أوراق التفاوض المبعثرة لذبابة القنينية وموت زرافة ( كوبنهاجن)
السر الشريف البرداب
( التحرر الحقيقي هو الذي يأتي بعد دفع الثمن لا قبله )
يقال ان ذبابة راحت تتخبط في قعر قنينة و تضرب في كل الاتجاهات محاولة الخروج و لكنها في كل مرة تصطدم بجدارن القنينة كتيمة صماء ، اخذت تدور حول ذاتها مرات عديدة عبثا بلا جدوي من الخروج ، و فجأة و كأن علي غير وعي منها نفذت بضربة واحدة من فوهة القنينة عن طريق انطلاقة ناجحة جاءت بعد الاف المرات من الانطلاق الفاشلة التشبيه هذا للفيلسوف الألماني لودفيغ فتغنشتين لحال المفكر الواقع في مأزق اومعضلة حيرته لكن هنا استعيرها لتشبيه حال النخبة في (السودان النيلي و الوسط منه ) و ارتطامهم في جدار الفشل كل مرة حينما يكون هناك نداء واجب و حق من اجل ايقاف نزيف الحرب و البحث في كيفية حكم السودان لما ورثوه من رأسمال رمزي في السلطة و الثروة صعب عليهم مغادرتها او فطمهم من ذلك الحليب الدسم الذي يرتضعوا منه من اثداء الامهات الغُبش اللائي فقدن و يفقدن كل يوما ابنا وارء ابن او مزرعة قضوا فيها الشهور من اجل ان يستروا حالهم بلقمة حلال وان كان بمقدار (جُبراكة او شبر من الارض) لينهال عليهن الموت من كل صوب في الابناء و الازواج .. الخ في مناطق جبال النوبة و النيل الازرق و دافور لا لشئ إلا ان قلن نحن نريد الحرية و العدل و المساواة و ان نريد رفع الظلم و الموت عنا فكيف يبدو حال الذبابة او طعم ما بداخل القنينة الذي هو(السودان) البقر الحلوب لهؤلاء و التي شدوا عليها (السرج و اللِبدة) ككرسي حكم لا يزول .
فما ان حمل النبأ خبر فشل و انهيار التفاوض بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان \ شمال الا كان موضوع الحل الشامل لقضايا الدولة السودانية كلها لا قضية (المنطقتين) كحال هذه (الذبابة) ايضا التي تخبطت كثيرا لكنها في لحظة ما من يوم ما ستنطلق حتما و ستحل كافة القضايا في حل وفق سودان علماني \ ديمقراطي \ ( موحد) لا حلاً جزئياً و سيعود هؤلاء ايضا لرشدهم بعد ان خبروا ما طعم مابداخل القينية و خبر غيرهم\ن ايضا الطعم و كيل للكل علي قدم المساواة من ذلك . هذا هو السودان الذي نحلم و نريد اما ان يكون كذلك او لا يكون .
و المؤتمر الوطني كل ما في جعبته هو التفاوض حول المنطقتين فقط (جنوب كردفان \ جبال النوبة و النيل الازرق ) !!! مما يعني عدم جديته في التفاوض للوصول الي حل شامل كامل لقضايا السودان التي أولها التهميش السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي .. الخ و الذي يعاني منه سكان مناطق جبال النوبة و النيل الازرق و دارفور بشكل واضح لا لبس فيه و ذلك بسيطرة أبناء الشمال النيلي و الوسط كصفوة تحتكر السلطة و الثروة في سبيل تأمين مصالحها الشخصية في الدولة السودانية و اهدار مواردها و احتكارها لهم هم فقط في اطار مشروع الدولة ( الاسلاموعروبية ) و ان كان التهميش هذا يخف بشكل نسبي ليشمل ايضا شرق السودان و اقصي الشمال و هذا المشروع الذي اختزل كل مقومات الدولة السودانية في عروبيتها و اسلاميتها غاضا الطرف عن التنوع الهائل الذي يتميز به السودان ثقافيا \ دينيا\ عرقيا \ .. الخ فليست المنطقتين هما من يعاني سكانها ذلك التهميش لكن هنا هما في الترتيب الادني او في قاع المهمش في السودان و من اجل المساواة و العدل و الحرية حمل سكانها السلاح من اجل البقاء فهم اكثر من تضرر علي مر العصور في السودان و كانوا وقود للحرب فيه منذ المئات من السنين لكن الان هذه الحرب هي من اجل نيل الحقوق لا من اجل عيون ( الجلابة) عندما كانت تروج الحرب علي انها في ثنائية شمال\ جنوب او اسلام \ مسيحين او عرب \ افارقة .
