.. موسى هلال وضعه خاص وحساس وهناك دخان كثيف حول تاريخه
حوار عبدالوهاب همت
القضايا التي تمور بها الساحه السياسيه السودانيه شائكه وتزداد تعقيداتها يوما بعد يوم, وحكومة المؤتمر الوطني سادرة في غيها , لاتلقي بالا لما قالته بالامس وعلى طريقة رزق اليوم باليوم وتتقاطع تصريحات المسئولين في أحايين كثيرة وحالة التناحر داخل المؤتمر الوطني جعلته يكتسب عدة تشكيلات منها الاثني والعسكري والاقتصادي, وكل ذلك في سبيل التشبث بمقاعد الحكم. حال المعارضه السودانيه لايختلف كثيرا ودخول بعض الاطراف والخروج منها أو الوقوف في (المنزله مابين المنزلتين) يضعفها كثيرا ويجعلها حائرة في ظل عدم مساندة حقيقيه من الشعب داخليا وخارجيا, رغم ذلك هناك بعض اشراقات هنا وهناك في نفق مظلم, وهذا لايلغي حجم التضحيات التي يقدمها البعض, ولابد من تحايا خاصه للاستاذين ابراهيم الشيخ متشبسا وصادحا بقول الحق ورافضا لمبدأ المساومة والاعتذارمفضلا البقاء في السجن بدلا عن الانحناء, ولفاروق أبوعيسى الذي ظل شامخا في مواجهة الديكتاتوريات ومازادته الايام الا صلابة وتماسكا, والامنيات له بطول العمر ودوام الصحه وهو يستشفى الان في بريطانيا
الحكومة أعلنت أن هذا العام سيكون عام الحسم للتمرد، ويتردد أن هناك اجتماعات عقدت لوضع الخطط النهائيه وحديث عن دعم عسكري ايراني وهذا يعني ان وضعكم سيواجه خطورة، فهل انتم مستعدون لمثل هذه المواجهات؟ وهل يمكن للحكومه ان تستخدم اراضي اقليميه لضربكم؟
هذه ليست المرة الاولى التي تعلن فيها الحكومه انها ستقضي على الثورة التي تسميها التمرد خلال فترة معينه؛ و لكن التجارب الماثلة تؤكد أن الثورات و القضايا لا تموت بالرصاص. صحيح أن في التاريخ الإنساني بعض الأمثلة المحدودة جداً فشل فيها الثوار في الاستمرار في طريق الثورة إلى نهاياتها، و لكن الذي يجري في السودان ثورة حقيقية بسبب قضايا “حياة أو موت”، و بالتالي هي أكبر من أن يقضي عليها بالرصاص. هذه أوهام النظام الذي يرفض أن يتعلم حتى من تجاربه الخاصة ناهيك عن تجارب الإنسانية الأوسع. نسمع باجتماعات عقدت وقررت الحكومة فيها سحق إثنيات بعينها باستخدام ما يسمى ب”قوات الدعم السريع”، وهناك حديث عن نية الحكومة استخدام أسلحه كيماوية لتحقيق التطهير العرقي الذي ينشدونه. كل هذا مرصود من جانبنا، و لكننا مطمئنون لأننا نعلم بخططهم و محدودية قدراتهم القتالية، و نقول ليهم “ها دي الخيل و دي النقعة”. حديث النظام عن القضاء على الثورة أمنيات يستحيل تحقيقها، و بالعكس، سيتفاجأ النظام بضربات قويه في الفترة التي يسعون فيها للقضاء على الثورة.
أما مسألة استعانة النظام ببعض القوى الأجنبية في المحيط الإقليمي و الدولي، فليس في الأمر جديد. هناك جهات إقليمية و دولية دعمت و تدعم المؤتمر الوطني لقمع الثورة، و الثورة مستمرة منذ أنانيا الأولى بصور مختلفة بعض الشيء, و لكن الاستعانة بالأجنبي عسكرياً لن تحل المشكلة، و في النهاية، الحل الوحيد الذي يمكنه انهاء الثورة هو الوصول إلى سلام حقيقي وعادل و شامل يردّ الحقوق ويرفع المظالم. خلاف ذلك، فلا حل.
