القطب السوداني المعارض مبارك الفاضل المهدي لـ الأهرام:
ترسيم أبيي طعنة حقيقية لوحدة السودان الأرضيـة غير مهيـأة لإجراء الانتخابات الرئاسـية والبرلمانيـة في أبريل المقبـل
أجري الحوار ـ العزب الطيب الطاهر وأسماء الحسيني:
بات مصير وحدة السودان مرهونا باعتبارات عديدة لكن الاعتبار الأهم هو توفير أرضية جاذبة لها, وهو الأمر الذي عجزت عنه كل الأطراف خلال السنوات الأربع المنصرمة منذ التوقيع علي اتفاق السلام بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية في عام2005, خاصة أن الفترة المتبقية علي إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب محدودة للغاية فهي تصل إلي نحو500 يوم أي أقل من عامين حسب تقدير مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة المعارض في حديثه للأهرام علي هامش زيارته الحالية للقاهرة. وفيما يلي الحوار:
- ما هي قراءتك لآخر تطور في السودان في ضوء قرار محكمة التحكيم الدولية الأخير بخصوص ترسيم حدود منطقة أبيي؟
* في تقديري أن هذا القرار بالرغم من أنه أخمد فتنة في هذه المنطقة إلا أنه يعد أول خنجر يوجه لوحدة السودان, فلو كان حزب المؤتمر الوطني يفكر في مصلحة الوطن ومصلحة وحدته لما أقدم علي هذا السلوك غير المألوف, فلأول مرة ربما في التاريخ يتوجه طرفا حكومة واحدة إلي محكمة دولية لكي تتداول في قضية محلية, فقبيلتا الدينكا والمسيرية ينتميان إلي السودان, ومن ثم لم يكن من الضروري اللجوء إلي الخارج لحسم مسألة خلافية خاصة أن ما طالبت به قبيلة المسيرية لم يكن مستعصيا علي الحل وهو أقل بكثير مما قدمته لهم المحكمة الدولية في قرارها الأخير وفي المقابل ما طالبت به حكومة الجنوب والحركة الشعبية كان بالإمكان استيعابه والتجاوب معه.
وفي ظني أن المعضلة لم تحل بعد, لأن حزب المؤتمر الوطني قاد جزءا من قبيلة المسيرية إلي النزاع حتي يعطي الأمر صبغة قبلية بدلا من أن يفصح عن حقيقة الأمر الذي يتمثل في أنه نزاع بشأن حقول النفط وهو ما أفقد القبيلة صفة حسن النوايا التي كان يجب أن تتسم بها في إدارة هذه الأزمة خاصة أن مصلحة هذه القبيلة تكمن في الرعي في الجنوب لمدة تصل إلي نصف عام بالذات في فصل الشتاء وليس في البقاء في المنطقة الحدودية, ومن ثم فإنه إذا كان مقياس الخسارة فقدان الأرض فإنه يمكن القول إن المسيرية خسروا أكثر مما كان يطالب به الدينكا من الأرض.
- هل أفهم من ذلك أنك تتخوف علي مستقبل وحدة الوطن في الاستفتاء المقرر إجراؤه في عام2011 لتقرير مصير الجنوب؟
* أجل فكل المؤشرات تقود نحو الانفصال, وليس هناك مجال للوحدة مطلقا خاصة إذا استمر النظام الحاكم بتوجهاته الراهنة.
- ذلك يعني أن النظام الحاكم لم ينجح في تحقيق خطوات باتجاه الوحدة؟
* هذا صحيح فهو يعمل علي دفع الأمور باتجاه الانفصال, وألفت هنا إلي أن ثمة قانونا في الخرطوم مخالف للدستور اسمه النظام العام, وهو يلاحق الجنوبيين والجنوبيات لأنهم يصنعون الخمور البلدية برغم أنها جزء من تراثهم, وقد تمت محاكمة أكثر من13 ألف شخصية وذلك ليس له إلا معني واحد يتمثل في أن السلطة تكره الجنوبيين علي مغادرة الشمال واجبارهم علي التوجه إلي موطنهم في الجنوب.- لكن في المقابل هناك دوائر في الجنوب تدفع أيضا باتجاه الانفصال بل وتدعو إليه بشكل علني؟
* بالطبع مثل هذه التصرفات والسلوكيات تشجع كل دعاة الانفصال لاسيما أن التصويت في استفتاء تقرير المصير في عام2011 سيستند إلي مبررات عاطفية بالدرجة الأولي يعتمد علي رد الفعل وليس علي أسباب عقلانية وواقعية فإذا كان ثمة ما يدفع نحو العقل من قبيل توافر المزايا الاقتصادية وبناء إجراءات ثقة متبادلة وتحقيق أريحية في التعامل بين الطرفين فإن الانفصاليين سيهزمون بالضرورة,.
- هل تعتقد أن الأمور باتت صعبة أمام استعادة قوة فعل الوحدة؟
* لا, بالطبع لم يصل الأمر إلي هذا الحد بعد بل يمكن في الفترة الزمنية المتبقية علي إجراء استفتاء تقرير المصير التأسيس لوحدة جاذبة غير أن ذلك يتطلب تشكيل حكومة جديدة تطلق حزمة من الإجراءات والخطوات نحو هذه الوحدة وذلك يستوجب إحداث تغيير ما.
- بأي اتجاه يكون هذا التغيير هل في طبيعة النظام الحاكم أم في رأسه؟
* هذا التغيير يجب أن يكون شاملا من الوزير إلي رئيس الجمهورية عبر الوسائل السلمية وآلية الاقتراع المباشر بحيث يفرز حكومة مدنية ديمقراطية, فإن ذلك يمكن أن يفتح الفضاء أمام وحدة جاذبة.
