جعفر عباس
من المفهوم أن يحس بعض الثوار بالضيق بل والإحباط، لأن المواكب المطالبة بإسقاط الديكتاتورية أكملت شهرها الثاني تقريبا، والنظام “قاعد على قلوبنا”، ولهؤلاء أقول- وهذه وجهة نظر قابلة للنقاش- إن المتظاهرين يا دوب كسبوا 50% من المعركة، بأن أسقطوا هيبة النظام، فما عاد الثوار يخشون الضرب والاعتقال وحتى الرصاص، بل إن النظام هو الذي يمارس البكش لاستمالة القلوب، بعد ان فشلت فزاعة عبد الواحد نور والموساد الإسرائيلي ومصير سوريا وليبيا واليمن في فرملة الثورة، علما بأن أياً من البلدان الثلاثة هذه لم يتمزق كما تمزق السودان على يد حكومته مع سبق الإصرار والترصد
اعتقد استنادا لاستقراء تجاربنا في أكتوبر 1964 وإبريل 1985، أنه ليس من المناسب التعجيل بالدعوة للعصيان المدني، فكما قلت في مقالات سابقة هنا، فدور المظاهرات الحالية هو التعبئة للمعركة الفاصلة، التي هي الاضراب السياسي والعصيان المدني، مما سيجيب خبر الحكومة خلال أقل من أسبوع، ولكن الدعوة الفطيرة للعصيان ومن ثم عدم نجاحه بنسبة عالية، سيكون نكسة قوية للحراك الشعبي بل قد يصيبه بالشلل لوقت قد يطول وقد يقصر
يصبح العصيان ممكنا ومضمون النتائج عندما ينزل الواقفون على الرصيف الى قلب الشارع، ويخرج الجالسون في البيوت الى الرصيف ولو للتصفيق، وما من ثورة شعبية تحتاج لأكثر من 4-5% من السكان مشاركين في فعالياتها، وقد كانت ثورة ديسمبر في أبسط تجلياتها استفتاء شعبيا عارما أثبت ان الحكومة بلا سند شعبي، ويستحي حتى المحسوبون على المؤتمر الوطني الحاكم (ما عدا الما كان عنده قرش وبقى عنده كرش) الدفاع عنها، وصرنا نسمع كلاما من كبار القوم، من نوع: هناك فعلا ظروف تستوجب الاحتجاج ونعمل على معالجتها (متجاهلين حقيقة ان قطار الثورة تحرك من محطة مطالب تحسين ظروف المعيشة)
في تقديري فإنه من الممكن رؤية اللحظة المناسبة للعصيان بالعين المجردة، عندما- الخرطوم نموذجا- تسد الجماهير الهادرة شوارع الجمهورية والجامعة والقصر بطولها، وعندما نرصد فتورا من جانب القوات (النظامية على الأقل) المكلفة بفض المظاهرات، وعندما يشكل من هم فوق الأربعين نسبة مقدرة من الحشود الهادرة
الحراك الشعبي الحالي كالمرأة الحامل، وجنين الثورة (الحرية والسلام والعدالة) لابد أن يكمل دورته في رحم الشعب، لينزل سليما معافى وبالتالي فإن أي هرجلة في طرح العصيان قبل الأوان سينجم عنه جنين ناقص التكوين أو مشوه (هذا إذا لم يسقط الجنين ونضطر للدخول في تجربة الحمل واحتضان بذرة ثورية جديدة)
يقيني هو أن العصيان في التوقيت المناسب سيجذب الملايين التي قلبها على الثورة، ولكن ثلاثين عاما من القمع وذكرى انتفاضة سبتمبر 2013 التي لم تكمل دورتها يجعلها أقل جسارة من الشباب مفجري الثورة، بل من المؤكد أن شرائح كبيرة من القوات النظامية ستنحاز للثورة متى ما صار العصيان الكاسح أمرا واقعا. ومرحبا بها منحازة للجماهير، ولكن لن نسمح بعسكرة الثورة ولا الحكم الانتقالي، والقوات النظامية ليست كلها جنرالات نالوا الحظوة عندما باعوا المهنية بالمناصب، فغالبية كواردها أبناء وبنات الشعب ومسحوقون مثل أهلهم، وفي قطار الثورة متسع للجميع كمواطنين ومؤسسات، وليس أوصياء على الشعب
ثقتي في تجمع المهنيين والمنظمات المنضوية تحت لواء “الحرية والتغيير” عظيمة، وهم بالتأكيد يرصدون حركة ونبض الشارع، ويحتاجون الى بعض الوقت لتعزيز شبكة المنسقيات المناط بها تنظيم الفعل الثوري، بإيقاع معلوم لا يعرض الثورة والثوار للمخاطر والنكسات، وعندما تحين “ساعة الصفر” لإعلان العصيان سيصدر النداء عنهم لتكون فعالية فعالة… وتكون القاضية
والشاهد يا أعزائي: لا مجال للإحباط، فالثورة سائرة في مسار سليم، وقد قطعنا معظم المشوار بنجاح فمزيدا من العزيمة والصبر والمثابرة وزي ما بيقول المصريين: ما حدش بياكلها بالساهل.