انقسامات الثورة السودانية
جدلية الوعي والتخلف
منذ مايقارب الأكثر من عشرة سنين ونيف, والشعب السوداني بكل ألوانه, وتكويناته.. لم يمل ولم يتعب من المطالبة برحيل وسقوط نظام نظام الدكتاتور عمر البشير وأعوانه ومازالوا مستمرينَ وبنفس الوتيرة والهمة .. في ثورتهم إلى الأمام, وبحسب معظم المراقبين والمتابعين فأن الثورة السودانية أرتقت إلى مستوى الثورة الفرنسية, بل تعدتها في صمودها, واستمراريتها, والتضحيات التي يقدمها هذا الشعب من أجل نيل حريته واعادة كرامته المسلوبة .
وبنظرة شاملة على خريطة الواقع السياسي السودان اليوم, وبعد كل هذا الكم الكبير من القتل والذبح وجرائم الاغتصاب والخطف .. جرائم الابادة الجماعية في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان ) ثمة حديث يدور عن انشقاقات الثورة السودانية المسلحة والمدنية , وهو واقع قديم متجدد يفرض نفسه دوما على عناوين الأحداث! ولكن بدأ مؤخرا بالصعود وبوتيرة أكثر وضوحا وذلك نتيجة لعوامل داخلية تتلخص فى الفراغ التنظيمي وعدم وضوح الرؤية السياسية اضافة للتكلات الاثنية السالبة والاطماع الشخصية والتى افرزتها مناهج الاستقطاب ذات البعد القبلي والخطاب السياسي المضاد لمفاهيم الثورة .. وكانت الخلاصة , اتهامات لا اساس لها بين حملة السلاح كمقدمة لانشطارات تكون ضحية للاستقطاب الحكومى المضاد لتماسك الثورة .
نجد كثير من الكتاب والناشطين السودانيين يخطون عبر اقلامهم مقالات وتحليلات تخدم اجندة ومصالح المؤتمر الوطنى فى وصفهم وتحليلهم لحقيقة الصراع داخل جسد الثورة والتى يمكن وصفها بالتطور الطبيعى للثورة ومحاولته لهدم بؤر التخلف المتمثلة فى القبيلة والمصالح الزاتية وتفضيل الذات واحتكار الوعى والتى يمكن وصفها بجدلية الوعى والتخلف والتى تشكل اساس ومدخل لقيام الثورة فى الهامش السوداني ودعوته لضرورة التغيير عبر اليات الثورة المتاحة والمشروعة .ولاكن يستمر مسلسلات التغبيش عبر الاقلام التى ترفض تنامي الوعى وتعمل على اعاقة تقدم الثورة ولاكن هل تقوى سيوف العشر والايادى المرتجفة على مواجهة مشاريع الوعى والاستنارة !!! نراهم يترنحون ويتهافتون وراء الحكومة ويكتبون ما يريده النظام ومشروعه الاحادى الاقصائي . الوضع العام الذي تشهده مدن السودان التي لا تخلو من تشريد وتهجيروتقتيل وتجويع وترهيب وتنكيل لا يحتاج الى تبرير من احد او تلوين كاتب زائف يسترزق من قلمه كما العاهرة . وضمن هذا الوضع الجديد كثر الحديث عن حل القضية دارفور وتامين وتوفير الأمن والتنمية ومستقبلها في ظل تعقيدات الوضع الراهن,هذا الطرح تجاوزه الزمن فالهامش السوداني بات يطرح شعارات الحكم الذاتي والفدرالية .. ووجد القبول في مختلف المناطق التي يشكل فيها مواطن الهامش غالبيتها, وهذا ما يقابل بالقلق والخوف والرفض من نظام الحكم الاستبدادي برئاسة البشير وذلك بحجة حماية وحدة البلاد!! وضمن هذه الجدلية بين الطرح المتنامي المتصاعد لقوى الهامش والجبهات المؤمنة بالتغيير والمنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدنى , والمراوغة والرفض من تلك الجماعات المعارضة التي تنطلق من العقلية الاسلاموعربية تعارض النظام نهارا وتتفق معه ليلا ,فى تواطؤ ايدلوجى واضح يكشف ويفضح نوايا واهداف تلك المجموعات ،يكون التحدى الاكبر للثورة فى ضرورة تحديث الاليات السياسية والفكرية واعادة رسم خارطة التحالفات السياسية وتقوية البنية التنظيمية وتوحيد خطابه السياسي..
