خضرعطا المنان
لا يزال السودانيون يذكرون – بكل حزن وأسى – تلك الطريقة التي تسلل بها خلسة – وكلصوص الليل – رجالات وجنرالات (الجبهة القومية الاسلامية ) الى سدة الحكم في ليلة الثلاثين من يونيو 1989 .. ورغم الغموض الذي ساد في بادئ الأمر والبلبلة التي صاحبت ذلك الانقلاب الأسود الا أن الشعب السوداني – بحسه الادراكي المعهود ووعيه السياسي المتوارث – سرعان ما كشف أمر هؤلاء ( اللصوص ) وصارحتى بسطاء الشارع يتحدثون عن أن الاسلاميين – ومن خلفهم الثعلب الماكر حسن الترابي – هم من يقف وراء هذا الانقلاب الاسود . وحينما سألني زملائي بقسم الأخبار وكنت حينها أعمل بدولة الامارات وهم من مختلف الجنسيات العربية – عن قائد ذلك الانقلاب ( العميد عمر حسن أحمد البشير ) فكانت اجابتي على الفور بأن لا أحدا من السودانيين أظنه قد سمع به من قبل .. ومنئذ وحتى اليوم انطلقت – عبر كافة مقالاتي – في توصيف أهل الانقلاب باستخدام عبارتين هما : ( انهم أناس جاءوا من قاع المجتمع السوداني ) و ( هؤلاء قوم قدموا من الصفوف الخلفية لهذا المجتمع ) حيث لا أحد كان قد سمع بهم من قبل هذا الانقلاب الذي جاء شيئا فريا وبما لم يسمع به الأولون أو اللاحقون بعد أن داس جلاوزته بنعلهم القذرة على واحدة من القيم العليا في الاسلام العظيم ألا وهي ( التمسك بقسم الولاء وعدم الحنث به حتى لو كان الثمن الحياة نفسها ) ولاء القسم سواء في دوائر القوات المسلحة ( حامية الأرض والعرض معا ) أو ساحات القضاء والتشريعات .. ومن هنا أطبقت على السودان سحائب سوداء من سوء الخلق قولا وفعلا والدوس على قيم توارثها شعبه العظيم على مر العصور
وهكذا – وفيما لاتزال فضيحة شريط الفيديو لـ ( أحمد هارون والي جنوب كردفان ) وأحد ثلاثة مسؤولين مطلوبين للعدالة الدولية تتفاعل حتى – تفاجأ – لا بل فجع – المجتمع السوداني بالاعتداء ضربا – بقصد التشوية أو الموت – على العزيزة ( نجلاء سيدأحمد ) احدى حرائر وطن يحترق وعيونه الراصدة لانتهاكات حكام يتمسحون بالاسلام زورا وبهتانا وافكا .. وقد صاح صائح كل من كان قلبه على السودان ونجلواته المشرقات ( إلا نجلاء .. ياهؤلاء ) .. حيث لم يكتفي ( فرسانهم الأشاوس !!) في جهاز أمنهم المشوه باغتصاب ( صفية ) أوإغتيال ( عوضية ) أو حتى تشريد (لبنى ) مما جعل سؤالا ملحا يطرح نفسه بقوة : أين الرجولة ياترى في ضرب امرأة لا حولة لها ولاقوة وليس بيدها من سلاح الا كاميرا ؟؟.. ثم أمسك به سؤال يلاحقه : أليس لهؤلاء من أمهات أو أخوات أو زوجات ؟؟ ثم : لماذا يستأسدون على من أكرمها المولى القدير وأعزها رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلم وعزز من مكانتها كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟؟.
هذا ملمح واحد فقط من جملة ملامح تعكس شذوذ أهل الانقاذ .. حيث سيكون لي معها وقفة في الحلقة المقبلة أن أمد الله في الآجال .. وذلك حول أناس قال عنهم راحلنا الخالد ( الطيب صالح ) عبارة أصبحت أيقونة متداولة : (من أين جاء هؤلاء ؟ بل من هم هؤلاء ؟)
أخيرا :
والليلة يا بــلد الهمم
ســت المداين والأمم
عشنا فيكي وشفنا كم
إختلت موازين القيـم
شفنا التماسيح والرمم
كيـف تتـاجر بالذمم
وفي بلد كانت عــلم
أصبح الانسان رقم