سكان النيل الأزرق يدفعون ثمن الصراع واتهامات للخرطوم باستخدام التجويع سلاحاً
مخيم دورو (جنوب السودان) – رويترز – كانت الطفلة إسلام موسى البالغة من العمر عامين ترقد في السرير الرقم ستة بينما أرضعتها جدتها زينة بادي حليباً عبر أنبوب. والاثنان من بين عشرات اضطروا إلى النزوح عن ديارهم في ولاية النيل الأزرق السودانية وعبور الحدود إلى مخيم دورو للاجئين في جنوب السودان بعدما حاصرهم الجوع والقصف الجوي.
وقالت بادي إنهما كانتا تقتاتان لشهور على أوراق الأشجار وجذوعها. وأضافت في خيمة طبية رقدت فيها حفيدتها: «جاء جنود الحكومة وطاردونا للخروج من قريتنا واستولوا على الذرة البيضاء الخاصة بنا… اختبأنا في الغابة».
وتختصر محنة إسلام وزينة مآسي حرب تعاني منها ولايات حدودية سودانية منذ انفصال جنوب السودان في الصيف الماضي الأمر الذي يلقي ضوءاً على صراع يعقد جهود حل قضايا مثل تقاسم عائدات النفط بين السودان وجنوب السودان. وكان انقسام السودان يطغى على القتال في أول الأمر، لكن الولايات المتحدة وناشطون مثل الممثل العالمي جورج كلوني أعادوا لفت الأنظار إلى الصراع.
وصعوبة دخول المناطق الحدودية تجعل من الصعب تقويم آثار الحرب في شكل دقيق، لكن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 410 آلاف شخص فروا من منازلهم في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وولاية أخرى. ويقول عاملون في مجال المساعدات ولاجئون في مخيم دورو الذي فر إليه 45 ألف شخص إن من المرجح أن تنفد مخزونات الغذاء في النيل الأزرق في الأسبوعين المقبلين.
وقال المشرف على مخيم دورو سيلا موسى: «إنها منطقة حرب الآن. التجار لا يذهبون إلى هناك. لا يوجد شيء يأتي من الخارج. وما يوجد لدى الناس هناك ينتهي الآن… يعتمدون على جذور الأشجار وثمارها». وقدّر موسى، وهو مفوض سابق لمنطقة كورمك في النيل الأزرق، أن ما يصل إلى مئة ألف شخص ربما يكونون محاصرين في الولاية وغير قادرين على مغادرتها لأنه لا يمكنهم حمل حاجتهم من الطعام والماء خلال رحلة تستمر شهراً.
ومثل كثيرين من منتقدي الخرطوم، قال موسى إن حملة القصف متعمدة بغية التجويع وتشريد المدنيين وحرمان الميليشيات من شبكة دعم. وأضاف: «أصبح مثل سلاح لأنه إذا لم يأكل الناس سيموتون. والأمر نفسه ينطبق على إشهار مسدس لقتل الشخص… لا يوجد فرق».
وينفي السودان بانتظام هذه الاتهامات ويقول إن قواته المسلحة تعمل لحماية المدنيين وإن المتمردين هم المسؤولون عن أي معاناة إنسانية. وتنفي الخرطوم أيضاً مخاوف من وقوع مجاعة وشيكة. ووصف سفير السودان لدى الأمم المتحدة دفع الله الحاج علي عثمان الوضع الإنساني في جنوب كردفان والنيل الأزرق بأنه «عادي للغاية».
وكانت الأمم المتحدة أعلنت العام الماضي أنها أحرزت قدراً من التقدم في محادثات مع السودان في شأن تسليم مزيد من المساعدات لجنوب كردفان، لكنها أضافت أنها تريد السماح بدخول مزيد من الأشخاص.
ودفع القصف في النيل الأزرق والأوضاع المزرية في مخيمات اللاجئين الكثير من الشبان إلى التفكير في الانضمام إلى صفوف المتمردين. وقال ناثانيال يحيي (26 سنة): «لم يعد هناك شيء… نحن الشبان غاضبون للغاية الآن لأن الآباء والأمهات ليسوا في وضع جيد». ووصف حقوله الزراعية عبر الحدود، قائلاً إن طائرات «انطونوف» كان تقصفها ليلاً ونهاراً. وأضاف: «بسبب طائرات الانطونوف يريد الجميع الآن أن يساعد (المتمردين) حتى يمكنهم القتال معاً ويتمكن الناس من العودة إلى ولاية النيل الأزرق».
