اما آن الأوان لإعلان السودان منطقة كوارث ؟؟
بقلم إسماعيل عبد الله
لقد بلغت الروح الحلقوم والشعوب السودانية تواجه شبح اعداء الانسانية الثلاثة , الفقر و الحرب و المرض , فاصطفاف الناس في الشوارع بحثاً عن النقود والوقود و الخبز و الغاز , لهو دلالة قوية على قرب حدوث مجاعة في مدن السودان الممتدة من مركزه الى اقاليمه , اما الشرارة التي ما زالت مشتعلة في قمة جبل مرة , تؤكد كذبة النظام الانقاذي في انه بسط سيطرته على ارض دارفور , ووجود الجيش الشعبي في جبال النوبة بقيادة عبد العزيز الحلو ما هو الا مؤشر قوي , على ان الاسباب التي ادت الى اندلاع الحرب لم تنتهي , اما نضوب خزائن البنوك من اموال المواطنين المودعة , فتلك هي الطامة الكبرى التي لن تدع للمنظومة الانقاذية بصيص امل لان يشفع لها هؤلاء المواطنون البؤساء , و يباركوا لها السير الخشن باحذيتها المهترئة على اجسادهم , لقد صبرت شعوب السودان على سوء ادارة الدولة من قبل قادة الانقاذ زماناً طويلاً , وصمدت و صمتت لا لجبن يعتريها ولكن لوعي و بصيرة اكتسبتها منذ فجر اكتوبر , فالذي يظن ان هذه الشعوب ساذجة يعتبر شخص بعيد عن معرفة مكنونات النفس السودانية , ولم تتح له الفرصة ليقرأ تاريخها العريق في اقتلاع الطغاة , حدثني من لا اشك في مصداقيته البتة , ان هنالك رمز انقاذي كبير ظل يتردد عليهم في منطقتهم في اوقات الضوائق , و ما فتيء هذا الرمز الحكومي يلقي عليهم الخطب الانقاذية المضخمة , و الناس من حوله يصفقون و يهللون ويكبرون , وما ان يذهب هذا القط الانقاذي السمين و يترك المكان , حتى ينبري صديقي و يثور غاضباً في وجه من كبروا و هللوا لهذا الرجل , ويزجرهم لماذا يمنحون هذا الفاسد كل هذا الاحتفاء بهذه العبارات المنافقة والكاذبة وهم يعرفون حقيقته حق المعرفة , ويعلمون من هو هذا الدستوري !! وماذا كان !! وكيف وصلت به التخمة من اموال السحت الى هذا الحد !! , كان هؤلاء المواطنين يقولون لصديقي : (دعك عنه , فهو يعلم من هو ونحن نعلم , وهو يعلم اننا نعلم , و ما ننطق به ما هو الا استهزاءٌ به و سخريةً منه , وهذه هي وسيلتنا الاولى و الاخيرة التي بها نتنفس و نخرج ما بداخلنا من كبت و قهر , فعندما نهتف ونقول الله اكبر فاننا في الحقيقة نقولها الله اكبر عليكم ايها الانقاذيون).
ان المشهد العام في بلاد السودان هذه الايام ينبيء بحدث عظيم في طريقه الى الانفجار , فبناءً على الاحتقان المعيشي و بداية توقف اسباب الحياة , تبدو في الافق علامات استشراف صفاء الليالي بعد ان كدّرتها مخازي الانقاذ , فسوف يتوقف دوران عجلة قاطرة الانقاذ تماماً , بسبب انعدام النقود والوقود و الغاز و الخبز , و بتمدد السنة اللهيب الاحمر الوهاج من حريق دارفور وجبال النوبة , الى مضارب قبيلة الانقاذيين , وايضاً من دلائل هذا الانفجار انكشاف الحالة النفسية التي يمر بها رأس النظام , والتي بدت واضحة في تجهمات وجهه عندما القى خطابه امام البرلمان , فخطابات الرؤساء الذين غادروا مقاعدهم قبل ان تطيح بهم شعوبهم متشابهة , و ما خطاب جعفر نميري الذي القاه ومن ثم سافر الى امريكا ليس ببعيد عن الاذهان , تلك الرحلة التي لم يعد منها الا بعد ان قضى في القاهرة اثنى عشرة سنة حاملاً وصف الرئيس المخلوع , فعندما تتفاقم المشكلات الاقتصادية وتشتعل الحروب في البلدان , يصبح من العسير ان يواظب نظام سياسي أياً كان على الاستمساك بمقاليد السلطة , لان الحاكم لن يستطيع الجلوس على رقاب الناس , لو لم يؤّمن لهم قوت يومهم و غاز طهيهم و نقود بنكهم , و بنو الانسان مجبولون على اشباع الرغبات الفطرية , من مأكل ومشرب ومسكن , ومتى ما انتقصت هذه الاستحقاقات اهتزت ارجل الكرسي الذي يجلس عليه الحاكم .
