«جمعة الرحيل» تمر بلا رحيل والتهدئة حبيسة الانقسامات
القاهرة – أحمد رحيم وأحمد مصطفى
مرت «جمعة الرحيل» في مصر أمس بهدوء، بعدما تداركت السلطات بعض الضرر الذي لحق بنظام الرئيس حسني مبارك جراء الاشتباكات الدامية التي وقعت الأربعاء بين معارضيه المعتصمين في ميدان التحرير وأنصاره الذين هاجموهم. لكن المشهد أمس لم يخل من بعض الاحتكاكات المحدودة.
وتصدرت مساعي التهدئة الواجهة أمس بعدما تشكلت لجان حكماء للقيام بمهمات الوساطة بين المتظاهرين والنظام، لكن بدا أن الاتفاق على ممثلين لهذه الانتفاضة الشعبية لن يكون سهلاً في ظل تعدد الإعلانات في الميدان عن هذه اللجان.
وزار وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي مع مجموعة من قيادات الجيش، المنطقة المحيطة بميدان التحرير أمس لتفقده والتأكد من تأمينه. وتحدث مع عدد من الشباب، فأكد لهم أن الجيش موجود لحفظ الأمن في المنطقة ولتأمينهم وحماية حقهم في التظاهر السلمي. ومازحهم قائلاً: «قولوا للمرشد ييجي (يأتي) للحوار»، في إشارة إلى مرشد «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد بديع. وزار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الميدان أمس لـ «التهدئة»، حسب ما أعلن مكتبه.
وسجل «الإخوان» موقفاً لافتاً بإعلانهم قبول الحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان شرط رحيل مبارك، بعدما ظلت ترفض الحوار قبل تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا. أما المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي فكرر مطلبه برحيل الرئيس وأبدى استعداداً للحوار مع سليمان الذي شدد على أن مبارك لن يغادر أرض مصر.
وأصدر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود قراراً أمس بمنع وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد من السفر خارج البلاد وتجميد حساباته فى البنوك «كإجراء وقائي لحين استكمال اجراءات التحقيق»، ليلحق بوزراء الداخلية حبيب العادلي والإسكان أحمد المغربي والسياحة زهير جرانة في الحكومة السابقة، وكذلك أمين التنظيم في الحزب الحاكم رجل الأعمال أحمد عز.
لكن رشيد تحدث إلى التلفزيون المصري وأكد أنه في دبي وأنه خرج من الأراضي المصرية بعلم السلطات وعلى استعداد لمواجهة أي اتهامات، لكنه طلب أن يهاتفه أي مسؤول لبيان حقيقة الأمور.
ودعا رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر الشيخ جمال قطب مئات الآلاف الذين تجمعوا في ميدان التحرير أمس إلى «الثبات حتى يتحقق النصر، والتمسك بأهداف الثورة الشبابية، والإصرار على إنجاحها». وحذرهم من ترك ميدان التحرير والعودة إلى منازلهم، فيما أمهم في صلاة الجمعة الشيخ خالد المراكبي الذي ألقى خطبة مدروسة قائلاً: «نحن حركة مصرية، ليس لنا أي حزب يعبر عنا أو عن مطالبنا، الكل جاؤوا إلى الميدان مسلمين ومسيحيين… ومن يريد أن يفاوض، عليه أن يأتي إلى هنا ويتكلم معنا».
وحرص الشباب على تأمين مداخل الميدان حتى أثناء أداء الصلاة. وعقب انتهائها انطلقت الهتافات المنادية برحيل الرئيس مبارك ورفض ترك الميدان قبل تنفيذ ذلك. وشدد الشباب إجراءات تفتيش الداخلين إلى الميدان للتأكد من عدم حملهم أي أسلحة والتأكد من هوياتهم. وأمنت قوات الجيش مداخل الميدان التي تكدس أمامها الآلاف رغبة في الانضمام إلى التظاهرة.
والتف العشرات وفي بعض الأحيان المئات حول كاتب أو مثقف أو شيخ يهتف فيهم ويرددون وراءه كلمات تنادي برحيل الرئيس. وحدثت داخل الميدان بعض المشادات الكلامية بين المصريين على الرحيل فوراً وآخرين رأوا في ما أعلن الرئيس مبارك من عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة رحيلاً.
