن يمتلك السلاح للدفاع عن نفسه وعن شعبه.
> هل يمكن أن تتحوّلوا الى حركة سياسية بعد انتهاء الحرب؟
< نعم نحن حركة قوميّة سودانية سوف نعمل في كل إقليم السودان بعد انتهاء الحرب، لأننا نملك برنامجاً متكاملاً لكل السودان وليس لدارفور فقط.
> كيف تنظرون الى مرحلة ما بعد ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩؟
< نحن نتّفق مع غالبية مكوّنات الساحة السودانية التي اتفقت على أنه لا ولاية دستورية للرئيس والبرلمان والحكومة السودانية بعد ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩، وهذا نص واضح في الدستور السوداني الحالي، لأن الدستور الانتقالي الحالي قائم على اتفاقية نيفاشا التي تمّ توقيعها في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥، وهناك نص واضح يقول في الاتفاقية إن الترتيبات الانتقالية تبدأ في ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٥ وتنتهي في ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩، وبعدها لا بد من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وعلى مستوى الولايات، لكن المؤتمر الوطني يؤجّل الانتخابات، ففي البداية تم تأجيلها الى شباط (فبراير) القادم، ثم قالوا في نيسان (أبريل). ونحن نعتقد بأن إجراء الانتخابات بهذا الشكل يهدف في المقام الأول الى منح الشرعية للرئيس البشير في مواجهة مطالب المحكمة الجنائية الدولية باعتقال البشير. وإذا جرت الانتخابات في ظل الأجواء والظروف الحالية، فإن الجميع في السودان متّفقون على أنهم مقبلون على كارثة.
> كيف تنظرون الى الخلافات الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة سلفا كير؟
< الخلافات بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني عميقة للغاية، وحول ملفّات كثيرة تبدأ من التعداد السكاني الذي رفضه الجنوب، وتمتد الى الخلاف حول أبيي وتدخّلات المؤتمر الوطني في الجنوب. وأنا أعتقد بأن إجراء الانتخابات في ظل هذه المعطيات سوف يضعف الحركة الشعبية، وهو الشريك الأساسي للمؤتمر الوطني في الحكومة، وإذا ضعف الشريك الأساسي، فهذا مؤشّر خطر الى مستقبل السودان، ويمكن أن يقود الى تفتيت البلاد.
> بعضهم يعتبر «العدل والمساواة» جزءاً من مؤامرة دولية هدفها تمزيق السودان الى دويلات صغيرة، ما هي طبيعة تحالفاتكم الخارجية؟
< نحن لم ولن نكون جزءاً من أي خطط دولية أو إقليمية لتفتيت السودان، لأننا نعمل من أجل وحدة السودان، وما يحدث في السودان هو نتيجة لسوء الادارة في السودان منذ وصول الانقاذ الى الحكم، والجهات التي تتّهمها الحكومة السودانية بأنها تدبّر مؤامرة ضد السودان، هي الجهات نفسها التي كانت راعية لاتفاقية نيفاشا في الجنوب وأبوجا في الغرب، وقبلت بهم الحكومة السودانية كرعاة ووسطاء، فلماذا تعود وتتّهمهم بالمؤامرة!! ونحن نعتقد أن مشكلة دارفور باتت دولية ونحتاج الى جهود الجميع لحلّ هذه المشكلة، لكن من دون شروط أو إملاءات، ونحن نرفض أن نأتمر بأمر أي طرف مهما كان، لأنه ليس له علينا شيء. وهنا لا بد من توضيح أمر هام، وهو أن كثيراً من الأطراف الدولية لا تفهم طبيعة الصراع في دارفور والسودان، ودائماً يتحدّثون عن عناصر جزئية لا يمكن أن تحلّ الصراع نهائياً في دارفور أو السودان، وجميع مطالبهم تتركّز في الترتيبات الأمنيّة ويتجاهلون تماماً تقسيم الثروة والسلطة.
