تبلغ600 ألف فدان..أراضي الفشقة المحتلة …إهمال أم تجاهل؟!.. قيام قرى ومدن اثيوبية داخل الاراضي السودانية.. الحكومة الاثيوبية تحفزهم وتوفر لهم مدخلات الانتاج والخدمات.
(هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علم بين الأمم) ،الهتاف الذي يردده الجميع في ربوع الوطن يشاركهم في الترنم به إخوتهم في منطقة الفشقة مع إحساس أن الارض التي تتبع الخريطة هي ارض سودانية رسما ولكن الحقيقة تقول بغير ذلك ،فان الذين يستفيدون من ريع هذه الارض ليس هم من ينادون بهتاف (سوداني الجوه وجداني بريدو) ويحملون وثائق غير تلك التي يزينها اللون الاخضر وصقر الجديان فقد اختطفوا الارض مثلما حدث لحلايب في توقيت واحد؟ ،كيف ومتى ولماذا؟ تلك الاسئلة هي ما نحاول الاجابة عليها مع التأكيد التام على ان علاقات الجوار تقوم على اساس الاحترام المتبادل بين مكونات البلدين الشعبية والرسمية ولكن يبقى الحق حق كما يقول المثل السوداني.
الفشقة هي المنطقة المتاخمة للحدود المشتركة بين السودان وأثيوبيا، والتي تحد شمالاً بنهر ستيت وشرقاً بنهر عطبرة، و يقصد بالفشقة الأراضي التي تقع بين عوازل طبيعية (مائية) كالأنهار والخيران والمجاري.وتبلغ مساحتها 251 كلم2 . وتنقسم الفشقة إلى قسمين الفشقة الكبرى: وتحد شمالاً بنهر ستيت وجنوباً ببحر باسلام وغرباً بنهر عطبرة.. والفشقة الصغرى: وهي المنطقة التي تحد شمالاً ببحر باسلام وغرباً بنهر عطبرة وشرقاً بالحدود المشتركة بين السودان وأثيوبيا ، وتتخللها العديد من الجبال والخيران ،والمنطقة محاطة بالأنهار داخل الأراضي السودانية من كل الجوانب باستثناء خط الحدود المشترك مع أثيوبيا ، وهذا مايفرض عليها العزلة التامة عن الأراضي السودانية المتاخمة لها خلال موسم فيضان هذه الأنهار ، هذا فضلاً عن كونها تتميز بهطول الأمطار الغزيرة في فصل الخريف. فيما يميز موقعها هذا إغراء للإثيوبيين للاعتداء عليها متى ما شاءوا إذ لا يقف أمامهم أي مانع أو عازل يحول بينهم وبين الاستفادة من هذه الأراضي الخصبة ، فهي أراضي متاخمة تماماً للأراضي الإثيوبية . كذلك تتميز بإنتاجها الكثيف للسمسم والذرة والقطن قصير التيلة بجانب الصمغ العربي والخضروات والفواكه على ضفاف الأنهر الثلاثة عطبرة ، ستيت ، باسلام . و تم توضيح الحدود على الطبيعة لتكون معلماً طبيعياً بين السودان وإثيوبيا في تلك المنطقة ، من علامة الحدود الواقعة في الضفة اليمنى من خور القاش جنوب جبل قالا ثم إلى جبل أبو قمل ثم تلال البرك ، حيث وضعت علامة حدود في وسط صخرة ثم إلى جبل كورتيب ثم إلى جزع شجرة وسط حجارة وصخور ثم إلى جبل ثوار ، وبالقرب من شجرة هجليج وضعت صورة من اتفاقية الحدود لسنة 1903م وعلامة ،وكذلك ضعت علامة للحدود وصورة من اتفاقية سنة 1903م في صخرة عالية في الضفة اليمنى من نهر ستيت حيث يتقاطع خور الرويان مع نهر ستيت. و اعترفت أثيوبيا اعترافاً قانونياً في اتفاقية الحدود لعام 1902م وبروتوكول الحدود لسنة 1903م ، واتفاقية عام 1972م بأن منطقة الفشقة أرض داخل الحدود السودانية.
