إعلان باريس خطوة كبيرة في مساعي الجبهة الثورية السودانية لتوحيد صف المعارضة.
حاوره – عزمي عبد الرازق
عتبة أولى:
عتبة أولى:
** ليس من اليسير الوصول إلى رجل في أهمية وخطورة الدكتور جبريل إبراهيم، الأبواب التي تفتح نحوه هى في الغالب أبواب دائرية، قد تتوه بك في بعض العواصم. لأكثر من شهر، بل لأشهر حاولنا استنطاقه، ولكنه لا يمكن الوصول إليه بسبب التسفار والعمل المضني، حتى عثرنا عليه في رادسون أديس أبابا، كان متوعكاً قليلاً.. في قرارة نفسه هو رجل واع ومتفهم للصحافة وأدوارها، جبريل إسلامي بشهادة الميلاد، تفتحت بصيرته على الهموم الكبيرة منذ أن شب عن الطوق.. هنالك في قرية الطينة في أقاصي دارفور، مضى مثقلاً بالطموح في طلب العلم حتى بلغ بلاد (الواق واق)، هكذا يتحدث عن نفسه، مجبول على محبة الآخر، شاطر وطموح، عيونه مسكونة برهق الأمنيات والتصورات البراغماتية، هو ابن الأزمة على كل حال، يعبر عن أفكاره بعمق وروية، لا يثرثر في العادة، يجيد اللعب بالبيضة والحجر، متمهل تماماً ولكنه لا يبالي من السير في الليالي المطيرة، سياسي على نحو باهر، عوضاً عن أنه رئيس حركة (العدل والمساوة) خلفاً لشقيقه الراحل الدكتور خليل إبراهيم، جبريل متفوق في التكتيك، يفاوض بعيون حذرة، حاورناه (لليوم التالي) فتحدث حديث العالم ببواطن الأمور، سكب ما يعتمل في دواخله حتى كاد يحرق صفحة الكتابة البيضاء، من الذي علمه الحكمة والكتاب؟ ربما كان أستاذه الطاهر يوسف أبكر الذي جنده للحركة الإسلامية، قلبنا معه دفاتر التاريخ والحاضر، وراهن الأزمة الذي يراوح مكانه، تحدث عن علي الحاج بمحبة نادرة، وقدم لوماً بدموع وفية للدكتور الترابي، هو مع الحوار الموحد الذي يعالج جذور الأزمة بطبيعة الحال، لننظر ماذا قال بالتفاصيل.
س1- جبريل إبراهيم بخلفياته التاريخية غير معروف للكثيرين، فماذا عن الطفولة و مكان الميلاد؟
أنا من مواليد قرية الطينة في الركن الشمالي الغربي من السودان، و درست بها المرحلة الأولية ثمّ ارتحلت شرقاً في طلب العلم حتى بلغت جزر الواقواق، و الواقواق تحريف لاسم اليابان القديم و هو ” واكوكو” و يعني أرض السلام.
س2- من الذي جنّدك: في الحركة الإسلامية؟
الأستاذ الطاهر يوسف أبكر، و قد كان ذلك في عامي الأول بمدرسة الفاشر الثانوية.
س3- هل سبقك الشهيد خليل في العمل السياسي؟
بالتاريخ لا، أما في الأداء و الكسب و التفاني فنعم، عليه رحمة الله.
س4- أنت رجل كواليس، فما الذي أوكل إليك من قبل التنظيم خلال الحقبة التسعينية؟
الفرضية بعيدة عن الحقيقة. أنا أميل إلى العمل التنفيذي و في وضح النهار. كنت مؤسساً و مديراً شركة عزة للنقل الجوي، و لم تكن المهمة سهلة حتى أشركها بغيرها من الأعمال.
س5- كيف كانت علاقتك بقيادات الدولة؟
لم أسمع بمن اشتكى مني من الذين تفرض طبيعة عملي التعامل معهم، و هم أقدر مني على الإجابة على هذا السؤال.
س6- فيم حضرت الدكتوراة؟
في سياسات التنمية الاقتصادية و كانت الرسالة في “بناء الرأسمال البشري كإستراتيجية للتنمية الاقتصادية”.
س7- ثمة من يزعم أن حركة العدل و المساواة هي الجناح العسكري للمؤتمر الشعبي؟
هذا حديث عفا عليه الزمن، و دعاية مغرضة أطلقها أجهزة أمن النظام، و البينة على من ادعى، و على الزاعم أن يثبت زعمه.