وزار عمرو موسى الميدان أمس. وقال مكتبه إن الزيارة جاءت «سعياً من أجل التهدئة». والتقى موسى عدداً من الشباب المتظاهرين في الميدان وطلب منهم العودة إلى منازلهم «بعد أن وصلت رسالتهم إلى كبار المسؤولين الذين تعرفوا على مطالبهم وبعدما بدأت المفاوضات بين نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان ورئيس الوزراء أحمد شفيق وبين أحزاب المعارضة وممثلي الشباب».
ورصدت «الحياة» تعدداً في إعلان تشكيل لجان الحكماء للتفاوض مع النظام باسم الشباب، إذ أعلن مساء أول من أمس عن لجنة تضم 20 شخصاً يمثلون الأحزاب المختلفة وجماعة «الإخوان» و4 يمثلون التيارات الشبابية، فيما كانت تشكلت لجنة تضم 25 من الشخصيات العامة برئاسة المفكر أحمد كمال أبو المجد الذي التقى سليمان وشفيق للتفاوض معهما.
وفي ميدان التحرير أمس، أعلن المخرج خالد يوسف تشكيل لجنة حكماء تضم 100 اسم للتفاوض مع النظام، لكن يوسف لم يتل سوى أسماء 7 شخصيات من اللجنة منهم أبو المجد والكاتب فهمي هويدي والناشر إبراهيم المعلم. وأفيد بأن لجنة تشكلت تضم من بين أعضائها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي والعالم المصري الحاصل على جائزة نوبل أحمد زويل.
وقال أبو المجد إنه التقى رئيس الحكومة ونائب الرئيس أول من أمس للاستماع إلى رؤيتهما قبل عرضها على الشباب في ميدان التحرير، موضحاً لـ «الحياة» أن تأمين خروج المتظاهرين كان من النقاط الرئيسة التي تم عرضها على شفيق وسليمان. وأشار إلى أنه لاحظ «تفهماً كبيراً من جانبهما»، معتبراً أن هذه الخطوة هي «اللبنة الأولى لزرع الثقة من جديد بين المتظاهرين والحكومة». ولفت إلى محاولة الوصول إلى «صيغ توافقية بين الشباب والحكومة» تكون مقبولة بين الجانبين للانتقال السلمي للسلطة في مصر. وقال: «نحتاج إلى يومين لتوافق وجهات النظر في هذا الشأن». وحمل الحكومة «مسؤولية تأمين المحتجين في الدخول والخروج من الميدان وإليه».
وقال خالد يوسف لـ «الحياة» إنه توقف عن تلاوة الأسماء لئلا يحصل خلاف على بعضها، مشيراً إلى أن «هناك اقتراحاً بتغيير اسمها من لجنة الحكماء إلى لجنة المئة لأن الشباب غاضب ويصعب اقناعه بأمور مثل الحكمة في هذه المرحلة»، مشيراً إلى أن هناك استعداداً للحوار «لكن بعد تفويض مبارك صلاحياته لنائبه».
وقال الناشر إبراهيم المعلم لـ «الحياة» إن «لجنة الحكماء تضم أكثر من مئة شخصية منها أبو المجد والقاضي الدولي السابق نبيل العربي اللذان اجتمعا مع سليمان وشفيق الخميس الماضي»، كما تضم اللجنة عمرو موسى ورجل الأعمال نجيب ساويرس والسفير نبيل فهمي والدكتور ابراهيم عوض ووزير الثقافة السابق منصور حسن.
وأشار إلى أن «اللجنة مفتوحة لينضم إليها من يشاء من شرفاء الوطن». وأضاف أن «هذه اللجنة هي اللجنة الجامعة، ولها مقر موقت في ضاحية المهندسين وسيكون لها مقر دائم». وذكر بيان للجنة أن مطالبها «تتلخص في أن يكلف رئيس الجمهورية نائبه بتولي مهمات إدارة الفترة الانتقالية ويتعهد النائب حل مجلسي الشعب والشورى وتشكيل لجنة قانونية من عدد من الخبراء الدستوريين ورجال القضاء المستقلين تتولى الإعداد للتعديلات الدستورية المطلوبة».
لكن «الحياة» رصدت طلب عدد من «لجان الحكماء» على المواقع الإلكترونية المختلفة جمع توقيعات الشباب لتفويضها للتحدث باسمهم.
