عندما أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم, قبل أيام, اعادة ترشيح الرئيس السوداني عمر البشير لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المرتقبة في أبريل 2015. تذكرت جملة لصموئيل بيكيت في مسرحيته “في انتظارغودو”, تلك المسرحية الكلاسيكية من مسرح العبث أو اللامعقول.
في تلك الجملة, أكد “استراجون”, أحد المشردين بالمسرحية, قائلا: “لن يسوء الأمر أكثر من ذلك”! ورد عليه المتشرد الاَخر, الذي يُدعي “فلاديمير”, قائلا: “هذا ما تعتقده أنت!”.
وقد اتضح ذلك الانطباع بوجود مسحة من العبث بشأن الموقف السوداني في وقت لاحق عندما أفادت وسائل الإعلام الرسمية في الخرطوم, أن المفوضية القومية للانتخابات حددت الجداول الزمنية للعملية, متجاهلة دعوات قوي معارضة بتأجيلها, وتخطط من أجل ضمان “حرية ودقة” عملية الانتخابات السودانية المقرر انعقادها في شهر ابريل المقبل. فهل يمكن اعتبار نظام المؤتمر الوطني الحاكم بمفوضيته المشبوهة بمثابة ضامن لإجراء انتخابات حرة ونزيهة؟!!
حسنا, هذا ما تعرفه أنت.
قليلون هم من يعدون الحرب السودانية أمرا غير مأساوي, لكن المأساة تحدث عندما يكون هؤلاء المتورطون في الصراع محكوما عليهم بالفشل جراء اتباع المسار الموضوع لهم من قبل قوي خارجية(انظمة الاسلام السياسي), والتي دائما ما يكون هدفها هدَاما.
إن الشخصية المأساوية أصبحت موجودة بالفعل في شخص الرئيس السوداني عمر البشير, وذلك لأنه يتطابق ويتلازم مع ذاته, ولا يمكنه تغيير المسار ومفاجأتك بالتطور عبر محاور مختلفة.
لقد بدأ الصراع السوداني علي مدي الثلاثة عشر سنة الماضية, ويرجع سبب ذلك ببساطة الي أن فئة من السكان كانوا قد سئموا من الحكم الاستبدادي المتغطرس علي يد البشير, وزمرته الفاسدين. وخلال أشهر قليلة, وجدت المظالم, التي أعرب عنها الثوار, في البداية, في دارفور, صدي كبيرا لدي معظم, وربما غالبية السودانيين.
المؤكد هو أن البشير يكن بالتأكيد, هو المسؤول الأول عما وقع بالفعل من تجاوزات في السودان من القتل والتشريد والتهجير والدمار منذ أن وقعت البلاد تحت سيطرة المليشيات, التي كانت دائما ما تعتمد علي شريحة محدودة من المجتمع.
وفي الحقيقة, من المحتمل أن يكون البشير, قليل الحيلة وغير الحاسم, مجرد دمية لجماعة الإخوان المسلمين التي تعمل في التمكين.
ومع ذلك, في غضون شهور قليلة من اندلاع الثورة في دارفور, أصبح مطلب رحيل البشير بمثابة هدف موحد للثورة, التي وحدت عددا كبيرا من الجماعات التي تشترك في ايدولوجيات وتطلعات سياسية مختلفة.
وبحلول عام 2011, أصبح مطلب اسقاط النظام الهدف الوحيد الذي يسعي اليه الجميع تقريبا, بما فيهم الكثير داخل النظام. ويمكنني الكشف أن المبادرات الدبلوماسية والمبادرات السياسية التي تضمنت كبار الشخصيات السودانية والاقليمية والدولية, بينت حول فكرة “تنحي” البشير, من أجل السماح بتشكيل حكومة ائتلافية انتقالية. وقد تم اختيار لفظ ” التنحي”, بدلا من “الاستقالة”,مطمأنة الاسلاميين, الذين عارضوا اسقاط أو تغيير النظام في السودان.
وجدير بالذكر أن عبارة ” ضرورة حل سياسي” أصبحت بمثابة هدف أساسي لكافة الجهود الدبلوماسية, بدءا من المهمة البائسة لثامبوامبيكي, وصولا الي مهمات الاقليمية والدولية كثيرة, ولكن تلك الجهود كان محكوما عليها بالفشل في نهاية المطاف. وتجدر الاشارة الي أن كل وثائق ومبادرات الجبهة الثورية السودانية وخاصة وثيقة الفجر الجديد التي حظيت بتأييد من الشعب السوداني, كانت تقوم علي فكرة اسقاط النظام ورحيل البشير وذهابه الي المحكمة.