> ما حقيقة ترتيب إسرائيل للقاء بين زعيم «العدل والمساواة» الدكتور خليل إبراهيم، وعبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان في دارفور في تل أبيب؟
< هذه الأخبار عارية تماماً من الصحّة، والعدل والمساواة ليس لها علاقة مع إسرائيل، ولم يسبق للحركة أن اتصلت بإسرائيل، كما أننا لم نحصل على أي مساعدات إسرائيلية، ورئيس الحركة لم يسبق له أن زار إسرائيل، ونحن لا نفكر في هذا على الاطلاق، لكن هناك أسباباً جعلت الحكومة السودانية تشيع هذه الأخبار في الآونة الأخيرة، وهي نجاح الحركة في اختراق العالم العربي. وبعد أن نجحنا في كشف ادّعاءات الحكومة السودانية التي كانت تحاول الايحاء بأن الصراع في دارفور صراع بين العرب والأفارقة، تحاول الحكومة الآن من خلال هذه الشائعات أن تقول للمواطن العربي والإسلامي الذي يعادي إسرائيل، إن «العدل والمساواة» لها علاقة بإسرائيل، لكن نحن نؤكد للعالم العربي بأنه لا يوجد أي علاقة بيننا وبين إسرائيل، ونقول لمن يدّعي هذه الأخبار أن يقدّم دليلاً واحداً على ما يقول.
> هل قبلت العدل والمساواة بما يسمّى اتفاق مبادئ الذي دعا إليه الصادق المهدي وطلب منكم قبوله؟
< نحن ما زلنا ندرس هذه الأفكار وسوف نقدّم الرد النهائي عليها قريباً.
> إذاً ما هي طبيعة الاتفاق الذي تمّ بينكم وبين الصادق المهدي في القاهرة، واعتبرته الحكومة بأنه انقلاب على نظام الحكم في الخرطوم؟
< هو اتفاق سياسي ينصّ في الأساس على أن السلام خيار استراتيجي للطرفين، والهدف الاستراتيجي المشترك بين الطرفين هو تحقيق وطن سوداني موحّد وديمقراطي وفيديرالي تقوم فيه الحقوق على المواطنة، وتكفل فيه الحرّيّات العامّة وعلى رأسها حرّيّة العقيدة والتعدّديّة السياسية والثقافية، وتضمن فيه قومية مؤسّسات الدولة. كما اتفقنا على أن تنتهي دستورية أوضاع الحكم الحالية في كل مستوياتها في ٩ تموز (يوليو) الحالي، والحلّ الصحيح هو تشكيل حكومة قوميّة تؤسّس على إجماع وطني. وقلنا إن الاحصاء السكاني مختلف عليه، ولا يمكن اعتماده أساساً لأية إجراءات سياسية، واتفقنا على أن الانتخابات وسيلة ديمقراطية مطلوبة يتطلّع الطرفان إليها لتحقيق التبادل السلمي للسلطة. ولكي تكون الانتخابات حقيقية يجب أن تتوافر لها شروط أهمّها: أن يكون هناك حكومة قومية تؤسّس على إجماع وطني، وإلغاء جميع القوانين المقيّدة للحرّيّات قبل وقت كاف من إجراء الانتخابات، وأن تكون الانتخابات خاضعة لمراقبة إقليمية ودولية دقيقة، كما أيّد الاتفاق قرار مجلس الأمن الرقم ١٥٩٣، وتأكيد عدم الافلات من العقوبة، كما أبدى الطرفان قلقاً شديداً على الحالة الإنسانية في دارفور، ويقدّران دور جمعيات الاغاثة الإنسانية، ويطالبان بتوفير الأمن والسلامة لها وللنازحين، وإعانة هذه المنظّمات على مواصلة عملها، وتأكيد قاعدة حسن الجوار بين السودان وجيرانه، واعتبار ذلك، بجانب عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للغير والتعايش السلمي والتعاون، أهمّ واجبات الجوار.
> بعضهم يعتقد بأن تعدّد أجندات الحركات وتشرذمها هو العقبة الرئيسية أمام التوصّل لاتفاق في دارفور، لماذا ترفضون مشاركة الآخرين في المفاوضات؟
< نحن في «العدل والمساواة» لا نعتقد بأننا نمثّل الجميع في دارفور، لكن هناك مشكلة هي أن بعض الحركات معروف تاريخها ومن يقف وراءها، ولا يمكن أن تذهب الحكومة لتفاوض نفسها إذا ذهب الى مائدة المفاوضات حركات منقسمة على نفسها، وفي الوقت نفسه أمامنا خصم موحّد لن يتحقّق ما يصبو إليه أبناء دارفور. ونحن قلنا إن هناك مبدأ واضحاً لمن يريد التفاوض، وهو (أن من يقاتل هو الذي يتفاوض). لا يمكن لحركة ليس لها وجود إلا على الإنترنت أن تتفاوض عن الشعب في دارفور. على الجانب الآخر نجحت حركة «العدل والمساواة» في توحيد ١٣ فصيلاً مع الحركة، وسوف تشهد الفترة القريبة انضمام الكثير من أبناء دارفور الى «العدل والمساواة» لخلق جبهة واحدة وقويّة ضد الحكومة. ونحن قلنا لجميع إخواننا في الميدان، إننا مستعدّون للتخلّي عن أماكننا في الحركة لهم، وبالفعل نائب رئيس المخابرات الآن في «حركة العدل والمساواة» انضم إليها حديثاً، وجميع المناصب القيادية في الحركة بما فيها المكتب التنفيذي يمكن أن يتقلّدها الإخوة الذين ينضمّون الى الحركة، والدكتور خليل إبراهيم زعيم الحركة يواصل اتصالاته مع جميع الحركات في الوقت الحالي لتشكيل جبهة قويّة قبل الدخول في أي مفاوضات مقبلة.