ووضع الدولة السودانية الان و نخبها في سبيل الخروج من مأزق المشروع ( الحضاري الاسلاموي) للجبهة الاسلامية ، و التحرر الفعلي من هذا المشروع اللاانساني سوف يأتي حتما عما قريب لطالما الشعوب السودانية لازالت في طور و مرحلة دفع الثمن المستمر من اجل الخروج من ذلكم المأزق التأريخي الذي شوه و دمر قيمة إنسانية الانسان السوداني المتنوعة و المختلفة و المتباينة تأريخا و معاصرةً منذ الممالك النوبية القديمة وما قبلها الي الدولة الحديثة التي ورثت من المستعمر الانجليزي\ المصري ، و من بعده أتت النخب السودانية مكررة للفشل كل مرة و عديمة الحس لمشروع وطني جامع لكل السودانيين قض النظر عن الدين \ العرق \ الجهة \ اللغة \ اللون ..الخ مشروع وطني يعبر عن الحالة السودانية بكل مضامينها سياسيا \ اقتصاديا \ اجتماعيا \ ثقافيا تتم فيه ادراة ذاك التنوع وفق المنظور الحديث للدولة التي فيها الناس سواسية الحق المعتبر فيها ترجع فيها اهلية الشخصية و تقوم فيها علي اساس المواطنة لاغير سواها .
و تعثر او انهيار التفاوض المباشر في اديس ابابا بين المؤتمر الوطني الحزب الحاكم الذي اتي بليل و اغتصب السلطة و الحركة الشعبية لتحرير السودان \ شمال في اقل من 20 دقيقة ليخرج الطرفين خالي الوفاض من شئ و ذلك لتعنت الجانب الحكومي و تمسكه بالحل الجزئي كحال الطير الذي كثر عليه المطر و صار ينتف ريشه ريشة ريشة الي ان صار لحما فقط ، فالتفاوض الجزئي او الحل المجتزأ لقضايا السودان المتشابكة اللا( مستعصية) الا في ذهن المؤتمر الوطني ان ترك كذلك سيبصح السودان ( عريانا) من الريش الذي يقاوم الرياح و المطر ،
ماذا يريد المؤتمر الوطني ؟
في جملة صغيرة هو ان يحكم اعضاؤه الشعب السوداني بإسم ( الدين) ويلوزوا الي اكتناز المال \ السلطة و يتركون له الدين في المساجد حتي يتفرقوا الي الاسواق لتشكيل مركزية صماء في ظنهم انها لن تتكسر في سبيل تأمين مصالحهم و الدين منهم برئ.
الحركة الشعبية لتحرير السودان قد وضعت في طاولة المفاوضات اجندتها التي لا يختلف عليها الا من عميت بصيرته ايمانا منها وفق مشروع السودان الجديد ان تتم التسوية السليمة لكافة قضايا السودان و حينما كان كذلك فانها الان قد وضعت المؤتمر الوطني في امتحان رسب فيه و سقطت فيه كل دعاوي التغيير التي ظل المؤتمر يبشر بها و اخرها ( وثبة ) البشير التي لم تساوي الحبر الذي كتبت به ، مما يؤكد مماطلة المؤتمر و تسويفه و تعليقه للقضايا العاجلة التي اولها ايقاف القتل و التشريد و الحرق الذي كل يوم يطال المواطنين العزل في مناطق جبال النوبة و النيل الازرق و دارفور و الموت البطئ الخفي الذي يطال جميع افراد الشعب السوداني من فقر ألم به و جوع و جهل و مرض مما يعني ان تلك الثلة التي تتجاوز اصابع اليد و التي تحكم الان و تجثم علي صدر الشعوب السودانية لا يهمها شئ سوي ان تتربع و ( تبرطع) في كراسي السلطة و تفسد في حال السياسة و الحكم و حتي حال الثقافة و المجتمع و الاقتصاد مهما كفل ذلك من قتل للمواطنيين العزل ،
فما زال القصف الجوي مستمر في مناطق النزاع تلك كأنهم اجانب لا صلة لهم بالسودان او لم يكونوا يوما ما من مواطنيه الذين لافرق بينهم و بين بقية السودانيين سوي انهم يريدون المساواة و العدل و الحرية ،القصف الذي لايرحم صغيرا او كبيرا من المدنيين العزل و يتبعه الزحف الارضي و القصف الصاروخي البعيد المدي من داخل المدن بواسطة صاروخ ( شهاب ) الايراني الصنع في حملة منظمة لابادة الشعوب في جبال النوبة و النيل الازرق و دارفور ،
تلك المطالب التي وضعتها الحركة الشعبية لتحرير السودان \ شمال في طاولة التفاوض و التي تتمثل في :
التسوية السلمية لكافة القضايا
تأمين ايصال الطعام لمناطق النزاع
وقف القصف الجوي والارضي علي المدنيين
الحل الشامل للأزمة و بمشاركة الجميع
احترام حقوق الانسان
ازلة التهميش الثقافي\ الاقتصادي\ الاجتماعي \السياسي .. الخ
