حزب البعث العربى الإشتراكى (الأصل)
أمة عربية واحدة
تنظيمات النيل الأزرق وجنوب كردفان ذات رسالة خالدة
المشورة الشعبية
(قراءة أولية)
المقدمة:
يواجه السودان بعد نهاية الفترة الإنتقالية المحددة في إتفاقية نيفاشا التي تم التوقيع عليها بعيداً عن أرض الوطن في التاسع من يناير 2005، خطر إنفصال الجنوب بنتيجة الإستفتاء المزمع إجراؤه بموجب الإتفاقية في نهاية تلك الفترة، وتداعياته التي يتمثل أبرزها في تنامي الميول الإنفصالية للعديد من أجزاء الوطن، لاسيما منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة اللتين تمنحهما الإتفاقية وضعية خاصة ضمن شمال السودان، وحقاً غامضاً أسمته (المشورة الشعبية). وعلى الرغم من أن نصوص الإتفاقية نفسها تشير بوضوح إلى أن هاتين الولايتين جزء من شمال السودان، وأن البروتكولات الخاصة والقوانين المعتمدة فيهما قد سمت العملية بالمشورة الشعبية وليس الإستفتاء على حق تقرير المصير، إلا أن ما يدور داخل الشريكين يشير إلى وجود إختلافات كبيرة بشأن هذه القضية، و إلى ما إكتنف المصطلح من غموض وتعدد فى التفسيرات وتضاربها. فمن قائل أنها آلية ديمقراطية الغرض منها تقويم وتصحيح وتحديد وجهة النظر حول مسار الإتفاقية وصلاحيتها لحسم النزاعات وفضها، ومن قائل أنها تعنى حق تقرير المصير كما ذهبت الى ذلك الحركة الشعبية قطاع الشمال. إن هذا الواقع ينذر بفتح الأبواب على مصراعيها لكافة الإحتمالات الخطيرة التى يمكن أن تنال من وحدة البلاد، خاصة مع عملية الإستفتاء المقررة فى الأول من يناير2011م والمصير المجهول للولايتين من حيث العلاقة مع الجنوب والشمال معاً.
و كان حزب البعث العربي الإشتراكي قد أبان فى بيان له صدر فى الأول من يناير 2005م تحت عنوان (السودان فى مفترق الطرق)، “أن عدم إستيعاب القوى السياسية فى الشمال والجنوب فى عملية صنع سلام نيفاشا، الذى رعته الولايات المتحدة، من شأنه أن يصبح مصدراً جديداً للتوترات السياسية فى غياب وضوح أى أفق للتحول الديمقراطى, وفى ظل القسمة التى يكرسها الإتفاق لهيمنة الشريكين (المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية) وإحتكارهما للسلطة والثروة طوال الفترة الانتقالية”. وفي بيان سابق له صدر في السابع من أغسطس 2002م بخصوص إتفاق مشاكوس، الذى إنبنت عليه إتفاقية نيفاشا، إعتبر حزب البعث أن هذا الإتفاق ماهو إلا تعبير عن مصالح الوسطاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لأن ما عُرف بتفاهم مشاكوس لايوفر حلاً حقيقياً لمشكلة الجنوب أو لمشاكل السودان الجوهرية )ومن بينها مشكلة ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان(، بقدر مايؤجل حل تلك المشاكل بهدنة تمتد لستة سنوات. فلا التجربة التاريخية للولايات المتحدة، ولا راهن سياستها يؤهلانها لأن تكون عنصرأ إيجابيأ فى خدمة السلام فى أى مكان من العالم، ناهيك عن السودان الذى لم تكن فى ذات يوم طرفاً محايداً فى قضاياه. وهذا ما يتفق كلياً مع نهج الولايات المتحدة وتجاربها في التعامل مع المشكلات الدولية، حيث تجعلها أكثر تأزماً كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، أو لقضية العراق أو أفغانستان أو فيتنام أو نيكاراجوا أو كوريا أو بريتوريا أو الكنغو أو زامبيا أو غيرها. فمصالح أمريكا ترتبط بإدامة التوترات التي تضمن لها حضوراً و هيمنة مستدامةً في البلدان التى تستهدفها.
