للوهلة الأولي يبدو وكأن كل شئ يقف ساكنا في السودان، بعد أن أصدر مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو أمر ملاحقة جنائية بحق الرئيس السوداني عمر البشير في مارس 2009 . يبدو أيضا وكأن المجتمع الدولي قد انشغل بالأزمة الاقتصادية الدولية ومشاكل العالم الاخري. ولكن يان برونك، وزير التعاون الدولي الهولندي السابق، والمبعوث السابق للامين العام للأمم المتحدة في السودان، يقول في مقابلة خاصة مع القسم العربي لإذاعة هولندا العالمية أن هنالك الكثير من الحراك تحت حالة السكون الظاهرة في الشأن السوداني، قال ذلك:
نزاعات واقتتال
“يبدو وكأن كل شيء ساكن في مكانه، نعم، ولكن ليس في دارفور، وليس في جنوب السودان حيث يجري الاقتتال الآن بين قبائل جنوبية وحيث يسقط الكثير من الضحايا، أكثر مما يسقط في دارفور في هذه اللحظة. كل السودان في حالة ارتجاج الآن”.
ويبدو أن حالة الارتجاج هذه آخذة في الازدياد، وأن الكثير قد حدث وظل يحدث حتى بعد المقابلة التي أجريناها مع يان برونك، حيث أعلنت مجموعة من عضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان انشقاقها عن الحركة الام وتكوين حزب سياسي جديد باسم : الحركة الشعبية لتحرير السودان – التغيير الديمقراطي بزعامة الدكتور لام أكول أجاوين وزير الخارجية الأسبق. يأتي هذا في الوقت الذي تقتتل فيه مجموعات قبلية في جنوب السودان فيما بينها مما أدي لفقدان الكثير من الأرواح في ولاية جونقلي بين قبيلتي النوير والمورلي وبين قبيلة المورلي وقبيلة دينكا بور، الي جانب القتال العنيف الذي دار بين اثنين من القبائل العربية جنوب كردفان وهما المسيرية والرزيقات.
السلام قبل العدالة
ظل الرئيس البشير يتحرك بحرية متنقلا بين عدد من الدول لحضور مختلف المناسبات. آخرها زيارته لزيمبابوي لحضور قمة السوق المشتركة لأفريقيا الجنوبية والشرقية التي طالب أعضاؤها في البيان الختامي تعليق مذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس عمر البشير. في ذات الوقت يقوم رئيس المحكمة الجنائية الدولية سانق هيون سونغ بجولة ذات مغزي تشمل الدول الموقعة علي اتفاقية روما حيث يزور تنزانيا، بتسوانا وليسوتو.
المبعوث السابق للأمم المتحدة يان برونك يري أن مذكرة الاعتقال قد صدرت قبل أوانها واصفا إياها بأنها غير سياسية. حسب برونك كان يجب علي المحكمة التركيز علي كبار المسئولين والتنفيذيين في الحكومة السودانية الذين يعتقد بتورطهم في جرائم حرب قبل الشروع في اتهام راس الدولة. يقول برونك: ليس هناك ثمة فائدة من ملاحقة الرئيس البشير واستدعاءه إلى لاهاي، لأنه لن يأتي في كل الأحوال . أقول يجب أن تحل كل المشاكل أولا. يجب صناعة السلام في الأساس ثم نتحدث بعدها عن العدالة. هذه نقطة أولي. النقطة الثانية يجب أن يكون الحديث مع من نعتقد أنهم مسؤولون عما حدث، لأن بيدهم السلطة. لكن الحديث يجب أن يكون بقوة وهو ما لم يحدث حتى ألان، بافتراض أن البشير يترأس حكومة هي عضو في الأمم المتحدة ويجب احترامها. يجب أن نتحدث بقوة ونهدد بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية لإجبار الحكومة السودانية علي الوفاء بالتزاماتها”.
إشارات خاطئة
ظل يان برونك من أكثر الداعين لممارسة ضغط حقيقي علي الحكومة السودانية من اجل الوصول لحل لقضية دارفور، ومن الداعين لمنطقة حظر طيران في دارفور. كما أنه ظل يتهم الأمم المتحدة بالعجز والتقصير في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، حيث يقول أن قوة حفظ السلام المقرر إرسالها للسودان لم يكتمل نصف عددها حتى بعد مرور عام من القرار، منتقدا في الوقت ذاته تقسيم مهمة حفظ السلام في السودان إلي قسمين حيث يقول: ” حينما تلقينا تكليفا من مجلس الأمن كانت المهمة بالنسبة لنا واضحة، وهي جعل الوحدة في السودان أمرا جذابا لكل الأطراف، أي أن الجنوب يجب أن يبقي مع الشمال. ولكن أن تقوم الأمم المتحدة بعد ذلك بفصل مهمة حفظ السلام إلي جزأين احدهما متعلق بمشكلة الشمال والجنوب والآخر بدارفور، فإنك في هذه الحالة ترسل إشارة خاطئة، هي ضد هدفك الأساسي الذي ترمي اليه.
اللعب علي الحبلين
لا يخفي المبعوث السابق للأمم المتحدة في السودان رأيه في الحكومة السودانية وطريقة تعاملها مع النزاع في دارفور حيث يصف الحكومة بأنها بارعة في لعبة فرق تسد بين مختلف الاطراف، وبارعة أيضا في تضليل المجتمع الدولي وعدم الالتزام بالإيفاء بالمعاهدات التي وقعتها :” الحكومة السودانية تلعب علي حبلين، تفاوض وتحارب في ذات الوقت. إذا شرعت في التفاوض يجب عليك أن تكف عن القتال، إذا واصلت القتال تكون قد فقدت المصداقية كحكومة، ولكن هذا ما يحدث في السودان دائما وطول الوقت”.
النزاع في إقليم دار فور السوداني جد معقد، وتتدخل فيه عوامل كثيرة كما يقول برونك، منها العامل البيئي وندرة الموارد وغياب آلية إدارية فعالة لفض النزاعات. حيث أن الدولة هي المسئولة عن توفير الأمن والاستقرار وحماية مواطنيها، ولكن بحسب يان برونك فإن الحكومة السودانية، وبالطريقة التي تتصرف بها الآن، لا يعنيها شأن السودان بكامله.
إبراهيم حمودة –
إذاعة هولندا العالمية