«العدل والمساواة» سلمت مستشار البشير «رؤيتها للسلام»
دخل برنامج عمل سلام دارفور مرحلة جديدة هامش التأجيل، مع إبلاغ الوسيط الأممي المشترك، جبريل باسولي، حركة “العدل والمساواة”، بتأجيل ورشة العمل التشاورية بين منظمات المجتمع المدني والحركات المسلحة في دارفور التي كان يفترض أن تنطلق يوم غد الاثنين في الدوحة، إلى أجل غير محدد، وفقا لما أعلنه الناطق باسم الحركة، أحمد حسين آدم، في تصريحات خاصة لـ “العرب” من أنجامينا، كاشفا في سياق متصل عن لقاء جمع رئيس الحركة، الدكتور خليل إبراهيم، ومسؤول ملف التفاوض، مستشار الرئيس البشير، الدكتور غازي صلاح الدين، بحضور باسولي ووزير خارجية تشاد.
والواقع أنه بعد حوالي الشهرين على اختتام اللقاء التشاوري مع ممثلي المجتمع المدني الدارفوري، كان يفترض بمنبر الدوحة أن يستضيف يوم غد جولة تشاورية جديدة تضم من جهة ممثلي المجتمع المدني والحركات المسلحة من جهة أخرى، وذلك تمهيدا لبدء المفاوضات المباشرة بين الحكومة والحركات في 24 يناير المقبل.
المواعيد المذكورة التي وضعتها الوساطة في الثاني عشر من ديسمبر الماضي؛ بهدف “تسريع عملية السلام من خلال عقد اجتماعات في الدوحة وفقا لبرنامج زمني محدد” يبدو أنها ما زالت تصطدم بلعبة شد الحبال التي تمارسها أطراف النزاع الدارفوري بشكل يجعل احتمالات عدم اكتمال المشهد التفاوضي المؤهل للسلام الشامل في الإقليم الغربي للسودان في وقت قريب قائمة.
من جهة، تشترط حركة تحرير السودان، جناح عبد الواحد محمد نور، وفقا لما أعلنه الناطق باسمها لـ “العرب”، يحيى بولاد، وضع بند حق تقرير المصير لشعب دارفور على طاولة المفاوضات، للمشاركة في جولة السلام المقبلة.
ومن ناحية أخرى، تتمسك “العدل والمساواة” بكونها الطرف الدارفوري الرئيسي في الميدان، رافضة بالتالي إشراك كل من يدعي بأنه يمثل حركة مسلحة على الأرض بالعملية التفاوضية، لتتمسك في السياق عينه بضرورة انضمام من تسميهم بمنظمات المجتمع المدني الحقيقي في ورشة العمل مع الحركات المسلحة، مؤكدة لـ “العرب” على لسان آدم استمرار المشاورات مع باسولي بشأن جولة المفاوضات المقبلة.
أما رئيس حركة تحرير السودان وحدة جوبا، أحمد عبد الشافي، وإن أكد الأسبوع الماضي مشاركة حركته في جلسات المشاورات المرتقبة مع المجتمع المدني، إلا أن مسألة الانضمام إلى المفاوضات غير مضمون.
وبناء على ما تقدم، تطرح جولتا التشاور والتفاوض المقبلتين علامات استفهام حول جدية أطراف نزاع دارفور في الانخراط التام بالعملية السلمية، الأمر الذي قد يؤجل مرة أخرى مفاوضات الحل النهائي بين الحكومة والحركات- والتي كانت تأمل الوساطة انطلاقها عقب المشاورات التي كانت مرتقبة الأسبوع الجاري- إلى تاريخ جديد غير محدد.
تأجيل ورشة العمل
“العدل والمساواة” أنهت مساء أمس مشاوراتها مع الوسيط الأممي المشترك، جبريل باسولي، بعد اجتماعات متواصلة دامت عدة أيام في تشاد، تخللها لقاء بين رئيس الحركة، د. إبراهيم، ومسؤول ملف التفاوض، مستشار الرئيس البشير، د. صلاح الدين، وبحضور باسولي ووزير خارجية تشاد، وفقا لما أعلنه الناطق باسمها، أحمد حسين آدم، في تصريحات خاصة لـ “العرب” من أنجامينا، كاشفا أن باسولي قد أبلغ الحركة رسميا تأجيل الاجتماعات التشاورية التي كان يفترض انطلاقها يوم غد الاثنين في الدوحة بين منظمات المجتمع المدني والحركات الدارفورية.
وقال “المشاورات كانت جيدة وبناءة، حيث تمت بحضور رئيس الحركة، الدكتور خليل إبراهيم، فأكدنا خلالها التزامنا بالعملية السلمية، كما شدد الجميع على المسؤولية المشتركة في دعم منبر الدوحة، وضرورة التعاون لإيجاد إستراتيجية واضحة للمنبر بشكل نستبعد فيه أشكال الفشل أو التعثر”. وأضاف “لقد أبلغتنا الوساطة رسميا تأجيل المشاورات مع المجتمع المدني إلى وقت لاحق حتى تأتي بالممثلين الحقيقيين للمجتمع المدني من معسكرات اللاجئين والنازحين وأبناء دارفور في الشتات”، لافتا إلى أن التأجيل قد تم بحسب رأي الوساطة “للتوصل إلى صورة شاملة ومنظمة فتؤدي أغراضها في تعميق الدور الاستشاري للمجتمع المدني في دارفور”.