س8- الدكتور الترابي لم يدن الهجوم على أم درمان و أدى واجب العزاء في الشهيد خليل إبراهيم فما الذي كان يعنيه ذلك؟
للدكتور الترابي تقديراته الخاصة في عدم إدانة عملية الذراع الطويل، أما أداء واجب العزاء في الشهيد خليل، فقد قام به الكثير من القادة السياسيين، و هو سلوك يعبّر عن أصالة و سمو قيم الشعب السوداني، و الشاذ ما أتى به بعض سفهاء النظام من التظاهر و الرقص طرباً لاستشهاده.
س9- ما هي قصة اعلان باريس؟
اعلان باريس خطوة كبيرة في مساعي الجبهة الثورية السودانية لتوحيد صف المعارضة، بدأت بتكوين الجبهة نفسها، ثم ميثاق الفجر الجديد، و مؤتمرات جنيف الأولى و الثانية، و لقاءات البرلمان الأوربي و غيرها. كما هو تتويج لمساعي الإمام الصادق المهدي لبناء جسور الثقة بين قوى المعارضة السودانية. اعلان باريس نقلة نوعية في المسرح السياسي السوداني و ستؤتي أكلها خيراً و بركة على البلاد بإذ الله.
س10- وصفت لقاء الجبهة الثورية مع الصادق المهدي بالتاريخي، فهل نثقون في الإمام؟
لقاء باريس تاريخي بمعنى الكلمة لأنه كسر حاجز المستحيلات، و جمع بين النادي السياسي القديم و الجديد، و قطع الطريق على الاستقطابات الحادة و المخاوف الزائفة. أما مسألة الثقة، فلم يأتنا الإمام من أجل سواد عيون الجبهة، و إنما تقديراً لمصلحة سياسية رجاها و قدّرها، و كذلك الحال بالنسبة للجبهة. فإذا بقيت المصلحة المرتجاة بقيت العلاقة. و هذا ما نرجوه و نعمل له.
س11- الصادق المهدي هو رجل الخذلان الفريد، ثمة من يزعم ذلك؟
الآمال الكبيرة تسبب إحباطات كبيرة إذا لم تتحقق، و أملنا أن يساهم الإمام الصادق مع الآخرين في بناء سودان الغد المشرق.
س12- الرئيس البشير قدم ضمانات لقادة الحركات المسلحة للدخول إلى الخرطوم و الخروج منها في أي وقت، فلماذا لم تلبوا الدعوة؟
على الرئيس البشير أن يقدم الضمانات للشعب السوداني الذي لا يملك غير لسانه و قلمه في التعبير عن رأيه. فعن أي ضمانات تتحدث و إبراهيم الشيخ يقبع في سجنه لأنه عبر عن رأيه بلسانه، و د. مريم الصادق في سجن انفرادي لأنها قابلت قادة الجبهة، و غيرهما من سجناء الرأي كثر! مجرد لقاء قادة الجبهة جريمة تلقي بصاحبها في سجن انفرادي، فماذا يحدث لو صار قادة الجبهة المحكوم عليهم بالاعدام أو المطلوبون بواسطة الإنتربول العربي تحت رحمة النظام و أجهزته القمعية؟ الضمانات مطلوبة لمجتمعنا قبل أشخاصنا.
س13- ما الذي يمنع الجبهة الثورية من الاستجابة لحوار الداخل؟
ستستجيب الجبهة الثورية للحوار عندما تتوفر أركانه و مقوماته، و لكنها أكبر من أن تنخدع بدخان يطلق في سماء البلاد لإلهاء الناس و إشغالهم لكسب الوقت للانتخابات.
س14- هل وصلتكم دعوة رسمية للمشاركة في الحوار الوطني و لو على مستوى حركة العدل و المساواة؟
لم يحدث مطلقاً، و لو دُعيت حركة العدل و المساواة السودانية من غير مكونات الجبهة الثورية الأخرى لما استجابت لأنها جزء من كل.
س15- ألم تتلق أي اتصال أو رسالة من الخرطوم خلال الفترة الماضية؟
لم يسترعي انتباهي شيء من ذلك. بضاعة الخرطوم المعروضة لي لا تتجاوز الوعيد بالويل و الثبور و الإلحاق بأخوتي الشهداء.
س16- هنالك حديث عن مفاوضات سرية تجري بعيداً عن الأعين؟
بالقطع ليست مع حركة العدل و المساواة السودانية أو الجبهة الثورية السودانية. و لو كانت هنالك محادثات سرية بحق لما علم بها المروجون. ثم لماذا الحاجة إلى التفاوض في الظلام و قضايا الخلاف أوضح من الشمس في رابعة النهار!
س17- ما هي الضمانات التي تطلبونها للمشاركة في الحوار القائم بين الحكومة و المعارضة؟
أولاً لا علم لي بحوار قائم بين الحكومة و المعارضة. و لكن في خارطة طريق الجبهة الثورية و اعلان باريس و مخرجات حوار مجموعة اعلان باريس مع موفدي 7+7 في أديس أبابا ما يجيب على سؤالك باستفاضة.