وتوضح الاستاذة المشاركة ورئيسة قسم العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري والمتخصصة في ملف أراضي الفشقه المحتله الدكتورة إكرام محمد صالح حامد دقاش قصة الإحتلال الأثيوبي لأراضي الفشقه وتقول إنه في عام 1957م بدأ تسلل المزارعين الإثيوبيين للزراعة في الأراضي الواقعة ما بين جبل الكدي وشجرة الكوكة . وقد حاولت سلطات الإدارة الأهلية في المنطقة المعنية تحصيل العشور منهم ، لكنهم رفضوا ، ونقلوا ذلك إلى المسؤولين الإثيوبيين ، إلى أن تم عقد اجتماع مشترك بين المسئولين في البلدين ، اعترف فيه الأثيوبيون بالزراعة داخل الأراضي السودانية وطلبوا إعفاء المزارعين الأثيوبيين من دفع العشور بحجة أن ما قاموا به من زراعة كان قليلاً وبطريقة بدائية ، ولم يتوصل الطرفان لاتفاق . غير أن المزارعين الأثيوبيين رجعوا في العام التالي 1958م بآليات واستعدادات كاملة للزراعة في المنطقة الواقعة بين نهري ستيت وباسلام التابعة لمجلس ريفي شمال القضارف المعروف الآن بمحلية الفشقة ، متجاهلين اتفاقيات الحدود بين البلدين ، وقد بلغت مساحة المشاريع الزراعية التي أقامها المزارعون الأثيوبيون حتى عام 1962م (300 فدان) في المنطقة الواقعة بين جبل اللكدي وحمداييت ، هذا فضلاً عن إزالتهم لبعض معالم الحدود التقليدية التي كانت موجودة ، وتمضي الدكتورة في حديثها وتضيف :اما المرحلة الثانية للإحتلال الأثيوبي لأراضي الفشقه الصغرى فقد انطلقت شرارته عام 1992م بدخول أحد المزارعين الأثيوبيين من ذوي الإمكانات الكبيرة إلى عمق المزارع السودانية بالفشقة وقام باستئجار مشروع زراعي من أحد المزارعين السودانيين ثم قام باحتلال المشروع بواسطة المليشيات والتوسع على حساب المشاريع السودانية المجاورة، وفي عام 1993م قامت القوات الأثيوبية باعتداء على أراضي منطقة دبلو الكيلو 15 وهي المنطقة الواقعة في تبة الخضرة جنوباً إلى مجرى نهر ستيت شمالاً وهي رقع زراعية تم مسحها وتخصيصها للمزارعين السودانيين بواسطة المساحة وهيئة الزراعة الآلية عام 1989م وتبلغ مساحتها حوالي 55 ألف فدان وقد تم استثمار حوالي ألف فدان في نفس العام وخصصت ضمن هذه المساحة حوالي 8 ألف فدان لمواطني قرية برخت الذين هم أصلاً من التقراي وقد شيدت لهم هذه القرية داخل الأراضي السودانية (حوالي 5 كيلو ) إلى حين عودتهم إلى بلادهم.،و أسفر الاعتداء على المشاريع الزراعية من جانب القوات الأثيوبية عن فقدان لممتلكات المزارعين السودانيين بما فيها عدد عشرة تراكتورات تمت مصادرتها والاستيلاء عليها. وقد أدى هذا الاعتداء إلى فشل الموسم الزراعي وسحب المزارعين السودانيين من المنطقة تفادياً لأي تصعيد ومراعاة لعلاقة حسن الجوار ، وقد توسعت دائرة النزاع في نفس الموسم لتشمل منطــــــــقة بحر سلام ( مجاج ـ اللكدي).
