حديث الزوجات الخطرات : زوجة سلفا كير
مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
ما أجمل العلم، والعلم نور. وقد ازددت علماً فى يومى هذا فأمسيت وانا أعلم ما لم اكن أعلم. مما أفاء الله به عليّ من علم ان الفريق اول سلفا كير ميارديت النائب الاول لرئيس جمهوريتنا الفتية له زوجة يهودية. غير ان بعض التفصيلات غابت عن علمى. من ذلك: هل هى زوجة قديمة ام جديدة؟ وهى تفصيلات ليست على درجة عالية من الاهمية على أية حال. فاذا كانت زوجة قديمة فلا بأس، المثل العربى يقول: (القديمة تحلى ولو كانت وحلة). أما اذا كانت جديدة فالواجب يفرض علىّ ان ابادر بالتعبير عن التهنئة الخالصة لسيادة نائبنا الاول. واتمنى ان يبارك الرب زوجته اليهودية الجديدة، وان يجعل زواجه منها زواجا طيباً، دانى القطوف، ميمون الثمرات. وقد تعجبت كيف أن هذه المعلومة الاستراتيجية المغزى – اى معلومة زواج الفريق اول سلفا كير من امرأة يهودية غابت عنى كل هذا الوقت، مع اننى رجل “شمشار” يحب “الشمار”، وأسماء واصول وخلفيات زوجات الرؤساء ونوابهم وجميع قادة الدولة وشاغلى مناصبها العليا منذ استقلال السودان وحتى اليوم تقع فى دائرة اختصاصى!
نبأ زواج الفريق اول سلفا كير من امرأة يهودية قرأته فى متن حوار اجرته المحررة الصحافية صباح موسى، مع القيادى الاسلاموى، الذى يتمتع بصفة “مفكر”، الدكتور حسن مكى، ونشره وسيط اعلامى يحمل اسم “افريقيا اليوم” وأعاد نشره موقع سودانايل الالكترونى. ولما كنت أعلم ان يهودنا الوطنيين قد هجروا السودان عن بكرة ابيهم خلال سنوات الخمسينات والستينات، فمن المؤكد ان زوجة سلفا كير أجنبية وليست سودانية. وقد عزز ذلك الاعتقاد عندى ما جاء فى متن الحوار المنشور تحت العنوان التالى: (مدير جامعة افريقيا العالمية د. حسن مكى يقول: أحدى زوجات سلفا كير يهودية وهذا خطر). ثم جاء ضمن ملخص مادة الحوار:(وقال مكى إن سلفا كير ميارديت رئيس حكومة الجنوب لديه زوجه يهودية، وان فى ذلك الخطر الحقيقى).
قرأت كل ذلك، ووقفت مثنى وثلاث امام الاوصاف الدراكونية التى اطلقها المفكر حسن مكى على زوجة سلفا كير وهى (خطر)، و(خطر حقيقى)، ثم قلت لنفسى: “الخطر برة وبعيد ان شاء الله”. ما هو “الخطر” يا ترى فى زواج نائب رئيسنا من يهودية؟ منذ متى أصبح الزواج باليهوديات “خطراً” تُقرع له الاجراس؟ ونبينا الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم قدوتنا فى الزواج من اليهوديات، وقد تزوج من صفية بنت حُيى: أبوها حُيي بن أخطب سيد يهود بنى النضير، ووالدتها برة بنت السموأل، ابنة سيد بنى قريظة، من ذرية نبى الله يعقوب.
أنا شخصيا عرفت وصادقت كثيرين متزوجين من يهوديات، خاصة فى الولايات المتحدة، ومنهم سودانيون، ولم يحدثنى اى من هؤلاء قط عن اى نوع من “الخطر” يتعرضون له، كما لم الحظ أنا اى “خطر” تشكله هؤلاء الزوجات على غيرهم. بل وعلى العكس تماماً، لقد رأيت خلال مسيرة حياتى سودانيين كثيرين جداً تزوجوا من سودانيات مسلمات، ثم أسرّوا لى بأنهم ظلوا يحسون بالخطر منذ اول ليلة فى زيجاتهم وحتى يومهم الماثل. من بين هؤلاء رئيس تحرير صحيفة سودانية أقنع زوجته الاسلاموية المسلمة، التى تزوجها قبل عقدين من الزمان بعد ملحمة حب متطاولة دارت رحاها بين جامعة الخرطوم ومعهد الموسيقى والمسرح، أقنعها قبل عامين بالسفر للتحضير للدراسات العليا فى ماليزيا حتى تزداد علماً، ثم ركب معها الطائرة واوصلها حتى باب كوالا لمبور. فلما عاد الى الخرطوم كان اول ما فعله هو ان اتصل بى هاتفياً ليقول لى: “الحمد الله، زال الخطر”!
