رمزية تزامن جثمان حميد ورفاة فيتو اكوار بمشرحة ام درمان
ام درمان : احمد عمر خوجلي
في الوقت الذي كانت عربة الاسعاف البيضاء العريضة تهم بدخول مشرحة مستشفى ام درمان الكبيرة حاملة جثمان الشاعر الكبير محمد الحسن سالم حميد بعد حادثة انقلاب العربة (الاكاسنت ) في الكيلو 172 في منطقة بين التمام والقبولاب في طريق عودنه من مروي الى الخرطوم .. في هذا الوقت كان رئيس لجنة الاعلام في برلمان الجنوب الأستاذ لويس يقوم بالاشراف على اكمال وصية والده الضابط الاداري السابق المحب للشمال فيتو اكوار من قبيلة جور بمناطق بحر الغزال الذي توفيّ في العشرين من فبراير من العام 1991م والمدفون بمقابر ابوسعد بمدينة ام درمان ، وطلب الراحل فيتو فيها من ابناءه اعادة رفاته الى جنوب السودان متى ما تحسنت الاحوال ليدفن قريبا من والده اكوار بمقابر كنيسة واو .. بينما كان لويس يباشر اجراءاته تشريح جثمان والده مع الشرطة ومسئولي المشرحة بدأت وفود في التقاطر على مبنى المشرحة وفود من كل عينات الشعب السوداني من شعراء ومبدعين واعلاميين وطلاب مواطنين كبار وصغار حيث دخل الجميع في نوبات من العويل والبكاء المر على رحيل حميد بعض الشباب حاول القاء بعض قصائده لكن صوت البكاء طغى على صوت النشيد وخنقت العبرات المقاطع … وبعض عاملات مستشفى أم درمان كبيرات السن جاء بهن من نواحي المستشفى الزحام والاصوات المتصاعدة من بكاء الرجال فإتخذن جانبا خلفيا ودخلن في نوبات من البكاء بفعل تأثرهن بّبكاء الرجال الماثل أمامهن ثم بدأن من بعد ذلك بالسؤال عن الميت ومن هو .. النائب البرلماني لويس نجل فيتو صاحب الوصية قال ان والده كان ضابطا ادرايا في المجالس المحلية وانه كان وحدويا محبا للشمال وللوطن لكنه كان يحن دائما لمسقط رأسه .. لذلك لم يكن تزامن تشريح حميد وفيتوا من عجائب الصدف وغريب الاشارات فمشروع حميد الابداعي ظل الدوام منسجما مع مواقفه مع اهل الهامش والبسطاء ومع عمال المصنع وعيوشة وعم عبد الرحيم وتلك (النوباوية )التي دخلت معهم المعتقل لثمانية عشرة يوما خرجوا بعدها ليجدوا المدة قد زادتهم قوة .. وكان حميد دوما داعية سلام معلنا نداءه المستمر ( ارضا سلاح ) .
مد كفك يا بني آدم .. حرية سلام حرية.وجثمان العم فيتو الذي تجاور مع جثمان الراحل حميد امس بقلعة النضال ام درمان حمل اشارات وحدوية اتصلت بالبحث عن السلام والحرية ووصية فيتوا نفسها بنبش قبره وترحيله رفاته الى بحر الغزال اجابة لنداء ربما ظل يدوي في اعماقه من زمان طويل ونوع من البر العجيب بوالد مدفون في مدينة واو حاضرة بحر الغزال وبوطن عاد اليه الهدوء وفيتو يوقن ان روحه سوف تسعد بدفن جثمانه في مسقط الرأس في بحر الغزال .. وذات وصية فيتو اكوار ورغبته نفذها الراحل حميد وهو على قيد الحياة عندما طلق الخرطوم التي خاطبها قبلا بـ ( يا خرطوم شن سلبك وحلبك وعربك ونوبتك زنجك وحلبك) .. الى ان يقول لها :انه محملا اياه المسئولية – مسئولية الازمة : (انا يا خرطوم مأزوم مازوم مازوم.). طلقها واختار ان يسكن قي قريته الوادعة على النيل يزرع الخضار ويرعى النخيلات وينظم الاشعار .. ووكذلم العم فيتوا كان يوقن بأنه السلام سيسود في وطنه الجريح لذلك ضمن عودة رفاته في وصيته .. ومن اشارات تزامن الجثمان والرفاة الصليب الكبير الذي وضع في مقدمة صندوق الذي حمل رفاة فيتو مع وانتشار عدد من لابسي الاخضر المزركش من اهل التصوف في الساحة المصغرة لعزاء الحاضرين لبعضهم البعض عند بوابة المشرحة .. الصليب الذي هو علامة و دلالة على مسيحية اكوير هذا الأمر يسنجم الى حد كبير من موقف حميد التسامحي مع جميع مكونات السودان والذي ثبت في ابداعاته الشعرية فقد تغني الراحل بالاسلام وبالمسيحية عندما انتقد التسلط باسم الدين :
إنساني شعوب تنسالم .. تنسالم بي حنية
على نخب الود نتنادم .. لا جنس ولا لونية
لا عِرق لا آه نتقادم .. سكتنا بياض النية
مش كلنا جينا من آدم .. مش آدم ابو البشرية
السجن إذاً يترايم .. نبنيها قلاع ثورية
عقبال الخير يترادم .. والدنيا تمش دغرية
ظلم الحُكم ياهو الظلم كان من جوامع كان كنيس
يبرا السما …يبرا محمد سيدي يبرا المسيح
ختاما لانملك الا ان ندعو بالرحمة والمغفرة للراحل المقيم حميد فهو من مبدعي السودان الذين اختاروا ان يمتزج مشروعهم الابداعي بقضية الوطن وحقوق شعبه افراحه واتراحه ولم يجعلوا من الفن والشعر تزجية لوقت الفراغ الترفيه فحسب ولكنهم جعلوا منه جسرا الى عالم جديد يتميز برحابة الفضاء ومحاصرة المظالم والاحزان .. الاحزان التي تجددت برحيله الآن لكن يبقى العزاء في الأثر والزكريات والبذور التي نثرها الراحل وحميد في حقول التغيير وفي اشباهه من المبدعين .
[email protected]