لا شك ان الوضع الحالي للثوار شكلت نقلة نوعية من المطالبة بالتنمية المحلية أو دفع الديات إلى المطالبة بحكم السودان وطرح الرؤى حول مستقبل حكم السودان ووضع نظم لها تشكل نقلة مفاهيمية وتنظيمية كبيرة ولكن هذا لا يفهمه أهل النظام هم نائمين علي جماجم دماء الأبرياء ويراهنون على انقسام الثوار .. لكنه يفتح الباب بمصراعيه على تساؤل جوهري, هل يمكن حل الازمة السودانية عبر التفاوض مع نظام الخرطوم ؟ وفى الزاكرة السودانية نيفاشا وابوجا والقاهرة ووو وكلها اكدت ان عقلية النظام لا تؤمن بالتسوية السياسية …وتنقض العهد والميثاق ولا يمكن الوثوق بها وتفتخر للواعز الاخلاقي ..المعروف ان المناصب والنثريات التى تلوح به النظام لضعاف النفوس لا تحل مشكلة السودان . لذلك نقول أن الانخراط والمشاركة الأوسع في ثورة الكرامة للوصول لهذا المطلب الوطني بإزالة النظام هو الأجدر من الجلوس في مائدة التفاوض التي مللنا منها وجربناها بكل مكوناتنا الثورية ولم تجدي بل أحدثنا خلالا في مسيرة الثورة وعلينا جميعا أن نستفيد من الأخطاء ولا نتمادى في سير دائما في خطوات التجارب الفاشلة .
بيد أن المتابع لشأن الثورة السودانية بشكل عام ولطبيعة ومسيرة الحركات الثورية وآليات عملها وبنيتها, يستطيع أن يستنتج ويلامس حقيقة أن أغلب هذه الحركات وليس كلها! هي حركات ذو مبادي ورؤية متكاملة قادرة علي خلق سودان لها مستقبل مشرق ويعيد كرامة هذا الوطن لكن علينا جميعا داخل وخارج الحركات أن ننتهج الديمقراطية في علاقاتنا الداخلية والهرمية وفي سلوكياتنا داخليا بالنسبة للأعضاء, وفي سلوكياتنا وعلاقاتها تجاه بعضها البعض!! ويسودها طابع الشفافية والمؤسسية, مع أشكال تقارب الوعي المتبادل وابتعاد من العشائرية السائدة ! وفي كثير من الفترات والتحولات هي عبارة عن حالات لتجمع مريدي الحركات , وهذا العزوف الغير مبرر تترك الفرصة للعدو لاستقلالنا وتفتيتنا والذي أتسم بعمليات الخطف والقمع وصولا للاغتيال السياسي! وهي شواهد كافية للوصول لحقيقة المفاضلة الثورية بين الحركات وادعاء الوطنية . أيضا علينا أن لا نتعامل مع قضية, كمشروع استثمارى, وكأنها قضية ذاتية وشخصية وتابع لشخص يمكن أن تشتري وتباع متى ما توفرت متطلبات العيشة الكريمة لذاتك! وذلك من أجل تسويق المشروع المبدئي وأطروحاتنا للوصول بالمحصلة لغاياتنا المرجوة علينا أن نكون فوق الشخصانية , وليس من الأخلاق أن نستقل نضالات ومجهودات الآخرين والاستفادة من مقدراتهم بشكل انتهازي , وتركنا الشباب على خلافات غير موضوعية يشتت أفكار ومقدرات الشباب ويقلل من عملية الوحدة للثوار. ومع أن الثورة السودانية استطاعت كسر جدران الكهف والاختفاء وباتت واقعا .ليس المهم المسميات لكن يجب أن تكون أهدافها قومية ونبيلة!! وهذا مايفسر إلى حد كبير تأخر عملية التغير لعدم إدراكنا لمنهج التماسك وابتعاد من المنطلقات الشخصية وضعف القيادة هذا ما نتج عنه عدم مقدرتها في مواكبة الثورة واحتواء الثوار وتبنيها في عملية التغير مجال للانكفاء , وحواجز الصمت.. وخروج الشباب للشوارع وبصدور عارية متحدين الرصاص الحي ومطالبين برحيل النظام وأزلامه, من أجل قضية الديمقراطية والحرية والكرامة وعملية التغير الجزري .. التي حرم منها كل الشعب السوداني ولأكثر خمسين عقود ! ومن هنا شكلت الثورة السودانية المعبر الأول والأكبر عن قضية الديمقراطية في هذا البلد, الذي يواجه شعبه الآن آلة عسكرية مجرمة لأترحم تقتل كل دعاة الديمقراطية ونشطاها الميدانين, وليس كما يروج النظام وإعلامه الفاسد بأن مايجري في السودان هوالدفاع عن الوطن بل الحقيقة هو الدفاع عن سلطتهم وبقائهم في السلطة بأي ثمن ! وما كان لثوار إلا القيام بمواجهة نظام قمعي متخلف لايفهم إلا بلغة القتل, ومن خلال اعتماد النظام للمنطق الأمني والاستئصالى , من خلال المجازر والقصف بالطائرات والدبابات وعمليات الاغتصاب والقتل الممنهج بحق المدنين ..