- إلي أي مدي يمكن للقوي السياسية في السودان أن تفرض معادلتها في الانتخابات القادمة بما يقود إلي التغيير؟
* شخصيا اتشكك في إمكانية إجراء الانتخابات من الأساس, فحتي الآن ليست هناك أرضية لإجرائها.
- هناك حديث عن إجرائها في أبريل من العام المقبل؟
* هذا جزء من الدعاية المضللة, ولكن الواقع يشير إلي أنه لا توجد أي أرضية لإجراء هذه الانتخابات, فطبقا لاتفاقية السلام الموقعة في عام2005, فإنه من المقرر أن يتم إجراء هذه الانتخابات في نهاية فترة السنوات الأربع من بدء تطبيقها تفضي إلي تشكيل حكومة تقود البلاد إلي وحدة جاذبة بعد أن يكون قد تم تطبيق كل بنود هذه الاتفاقية, ولكن للأسف فإن المؤتمر الوطني لم ينفذ البنود الجوهرية فيها, وفي المقدمة منها عدم إجراء الانتخابات في موعدها الذي كان محددا في التاسع من شهر يوليو الماضي وهو موعد إنهاء المرحلة الانتقالية الأولي وفقا لاتفاقية السلام, وأظن أن المؤشرات المتاحة حتي الآن تقول إن الانتخابات لن تجري حتي في الموعد الذي حددته الحكومة في شهر أبريل من العام المقبل, لاسيما في ظل استمرار أزمة دارفور المشتعلة واستمرار تردي الوضعية الاقتصادية, وخطورة الأمر تتمثل في أنه مع انتهاء المرحلة الانتقالية الأولي تكون الحكومة الحالية قد فقدت شرعيتها بل ان النظام بكامله فقد هذه الشرعية.
- هل من سبيل للخروج من هذا المأزق؟ هل تفكر القوي السياسية في خطوات معينة لتجاوز هذه الوضعية؟
* بات ضروريا أن يلتقي أهل السودان جميعا للتوصل إلي بلورة جملة من الحلول المشتركة لكل الأزمات التي تهدد وجود الدولة السودانية بالأساس, وهو ما يتطلب دعما من الأشقاء العرب خاصة في مصر من خلال سلسلة من الآليات التي تقود إلي تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تفضي إلي انتخابات حرة نزيهة, ومن هنا دعونا إلي عقد ملتقي في مدينة جوبا عاصمة الجنوب خلال شهر أغسطس الحالي وقد تم تشكيل لجنة تحضيرية برئاستي للإعداد لهذا المؤتمر الذي سيركز علي5 محاور هي: السلام والأمن والوحدة ووقف الحرب في دارفور والتحول الديمقراطي والأوضاع الاقتصادية والمصالحة الوطنية والعدالة والعلاقات الخارجية, وقد تم توجيه الدعوة إلي حزب المؤتمر الوطني للمشاركة في هذا الملتقي, لكنه حتي الآن مازال ممتنعا عن تلبيتها, ورحبنا بأي أوراق يتقدم بها في إطار المحاور الخمسة.
- في حال عدم مشاركة حزب المؤتمر الوطني في الملتقي هل يمكن أن يؤثر ذلك سلبا علي شرعية ما سيصدره من قرارات وتوصيات؟
* لا, بالطبع لأن ما سيصدر من قرارات سيكون بالاجماع من جميع القوي السياسية المشاركة فيه, وإذا ما غاب المؤتمر الوطني عن الملتقي فإنه سيضر نفسه وسيبدو معزولا عن كل القوي الأخري, وسيؤكد أنه يسعي إلي الانفراد بالقرار السياسي, وبالتالي فإنه يتعين أن يتحمل مسئولية ذلك.
- هل تعتقد أن يقبل المؤتمر الوطني قرارات الملتقي إذا غاب عنه؟
* نظريا من المفترض أن يقبل بها بل ويسعي إلي تطبيقها لأن معظم القضايا المطروحة ضمن محاور الملتقي واردة في أغلب الاتفاقيات التي وقع عليها المؤتمر مع قوي سياسية أخري ابتداء من جيبوتي وانتهاء بنيفاشا مرورا بالقاهرة وبجدة واسمرة, ولأنه لم يلتزم بهذه الاتفاقيات الأمر الذي أسهم في توسيع دائرة الاحتقان السياسي والتوترات العرقية, فإنه يتعين عليه أن يتجاوب مع قرارات ملتقي جوبا لأنها تصب في تحقيق الأهداف التي سعي إليها عبر توقيعه علي هذه الاتفاقيات, ولكن ما أخشاه هو أن يتهرب المؤتمر الوطني من التزاماته وهو ما يستوجب من جميع القوي السياسية أن تحدد كيفية مواجهة ذلك.
- كيف تقرأ المبادرات المطروحة لحل أزمة إقليم دارفور, خاصة أنك تبدو غير متفائل بجدواها؟
* لأن هذه المبادرات تتحدث عن حلول جانبية لقضية مرتبطة بمشكلة السودان, فهي تناقش أزمة دارفور وكأنها منعزلة عن باقي مشكلات الوطن, بينما هي بالأساس مشكلة السودان كله, ومن ثم فإن أي معالجة لها تتطلب التوصل إلي حلول شاملة لكل الأزمات التي تعاني منها البلاد, وإلا فإن أي اتفاق بشأنها لن يكتب له النجاح وسيتعطل تنفيذ الكثير من بنوده مثلما حدث مع اتفاق نيفاشا الخاص بالسلام في الجنوب.