ان الحالة التي وصلت اليها بلادنا اليوم تتطلب تدخل الجهات الاممية الانسانية , لان المجاعة على الابواب , و ارهاصات اشتعال الحرب بضراوة اكبر اصبحت مؤكدة في المثلث الملتهب (جبال النوبة – دارفور – جنوب النيل الازرق) , واعلام المنظومة الانقاذية ما يزال يمارس التضليل على شعوب السودان المختلفة , اذ ان الانهيار الاقتصادي صار واقعاً يمشي بين الناس , في الوقت الذي تجد فيه قنواتنا التلفزيونية بعيدة كل البعد عن هذا الواقع المأزوم , ومن عجائب هذه القنوات الفضائية انها تعمل على استضافة من يسمون انفسهم خبراء اقتصاديين على مدار الاسبوع , و لم يقم احد منهم بتشخيص الداء , فقط نريد منهم تشخيص الداء و ترك امر الدواء و العلاج للشعب , اذ انه لم يقم احد من هؤلاء الخبراء و العلماء المتخرجون من كليات الاقتصاد , و الحاصلون على اجازات الاستاذية في هذا العلم المفيد , بنصح الحكومة في ان تترجل , نعم , يجب ان تتنحى هذه المنظومة الانقاذية وعلى رموزها ان يقولوا (فترنا) , فبلادنا مليئة بمن هم اهل للكفاءة العلمية و الاخلاقية لانتشال الوطن من هاوية الفقر و المرض و الحرب , فلا يعقل ان يُرهن مصير امة لها رصيد تراكمي في الحضارة الانسانية بمصير حفنة من المفسدين , من ابنائها الذين اوردهم الجشع و الانانية و حب الذات موارد الهلاك.
ان الاسرة الدولية و منظمات العمل الانساني يجب ان تتأهب للتصدي لبوادر كارثة انسانية في السودان متوقع حدوثها , و على الناشطين السودانيين في كل بقارع الارض , ان يشمروا عن سواعد الجد لتحريك الرأي العام العالمي , لكي يسعى لفعل شيء تجاه السودان , فنحن السودانيون نعاني على الدوام من ازمة عدم استشعار مرور الوقت , و ليست لنا اهتمامات بقضايا التنبوء و (الفوركساتنج) ودراسات درء المخاطر المستقبلية , ربما التنشأة الدينية المحرمة لتناول الغيبيات بشيء من اليقين هي السبب في ذلك , هذا على الرغم من تمدد المثل المناقض لهذه الخصيصة بيننا في نومنا وصحونا الا وهو :(الله ده شافوه بالعين ولا عرفوه بالعقل) , الى متى نظل نتردد بين هذه المتناقضات؟ , فقبل ان تقع الفأس على الرأس , علينا القيام بواجب وطني اكبر من مجرد معارضة نظام حكم ظالم وباطش , فالان اصبح المهدد الاول للدولة السودانية هو الكارثة الانسانية الوشيكة , فالتتضافر الجهود من اجل اسماع صوت الجوعى و المحرومين الى الجهات الدولية التي هي الاكثر كفاءة منا , في اغاثة الملهوف و انجاز عمليات انزال جوالات الذرة على القرى و الاحياء و المدن , مثلما حدث في ثمانينيات القرن الماضي , عندما ضرب الجفاف و التصحر دولة تشاد و اجزاء من دارفور وكردفان , فما زال اهالي دارفور والى لحظة انسكاب هذا الحبر , يتغنون باسم الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان , الذي اغاث الجوعى بتلك الجوالات الممتلئة بالذرة , و التي كانت تسقط من الطائرات المروحية الامريكية العملاقة.
انه قول فصل وليس بالهذل , فالسودان مقبل على كارثة انسانية , جوع وفقر ومرض وحرب , و اكبر خدعة سوف تعمل على تفاقم الوضع الاقتصادي و الامني في بلادنا , هي ظاهرة اعلام المنظومة الانقاذية المضلل و المغبش للرأي العام , فالبلاد على شفا بئر هاوية , قاعها مكتظ ومزدحم بالثعابين و العقاراب , وما تزال شاشاتنا واذاعاتنا تغرد خارج سرب المرضى و الجوعى و الجرحى.