هي الاهم والتي هي المدخل السليم لتجاوز الازمة وحل المشكل السوداني لكن والمؤتمر الوطني كما سبق وسيأتي لاحقا لازال في تعنته كأن السودان ميراث وجدها بالوصية من اجداد اعضاءه لا دولة لكل السودانيين والأزمة الان في طور الكارثة التي كان سببها المؤتمر الوطني مما شكل قطيعة في كل المجالات و زرع عدم الثقة بين المواطنيين السودانيين بعضهم البعض مما لايفسح مجالا في الأفق لأي حل ممكن بالتالي الوصول لنتائج لا يحمد عاقبتها و الكارثة في لحظة ما تصل الي مرحلة حدية حرجة ، أي الي مرحلة القطيعة ، مرحلة تفصل ما كان عما سيكون ، و ما كان هو السودان الحالي بشكله المشوه هذا بفعل أفاعيل المؤتمر الوطني و ما سيكون هو لايخرج من خيارين إما الوصول لصيغة تراضٍ للاجابة علي سؤال كيف يحكم السودان أو مزيدا من الإنشطارات و الإنقسامات التي تولد من حال الدولة السودانية الانية دولٌ اخري من رحمها لأنه لا يمكن السكوت علي من اغتصب السلطة الديمقراطية ليلا وإن كانت هي ايضا مشوهة لاترقي الي المستوي الديمقراطي الكامل لكنها علي أي حال افضل من أن تحكم الدولة عصابة تستند علي الدين كمطية و حجة للسرقة و النهب و القتل و التفريق ، وهم الان بهذه الصورة الإيدولوجية الكاريكاتورية للدولة ( الدينية التي لم تكن في يوم من الايام نموذجا يحتذي به فلابد ان تنهار لكي يحل محلها دولة المواطنة التي تتساوي فيها الحقوق بين جميع مواطنيها و الواجبات لكنهم مواطنيين في الدولة لا لأنهم مسلمين او مسيحين او من اجل لونهم او لغتهم او غيره فكل هذه ليست قيم يمكن ان تعطي ميزة لأحد علي الاخر فالأساس في ذلك كله و المكسب للحقوق و الموجب للواجبات هو المواطنة فقط ) هذه الدولة التي سيطروا عليها منذ بدءهم ( بالانقلاب) الي الان يسيرون في طريق الفشل المسدود دون حل للإشكال الذي صعب عليهم و علي من تواطأ معهم من الاحزاب الطائفية الكرتونية و من لف لفهم من اصحاب المصالح الشخصية و المطامع من ابناء جبال النوبة ك دانيال كودي و اسماعيل جلاب و عبد الباقي قرفة الذين يتاجرون بقضايا منطقتهم و يشاهدون القتل اليومي لأهلهم لكن لمجرد الاهواء و المصالح الشخصية الان يقفون في صف الدعم و المساندة للمؤتمر الوطني فكيف يعقل ذلك ؟ فليس المهم هو الوصول الي سلام عادل بطرق ملتوية انما الأهم هو كيف الوصول الي هذا السلام العادل و ايقاف الحرب وفق منظور و اتفاق يضمن للجميع الحقوق والمساواة فيها مع غيرهم وان كيف يحكم السودان، بأن يحكم وفق برنامج وطني حقيقي ( والحقيقة هي الخطأ المصصح بإستمرار) علماني ديمقراطي يراعي التنمية المتوازنة والمشاركة في السلطة وتقسيم الثروة بين اقاليمه، مع ضمان حق ممارسة تقرير المصير للأقاليم المهمشة فهو الضامن الحقيقي للقضاء علي كافة طرق الفساد (السياسي \ الثقافي)
والاغرب من ذلك ما شاهدناه في الوسائط الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تلك الدانة او القذيفة التي اسقطها الطيران الحكومي الحربي وأودت الي مقتل بعض الاشخاص ومكتوب عليها الاية ( قل إعملوا سيري الله عملكم .. الخ) فمتي برر الله القتل من اجل السلطة الدنيوية؟ هذا ما لا نعلمه إلا اذا كان المؤتمر الوطني يملك وسائل التفسير والتبرير التي يمكن ان تفوق عقلية و ذهنية العهد النبوي الذي كانت فيه المدينة ( يثرب) يسكنها اليهود والنصاري و غير المؤمنين ايضا وهذه الشعارات الدينية التي تبرر الحكم قد سقطت وقت المفاصلة الشهيرة بين الاسلامويين في العام 1999 مما جاء باتفاقية نيفاشا 2005 او قبلها فلم يعد الموضوع هو الموت من اجل الدين والبحث عن الجنات العلي انما من اجل الحفاظ علي كرسي السلطة لا اكثر ولا اقل وهذه ما ترويه التجربة التأريخية والواقع الذي لا يحسد عليه الاسلامويين الان ، فقد خلطوا ما بين المقدس الثابت المطلق والدنيوي المتحول المتغير من اجل السلطة !!!
و ما أشبه مشهد الدولة السودانية من قبل و حتي اللحظة بزرافة ( كوبنهاجن) الذي قتل الاسبوع السابق !