وقد كشفت الأيام من خلال تطبيق الإتفاقية عن أزمة فى المصطلح وتفسيراته وتأويلاته، وذلك لتعدد برتكولاتها ومرجعياتها، وقد ظهر ذلك جلياً فى حالة (بروتكول أبيي)، الذى قاد الشريكين إلى حالة من النزاع إنتهى بهما المطاف إلى حسم سجالاتهما حوله فى المحكمة الدولية وترسيم الحدود بشكلها الملغم الحالى. وهكذا وعلى هذا السياق ظلت تتفجر أزمة تلو أخرى, على الدستور و القوانين و البترول و الحقائب الوزارية و التعداد السكانى و الإنتخابات و الإستفتاء و الحدود .. إلخ إلخ.
ومع إنكفاء الحركة الشعبية الزائد جنوباً وشغفها بمسألة الإستفتاء وترسيم الحدود من باب التهيئة للإنفصال طفح على السطح موضوع (المشورة الشعبية) هذا، كمتلازمة لتحديد إتجاهات الحدث فى المناطق التى خصها مهندسو الإتفاقية ببرتكولات (مفخخة) فى النيل الازرق وجنوب كردفان. وما زاد الطين بلة أن هذه المشورة قد سُجنت منذ البداية فى إطار قناة برلمانية فاقدة للشرعية، وتم تجميدها لما بعد الفترة الإنتقالية، لتقوم بدور التقييم والفحص للإتفاقية، بينما كان الأحرى أن تتم مواصلة الإتصالات بالشرائح المعنية بالمشورة منذ البداية، لتكوين رأي عام يساهم في صناعة القرار من القاعدة العريضة، عن طريق جمع البيانات والمعلومات وتصحيحها بالحوار المباشر، وبتلاقح الأفكار، وبالتالي بناء أساسيات للمشورة تخرج من رحم الواقع وتلبي طموحاته وتراعي قيمه وعاداته. وللمساهمة فى معالجة هذا الموضوع قبل إستفحاله وللوصول لرؤية مشتركة تساهم في الخروج من نفق الأزمة فى الإقليمين, وتدعم تماسك البلاد وتمنع تفتتها نقدم معالجتنا الأولية هذه للموضوع من الزوايا المختلفة.
أولاً: مفهوم المشورة الشعبية Public consultation
فى التعريف العام هى سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية يتم عبرها إشراك الشعب فى معالجة المشكلات التى يعانى منها. وهى تعتبر إحدى المفاتيح الإجرائية لقياس إتجاهات وميولات الرأى العام فى منطقة ما فى شأن من الشئون العامة. وتهدف المشورة الشعبية إلى تحقيق الشفافية وإشراك المواطنين في المشروعات الكبيرة و وضع القوانين والسياسات عبر تبادل المعلومات والأفكار وتحمل المسئولية كجماعة. وتأتي أهميتها من كونها تقلل من إحتمالات العنف والتنازع الذي يمكن أن ينشأ بين الحكومة والمواطنين حول قضايا الحكم. إلى جانب أنها توفر المعلومات المتاحة بغرض تحليلها وتصنيفها وتقدير التوقعات المحتملة, بما يساعد على صناعة القرار الصحيح. علاوة على أنها تزيد من معدلات الشفافية, و تساعد على إكتشاف ذوي النظر الثاقب، وكذلك الأفكار البديلة لأولئك المتأثرين مباشرة بالأحداث. أما من حيث التطبيقات والوسائل فإن للمشورة الشعبية أنماط وصيغ كثيرة متنوعة ومتعددة. بمعنى أن لها أشكالا مختلفة بإختلاف الموضوع والهدف.
و عموما المشورة الشعبية عبارة عن مثلث متساوى الأضلاع عناصره هي:
¨ الإخطارNotification : أى التعريف المسبق لأصحاب القضية بالموضوع المعنى بالمشورة حتى يهيؤا أنفسهم لعملية المشورة هذه, وذلك من خلال نقل المعلومات الرسمية للعامة وتمليكهم الحقائق وتهيئة البيئة للحوار.