وتابع: “لم تحدد الوساطة أي موعد جديد في هذا الإطار، لكن سيكون هناك تشاور بيننا وبينها والأطراف الأخرى لتحديد التاريخ المناسب لترجمة العملية التشاورية، كما وعد الوسيط بزيارة معسكرات اللاجئين في تشاد حتى يتعرف على تطلعاتهم ويتلمس مشاكلهم وقضاياهم”.
وفي السياق عينه شدد آدم لـ “العرب”، على أن الحركة لا ترفض دور المجتمع المدني، لكنها تريد مشاركة أعضائه الحقيقيين، “فتكون مشاركتهم شفافة وعادلة وتنعكس على العملية السلمية، وهذا ما ستحاول الوساطة القيام به في الفترة المقبلة، والدليل على ذلك هو زيارة باسولي المرتقبة إلى المعسكرات في تشاد”.
وعما إذا كانت الحركة قد حسمت مشاركتها في مفاوضات 24 يناير المرتقبة، أشار آدم إلى أن التشاور مع باسولي في هذا الإطار ما زال قائما، “فموقفنا واضح لجهة ضرورة تحديد أطراف التفاوض بصورة واضحة حتى لا يأتي الأفراد الذين يلبسون لباس الحركات، ويطلقون الفوضى في منبر الدوحة الذي نريد له النجاح الكامل والإتيان بسلام عادل وشامل”.
وأضاف “لم توجه لنا الوساطة أية دعوة بخصوص موعد 24 يناير، لكن الوقت بالنسبة لنا بات قريبا، وسنحسم الكثير من القضايا مع الوساطة قبل انعقاد الاجتماع مع الأطراف في الدوحة، لكننا سنلتزم بمنبر الدوحة، وسنستمر بالتشاور مع الوسيط المشترك والقيادة القطرية للدفع بالعملية السلمية إلى الأمام”، مجددا تأكيده أن طرفي النزاع الحقيقيين في الميدان هما حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية.
“دعاية” مغادرة إبراهيم
من ناحية أخرى كشف آدم لـ “العرب” أن اجتماعات أنجامينا قد شهدت ليل أمس الأول لقاء جمع كلا من د. إبراهيم ومسؤول ملف التفاوض ومستشار الرئيس البشير، د. صلاح الدين، وذلك بحضور باسولي ووزير خارجية تشاد، موضحا أن “اللقاء كان أوليا، وقد سلمنا د. صلاح الدين رؤيتنا للعملية السلمية والسلام في دارفور والسودان عموما، إضافة إلى كيفية حل جذور النزاع، ووعد بأنه سيرد على طرحنا”، لافتا إلى أن اللقاء لم يكن بعيدا عن الوساطة ولا عن الأخوة في قطر، “فالحوار الذي بدأ هنا في أنجامينا ليس بديلا عن الدوحة وإنما داعم له”.
ووصف آدم طلب تشاد من د. إبراهيم، مغادرة البلاد، بـ “الدعاية الحكومية الرخيصة التي تعتبر عن هستيريا المؤتمر الوطني”، نافيا أن تكون تشاد قد طلبت من د. إبراهيم مغادرة أراضيها. وقال: “الدكتور إبراهيم ليس موجودا في تشاد حتى يغادرها، وهو يزور تشاد للقاء الوسيط المشترك ليس إلا، وما من وجود عسكري للحركة بأي شكل من الأشكال داخل الأراضي تشادية، فـ “العدل والمساواة” موجودة داخل الأراضي السودانية وبين شعبها”.
وأضاف “نحن نزور تشاد زيارات دبلوماسية تماما كما نزور قطر وليبيا ومصر، فللحركة علاقات دبلوماسية إقليمية ودولية، وعلاقتنا بتشاد جيدة ونزورها في هذا الإطار”.
وعما إذا كانت الحركة تشعر بأن هناك انقلابا عليها، نفى آدم الأمر، مؤكدا أنه “لم يخلق بعد من ينقلب على العدل والمساواة”، مشددا على أن الحركة في أحسن أوضاعها السياسية والعسكرية، “فالمؤتمر الوطني يريد ذر الرماد فوق العيون ويحرف الأنظار عن أوضاعه الداخلية التي تشهد انشقاقات، والأيام المقبلة ستثبت للجميع أن الحركة في أفضل أحوالها”.
شرط محمد نور
الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان، جناح عبد الواحد محمد نور، يحيى بولاد، كشف لـ “العرب” عن الشرط الذي تضعه الحركة للمشاركة في جولة السلام المقبلة المزمع عقدها في الدوحة بعد أيام، والمتمثل في طرح جديد يقضي بوضع بند حق تقرير المصير لشعب دارفور على طاولة المفاوضات.