وفي ما يخص الحوار مع القوى السياسية، سجل أمس تغير في خطاب «الإخوان» لجهة المشاركة في الحوار مع النظام، إذ أعلنت الجماعة أمس أنها تقبل الجلوس إلى الطاولة «لكنها رهنت حدوث ذلك بتنحي الرئيس مبارك»، حتى يتم الحوار «في مناخٍ طبيعي ولا يحمل لغة التهديد والوعيد، بغية التوافق على طريقة الخروج من الأزمة العنيفة التي أوصلتنا إليها سياسات استمرت عقوداً».
وسعت الجماعة إلى النأي بنفسها عن تهمة «القفز على الانتفاضة»، وأكدت أنها «ليست لها أي أجندات خاصة، وغايتها هي خدمة هذا الشعب»، كما سعت إلى طمأنة الدول الغربية والليبراليين في الداخل وأكدت انها تقف مع الرغبة الشعبية الواضحة في أن تكون مصر «دولة مدنية ديموقراطية ذات مرجعية إسلامية… الأمة فيها هي مصدر السلطات، يتحقق فيها لكل المواطنين الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتعتمد النظام البرلماني نظاماً للحكم، وتكفل حرية تكوين الأحزاب والجمعيات، مع تأكيد الاستقلال التام للقضاء». وشددت على أنها «لا يمكن أن ترفض حواراً جاداً منتجاً مخلصاً يبتغي المصلحة العليا للوطن، شرط أن يتم في مناخ طبيعي ولا يحمل لغة التهديد والوعيد».
وقرر حزبا «الوفد» و «التجمع» المشاركة في الحوار. وقال رئيس «التجمع» الدكتور رفعت السعيد أمس إن رئيس «الوفد» الدكتور السيد البدوي كلفه بإبلاغ سليمان بالاشتراك في هذا الحوار. وأضاف: «إلى جانب الاصلاحات الدستورية والسياسية، سنطالب بوضع حد أدنى للأجور، وسنطلب من الحكومة إعلان ذلك في أقرب فرصة ممكنة، كما نطالب بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق فوراً مع كل من تسبب في الانفلات الأمني في الشوارع وفرار السجناء».
وكرر نائب الرئيس تأكيده أمس أن الرئيس مبارك لا يسعى إلى إعادة الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه «عاش على أرض مصر ولن يغادرها». ورداً على سؤال عن المحادثات التي أجراها مع الإدارة الأميركية في شأن انتقال السلطة، أوضح سليمان أن «المكالمة كانت مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وناقشنا هذا الأمر ولكنها لم تطلب أن يتنحى الرئيس مبارك الآن، وأبلغتها أن هناك عملية تجرى وفي نهايتها سيغادر الرئيس». ورأى أن «جزءاً صغيراً فقط من الشعب يرغب في رحيل الرئيس مبارك على الفور… هناك عدد قليل من الأشخاص يطالب بذلك، وهذا أمر ضد ثقافتنا. نحن نحترم رئيسنا ونحترم أباءنا ونحترم الشخص الذي يعمل لمصلحة بلده كما عمل مبارك». ودعا رئيس الحكومة المجتمعين في ميدان التحرير إلى «إنهاء تظاهراتهم في سلام بعد أن تمت الاستجابة لأكثر من 90 في المئة من مطالبهم». وأعرب عن أمله في أن يتم التغيير والانتقال السلمي للسلطة «بأسلوب متحضر وكريم يليق بمصر وشعبها».
وفي محافظة الاسكندرية، انطلقت تظاهرات ضمت عشرات الآلاف من مسجد القائد إبراهيم في وسط المدينة متجهة نحو ميدان سيدي جابر الشهير. وشهدت مدينة بورسعيد (إحدى مدن قناة السويس) أيضاً تظاهرات مناوئة لمبارك وخرج في السويس الآلاف مطالبين برحيله.
وشهد ميدان الرفاعي في مدينة العريش تظاهرات خرجت عقب صلاة الجمعة شارك فيها نحو ثلاثة آلاف شخص رفعوا أعلاماً مصرية مطالبين بـ «سقوط النظام». واستهدف مجهولون يستقلون شاحنة صغيرة مبنى جهاز مباحث امن الدولة التابع للشرطة في مدينة العريش بقذيفة صاروخية خلفت إضراراً بالمبنى.