> هل هذه الاتصالات تشمل عبد الواحد نور؟
< نعم نحن نتواصل مع عبد الواحد بشكل شبه يومي، وأعتقد بأن المرحلة المقبلة سوف تشهد تنسيقاً عالياً بيننا وبين عبد الواحد.
> هل هناك اصطفاف إسلامي مقابل اصطفاف علماني ليبيرالي في السودان، بعد اتهام عبد الواحد نور لكم بأن مفاوضات الدوحة هي بين الإسلاميين في الحكومة (المؤتمر الوطني) والإسلاميين في دارفور (العدل والمساواة).
< هذا غير صحيح على الاطلاق، لأن الاصطفاف في السودان يقوم على قضايا سياسية تجمع كل طوائف الشعب السوداني الذي يعيش على الهامش، ضد فئة قليلة جدّاً تسيطر على الحكم ولا تعبّر عن الشعب، والدليل على أن الاصطفاف سياسي هو تأييدنا المطلق لتولّي سلفا كير منصب رئيس الجمهورية، رغم أنه مسيحي ومن الجنوب. وأنا أعتقد بأن انتخاب سلفا كير رئيساً للسودان هو المخرج الوحيد لضمان وحدة السودان، وعدم انفصال الجنوب في الاستفتاء المقرّر في تموز (يوليو) ٢٠١١، لكن للأسف الشديد، إن الأحداث الحالية في السودان تقول إن البشير هو أهم من وحدة السودان، وأن المؤتمر الوطني على استعداد للتضحية بجنوب السودان والسودان كلّه، من أجل بقاء البشير في الحكم، ولذلك نحن ندعو الى المؤتمر الدستوري لأقاليم السودان، لأننا نعتقد بأن الشعب السوداني ليس طرفاً في الدستور الحالي.
> لماذا ترفضون البدائل الوطنية للمحكمة الجنائية الدولية والتي يمكن أن تكون مخرجاً لأزمة العدالة في دارفور والسودان؟
< نحن في الأساس مع المحكمة الجنائية الدولية وقرارها بضرورة محاكمة البشير، لكن في الوقت نفسه لسنا ضد البديل الوطني، لكن الحقائق على الأرض لا يمكن أن تساعد في تحقيق عدالة حقيقية في السودان، لأن قانون الأمن الوطني في السودان يعطي الجندي البسيط حصانة لا يمكن للقانون العادي أن يقترب منها، فكيف يمكن محاكمة مسؤولين كبار أو رئيس الجمهورية، هذا مستحيل في السودان لأنهم يطبّقون مبدأ الأمن فوق العدل.
> هناك من رصد توتّراً في العلاقات بينكم وبين المبعوث الأميركي الى السودان سكوت غريشن، ما هي أسباب هذا التوتّر؟
< نحن نعتقد بأن هناك خلافاً بين ما يقوله غريشن، وبين مواقف الادارة الأميركية المعروفة سلفاً، وغريشن يهتم بوقف إطلاق النار فقط ولا يتحدّث عن حقوق المهمّشين، ولم نسمع منه كلمة واحدة حول ما يعانيه أبناء دارفور، ونحن نقول لا بد من التفكير السياسي الإنساني. ونحن نعتبر أن الحديث فقط عن الأمن مدخل غير سليم. وإذا واصل غريشن هذا الأسلوب لن ينجح في السودان، لأننا نعتبر وقف إطلاق النار بالطريقة التي يدعو إليها غريشن تعني الاستسلام >