إذن أي حلول منفصلة في قضية أو مشكل السوداني سوف يكون لها عواقبه وهو حل القضية السودانية على أساس تشاركي مخل ! وهذا الاحتمال الذي بدأ يأخذ مفعوله الآن على منابر المختلفة في المدن العالم من ابوجا وانتهاء بالدوحة , حيث السلطة المطلقة فيها للنظام ! ولذلك سيكون حل القضية السودانية من وجهة نظر النظام هو بإيجاد شريك فوتوكوبي!! نسخة عنه, ليسيطر على الوضع بمفهوم امني ويضمن التبعية له!! وبالتالي نكون أمام ظاهرة تكريس أدوات الاستبداد, وإلى تغير هوية الجلاد.. من النظام الظالم القمعي إلى ثوري جلاد: يحافظ على مصالح النظام في المدن التي تسيطر عليها الثوار ! وذلك لأن النظام بطبيعته ضد حل قضايا الهامش على أسس ديمقراطية, وذلك لأن تطبيق الديمقراطية في السودان سيمس جوهر وبنية النظام! وخوفا من كتل الهامش الهادفة والراغبة فى للتغيير لأنها ستتحول إلى تسونامي سياسي وفكرى, وهذا مايرفضه, ولا يريده النظام جملة وتفصيلا, وإنما يريد حلا حسب منطقه.. وذلك لكي يحركه بحسب أهوائه ومصالحه, ويكون ذراع جاهز في مواجهة أعدائه الخارجين,تماما كما الآن من خلال الجلسات المكوكية والانفرادية التي تجري من حين وأخر دون رؤية ولا مبادئ بل هي تسويات يتم عبر أشخاص لهم اهداف وميول اتجاه أنظمة الاستبداد , الذي بدوره ينشط ضد الثوار وتحويل الثوار من معارضين لنظام إلى معارضين للثوار …
وهذه الاحتمالات السابقة كلها وقائع عندما يسقط النظام, وذلك بانتصار الثورة السودانية , واردة الشعب السوداني الشجاع, وسيسقط معها كل أدواته وأقنعته, وملحقاته ! والواقع الجديد سيفرض توازنات جديدة وقوى جديدة ولاعبين جدد, ويفرض منطق التحالفات بدل الاستبداد, ومنطق النظام ألتعددي والدستور بدل الديكتاتورية! فسقوط النظام بكل مرتكزاته ومؤسساته, والتي كانت تقمع كل السودانيين, وستكون هناك عملية بناء جماعي لمؤسسات ديمقراطية سليمة لكل السودانيين , وبالتالي خلق مناخ ديمقراطي صحي! وضمن هذا المناخ.. سيكون هناك حديث وتحول لحل قضايا السودان , ومن ضمنها الحكم الذاتي أو الفدرالية أو أي شكل آخر وذلك ضمن رؤية وطنية شاملة, وذلك لاعتبار قضية الهامش السوداني .. قضية وطنية بامتياز, وهي ليست قضية مشاركة في السلطة !! وحلها مرتبط بسقوط النظام الحالي! فبعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية في محيطتنا الإقليمي , بثورة ما يسمي بالربيع العربي, يكون هنالك واقع جديد ونأمل أن تكون كل الحادبين للوطن مجردين من جاه السلطة والزاتية .