س18- هنالك رغبة قوية للخروج بالبلاد من مأزقها، فلماذا لا تشاركون فيها؟
لقد عبرنا عن رغبتنا القوية في إخراج البلاد من مأزقها الذي تسبب فيه النظام برعونته و إقصائيته و عنصريته بحمل السلاح في وجهه بعد أن عجزنا عن تنبيهه بالوسائل السلمية. فأي رغبة أقوى من هذا تريدنا أن نبديه؟!
س19- أنت رجل متفائل حتى في أحلك الظروف،فهل تتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تغييرات أو انفراج على الوضع العام؟
ليس ذلك على الله بعزيز إذا فاقت العصابة الحاكمة من سكرة السلطة، و منّ الله عليها بحد أدني من الرشد.
س20- متى تتوقف الحرب في دارفور؟
عندما يدرك النظام أن الحقوق لا تموت بالمدافع، و أن ما يقوم به في دارفور و بقية أقاليم السودان لن يحول دون الأجل المحتوم للتغيير، و حينها لات ساعة مندم.
س21- هنالك تقارير عن شاب من دارفور يصنع تحت أعين الأمريكان تقريباً اسمه سالم. فهل تعرفه أو سمعت عنه؟
لم أسمع عنه، و لا يشرفني معرفة أمثاله من أراجوزات الأجنبي، و لا أشغل بالي بمثل هذه القصص لأني على قناعة مطلقة بأن تربة السودان لا تصلح لإنبات أو نمو أي شكل من أشكال “آل كرازاي”.
س22- جمعتك لقاءات سرية و علنية بالدكتور علي الحاج، فماذا دار بينكم صراحة؟
الدكتور أبوأحمد أخ و صديق و إبن منطقة و صاحب سبق و تجربة سياسية جديرة بالنظر. عليه، دواعي التواصل بيننا كثيرة ليس بينها ما يستدعي لقاءات سرية. ما يشغل بال الدكتور علي الحاج و يشغل بالي هو الشأن العام، و التردي الذي آل إليه الحال، و كيفية انتشال البلاد من كبوته المستطيلة.
س23- هل لديك تفسير لصمت الدكتور الترابي و التقارب المفاجئ بين المؤتمر الشعبي و المؤتمر الوطني؟
ما المسئول بأعلم من السائل. و لكن المؤكد أن توحيد الصف الوطني و العمل على خلاص البلاد مقدم على أية مصالح ثنائية يمكن تحقيقها عبر هذا التقارب المريب، و الأمين العام للمؤتمر الشعبي مطالب شعبياً بتوضيح دوافع هذا التقارب المفاجئ و الإنخراط في “حوار الوثبة” دون شروط.
س24- داخل مكونات الجبهة الثورية هنالك تباين في بعض القضايا هل تتفق معي؟
تجد التباين في الرؤى و المدارس الفكرية حتى في التنظيمات العقدية التي يعتقد فيها أحادية النظرة و التكوين، فما بالك بتحالف جمع أشتاتاً من التنظيمات و الأحزاب بما لديها من خلفيات و إرث! فالمطلوب في تحالفات كهذه ليس الوحدة الفكرية المطلقة، و لكن وجود برنامج حد أدنى يُجمع عليه الناس، و يعملون معاً من أجل تنفيذه.
س25- قطاع الشمال يحاور الحكومة في أديس أبابا، فما الذي يمنع العدل و المساواة من العودة إلى مفاوضات الدوحة؟
ليست هنالك مفاوضات في الدوحة لكي يعود إليها أحد. ثم أن الحلول الجزئية أثبتت عدم جدواها و لا جدوى من تجريب المجرب. قطاع الشمال في منبر أديس وفق القرار الأممي 2046 قبل أن تولد الجبهة بشكلها الحالي، و لكنه يعمل بتنسيق كامل مع بقية مكونات الجبهة، و لا يخرج عن خطها المرسوم. و على كل، يبدو أن المنابر في طريقها إلى التوحّد، و كذلك الوساطة و المسارات ما لم يقف النظام حجر عثرة في سبيل هذه الخطوة.
س26- ثمة من يزعم أن الموقف من الإسلام السياسي فيه تباين داخل الجبهة الثورية؟
العبرة في أن هذا التباين لم يحل دون تماسك الجبهة و صمودها في وجه أعاصير السياسة الهوجاء.