وعلى ذكر زواح السودانيين والسودانيات من اليهود واليهوديات، و”الخطر” – الحقيقى او المتوهم – المترتب عليه، فقد قرأت مؤخراً حواراً نشرته صحيفة ” السودانى” مع أمامة الترابى، صغرى كريمات الشيخ الدكتور حسن الترابى، أمّنت فيه على فتوى سابقة لوالدها حول جواز زواج المسلمة من كتابى وذكرت انها، من حيث المبدأ، لا تمانع فى الزواج من كتابى سواء كان مسيحياً او يهودياً. ومع ان الابنة الكريمة لا تزال متمسكة بموقفها، وهو موقف لا بأس به فى تقديرى طالما أنه يستند الى أرضية فقهية معتبرة، الا انها أبدت احتجاجها فى وقت لاحق على المنهج والاسلوب الذى عمدت اليه “السودانى” عند نشر الحوار، اذ لم ترع فيه وجه الله، بل راعت فقط – بحسب الابنة – وجه الاثارة الصحفية. غير أننى لم اقرأ او أسمع رأياً للدكتور حسن مكى حول الزواج الجدلى الافتراضى لابنة شيخه السابق من يهودى. ربما كان السبب هو ان مثل هذا الزواج لا يشكل “خطرا” حقيقياً يؤبه له، مثل زواج النائب الاول، فالابنة أمامة الترابى لا تتحكم فى موارد مياه النيل، وليس عندها نفط مثل سلفا كير!
وقد بدا الدكتور حسن مكى واثقاً تماما مما يقول – وهو ينهى الينا نبأ زواج سلفا كير – بصورة أوحت للقارئ انه ربما كان قد حضر بنفسه عقد قران النائب الاول، وشهد حفل زفافه من العروس اليهودية. والحال كذلك فاننى لم أعر اهتماماً كبيراً للافادات التى وردتنى من صديقى الكاتب الصحافى لوك داك، مستشارى الاول فى جميع الشئون الخاصة بجنوب السودان، بما فيها الشئون المتصلة بزيجات كبار السياسيين وطلاقاتهم. وكنت قد سألت لوك عن رأيه فى مضمون ما جاء فى تصريحات الدكتور حسن مكى فكانت اجابته: (الرئيس كير معروف بانه كاثوليكى ملتزم، وهو متزوج من امرأة واحدة فقط من قبيلة الدينكا. أنا لا اعرف من اين اتى حسن مكى بهذه المزاعم). ولكن موقفى من هذه الافادة فى التقويم النهائى يظل ثابتاً، وهو ان ما يقوله الدكتور حسن مكى أثقل وزناً وأكثر سلطة وأكبر مصداقية مما يقوله لوك داك. لماذا؟ لأن الدكتور حسن مكى “مفكر”، يقضى وقته كله فى “التفكير”، ولذلك تأتيه مثل هذه “الافكار” الالمعية كزواج سلفا كير من يهودية، وما يشكله ذلك الزواج من خطر ينبغى علينا ان نتحسّب له. بينما صديقنا لوك داك ليس مفكراً، ولا يملك وقتا للتفكير، فهو يدير وكالة عقارية فى اطلانطا بولاية جورجيا، ويقضى سحابة يومه فى بيع وشراء المنازل. و”المفكر”، فى عقيدتى، أولى بالاتباع من غير المفكر. ثم من يدرينى ان لوك داك ليس متزوجاً هو نفسه – فى السر – من إمرأة يهودية خطرة؟!