¨ المشورةConsultation : و تعنى الأخذ بآراء الجماعات الفاعلة والمؤثرة وتدفق المعلومات منها و إليها, وهي تتم في كل المراحل بدءاً من مرحلة تحديد المشكلة وتشخيصها، إلى مرحلة التقييم والتدخل السياسي والقانوني. وقد تنتهي هذه العملية في مرحلة واحدة، أو قد تكون حواراً مستمراً بحسب تطور المشكلة وإستمراريتها.
¨ المشاركةParticipation : وهي عملية تقتضي وجود أصحاب القضية في مراحل صياغة السياسات والقوانين والمطالب و المعالجات، ومراحل صياغة النصوص الممهدة للإجراءات.
من خلال هذا العرض يُلاحظ أن المشورة الشعبية هي وليدة الظروف المحلية, لأنها تنبع من من واقع المجتمعات و حاجاتها وظروف تطورها. فهى بالنسبة للغرب تبحث عن نواقص لإستكمالها بإعتباره قد قطع شوطا بعيدا فى بناء الدولة ومؤسساتها, و فى الإستقرار والتحضر. بينما في دول عالم الجنوب فإن مهمتها ربما تكون أكبر وأصعب من مجرد تطوير للقوانين وقياس للرأي العام لتتعداها إلي إرساء قواعد للسلام وبناء الوحدة الوطنية وتحقيق الإندماج المجتمعى والتعايش الخلاق وتقنين الحقوق التي تضمن المشاركة الواسعة. لأن المشورة في جوهرها هى نظم للحوار المباشر والوصول مع الجماهير إلي إتفاق بشأن قضية ما أو معالجة مشكلة ما علي مستوي الأقاليم أو علي مستوي الدولة, بتوسيع دائرة المشاركة من أجل صناعة القرار الإيجابي بصيغ مرنة تقترن بشئ رسمي, وتقنين موصوف, وآليات محددة. وبهذا ربما تكون هناك دورات عديدة للمشورة إذا كان في وجودها منفعة فعلية فى حل المشاكل والخلافات.
ثانيا: المشورة الشعبية في الإتفاقية وقانونها
تشير المشورة من خلال الإتفاقية إلي أنها آلية سياسية ديمقراطية لتأكيد وجهة نظر المواطنين في الولايتين حول الإتفاقية. و هى منوطة باللجنة البرلمانية المُنشأة من المجلس التشريعي المُنتخب لكلا الولايتين ومهمتها (تقويم وقياس مدي تنفيذ الإتفاقية), حيث تقدم هذه اللجنه تقريرا للمجلس بعد مضي أربعة سنوات من التطبيق. نفس الحق مكفول للجنة أخري تنشئها الرئاسة (لتقويم تنفيذ الإتفاقية)، وترفع تقريرها من نسختين, نسخة للرئاسة وأخري لحكومة الولاية, وذلك لأغراض تصحيح أي إجراء غير سليم ضماناً للتنفيذ المخلص للإتفاقية.
في حالة قبول تقارير اللجنتين ومناقشتها والوصول إلى أن ما تم يحقق رضا الشعب, عند ذلك يصبح الإتفاق تسوية نهائية للنزاع السياسي في الولاية.
يحق للسلطة التشريعية بعد إستعراضها للإتفاقية ومن خلال التطبيق أن تصحح أي قصور في الإتفاقية في أي من الترتيبات الدستورية أو السياسية أو الإدارية وذلك بالتفاوض المباشر مع الحكومة القومية لأغراض إستكمال النقص.
وبهذا فإن المشورة الشعبية وفق الإتفاقية هي آلية سياسية ديمقراطية في إطار برلماني, يحدد
من خلالها مواطني الولاية عبر ممثليهم موقفهم من تطبيق الإتفاقية من حيث الفائدة أو
الضرر.
المشورة فى قانون تنظيم المشورة الشعبية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لسنة 2009م
Ø المشورة الشعبية: يُقصد بها حقا ديمقراطيا وآلية لتأكيد وجهة نظر شعبي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق كل علي حدة بشأن إتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين التي تُوصل إليها بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان.