س27- العدل و المساواة لم تدع إلى العلمانية طوال مسيرتها، أ و ليس ذلك صحيحاً و عنده علاقة بالآيديولوجيا؟
حركة العدل و المساواة السودانية لا تدعو و لا تسعى لفرض العلمانية أو غيرها من الآيديولوجيا بحد السيف على الشعب؛ و لا تؤمن بأن مشكلة البلاد تكمن في نقص في المد الآيديولوجي. على العكس تماماً، تعتقد الحركة أن التنافس السياسي على أساس الآيديولوجيا ترف نخب تناست معاناة الشعب الذي تشغله الضرورات الحياتية التي يجب أن تتنافس القوى السياسية على توفيرها بدلاً من الجدال فيما لا يوفر الغذاء و لا الكساء و لا الدواء و لا المأوى و لا التعليم للمواطن.
س28- هنالك حديث بأن قطاع الشمال هو الذي يقود كابينة الجبهة الثورية؟
هذا زعم غير دقيق، و الكل يساهم قدر طاقته في تسيير دفّة الأمر في الجبهة الثورية التي تتمتع بقيادة جماعية فريدة لا يستفرد فيها أحد من أطرافها بقرار حيوي يمسّ الجميع.
س29- هنالك تقارير افادت بأن العدل و المساواة شاركت إلى جانب سلفا كير في حربه ضد قوات مشار؟
التقارير الأكثر شهرة و المسنودة بأدلة دامغة، هي تلك التي تتحدث عن دعم النظام اللامحدود لمجموعة رياك مشار.
س30- وجودكم في الدول الأوربية يثير العديد من الإستفهامات؟
يهاجر الناس مُكرهين عندما تضيق بهم بلادهم. و نحن نعمل و نتحدث في الهواء الطلق أينما كنا، و لسنا مسئولين عن هواجس المسكونين بنظرية المؤامرة.
س31- متى سيلتحق د. جبريل إبراهيم بقطار الحوار؟
عندما يثبت عنده بأن هنالك قطار شارك في صناعته، و يعرف مساره و وجهته و القواعد الضابطة لحركته، و من هم رفقاء رحلته. حينها فقط تكون الجبهة الثورية شريكة في الحوار. أما مسألة الإسترداف و الالحاق فهي مرفوضة و تمقتها النفس الأبية.
س32- ما هي فرص الوصول إلى تسوية سياسية شاملة؟
الفرص كثيرة و متاحة، و لكن النظام فالح في إضاعتها لأنه يعتقد جازماً بأن الحرب هي وحدها التي تمده بأسباب البقاء على سدت الحكم، و توفر له الحماية من مواجهة العدالة الدولية.
س33- متى رايت الخرطوم آخر مرة؟
في منتصف يناير 2001
س34- الرئيس البشير أجرى تغييرات في كابينة القيادة بمثابة جراحة كبيرة، كيف قرأتها ساعتها؟
المحزن أن يخلد الناس في مواقع القيادة للدرجة التي يُظنّ معه أن تغييرهم عملية جراحية قاسية. الحركة في كل شيء هي التي تحول دون التكلس و الجمود. و السياسة و الشأن العام ليستا بمنجاة منه من قوانين الحركة و السكون، و لا ينبغي أن يكونا. أنظروا إلى الديموقراطيات كيف يغادر القادة مواقعهم و هم في عزّ عطائهم لإفساح المجال لأجيال و طاقات جديدة.
س35- ألا يعني لك خروج علي عثمان و نافع و عوض الجاز اشياء بعينها؟
يعني خروجهم من مواقع القيادة في الدولة عندي أن سنن الله ماضية حتى في الذين تناسوها، و أنها لا تدوم لأحد. كما تعني هذه التغييرات عندي بأن النظام يتجه باضطراد نحو المزيد من العسكرة.
36- شخصية جبريل إبراهيم تتسم بالحذر الشديد، فعلام الحذر؟
لست متأكداً بأن صفة الحذر هي الأنسب لوصف شخصيتي، و لكني أسأل الله أن أكون حذراً من غضبه و معصيته بالقدر الذي ينجيني من عذابه.
37- ما الذي يقلق منامك باستمرار؟
أنين الأمهات الثكالى و بكاء يتامى الشهداء و ضياع الأجيال و ضنك العيش الذي يأخذ بتلابيب الشعب المبتلى السبيل الأنجع لحقن الدماء دون تفريط في قضايا الشعب العادلة التي قامت الثورة من أجلها.
38- كيف تريد أن ترى السودان و أنت صاحب فكر ورؤية و قد تجولت في معظم بلدان العالم؟
أمنيتي و جهدي أن أرى السودان وقد خرج من دائرة الاقتتال و الجوع و الجهل و المرض و الفساد الخبيثة، و لحق بركب الأمم المتقدمة، و قد منّ الله عليه بما يأهله لأكثر من ذلك إن وجد القيادة الرشيدة الواعية التي تحسن إدارة التنوع، و تجيد تحويل المحن إلى فرص، و الكبوات إلى دروس يتقوى بها في مواجهة الإحن.