وترجع جذور الحروب في النيل الأزرق وجنوب كردفان إلى عقود مثلما هو الحال مع معظم الصراعات في السودان. وحارب عشرات الآلاف من المقاتلين في الولايتين مع الجنوب أثناء حرب أهلية اندلعت ضد الخرطوم عام 1983. وأنهى اتفاق سلام عام 2005 القتال ومهد الطريق أمام تقسيم السودان في تموز (يوليو) الماضي، لكن الولايتين لا تزالان جزءاً من الشمال. وقدم الاتفاق لسكان الولايتين «مشورة شعبية» لتحديد طريقة تعاملهم مع الخرطوم لكن هذا الاستفتاء لم يستكمل قط.
وفي حزيران (يونيو) الماضي، بدأ «الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال» في قتال القوات الحكومية في جنوب كردفان. ويتكون الجيش من كتيبة سابقة في جيش المتمردين الجنوبي. وكانت قوات أخرى تابعة للجيش ومؤيدة لمالك عقار حاكم ولاية النيل الأزرق لجأت إلى غابات عندما وصل القتال إلى الولاية في أيلول (سبتمبر) الماضي.
وتتبادل الخرطوم وجوبا الاتهامات مراراً بدعم المتمردين على جانبي الحدود منذ ذلك الحين، ما عرقل محادثات حول قضايا عالقة مثل المبلغ الذي يتعين على الجنوب دفعه لاستخدام البنية التحتية النفطية في السودان.
واكتسبت المحادثات أهمية أكبر مطلع العام عندما أوقفت جوبا إنتاجها النفطي الذي يصل إلى نحو 350 ألف برميل يومياً بعد أن بدأت الخرطوم في استغلال بعض النفط لتعويض ما وصفتها بأنها رسوم لم تدفع. وإنتاج النفط الخام هو شريان الحياة للدولتين. وتتهم جنوب السودان جارتها الشمالية منذ ذلك الحين «بسرقة» أكثر من ستة ملايين برميل نفط وقصف بئر نفطية قريبة من حدودهما المشتركة وتنفي الخرطوم هذا الأمر.
وبعد شهور من العداء من المقرر أن يجتمع رئيسا السودان وجنوب السودان في محاولة لإنهاء حال الجمود. ويقول محللون إن أي اتفاق سيتوقف على موافقة الجانبين على وقف ما يقولان إنها حروب بالوكالة أدت إلى تشريد عشرات الآلاف مثل الطفلة إسلام وجدتها.
ويبدو أن بعض التقدم أحرز في المحادثات أخيراً، إلا أن المراقبين للشأن السوداني يتوخون الحذر في شأن ازدياد الآمال بالتوصل إلى اتفاق. وقال المحلل في «معهد ريفت فالي» البحثي في نيروبي علي فيرجي: «لا أعتقد أنهم سيمضون قدماً في القمة إذا لم يكن هناك زخم إلى الأمام في القضايا العالقة».
وكان كلوني اعتقل أمام السفارة السودانية في واشنطن الأسبوع الماضي أثناء سعيه إلى جذب الانتباه إلى حملة القصف. وأثنى بعض الناشطين على الممثل الشهير لنشره الوعي في شأن صراع ما زال غامضاً بالنسبة إلى كثير من الغربيين. لكن ناشطين آخرين انتقدوا تصوير كلوني المبسط كثيراً للصراع على أنه استهداف النخبة العربية الحاكمة في السودان لأفارقة سود.
وبغض النظر عن نتائج جهود المشاهير في هذا الصدد، فإن الوعي الدولي جاء متأخراً كثيراً بالنسبة إلى الطفلة إسلام. فبعد ثلاثة أيام من إجراء المقابلة مع جدتها، توفيت إسلام لتصبح مجرد رقم جديد على لوحة مرفوعة في مخيم دورو للاجئين.