Ø الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية والاقتصادية: يُقصد بها الترتيبات الدستورية والمؤسسات والصلاحيات، والعلاقة بين الولاية والمركز والصلاحيات التنفيذية والتشريعية ونصيب كل من الولايتين في الثروة والسلطة القومية المفصلة في إتفاقية السلام الشامل.
Ø المادة (4) مرجعيات المشورة الشعبية:
أ-إتفاقية السلام الشامل ب- الدستور القومي الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 2005م. ج- الدستور الإنتقالي لولاية جنوب كردفان لسنة 2006م د- الدستور الإنتقالي لولاية النيل الأزرق لسنة 2005م. هـ- مبادئ القانون الدولي والمواثيق الإقليمية والدولية المُصادق عليها من قبل جمهورية السودان.
Ø المادة (5) أهداف المشورة الشعبية:
1- تأكيد وجهة نظر شعبي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بشأن إتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين وعن مدى تحقيقها لتطلعاتهم.
2- تسوية نهائية للنزاع السياسي في أي من الولايتين و إرساء السلام .
3- تصحيح أي قصور في الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية والإقتصادية في إطار إتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين.
Ø المادة (6) إنشاء المفوضية: ينشئ كل مجلس تشريعي في أي من الولايتين مفوضية برلمانية وفقا لبرتكول حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق .
و تتكون المفوضية من الرئيس والمقرر وعدد من الأعضاء بموجب قرار من المجلس التشريعي المعني، علي أن يُراعي في عضويتهم تمثيل المرأة واللجان المتخصصة في المجلس المعني.
خيارات ممارسة المشورة الشعبية: الموافقة على وإعتماد إتفاقية السلام الشامل بإعتبارها حسماً للنزاع السياسي للولاية المعنية، أو إعتبار أن الإتفاقية لم تحقق تطلعات تلك الولاية.
و تكون إجراءات ممارسة المشورة الشعبية علي النحو التالي:
(أ) فور إنتخاب أعضاء المجلس التشريعي لكل ولاية، ينشئ المجلس التشريعي المعني مفوضية برلمانية للتقويم والتقدير لإتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين من خلال التقارير التي تُقدم إليه وحكومة الولاية المعنية مع إستصحاب آراء مواطنى الولاية والفعاليات السياسية والمجتمع المدني بالولاية المعنية عبر لقاءات أو مؤتمرات.
(ب) إذا قرر أي من المجلسين التشريعيين عند النظر في تقارير المفوضية أن الإتفاقية حققت تطلعات شعب تلك الولاية تًعتبر الإتفاقية تسوية نهائية وشاملة للنزاع السياسي في تلك الولاية.
(ج) إذا قرر أي من المجلسين التشريعيين أن الإتفاقية لم تحقق تطلعات شعب تلك الولاية, يدخل هذا المجلس في مداولات لتحديد أوجه ذلك القصور بشكل مفصل, ومن ثم تدخل حكومة تلك الولاية في التفاوض مع الحكومة المركزية بغرض تصحيح أوجه القصور في إطار الإتفاقية, وذلك خلال شهر من تاريخ قرار المجلس .
(د) في حالة عدم التوصل الي إتفاق بين الولاية المعنية أو الولايتين معا والحكومة حول تقدير تلك التطلعات, أو أي منها خلال ستين يوما من تاريخ بدء التفاوض, تًحال المسائل الخلافية إلي مجلس الولايات للوساطة أو التوفيق. ويكون المجلس لجنة لهذا الغرض خلال أسبوع من تاريخ الإستلام.
(هـ) تتكون لجنة المجلس من سبعة أعضاء ويختار كل طرف ثلاثة أعضاء من بين أعضاء المجلس علي أن لا يكونوا من الولايات المعنية, ويتفق الأعضاء الستة علي رئيس للجنة من داخل المجلس, وفي حالة عدم الإتفاق يقوم المجلس بإنتخاب رئيس المجلس من بين أعضائه.
(و) في حالة فشل مجلس الولايات في الوساطة والتوفيق حول المسائل الخلافية خلال ثلاثين يوما يلجأ الطرفان إلي جهة تحكيم يتفقان عليها. ؟!!!!
