الخرطوم: أحمد يونس
اشترط أحد أحزاب المعارضة السودانية إقامة «سلطة انتقالية» كاملة لقبول دعوة الرئيس عمر البشير للحوار، مع إجراء الحوار على برنامج تلك السلطة، لا على تكوينها. ووصف القرار الجمهوري الذي اتخذه البشير بالسماح للقوى السياسية بممارسة نشاطها السياسي بحرية بـ«المناورة» التي يحاول من خلالها النظام إعادة إنتاج نفسه بمشاركة قوى سياسية جديدة، قائلا إن الدعوة للحوار لم تأت نتيجة لوصول النظام لقناعة بضرورة حل أزمات البلاد التي صنعها بنفسه.
وقال أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي علي الريح السنهوري في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، إن نظام البشير استخدم هذه الحيلة أكثر من مرة، موضحا
: «هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فها النظام لهذه الحيلة، ليعيد إنتاج نفسه بذات السياسات الإقصائية، مع مشاركة قوى سياسية أخرى، والحوار من دون عناوين وأهداف؛ نوع من أنواع المناورة السياسية».
واشترط السنهوري قبول النظام لإقامة «سلطة انتقالية» قبل بدأ الحوار، وألا يكون الحوار على السلطة الانتقالية، بل على البرنامج الذي ستنفذه تلك السلطة. مؤكدا أن النظام إذا أمر بإقامة هذه السلطة الانتقالية يكون قد خطا الخطوة الأولى باتجاه الحوار، لكنه لم يفعل بعد. وقال إن «القوانين الحالية تصادر حق القوى السياسية في ممارسة نشاطها بحرية، وكذلك حرية الإعلام، ولا بد من إلغاء هذه القوانين وليس إصدار قرارات جمهورية».
وبشأن القرار الرئاسي الذي أصدره البشير قبل يومين، وقضى بإلزام الأحزاب باستئذان السلطات المعنية لعقد اجتماعاتها العامة وندواتها وأنشطتها سواء داخل دورها أو في الساحات العامة قال السنهوري: «لم ولن نأخذ إذنا لأي نشاط داخل دورنا لأن لها حرمة شرعية وقانونية، لكننا مضطرون لأخذ الترخيص لندواتنا الجماهيرية في الشارع».
ووصف السنهوري صدور القرار بأنه نوع من أنواع الوصاية التي يمارسها حزب المؤتمر الوطني الحاكم على القوى السياسية، بقوله: «قرار بإعطاء الحريات السياسية يتيح مصادرتها أيضا، لأنه ربطها بقوانين غير دستورية، بما يعطي حزب المؤتمر الوطني الوصاية على القوى السياسية، فالقرار يشترط الإذن من جهاز الأمن لإقامة أي نشاط سياسي، ولأن المؤتمر الوطني يسيطر على جهاز الأمن، فإن موافقته على النشاط تعني موافقة الحزب الحاكم على ممارسة القوى السياسية لنشاطها». وأضاف: «لو شاركت كل القوى السياسية في النظام، لن تفك عزلته، لأن للجماهير مطالب وحقوقا ما لم تنفذ فإنها ستظل في موقفها من النظام، وفعالية المعارضة لا تقاس بمقدرتها على إسقاط النظام، بل بمقدرتها على بث الوعي وتمليك الجماهير المعرفة الصحيحة لطبيعة الصراع السياسي، والبرنامج الصحيح لإقامة دولة عادلة.. وإسقاط نظام الحكم رهين بنضج الصراع السياسي».
وهدد السنهوري بمواصلة التعبئة السياسية للجماهير حال منعهم من إقامة ندواتهم وأنشطتهم حتى إسقاط النظام، وقال: «إذا منع الأمن ندواتنا سنواصل في وسائلنا الأخرى لتعبئة الشارع لإسقاط النظام بتوزيع المنشورات وتنظيم الاحتجاجات، وحتى الترويج لشعاراتنا بكتابتها على الجدران وليس بمقدور الأمن عزلنا عن شعبنا».
وحمل القيادي البعثي حزب المؤتمر الوطني الحاكم مسؤولية الأزمة الوطنية التي تعيشها البلاد، وقال إنه فقد السيطرة على مناطق واسعة من البلاد في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ولم يعد قادرا على مواجهة الأزمة الاقتصادية وقضايا التنمية، فضلا عن إدارة علاقات البلاد الإقليمية والدولية.
وكان الرئيس البشير اتفق مع زعماء أحزاب على تشكيل لجنة عليا للتحضير لمؤتمر الحوار الجامع وتحديد أجندته وسقفه الزمني والاتصال بالأحزاب والحركات المسلحة، لكن لم تعلن بعد أي خطوات عملية بشأن تشكيل اللجنة والشروع في مهامها. وفي الأسبوع الماضي أعلن تحالف المعارضة اتفاقه مع الجبهة الثورية على حزمة شروط مشتركة لقبول دعوة البشير للحوار، أبرزها «وقف الحرب وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات والاتفاق على آلية مستقلة لإدارة الحوار».
ونظم حزب «الإصلاح الآن» بزعامة القيادي السابق في الحزب الحاكم غازي صلاح الدين، الذي انشق عن الحزب الحاكم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي احتجاجا على قمع الأجهزة الأمنية الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وقتها، وخلفت عشرات القتلى، أول من أمس، أول ندوة جماهيرية بعد قرارات البشير في ميدان الرابطة بمنطقة شمبات شمال العاصمة الخرطوم، حضرها الآلاف من دون أي وجود للأجهزة الأمنية التي منعت أحزاب المعارضة من إقامة ندوة مماثلة في ذات الميدان قبل أسابيع. وأعلن تحالف المعارضة الذي يضم نحو 20 حزبا، بجانب حزب البعث الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر السوداني، تنظيم سلسلة من الندوات في الميادين العامة، قال إنها «اختبار» لقرارات البشير ابتداء من غد الجمعة.