اذن خلال الفترة من 1957 والى العام الحالي ظلت قضية ترسيم الحدود بين البلدين تراوح مكانها على الرغم من اعتراف الجانب الأثيوبي بحدود 1902 واحقية السودان باراضي الفشقه الصغرى التي يقول عنها الآلأمين العام لإتحاد مزارعي الحدود الشرقية أحمد عبد الرحيم بانها محتلة بنسبة تبلغ 90% وقال إن حوالي 500 ألف فدان هي المساحه المستغله من جانب المزارعين الأثيوبيين داخل الفشقه الصغرى وكشف عن قرابة المائة ألف فدان من أراضي الفشقه الكبرى تستزرع بواسطة الأثيوبيين أيضا ،وقال إن الجانب الاثيوبي انتهج سياسة إنشاء قرى ومدن داخل الحدود السودانية مثل برخت التي تقع داخل الاراضي السودانية وتحمل كافة ملامح المدن الاثيوبية ووفرت لها الحكومة الاثيوبية خدمات متكاملة ومن يزورها يعتقد بانه داخل إحدى المدن الأثيوبية وكشف عن اقتراب العمل في تشييد طريق الحمره اللكدي من الانتهاء واضاف: في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الاثيوبية على توفير الخدمات لمزارعيها حتى داخل الاراضي السودانية ،يختفي دور الدولة السودانية تماما في هذا الصدد ،فطريق الشوك الحمره الذي أعتبره لغزاً غريباً لم ينتهِ فيه العمل رغم اهميته الكبرى وظل منذ سنوات يبارح مكانه دون إنجاز يذكر رغم ان الشركة المنفذة حسب علمنا نالت حقوقها ،كما أن منطقة الفشقه الكبرى التي تعبرها العديد من الانهار الموسمية لايوجد بها ولو كبري واحد رغم ثورة الكباري التي طالت ولايات ومناطق بالسودان لاحاجة لها بها ويستعمل المزارعون المراكب والمعديات لعبور نهر عطبرة للوصول الى مشاريعهم الزراعية وذلك بعد إنهيار كبري الصوفي البشير الذي لم يجد الإهتمام منذ سنوات تطاولت ايامها ،وفي تقديري أن عدم وجود الكباري والطرق بالفشقه من ابرز الاسباب التي أدت لعدم الاستفادة من مليون فدان ،وهنا لابد من الإشارة لأمر هام وهو أن الإخوة الاثيوبيين مقرين باحقية السودان باراضي الفشقه لذا لابد من الاسراع في إكمال عملية ترسيم الحدود ومن ثم يمكن إعتبار المزارعين الأثيوبيين مستثمرين اجانب.
يذكر أن الحدود القديمة التي تم ترسيمها في 1903 وأعترف بها الجانب الاثيوبي في إتفاقية 1973 تشهد عليها أكثر من عشر علامات في مناطق حمريات ، اللكدي ، قلع الزراف ، أم طيور ، اللبان ، صيل، جمير ، خور الدم ، جاد الله ، حفر الحفر وبئر أقبري، الشيخ الإمام .. أما عن الحدود السودانية الأثيوبية على الطبيعية حسب المعالم الطبيعية التي تم الاتفاق عليها في اتفاقية الحدود لسنة 1902م وبروتوكول الحدود لسنة 1903م أو اتفاقية الحدود لسنة 1972م. تتضح حدود الفشقة والقرقف على النحو التالي: القسم الأول: مديرية كسلا ـ منطقة القرقف وشمال نهر ستيت ـ وهي من جبل أبو قمل متجهاً جنوباً مع الحدود السودانية الأثيوبية إلى جبل البرك إلى تلال قرضة ومراويد إلى مرتفعات أم بريقع إلى تقاطع خور القرقف مع خط طول 29 ـ 36ْ إلى جبل كورتيب إلى جبل نوار إلى تقاطع نهر ستيت مع خور الريان.والقسم الثاني: منطقة الفشقة جنوب نهر ستيت وعطبرة وباسلام ، خط تمييز في إقليم ستيت حمره ، من تقاطع نهر ستيت مع خور الريان جنوباً في خط مستقيم إلى قلعة الزراف شرق اللكدي ثم إلى قلعة حماد ثم إلى قلعة الفشقة الصغرى ـ من قلعة النحل إلى قلعة إدريس ثم إلى قلعة اللبان ثم إلى جبل همبرت ثم إلى خور الدوم إلى خور شين إلى جبل ناهض إلى جبل أبو طاقية ثم إلى القلابات إلى جبل جبارة إلى جبل ود الملك إلى جبل دقلاش…ومنطقة الحدود على النيل الأزرق: من جبل دقلاش جنوباً إلى جبل حلاوة إلى جبل أم دوقة إلى جبل المتان إلى جبل جيروك .