الا تعتقد ان المعارضه السودانيه بشقيها لم تستفد من فرصة العزله الدوليه والاقليميه المفروضة على النظام؟ مثلا السعوديه ومصر اعلنتا ان تنظيم الاخوان المسلمين تنظيم ارهابي، كيف يمكن استغلال هذا الوضع مستقبلا؟
نعم وضعت السعودية و مصر تنظيم الإخوان المسلمين في قائمة التنظيمات الإرهابية عندها، و لكنها لم تضع النظام السوداني في ذات القائمة، و استمرت في التعامل معه و لو على كره. الدول تتعامل مع بعضها ليس على أساس أخلاقي أو قيمي بحت، و لكن على أساس المصالح القائمة بينها. فتعامل الدول مع مواطنيها و تنظيماتهم الداخلية شيء و تعاملها مع الدول الأخرى بغض النظر عن الأحزاب الحاكمة فيها أمر آخر. ثمّ أن عدم رضا دولة معينة بالنظام الحاكم في البلد الآخر لا يترجم بالضرورة و بصورة آلية إلى دعم مباشر لمعارضي ذلك النظام. الأمر أعقد من ذلك و يعتمد على مدى استعداد هذه الدولة للتعامل مع المعارضة و تحمل عواقب ذلك؛ و على أية حال، المعارضة ساعية بكل جد لتطوير علاقاتها إقليميا و دوليا، ونأمل أن نكسب أراض جديدة خلال جولاتنا الحالية على الصعيدين الإقليمي والدولي والتأثير على سير الأحداث و نحن متفائلون بتحقيق إختراق كبير في المستقبل القريب بإذن الله.
توحيد المعارضه، هل يعني ذلك حتى من يفاوضون النظام الان , ومن يقدم رجلا ويؤخرون أخرى، هل هؤلاء من القوى التي تودون ضمها الى صفوفكم؟
المطلوب أن تتفق قوى المعارضة على برنامج حد أدنى لإسقاط النظام و الترتيبات الانتقالية، و يكون هذا البرنامج معيار القبول أو الرفض. فالقوى التي يتوقع لها أن تتحد هي القوى التي تتفق على البرنامج، و ما عداها فقد إختارت أن تشق طريقاً آخر غير طريق الوحدة مع قوى المعارضة. و على الذين يحسبون أن بإمكانهم تغيير النظام عبر التفاوض فعليهم أن يجربوا. أما نحن، فتقديرنا أن هذا النظام لن يتغير عن طريق التفاوض، وهناك تجارب كثيرة تؤكد ذلك، و لكن الذين ما زالوا يأملون في تغيير هذا النظام، فهم سيجربون المجرب و النتيجة معروفة سلفاً. نحن نسعى لتوحيد المعارضه وفق برنامج عمل مشترك يؤدي في النهاية إلى إزالة هذا النظام. هذا هو الأساس. و كل من اتفق معنا في هذا، بصرف النظر عن حزبه، سوف نسير معه في طريق التغيير.