(ز) تنتهي إجراءات المشورة الشعبية قبل نهاية الفترة الإنتقالية في الثامن من يونيو 2011م.
مراقبة إجراءات المشورة الشعبية
بالاضافة للقوي السياسية المختلفة، علي أي من الولايتين دعوة المذكورين أدناه لمراقبة عملية المشورة الشعبية ونتائجها: أ- منظمات المجتمع المدني ( المحلية – الاقليمية – الدولية),
ب- منظمة اللأُمم المتحدة ج- الإتحاد الافريقي د- منظمة الإيقاد هـ- شركاء الإيقاد
و- جامعة الدول العربية ز- الإتحاد الأوربي.
التوعية الخاصة بالمشورة الشعبية: تنص المادة (14) من قانون المشورة على أنه:
1– يجب علي الحكومة وحكومة كل ولاية ضمان وتوفير الفرص والمعاملة المتساوية لشعب الولاية والقوي السياسية المختلفة للتعبير عن الآراء المختلفة حول المشورة الشعبية عبر الأجهزة الإعلامية المملوكة للدولة والولاية المعنية.
2– يُحظر تقييد حق التعبير أو إساءة إستعمال السلطة لغرض تحقيق ذلك.
3- تقوم أجهزة الإعلام المملوكة للدولة أو الولاية بتقديم خدمات إعلامية مجانية ومنح فرص ومدد زمنية متساوية للجميع في حملة المشورة الشعبية.
4– يكون لممثلي أجهزة الإعلام المحلية والأجنبية الحق في الحصول علي جميع المعلومات المتعلقة بإجراءات حق المشورة الشعبية.
من خلال العرض السابق لمدلولات المشورة الشعبية وآليات تنفيذها و بهذا القانون يمكن إيراد
الملاحظات التالية:
1- لقد تمت صياغة القانون علي عجل مما ساهم في إضفاء مزيد من الغموض علي مصطلح (المشورة الشعبية) وبالتالي إلي إزدحام العديد من المعاني. فمثلا في نص المادة (3) من القانون (يقصد بالمشورة حقا ديموقراطيا وآلية لتأكيد وجهة نظر شعبي الولايتين كلا علي حدة). وهذا تعريف غير موفق إذ أنه أشار إلي المعني الموضوعي بإعتبار أن المشورة حقا ديموقراطيا, وقانون المشورة قانون إجرائي كما يبدو من مرجعيات القانون. وكان يمكن للمشرع أن يجعل قانون الإنتخابات لسنة 2008 واحدا من مرجعيات هذا القانون.
2- تتكون المفوضية من الرئيس والمقرر وعدد من الأعضاء بموجب قرار من المجلس التشريعي المعني, مع مراعاة تمثيل المرأة واللجان المتخصصة في المجلس. هذا النص يفتح الباب واسعا للخلافات بين أعضاء المجلس خاصة في ظل التجربة الإنتخابية المليئة بالتجاوزات.
3- تعطي المادة (10) الحق للمجلس أو رئيس الجمهورية في إسقاط عضوية أي عضو من المفوضية. إن هذا الحق لا يتلاءم مع دوافع وأسباب إنشاء المفوضية, لأن الرئيس يمكن أن يسعي لإسقاط عضوية أي عضو يخالفه الرأي حول الموقف من تنفيذ إتفاقية السلام الشامل الموقعة في سنة 2005م. وكان الأوفق للمشرع أن يجعل إسقاط العضوية قصرا علي المجلس من خلال موافقة ثلثي أعضائه أو الاغلبية البسيطة.
4- تحدد المادة (12) المصادر المالية للمفوضية في الآتى: موارد تخصصها الولاية المعنية, المنح من الأشخاص أو المؤسسات غير الحكومية التي توافق عليها حكومة الولاية, المنح من المنظمات الوطنية والأجنبية من خلال الحكومة أو حكومة الولاية المعنية, التمويل من المانحين أو الأصدقاء, و أي مصادر أخري يوافق عليها المجلس.