وكان ثمانية من المزارعين المتضررين من الاحتلال الاثيوبي لاراضي الفشقه وهم محمد أحمد عجب عريبي ،كمال عريبي ،عوض الكريم الإمام ،محمد عبد المحسن ،الشيخ عبد القادر علي ،ابراهيم جالو وحمزه عبد القادر قد فقدوا أكثر من 33 مشروعاً زراعياً عام 1995 بداعي الإحتلال الأثيوبي ودفعوا منذ ذلك الوقت بالعديد من المذكرات الى جهات مختلفة من لدن عهد الوالي الشريف بدر حتى رئيس الجمهورية مطالبين بالتعويض من الضرر الذي حاق بهم واسترداد اراضيهم ،ويقول عوض الكريم الإمام (شيخ العرب ) أحد كبار المزارعين بالقضارف ومن الذين فقدوا أراضي بالفشقه أنهم لم يعوضوا ماديا وتم إرجاع جزء محدود من اراضيهم الزراعية وقال انهم مروا بظروف غاية في الصعوبة استمرت وقتاً ليس بالقليل ولم يجدوا جهه تقف معهم وتدافع عن حقوقهم التي ضاعت في الفشقه ،وقال إن إعادة أراضي الفشقه المحتلة عبر الطرق الدبولماسية المختلفة باتت ضرورة ملحه وذلك للإستفادة منها في وقت اتجه فيه السودان نحو الزراعة وقال إن هناك مزارعين فقدوا مشاريعهم الزراعية في الفشقه بصورة كاملة ولم يتم تعويضهم حتى الآن ،وانتقد عدم إهتمام الدولة بتشييد المعابر على نهر عطبرة وسفلتة الطرق التي تؤدي الى الفشقه وقال ان الحكومة الاثيوبية تحفز المزارعين وتشجعهم للزراعة في الفشقه وتوفر لهم مدخلات الانتاج والخدمات ،وحذر عوض الكريم من تجاهل هذه القضية الهامه ،وكشف عن قيام قرى ومدن اثيوبية داخل الاراضي السودانية .. من جانبه حذر معتمد الفشقه الاسبق ابوبكر دج من سياسة الإيجار التي ينتهجها الاثيوبيون للأراضي السودانية وقال انها تخطيط مدروس ربما قاد لفقدان اراضي أخرى وقال إن كل مزارع اثيوبي يملك مليشيه تحرس مشروعه وتتسبب في مضايقات للمزارعين السودانيين في المنطقة وأكد وجود الكثير من الخروقات من الجانب الأثيوبي ،وقال ان عملية ترسيم الحدود تسير ببطء يؤثر سلبا في قفل هذا الملف .. وكان والي القضارف الحالي كرم الله عباس الشيخ ومن خلال حملته الإنتخابية في مارس الماضي قد اعلن في أكثر من لقاء جماهيري تعهده بارجاع وتحرير اراضي الفشقة المحتلة غير أنه وبعد جلوسه على المنصب تجاهل وعده وفي ذات الصدد نفى محمد الطيب البشير رئيس المجلس التشريعي بولاية القضارف مسؤولية الولاية في إعادة اراضي الفشقه المحتلة وقال ان هذا الامر شأن إتحادي بنص الدستور ،وقال إن لجنة ترسيم الحدود بين البلدين ظلت تواصل عملها منذ شهور وذلك للوصول الى الحلول النهائية التي توضح حدود الدولتين ووصلت اخيرا الى الحدود وتبقى الترسيم فقط ،وقال إن خصوصية العلاقة التي تجمع بين السودان واثيوبيا والتداخل الاجتماعي حتم تناول هذا الملف بحكمه بغية الوصول الى الحل النهائي واشاد البشير بالعلاقات المتطورة بين البلدين التي ظلت تصب في مصلحة الشعبين.
وتعود الدكتورة إكرام محمد صالح وتشير الى ان الحدود بين السودان واثيوبيا هي الحدود الوحيدة بين السودان ودولة مجاورة التي تم ترسيمها وتحديدها وقالت ان الإتفاق الذي تم بين الرئيسين السابقين نميري ومنقستو عام 1973 اوضح اعتراف الجانب الاثيوبي بسودانية اراضي الفشقه ،وابدت تعجبها من إعادة ترسيم الحدود من جديد لجهة انها معروفة وواضحة وأكدت أن هذا الأمر خاطئ وكان يفترض معالجة الأوضاع الحالية على الأرض وهو مايسميه الاثيوبيون بالتقادم الذي يعني لهم حقوق مكتسبه كما يؤكدون وهنا تنبع خطورة التأخير في حسم هكذا قضايا بالغة الحساسية ،وطالبت بايقاف إيجار المشاريع الزراعية وان تكون الدولة جادة في حسم هذا الملف الذي أصبح بيد المستشار مصطفى عثمان اسماعيل حسبما رشح من انباء وأكدت على عمق العلاقة بين البلدين ولكن قالت إن هذا لايعني التفريط في حقوق الأجيال القادمة .
القضارف: صديق رمضان:
الصحافة