أما في رأي الشخصي بعد قراءتي مشاركات المنابر الالكترونية ويدعون إنهم لهم رؤى تفاوضية وهم ثورين نقول لهم أن الثورة ليست لخدمة مصالح الأشخاص ولم تكن قضايا زاتية بل هي مسيرة لشعب وأمال الجماهير أما المنطلقات التي تجعل الأشخاص ضعاف النفوس يدعون الثورية لانهم ينطلقون بإشارة من الموتمر الوطني بشكل واضح والدلائل واضحة وأمامنا . هم فقط أدوات لتنفيذ خطط الموتمر الوطني…. وعلي الرفاق في الحركات الثورية عليهم أن يثبتوا للآخرين إنهم قادرون أن يقودوا المسيرة للنهاية ويتناسوا الخلافات الشخصية وعدم تحويل الخلافات إلي منابر المؤتمر الوطني وان تتفهم تماما كما ذكرنا في التحليل لقضايا شعوبنا وليس هنالك مكاسب سياسية وأيضا ليس هنالك سلطة أو ثروة أو بند الترتيبات الأمنية حتى نتحدث ونتحاور حولها في ظل السودان الحالي إذا كنتم حقا ممثلين لشعب السودان وليس قيادات لقبائل ومناطق واثنيات . يجب أن ترتقي لمستوى المسؤلية الوطنية وتبتعد عن المسميات الهلامية الغير واقعية.كلنا نتفهم ان المجتمع الدولي وضغوطاتها المتكررة تاتي فى اطار خدمة مصالحها واجندتها والتي غالبا ما تتعارض وتتقاطع مع اهداف الثورة وبرامجها . مجتمع يعرف مصلحته أولا وأخيرا هذا المجتمع الذي لا يضغط إلا من اجل مصالحه ومصالح شعوبها وليس من اجل حبا فيكم وعلينا ان نحافظ على مصالح بعضنا البعض من باب السياسة والإنسانية والكرامة والحقائق بنفس القدر علينا عن نعبر أن قضيانا وكرامة شعوبنا بشكل صادق ومسئولية وعدم التنازل عنها بأي ثمن أو ضغوطات من هنا وهناك ونكون أمينين لا تفتكروا انو قضايا شعبنا هي باب من أبواب السياسة لكسب مناصب شخصية عبر لبس جلباب الثورة و وتبني قضايا الجماهير نفاقا ، لا هذه قضية شعوب أبيدت شعوب لاجئة شعوب نزحت شعوب ليس لها وطن لذا عليكم وقبل كل شئ عن تراعوا مصالح شعوبكم ولا تنجرفوا وراء مصالح الاشخاص وتنسو مصالح شعبكم ، حتى إذا رفضت أمريكا النظر لحقيقة المشكل الإنساني في دارفور والهامش ان تقف مع عملية التغير الجزري ويطلب الجلوس والحوار مع النظام الاستبدادي نظام الموتمر الوطني . ليس عيبا ولا خوفا علينا أن نقول لهم شكرا وسعيكم مشكور …. واتركونا من اجل قضيتنا العادلة ، وقدموا لهم دعوة لينضموا مع الموتمر الوطني ليحاربونا جنبا إلي جنب مع الموتمر الوطني أو اتركوهم يفعلوا كما يشاءون … والتجربة الكوبية ليست ببعيدة والعاقل يستوعب الدرس من خليج الخنازير .لم تكن امريكا يوما نصيرة الثوار ولا حليفة لحركات التحرر.. لكن اعلموا جيدا أنكم أحرار في مقام الأول والأخر والقضية لا تقبل المتاجرة ، لابد من الاقتناع ان نضالنا ليس بحثا عن مصالح ذاتية بل نضال من اجل قضية الكرامة والحرية ، وحقوق شعبنا وليسنا طلاب سلطة وبذات القدر لابد أن تكون هنالك إصرار ومثابرة ولايعني ذلك أن هنالك أفضلية لأشخاص وان القضية تنتهي بسقوط الأفراد القضية مستمرة فليتساقط الساقطين وأي تفكير يدل علي استقلال قضايا جماهيرنا لإطماع شخصية كهذا يكون تفكير قاصر لا أساس لها ولا يعيق مسيرة الثورة الطويلة…..
وعاش كفاح الشعب السوداني
احمد عبدالله عبدالله (تاتير)
[email protected]