*توضيح ؛ حول ملابسات إغتيال جهاز الامن السوداني للمواطن الامريكي السوداني عبد الله يعقوب الملقب ب(جدو)*
بقلم : مكي ابراهيم مكي
لا تشرق شمس هذا الوطن المسمي السودان، والا ونحن أمام أزمة جديدة، صدمة جديدة وضحايا جدد القت بهم أقدارهم أمام حثالة المجتمع من منسوبي جهاز امن النظام الذين نزعت من قلوبهم الرحمة والإنسانية والاخلاق ويستغلون سلطتهم المنوط بها حفظ الامن ليسوموا أبناء وطنهم سوء العذاب ارضاءاً لنفوسهم المريضة المجردة من الأخلاق.
لم نكاد نفيق من صدمة تفاصيل الاعتداء الوحشي الغير مبرر الذي تعرض له المواطن السوداني الامريكي الدارفوي بشارة جميل الله،من قبل اجهزة نظام الخرطوم العنصرية بمطار الخرطوم،حتي صدمنا بالخبر المؤلم لوفاة سوداني أمريكي اخر من ابناء دارفور في ظروف غامضة، وهو الاخ والصديق عبدالله يعقوب ابكر الملقب “بجدو ” بعد ان تَعَرَّض لاعتقال من قبل أفراد يتبعون لفرع الامن الإيجابي بولاية شمال دارفور، وهو في الطريق من الفاشر الي محلية مورني غرب .
تعرفت علي الاخ والصديق الراحل عبدالله يعقوب “جدو” في غربتنا الاضطرارية هذه، وأقمنا زهاء الأربع سنين مع بعض بمعيّة اخرين من السودانين من ابناء دارفور في مدينة “ديموينس”بولاية ايوا في الغرب الأوسط الأمريكي. تعرفت علي شخصية تحمل من الانسانية والتواضع والبساطة والطيبة ما لم تحمله شخصية اخري، يسعي دائما في خدمة مجتمعه بكل أريحية. والبشاشة تكسو محياه، يعطر جلساتنا وقعداتنا المسائية بكل ما هو جميل من سيرة أحاجي وحكاوينا الدارفورية في منزل العم عباس عاشور عمدة العشيرة الدارفورية في مدينة (ديموينس) في ذلك الوقت، وفرقتنا الايام وكل راح في حال سبيله، واستقر به المقام في ولاية ألاسكا مقر عمله الجديد وظل متنقلا علي الدوام ما بين ولاية ألاسكا وزيارة اهله في السودان كل ستة أشهر .
وقبل مجئ شهر رمضان باربعة ايام، ودع “جدو “أصحابه ومعارفه، وغادر جدو امريكا،متوجها الي السودان وكله شوق لزيارة اهله وأحبائه، ولكي يتشرف باحتضان مولوده الجديد الذي لم يحظي بحضور لحظة ميلاده، ولم تمضي علي ولادته شهران في قرية “موروني” بولاية غرب دارفور.
وصل الي الخرطوم وأمضي فيها بعضا من الوقت وغادرها متوجها الي دارفور عبر خطوط البصات السفرية عبر طريق الفاشر، وأثناء تحركهم من الفاشر الي نيالا،تم إنزاله من البص في منطقة ((شنقل طوباي))التي تبعد من الفاشر مسافة ساعة “تقريبا” من قبل قوة تابعة الي جهاز الامن الإيجابي وتم اخذه الي جهة غير معلومة، وبعد أربعة ايام اتصلوا بوالده في مورني،لكي يأتي لاستلام ابنه من مستشفي الفاشر وهو فاقدا للذاكرة، ومجردا من كل مقتنياته ومتعلقاته الشخصية وجواز سفره وما يحمله من مبالغ مالية، ولايستحضر من الحياة وما حولها الا اسم والده، وابنه الذي يردد اسمه على الدوام حسب إفادات شهود العيان .
استلمه والده من ايادي جهاز الامن الإيجابي وهو علي تلك الحالة النفسية السيئة ولم يستطيع حتي اجراء تحقيق لمعرفة الملابسات التي حدثت لابنه وهو في المعتقل حتي ساءت حالته بتلك الحالة الميئوس من علاجها. ثم ذهب به الي مورني عسي ولعل تتحسن حالته بعد رؤية مولوده، الا ان حالته ازدادت سوءا. وعندما حاولوا تسفيره الي الخرطوم عبر الطيران لم يتمكنوا من ذلك لان جواز سفره الامريكي كان محجوزا لدي جهاز الامن بالفاشر، فاضطر اهله لاستئجار عربة لأسعافه الي الخرطوم، ولكنه فارق الحياة وهو في الطريق الي الفاشر ودفن فيها، من غير حتي استخراج شهادة وفاة. وتفاجأ المعزون بوصول قوة من جهاز الامن الي صيوان العزاء وتسليم جوازه المحجوز لديهم لذويه وأبلغوهم بالمجئ الي مكاتب الامن وبطرفهم شهادة الوفاة لاستلام اغراضه ومتعلقاته الشخصية المحجوزة بطرفهم.
أن اغتيال عبدالله يعقوب ابكر يعيد للأذهان عملية اغتيال الشاب الدارفوري الذي يدعي محمد احمد الذي عاد من اسرائيل وتسلمت أسرته جثته من مكاتب الامن بعد ان تمت تصفيته. تأتي كل هذه الحوادث وهذا الاستهداف العنصري الممنهج من تعذيب (بشارة حسن) في مطار الخرطوم و اغتيال (محمد احمد)، (وعبدالله يعقوب) لتعمّيق الازمة في الثقة بين ابناء السودان من اقليم دارفور، ومؤسسات اجهزة المركز العنصرية التي ظلت علي الدوام تستهدف ابناء دارفور بشكل عنصري علي أسس جهوية وعرقية واضحة لا ينكرها الا مكابر. و أن مثل هذه الأحداث تقوي قناعتنا بضرورة التحرك نحو تغيير شامل لبنية هذه الدولة العنصرية ولابد من فتح تحقيق فورى وعاجل فى هذه الوقائع، وتقديم الجناة للمحاسبة حتى يكون ذلك رادعَا لكل من تسول له نفسه اغتيال حق أى مواطن سوداني فى الحياة، وحتى لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات .
أن ممارسات النظام الحاكم ضد أبناء دارفور في الحوادث المذكورة اخيرا هي تجلي لمدى تمكين عقلية الإبادة الجماعية في داخل النظام وقواته الأمنية التي أصبح أبناء دارفور في كل مواقعهم هدفها المفضل للقتل والتعذيب وممارسة العنصرية والعنف المرضي لأفراد الأجهزة الأمنية التي هي خير دليل على أن الإبادة في دارفور لازالت مستمرة عبر القتل اليومي والاستهداف العنصري حتي علي المستوي الفردي ناهيك عن ما يجرى في المعسكرات كل يوم من قتل وتهجير وتدمير.
إن مقتل يعقوب وقبله محمد وتعذيب بشارة هو صافرة إنذار توضح مدي عمق الأزمة التي تستوجب اقتلاعا جذريا لعقلية التمييز والعنصرية التي أوصلت الدولة السودانية الي هذا الانهيار ولابد من تغيير هيكلي يضع الإنسان كقيمة رئيسيةفي دولة المواطنة التي تحترم حياة كل سوداني بلا تمييز أو عنصرية.
*رحمة الله تغشي قبر اخونا جدو، وعميق مواساتنا وتعازينا لأبناءه وعموم أفراد أسرته بالسودان وأمريكا*