من المفارقات المدهشة ان حوار الدكتور حسن مكى تزامن فى النشر مع مادة اخرى بسطتها وسائط اعلامية متعددة منسوبة الى وكالة شام برس وصحيفة “السفير” اللبنانية. تضمنت تلك المادة حواراً مطولاً مع السيد / آدم بشر، ممثل حركة تحرير السودان – جناح عبد الواحد محمد نور – فى العاصمة الاسرائيلية تل أبيب. وقد قدمت الصحيفة مادتها الحوارية على النحو التالى:(لم يعد آدم بشر ممثل حركة تحرير السودان فى تل أبيب يخجل من المجاهرة بالعلاقات الوطيدة مع اسرائيل، وباللجوء اليها لنصرة حركته ضد نظام الرئيس السودانى عمر البشير). ونسبت الصحيفة اللبنانية الى ممثل الحركة الدارفورية فى تل أبيب، الذى ذكرت انه يعمل حالياً فى قسم الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية بجامعة هرتسيليا، قوله: (إن لأهل دارفور الحق فى أن يقرروا ما اذا كانوا يريدون العيش مع شمال السودان ام لا. ثم أن دارفور كانت كياناً مستقلاً عن السودان قبل الحرب العالمية الاولى، وبريطانيا هى التى ضمتها الى السودان عام 1916، وكان ذلك انضماماً قسرياً بعد قتل آخر سلطان دارفورى). وقد استفاض السيد/ آدم بشر فى تبيان عمق ومتانة الصلات التاريخية التى تربط اهل السودان باليهود فذكر:(ان علاقات أهل السودان باليهود قديمة، فقد تزوج نبي الله موسى امرأة سودانية كوشية. كما سارت جيوش الفاتح السوداني ترهاقا، استجابة لدعوة من احد أنبياء اليهود لتخليص القدس الشريف من قبضة الآشوريين بقيادة سارهدون الثاني. وظل السودانيون على الشريعة الموسوية إلى أن ذهب في خلال عهد المملكة المروية وزير مالية الكنداكة، ملكة مروي، إلى المسجد الأقصى للزيارة والحج. وهناك قابل حواري المسيح فيليبس، وخلصه من جلاديه، كما اعتنق وزير الكنداكة تعاليم العقيدة المسيحية والتي توطنت في السودان بعد قرون من ذلك. وقد شاع في الأدبيات اليهودية أن مملكة مروي فتحت المجال للعمال اليهود للعمل كفنيين واختصاصيين في صهر الحديد، حتى أصبحت مروي برمنغهام أفريقيا في تلك العصور السحيقة. ونحن نؤكد أن إسرائيل موجودة في السودان منذ القدم، ومن المعروف قبل مجيء الإسلام والمسيحية أن أهل السودان كانوا يهودا، وأن الدليل على ذلك تشابه الأسماء والعادات والتقاليد).
ولو صح ان موسى، نبى بنى اسرائيل – عليه السلام – شخصياً كان قد تزوج من سودانية، كما انبأنا ممثل حركة عبد الواحد الدارفورية، فلا حجة للمفكر حسن مكى اذن فى الاعتراض على زواج النائب الاول سلفا كير من يهودية. اليهود – كما السودانيون – يمارسون زواج البدل. وأغلب الظن ان يكون النائب الاول قد قرر ان يرد على بادرة سيدنا موسى الطيبة بمثلها او بأحسن منها، فيغطى ماعوناً لموسى فى الزمان الحاضر، بعد ان غطى لنا موسى ماعونا فى الزمان الغابر!