هناك من يقبلون التعامل معكم اليوم وغدا يجلسون مع الحكومة مثلا المؤتمر الشعبي الان يلاحق الحكومه و بلا شروط. حزب الامه وضعه اكثر غرابة الا تعتقدون ان ذلك يحدث شرخا في جسد المعارضه ان لم يدمرها؟
أنا اعتقد أن على الجبهه الثورية القبول بلقاء كل من يرغب في لقائها لأن في ذلك مصلحة الشعب و مصلحتها، لأنه في النهاية، إما أن تقنع الجبهة الثورية الطرف المقابل برؤاها و تكسبه لصفها، أو عملت على خلخلة قناعاته و أقامت عليه الحجة. أما محاولة عزل أو إقصاء التنظيمات من المبتدأ باعتبار أنهم يوالون جهة معينة، فهذا يساعد في اكساب النظام المزيد من الأعوان، والسياسة لا تقبل الفراغ، و من أصابته سهام الإقصاء بحث عن حلفاء جدد، و ليس من مصلحة المعارضة الدفع ببعض الأطراف للارتماء في احضان النظام. لذلك الأفضل للمعارضه بشقّيها أن تحاور كل الناس , وتسعى لكسب كل التنظيمات التي يمكن أن تقف معها في خندقها؟
لنعد الى من تجريب المجرب، أليست هناك تنظيمات بالنسبه لكم مجربه كمعارضه؟
حتى اذا كانت مجربة، فإن العمل السياسي لا يتوقف في الأساس على تجربه واحدة، لأن الرمال السياسيه متحركة، وقد تؤدي هذه الحركة إلى تحوّل في مواقف الناس. ولو جربت طرفاً في ظرف ما، فلربما تغيّر موقفه في ظرف آخر. صحيح أن الحذر يكون أشد وأكبر في التعامل مع المجربين، لكن في النهاية، الأمر يستحق تكرار المحاولة و الصبر عليه. و أن أرى أنه ليس من مصلحة المعارضة التعجّل في خسارة أي طرف أو إصدار أحكام مسبقة عليه. نحن نرغب في جمع الصف الوطني في مواجهة هذا النظام الذي إرتكب كل الموبقات و في مقدمتها فصل الجنوب و ممارسة الإبادة الجماعية، وفق برنامج محدد وأهداف محددة نريد أن نلتقي بها مع الآخرين و السير معهم في طريق الخلاص. الذين يرغبون في السير معنا حاورناهم والتقينا معهم، والذين لايرغبون، فالشعب سيعرف اننا سعينا لضمهم إلى صفوفنا و لكنهم اختاروا خلاف ذلك.
بنفس هذا المنطق يمكن لاطراف ان تدخل معك , ولديها تجارب سابقه في عدم صون العهود وبالتالي في مقدورها ان تفصح عن كلما تعرفه ومؤكد هناك تجارب كثيرة ماذا تقول؟
ليست لدينا أسرار نخشى عليها من أن يطلع عليها الآخرون، فقضية الوطن كتاب مفتوح يطالعه كل صاحب بصيرة. الأصل في العمل السياسي الوضوح و من حق الشعب الاطلاع برؤى و برنامج الأطراف. و من البديهي أن يكون برنامج الحد الادنى الذي نتفق عليه مشاعاً بين الناس. والحوار مع الناس مفتوح وبالفهم الذي ذكرته، و لسنا في حاجة إلى أن نخبّيء شيئاّ.
مقاطعه… لكن هناك اخبار تتسرب لتصل الحكومه؟
نعم هنالك أخبار تصل الحكومة و أخبار تصلنا منها أيضاً. ونحن اذا تخوفنا وانكمشنا لا نستطيع ان نخوض غمار العمل السياسي. لذلك، نحن مع مراعاتنا للمحاذير و المخاطر التي تحيط بالتلاقي، لا مفر لنا منه، و نتائج التقوقع أسوأ بكثير من نتائج التدافع. لقاءاتنا هذه معلنة، ونتحدث فيها عن كل ما يمكن ان نتحدث فيه مع الشعب السوداني، و لا خوف من أن أطرافاً ستكشف أسراراً أو تسرّب معلومات نحن نسعى لوضعها بين أيدي الشعب.
في حوار سابق لنا كنت قد سألتك أنه في حال خروج بعض الشخصيات كموسى هلال عن المعسكر الحكومي واعلانه الانضمام اليكم, والان وقع موسى هلال مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبيه لتحرير السودان الا تعتقد ان اضمامه الى الجبهه الثوريه ربما كانت له آثاره المدمرة خاصة بين مكونات الجبهه الثوريه؟
بالتأكيد وضع الشيخ موسى هلال خاص و حساس، وهناك دخان كثيف حول تأريخه، والتّهم الموجّهة له ليست بالبسيطه في الساحه السياسية وفي دارفور وغيرها، و بالتالي يحتاج التعامل معه إلى قدر غير قليل من الشفافية و التنوير المسبق مع الشعب حتى لا يساء فهمه. و لكن مبدأنا في الحوار مع الجميع و عدم تركهم نهباً للنظام يسري على الكل بما في ذلك حركة الشيخ موسى هلال و قد انطلقت التنظيمات التي حاورته و وقعت معه مذكرات التفاهم من هذه القاعدة. فقط الحوار مع الشيخ هلال لا يعني الاتفاق معه في كل شيء أو التنازل عن أي حقوق.