وقال: “بعد أن تم إقرار قانون الاستفتاء لجنوب السودان في الشهر الماضي، نحن في حركة تحرير السودان لدينا طرح جديد وهو حق تقرير المصير لشعب دارفور، ومتى وضع هذا البند على طاولة المفاوضات، فلن يكون لدينا مانع من المشاركة، وسنكون غدا في الدوحة، ولكن على الوسيط الدولي والطرف الحكومي أن يقبلا بوضع الطرح المذكور على أجندة المفاوضات.
طرح الحركة يعني وفقا لبولاد حق شعب دارفور في أن يحدد مصيره في السودان، وأن تكون له دولة مستقلة. وشرح “بعد ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، وأصبحت الوحدة مع جنوب السودان غير جاذبة، فإن هذه العوامل تؤكد أن النظام في الخرطوم لا يريد وحدة حقيقية وشراكة وسلاما حقيقيا، فبدل من أن يطرد القادمين الجدد قاموا بطرد المنظمات، وبدل من أن ينزع سلاح الجنجويد، قاموا بتسليحهم بشكل كبير، وبدل من أن يوقفوا القصف الجوي ما زال هذا القصف مستمرا”.
وأضاف “الحديث اليوم ينصب على الانفصال الجاذب وليس الوحدة الجاذبة، وهذا يؤكد أن حق تقرير المصير لشعب دارفور هو البند الوحيد الذي يضمن لشعب الإقليم عدم تكرار الجرائم التي ارتكبت في حقه، وأن يقيم دولته المستقلة طالما الحكومة لا تريد وحدة حقيقية وسلاما قائما على الشراكة”.
وفي وقت أبدى الوسيط باسولي فيه تفاؤله لجهة مشاركة عبد الواحد محمد نور في الجولة المقبلة من المفاوضات، لم يشأ بولاد نفي مشاركة الحركة بالجولة المقبلة من المفاوضات، بل أكد عدم رفضها لها وقال: “ولكن من حقنا أن نطرح أجندتنا في هذا الإطار، وإذا كانت المفاوضات معلبة فهذا شيء آخر”.
وأضاف: “سنكون حاضرين بالدوحة في المواعيد المحددة في حالة واحدة وهي القبول بشرطنا، على أن يكون البند الأول الذي يجري التفاوض حوله”، لافتا إلى أن الحركة تنتظر في هذا الإطار إجابة الوسيط الذي التقته للمرة الأخيرة في شهر نوفمبر الماضي وسلمته إعلان المبادئ الخاص بها، “فطرح الأجندة الخاصة بالحركة قُدم للوسيط الدولي، وهذا الذي يقف بيننا، فعليه الوسيط والطرف الآخر القبول ببند حق تقرير المصير على طاولة المفاوضات، ونحن جاهزون لذلك”.
لا خلاف بالنسبة لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور حول المنابر، يشدد بولاد، “فالمنبر هو مكان ولا يؤثر كثيرا، لكن العملية السلمية والأجندة هما الأهم، ولذلك متى وضع البند المذكور على الطاولة فلا خلاف لنا مع أي منبر أكان الدوحة أو غيره”.
وكان 170 ممثلا عن منظمات المجتمع الدارفوري قد حضروا إلى الدوحة في 17 من نوفمبر الماضي، حيث خلصت اجتماعاتهم المكثفة التي دامت حوالي 4 أيام إلى رفعهم لرؤيتهم الخاصة بالسلام الشامل والنهائي في دارفور في وثيقة رسمية غير ملزمة حملت عنوان “إعلان الدوحة” والتي أكدت على الإبقاء على منبر الدوحة كمنبر وحيد للتفاوض، إضافة إلى عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب، وصولا إلى قرار مشاركتها في المفاوضات المقبلة “كشريك أصيل”، الأمر الذي قوبل برفض تام من قبل حركة العدل والمساواة.
وفي وقت ختمت الاجتماعات التشاورية بين منظمات المجتمع المدني بإعلان الوسيط الأممي المشترك، جبريل باسولي، عن دعوة المنظمات المذكورة للمجيء إلى الدوحة قبل نهاية ديسمبر الماضي للمشاركة في ندوة مع الحركات المسلحة، أصدرت الوساطة القطرية والأممية في 12 ديسمبر 2009 بيانا كشفت فيه عن برنامج عمل يقضي أولا بعقد ورشة عمل تشاورية دولية على مستوى الخبراء يوم 18 يناير 2010 لمناقشة الجوانب الفنية لسير عملية السلام، يليها عقد ورشة عمل بين المجتمع المدني والحركات المسلحة في الفترة الممتدة بين 19 و 21 يناير 2010، وصولا إلى بدء المفاوضات المباشرة بين الحكومة والحركات في يوم 24 يناير 2010، “وذلك بعد أخذها في الاعتبار للطلب المقدم من بعض الأطراف المعنية لمنحها وقتا إضافيا لترتيب أمورها الداخلية”.
الدوحة – جيزيل رزوق