لا تظنن – هداك الله – أننا نكتب هذا الذى نكتب هازئين أو هازلين. ولكن بعض ما نسمع ونقرأ يحيّر ألبابنا فتختلط الامور علينا فما نعرف جدها من هزلها. لم يقل الدكتور حسن مكى ان سلفا كير متزوج بمواطنة اسرائيلية لها علاقات مرصودة مع حكومة تل أبيب، وان اسرائيل لها مواقف استراتيجية متناقضة مع مصالح السودان العليا وهنا مكمن الخطر (مع ان هذا الزعم نفسه يحتاج الى اثبات، لأنه لا أحد يعرف حتى الآن على وجه التحقيق ما هى بالضبط مصالح السودان العليا؟)، ولكن حسن مكى قال فقط عن الزوجة انها “يهودية”! الذى نخشى ان نقوله هو ان مثل هذه المقولات تسئ الى اصحابها فى المقام الاول، بل انها تنال من كفاءاتهم الفقهية و وصلاحياتهم الفكرية، قبل ان تلقى برشاشها على المعنيين بالادعاء. الثابت انه ليست هناك حواجز دينية او وطنية تجعل من زواج السودانيين باليهوديات شأناً منكوراً. الاسلام شديد الوضوح فى ان اليهودية دين معترف به وبأنبيائه، وان اتباعه يدخلون فى زمرة “أهل الكتاب” الذين احل الله للمسلمين مؤاكلتهم ومعاملتهم والزواج منهم. فاذا جاز ذلك للمسلم، ففيم الحجر على رجل مسيحى مثل سلفا كير؟! وقد عاش اليهود فى السودان حقباً متطاولة، فلم ير السودانيون منهم الا كل خير. بل ان بعض هؤلاء اليهود تتردد اسماؤهم عبر صفحات مشرقة فى كتاب تاريخنا المعاصر، إذ لعبوا ادواراً باهرة فى مسار الحركة الوطنية السودانية، مثل السيد ابراهيم اسرائيل.
ومن محاسن الصدف ان جريدة “الأحداث” خصصت صفحة كاملة من عددها الصادر فى السادس من الشهر الحالى لالقاء ضوء كثيف على تاريخ ودور اليهود فى السودان. وفى تلك المادة الخصيبة، التى أعدها المحرر أمير آدم حسن، تقرأ تفصيلاً لهجرات اليهود الاولى للسودان والمناطق التى استقروا فيها، وأسماء رؤوس الأسر الكبيرة، والمناشط الاقتصادية والانتاجية التى تخصصوا فيها، والفعاليات الاجتماعية والثقافية والرياضية التى انخرطوا فى اسلاكها وبرعوا فى ميادينها. واتخاذ الديانة اليهودية معرة، وتصوير النسب اليهودى على انه مسبة، وتوظيف ذلك كمادة للتشهير السياسى والاجتماعى ربما جاز ان يُقبل من ضابط جهول مثل المغفور له الرئيس السابق جعفر نميرى، الذى غضب من شاعر فطحل ودبلوماسى سودانى رفيع، وشقيقته السياسية المعارضة لنظامه فصرح لصحيفة اجنبية فى وارد الاساءة اليهما والى اسرتهما أنهما ينحدران من سلالة يهودية. أما أن تأتى المسبة والتخويف والتلويح بالخطر من شخصية تحمل لقب “مفكر” فمحنةٌ لا تدانيها محنة!
ومن عجب ان الدكتور حسن مكى يجد فى زواج الفريق اول سلفا كير من يهودية ما يستوجب التنديد ولفت الانظار، فلا يستنكف، ولا يبخل عليه بصفات مثل “خطر” و”خطر جدا”؛ ودونه وامام عينيه الرهط من اهل دارفور وقد لجأوا الى اسرائيل، زرافاتٍ ووحدانا، واستعصموا بأرضها، واتخذوا منها خدناً وحليفاً فى معركتهم لطلب الاستقلال ورد المظالم. ولو كنت فى جلباب حسن مكى لالقمت فمى لسانى ولزمت الصمت المطبق، وائتزرت إزار الحياء، وارتديت رداء الخيبة، من قمة رأسى حتى اخمص قدمى: أبناء وبنات دارفور، قلعة الاسلام وبلد القرآن، التى اشتهرت فى تاريخ الخلافة العثمانية بأن كسوة الكعبة المشرفة كانت ترسل من حاضرتها فى قوافل مهيبة كل عام الى مكة المكرمة، والتى حفر سلطانها علي دينار على نفقته الخاصة الآبار المعروفة باسم آبار علي، قرب مسجد الميقات فى المدينة المنورة، عندما زار المدينة قبل قرن من الزمان ورأى حالة العوز والمعاناة التى كان يعيشها اهلها، هؤلاء الرهط من أبناء وبنات دارفور يلجأون الى اسرائيل عياناً بياناً، ويلوذون بحماها، ويستظلون بعلمها، فلا يقلقنى كل ذلك، ولا ارى الخطر الا فى زواج سلفا كير ميارديت – المسيحى الكاثوليكى – من يهودية؟!