هل هذا يعني تجاوزكم لما تم في السابق من جانبه؟
هنالك أمور و حقوق لسنا مخوّلين بالتنازل عنها أو تجاوزها، و لا يجوز الخلط بينها و المناورات السياسية التي تهدف إلى عزل النظام من القوى التي تساهم في تقويته. و يجب ألا تُسد الأبواب أمام الذين يرغبون في التحوّل من معسكر النظام إلى معسكر المعارضة، في المقابل على هؤلاء أن يستعدوا لدفع عربون الجديّة حتى تطمئن المعارضة بأنهم تحوّلوا بالفعل من المعسكر الذي كانوا فيه.
الاطراف التي تفاوض النظام الان لجنه السبعه تحديدا هل يمكن ان تفاوضونهم كذلك؟
لاحظ هناك امر هام قلته لك نحن مع وحدة المعارضه وبرنامج الحد الادني هو مايجمعنا، و لكن الواضح ان الذين يجلسون مع النظام الان لا يرغبون في الانضمام إلى برنامج الحد الأدنى، و شروط المعارضة للحوار مختلفه عما يطرحه النظام، و من العسير و لكن ليس من المستحيل ان ينتقل من يفاوضون النظام الآن من صف الحكومة الى صف المعارضة.
المؤتمر الشعبي، هل تعتقد انه سيعود الى صفوف المعارضه مرة أخرى؟
الواضح أن المؤتمر الشعبي عقد العزم على السير في خط الحوار دون تردد، و قد يحتاجون إلى صدمة قوية قبل العودة إلى صفوف المعارضة، و لكن الليالي السياسية حبالى يلدن كل جديد.
تحت أي ظرف يمكن لحركة العدل والمساواة ان تقبل الحوار مع النظام؟
حركة العدل والمساواة السودانية جزء من منظومة الجبهة الثورية السودانية، و الذين يعوّلون على شق صف الجبهة و التعامل مع مكوّناتها على انفراد سيخسر رهانهم. ما دمنا نتحدث عن خارطة طريق مطروحة من قبل الجبهه الثورية، فحركة العدل والمساواة جهة فاعلة في الجبهة وملتزمة بقراراتها و لا مجال للحديث عن مفاوضات بين النظام و الحركة بعزل عن الجبهة أو خارطة الطريق المطروحة.
لازالت الحكومه السودانيه تتحدث عن اتفاق الدوحه والحاق البعض به هل ملف الدوحه اغلق نهائيا بالنسبه لكم ام ستقبلون فتحه بشروط جديده؟
أولاً: نحن ليست لدينا مشكلة مع قطر كدولة، وحريصون على علاقة طيبة معها. و لكن دعم قطر غير المحدود للنظام يجعل الشعب السوداني يتساءل: هل مصلحة قطر مع الشعب السوداني أم مع النظام؟ المؤكد أن الشعب السوداني في حاجة الى علاقة طيبة مع كل دول الخليج والدول العربية والإسلامية، و كل دول العالم. لذلك نحن حريصون على علاقة طيبة قائمة على المصالح المتبادلة مع دولة قطر. و نحن نعتقد ان الوثيقه التي صدرت من قطر وسميت بوثيقة سلام دارفور فشلت في تحقيق السلام على الأرض في دارفور. و بالتالي فإن أي طلب للعودة إلى هذه الوثيقة فهو طلب للعودة إلى الفشل و هو طلب غير مشروع.