دور مفوضية حقوق الانسان بين الشكوك والتحديات
ماجد معالى
اخيرا اصدر رئيس الجمهورية مرسوما يقضى بتشكيل مفوضية حقوق الانسان, وقد تاخر تشكيل المفوضية كثيرا التى يفترض انشاءها بعد اجازة الدستور الانتقالى فى العام 2005, ويعكس تباطؤ الحكومة السودانية فى انشاء مفوضية حقوق الانسان عدم رغبتها فى ايجاد مؤسسة وطنية مستقلة تعنى بترقية واحترام وحماية حقوق الانسان فى بلد سجله ملىء بانتهاكات حقوق الانسان التى كان ابرزها انتهاكات القانون الدولى الانسانى خلال الحرب فى الجنوب وتردىء حالة الحقوق المدنية والسياسية فى الشمال والتى كانت بدايتها حملات الفصل والتشريد من الخدمة المدنية والسلطة القضائية وانشاء بيوت الاشباح والمعتقلات لممارسات التعذيب والاختفاء القسرى والاعدام خارج نطاق القضاء فى الوقت الذى قيدت فيه حرية التعبير وصودرت الصحف المستقلة وتعرض الصحفيين للتشريد والاتهام والمحاكمات بسبب دفاعهم عن قضايا حقوقية. وفى دارفور تواصلت انتهاكات القانون الجنائى الدولى منذ العام 2002 مع الافلات التام من العقاب فى الوقت الذى تشهد فيه جنوب كردفان والنيل الازرق انتهاكات مماثلة لما يحدث فى دارفور.
وقد اهتمت الامم المتحدة بتطوير المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان حيث قامت بوضع (المبادىء المتعلقة بالمؤسسات الوطنية لحماية حقوق الانسان والنهوض بها 1993) والتى تعرف بمبادىء باريس لتسترشد بها الحكومات عند انشاء هذه المؤسسات التى يفترض انشاءها فى ظل انظمة ديمقراطية تحترم وتصون حقوق الانسان. وكعادة معظم البلدان الافريقية التى تعمل على نسخ احكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان لتزيين بها دساتيرها لتظهر للعالم جديتها فى احترام وتعزيز حقوق الانسان تقوم معظم هذه البلدان بانشاء مفوضيات لحقوق الانسان لاتتمتع بالاستقلالية التى تمكنها من رصد انتهاكات حقوق الانسان فى بلدانها وتقديم الدعم لحكوماتها من اجل حماية وتعزيز حقوق الانسان وفى معظم الاحيان تتحول تلك المفوضيات الى مدافع عن تلك الحكومات ومبرر لانتهكات حقوق الانسان حيث تصور اوضاع حقوق الانسان فى بلدانها بالمثالية من خلال ظهورها فى انشطة مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان وفعاليات اللجنة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب.
وتستمد مؤسسات حقوق الانسان الوطنية اهميتها من ” مبدا الاستقلالية” الذى يميزها عن غيرها من الهيئات والمؤسسات التى تعنى بحماية وتطوير وترقية حقوق الانسان, حيث تعنى المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان بحماية وتعزيز وترقية حقوق الانسان فى بلدانها, وهى تختلف عن مؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات الوطنية غير الحكومية التى تعمل فى هذا الصدد. و يتم تشكيل هذه المؤسسات عادة بواسطة الحكومات وتعمل على رصد انتهكات حقوق الانسان ومعالجتها وتقديم الدعم لحكوماتها مثل التصديق والانضمام لمعاهدات ومواثيق حقوق الانسان الدولية والاقليمية واصلاح التشريعات الوطنية لتتوائم مع التزامات الحكومات الدولية .
واثار تشكيل مفوضية حقوق الانسان فى السودان جدلا واسعا فى اواسط المجتمع المدنى السودانى والاكاديمين والسياسين ونشطاء حقوق الانسان وتكمن دواعى قلق تلك الفئات من ان تشكيل المفوضية جاء بعناصر معروف ولائها لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم الذى ارتكتب معظم الانتهاكات الجسيمة فى عهده ويتهم رئيسه بارتكاب جرائم الابادة الجماعية فى دارفور وبالتالى يشككون فى قدرة المفوضية على الاضطلاع بمهامها فى حماية وترقية اوضاع حقوق الانسان فى السودان . وتنص مبادىء باريس على ان ” يتم تشكيل المؤسسات الوطنية وتعيين اعضائها, سواء بالانتخاب او بغير انتخاب, وفقا لاجراءات تنطوى على الضمانات اللازمة لكفالة التمثيل التعددى للقوى الاجتماعية فى المجتمع المدنى المعنية بحماية حقوق الانسان وتعزيزها, لاسيما بسلطات تسمح باقامة تعاون فعال مع الجهات مثل المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الانسان, النقابات, روابط الاطباء والحقوقين, التيارات فى الفكر الفلسفى والدينى, الجامعات والخبراء المؤهلون والبرلمان”
كما تثير مسالة التمويل والدعم لانشطة المفوضية الشكوك حول حيادية واستقلالية المفوضية فى اداء مهمامها وفى هذا الصدد تنص مبادىء باريس على ” ينبغى ان تملك المؤسسة الوطنية الهياكل الاساسية المناسبة لحسن سير انشطتها, وبصفة خاصة الاموال الكافية لذلك, وينبغى ان يكون الغرض من هذه الاموال هو تزويدها بموظفين ومقار خاصة بها لتكون مستقلة عن الحكومة وعدم خضوعها لمراقبة مالية قد تؤثر على استقلالها”
وتواجه المفوضية تحديا يتمثل فى القيام بالاعباء المنوط بها فى ضوء الشكوك التى اثيرت حول تكوينها ومدى استقلاليتها عن الجهاز التنفيذى وفى ظل حالة حقوق الانسان المتردية فى السودان, فهل ستنجح المفوضية فى ذلك وتعمل من اجل حماية وترقية حقوق الانسان ام ستتحول الى واجهه تعمل على تبيض وجه الحكومة فى المحافل الدولية والاقليمية؟
[email protected]