إن رحيل البشير من شأنه أن يمهد الطريق لانتقال أكثر أو أقل سلمية, حيث إنه من شأنه أن يسمح لهياكل الدولة السودانية أن تبقي قائمة الي حد كبير, ربما يحول دون حدوث انهيار شامل للنظام, وسيكون حزب المؤتمر اللاوطني وحلفاؤه قاردين علي الحفاظ علي نصيب من السلطة في اتفاق وطني جديد, ينال دعم بسيط من السودانيين, ومضمون من جانب القوي القوي العظمي من خلال الامم المتحدة. وفي الوقت ذاته, فإن الإقرار بأن التسوية والوصول الي حل وسط يعد بمثابة إحدي الوسائل الفعالة لحل النزاع, من شأنه أن يسحب البساط من تحت حزب المؤتمر اللاوطني الذي يقوم رؤيته السياسية علي القمع والعنف.
والأهم من ذلك, قد تعمل تلك التسوية علي إنقاذ السودانيين من المحنة الناجمة عن حدوث انشقاقات داخل الأسر, والعشائر, والقبائل, بينما يجري التخفيف من لهيب الشك والكراهية المستتر عبر ربع قرن.
حسنا, لم يحدث ذلك.
فربما تقرر الجماعة( التي تمسك بزمام السلطة في الخرطوم)- بتشجيع من فئات متشددة بالقيادة السودانية والقيادة في طهران والدوحة ومليشيات مشددة محلية واجنبية- ليس فقط رفض تقاسم السلطة, ولكن أيضا تقرر إذلال المعارضة من خلال الحفاظ علي وجود البشير في منصبه, وربما يجري ذلك تحت تهديد السلاح. وحسب ما تنبأت به وسائل الإعلام المحلية, فإنه سيجري إعادة انتخاب عمر البشير, بل “وحصوله علي الأغلبية”, فمنذ أن فاز ب68% من أصوات الناخبين التي اجملته بعشرة مليون صوتا من أكثر من 16 مليونا هو تعداد المسجلين في السجلات الانتخابية من المرة السابقة, فهذا قد يعني فوزه بنسبة 100% في شهر ابريل المقبل, وهذا لا يعني سوي تكرار ما حققه في ربع قرن السابق.
لقد بدأت الثورة السودانية نظرا لأن الوضع الذي قائما, أصبح يتعذر الدفاع عنه, وأسفرت عشر سنوات من الصراع عن وضع جديد, يسوده عدم الاستقرار. وفي كلتا الحالتين, كان الوضع القائم- سواء كان علي حق أو علي باطل- يعبر عنه عمر البشير الرمز له, وبالتالي, إذا كان رحيل البشير يعد أمرا ضروريا من أجل تغيير الوضع القائم في قبل الثورة, فهذا الأمر أصبح أكثر حتمية اليوم.
تكمن المسألة الآن في اسقاط النظام, ويمكن أن يحدث هذا الأمر بطريقتين, إما أن تنجح الجماعة التي توجد علي سدة الحكم في سحق المعارضة, الأمر الذي لا أعتقد حدوثه, أو أن تعمل المعارضة علي تجميع صفوفها, من أجل خوض جولة جديدة نحو الخرطوم, الأمر الذي أعتقد أنه لا يزال محتمل الحدوث, رغم الخلافات الحالية لمعارضة السودانية عامة من اسقاط او تغيير النظام.
وقد يتمثل الخيار الثالث في تحويل السودان الي خليط من الاقاليم غير المحكومة, التي قد يضع جزء منها تحت سيطرة مليشيات القبلية.
إن خبر ترشح عمر البشير للرئاسة يعد خبرا سيئا, ليس فقط بالنسبة للسودانيين, ولكن أيضا بالنسبة لما تبقي من حزب المؤتمر اللاوطني, وكذلك بالنسبة لكل من طهران والدوحة وبكين وموسكو, حيث سيضطرون لتمويل الحرب المطولة, مع عدم وجود احتمالات للنصر. وفي الواقع, سيعمل حلفاء النظام علي الإنفاق علي صديق, تصبح أكثر قبحَا وأكثر تكلفة يوما بعد يوم.
واَخيرا, إن ترشح البشير قد يعود بالضرر علي البشير ذاته, وقد تسمح له تسوية “التنحي جانبا”, ولزمرته أن يصبح بمأمن, ولكن قد تحول مناوراته الاَخيرة دون تحقيق هذا الخيار. عمر البشير مصمم علي أن يسير في نفس الطريق الذي فيه صدام حسين والقذافي, والأرجح أنه سيلاقي نفس المصير المحتوم بغض النظر الشكل النهائي لنهايته التي اقتربت بكل المقاييس, فلا يوجد ديكتاتور علي مستوي العالم يطلب دعم من يحكمه بالإكراه, ولن يفرض أحدا نفسه علي حكم شعب بالاكراه مهما طال الزمان أو قصر..
احمد قارديا