من جانبنا فاننا نرجّح – كون الحوار مع الدكتور حسن مكى اضطلع به وسيط اعلامى مصرى – ان الرسالة حول زواج النائب الاول من يهودية ربما كانت موجهة بالأساس الى المتلقى المصرى. ومن عادات الاسلامويين السودانيين الراسخة انهم لا يكفون عن التلويح بفزاعة اليهود كلما خاطبوا مصر دولةً وشعباً. وقد تناولنا من قبل تصريحات سابقة لرئيس البرلمان السودانى الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر لصحيفة “المصرى اليوم” القاهرية، جاء فيها (ان انفصال جنوب السودان معناه ان تسيطر اسرائيل على الف كيلومتر من مياه النيل). ونحن وغيرنا يعلم، بطبيعة الحال، ان الدوافع الحقيقية الرابضة وراء هذا المنهج الترهيبى انما تدور فى مدار الرغبة المستعرة فى التأثير على مراكز صناعة القرار فى مصر، من منطلق ان استراتيجية الامن القومى المصرى ترتبط اوثق رباط بالامن القومى السودانى، على ظنٍ من الوهم أنّ مصر – تحت ظلال هذا النوع من الاشارات والنذارات قد تسارع فى اظهار بعض الهمة باتجاه توظيف ثقلها الاقليمى والدولى للحيلولة دون انفصال جنوب السودان. ونظن بأنه قد آن الأوان لقيادات الاسلامويين ان تكف عن التلويح بفزاعة اليهود واسرائيل بعد ان جفت الاقلام وطويت الصحف، واطلق الحكم صافرة النهاية، ولم يتبق على قيام الاستفتاء على تقرير المصير لشعب الجنوب سوى اسابيع معدودات.
الذى عليه السواد الأعظم من المراقبين هو ان انفصال الجنوب قد اصبح فى واقعنا السياسى المعاش حتماً مقضياً. ونحن نزعم أنه عندما يأتى الوقت ليدوّن المؤرخون الأسباب والعوامل المتضافرة وراء نكبة الانفصال، فمن المؤكد ان النمط الذى ظل يمثله الدكتور حسن مكى وأضرابه من “المفكرين” السودانيين فى النظر الى الانسان الجنوبى سيكون فى طليعة العوامل الرابضة فى قلب النكبة. هذا النمط الذى لا يجد بأساً من التعبير العلنى عن فهومات وقناعات داخلية متوارثة مؤداها ان الجنوبى، حتى لو ارتفع قدره وعلت مكانته، يظل هو نفسه: ذلك الكائنً خفيف العقل عليل الوجدان ضعيف الملكات، الذى يمكن ان يتحول وفى لمح البصر الى أداة فى يد امرأة تلعب به وتقود خطاه كما تشاء!
نصوص خارج السياق
“سألني حسن مكي مرة في مستشفى سجن كوبر حيث كنا معتقلين، هل أفكر في الموت؟ قلت أحيانا فهو لا يشغلني كثيرا فأنا أفكر في الحياة أكثر. قال لي ما الموت؟ قلت من ناحية بيولوجية هو إختلال في عملية الميتوبوليزم. قال ماذا بعد الموت؟ قلت يتحلل جسم الإنسان ويصبح جزءاً من دورة الحياة لأحياء أخرى. قال إذن لماذا تضيع وقتاً في النضال؟ قلت أنا لا أريد جزاءً ولا شكورا، وأفعل ما أعتقد أنه ضروري لتحقيق إنسانيتي. قال الحوار معك مستحيل! وفضيناها سيرة من وقتها. ما زلت أرى أن وطناً يحتاج للتضحية في العمل العام يظل وطناً متخلفاً. أن التضحية بالحياة تفرضها الأنظمة الديكتاتورية وليست خيارا للمناضلين، ولكن الشخص عندما يواجه سؤالا صعبا حول أن يكون ذاته أو لا يكون قد يختار الصمود حتى الموت”.
( مقتطف من مداخلة للقيادى الشيوعى الدكتور صدقى كبلو فى حوار الكترونى بعنوان: “ماذا نصنع بالشهداء؟”)
نقلا عن صحيفة “الاحداث” – 24/11/2010