فتح الباب للمنظمات والمانحين والأصدقاء والمصادر الأخري غير المحددة, يضع هذه القضية على عتبات الفساد و منزلقات التدويل. كان الأوفق للمشرع أن يجعل المصدر الأساسي لمالية المفوضية هو وزارة المالية والإقتصاد الوطني, من خلال ميزانية واضحة تعدها المفوضية ويصادق عليها المجلس الشريعي المعني والمجلس الوطني؟! كيف لولاية كانت حتي وقت قريب مكانا للإحتراب والإقتتال والتمرد وغياب التنمية أن تمول مفوضية يفترض أن تكون ميزانيتها كافية للقيام بهذه المهمة.
5- في المادة (15) فقرة (ج) يًعطي المشرع حق التفاوض مع الحكومة المركزية لحكومة الولاية, في حال قرر المجلس التشريعي أن قصورا قد شاب تنفيذ الإتفاقية في الولاية. و لا نجد حكمة وراء ذلك, فالحكومة المركزية أو حكومة الولاية هي المُناط بها تنفيذ إتفاقية السلام الشامل وتطبيق مقرراتها خلال المدة المحددة, و هى مسؤولة بالتالي عن القصور الذي شاب التطبيق علي أرض الواقع, فكيف تحاكم نفسها بنفسها؟!
6 – أما من حيث دور المجلس في الوساطة والتوفيق لاحقا, من خلال التحكيم والإجراءات المطاطة التي تلي ذلك, فإن القانون قد سكت في مرات عديدة عن نهايات كان الأحري به أن يضع لها نصوصا موضوعية وقاطعة, خاصة جهة التحكيم التي يمكن اللجوء إليها في حال فشل مجلس الولايات في حسم الخلاف، الأمر الذي يفتح الباب للتدويل في حالة تصعيد الخلاف، بذات الطريقة التى خُلقت بها أزمة منطقة أبيى الماثلة الآن.
المشورة من خلال التطبيق
أكدت التجربة العملية لتطبيقات إتفاقية نيفاشا 2005 م على الواقع صحة قراءة حزب البعث للإتفاقية وبروتوكولاتها المختلفة و موقفه منها, بإعتبارها إتفاقية معزولة عن مكونات الشعب السوداني المختلفة وقواه السياسية, ومفروضة على طرفيها من قبل قوى دولية معروفة بمعاداتها لمصالح الشعوب وأمانيها, بل لا تخفى سياساتها العدوانية في المنطقة. هذا علي الرغم من الإقرار أبتداءا أن للاتفاقية بعض إيجابيات عامة, لا سيما وقف حالة الحرب الطويلة ولو إلى حين. وفي ذلك تختلف الولايتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) من حيث الإستقرار ودرجة المشاكل. ففى النيل الأزرق إنحصرت مشاكلها في الصراع على التنمية و الخدمات و إنسياب الدعم المركزى لهما، و على ملكية الأرض، بينما فى جنوب كردفان سيطرت حالة التشاكس على الشريكين طوال الأعوام المنصرمة، إلي جانب تفشى العنف والنزاعات المسلحة، وبروز مشاكل من نوع جديد وافرازاتها (تعدد الادارات في كادقلي والفولة وكاودا، وإنتشار حمى التسليح، و المليشيات، والفساد المالي والإداري، ومعايير إنشاء المحليات، والمناهج التعليمية، ودمج الخدمة المدنية … إلخ). وعلي الرغم من معالجة بعض من هذه المشاكل جزئيا، إلا أن موعد ممارسة المشورة قد إقترب ولكن دون إنجاز مطئمن، خاصة بعد العمليات الإنتخابية التي تم تزويرها بشكل مكشوف و مفضوح. وبالتالي سوف تكون المشورة محفوفة بالمشاكل و المخاطر نسبة لإفتقادها للتوازن المطلوب والضروري في المجالس و المؤسسات ذات الصلة بها. ويأتي من هنا التساؤل المشروع عن حقيقة المشورة الشعبية التي وُصفت بأنها آلية ديموقراطية، إذا لم تكن شفافة و مفتوحه للجميع؟ وما ضرورتها اذا لم تُعد و تُنفذ بما يضمن حل مشاكل الولايتين، خاصة في ظل الواقع المزمن الذي تعيشانه؟ فقد اتسعت دائرة الفقر والعوز والبطالة، وإشتعلت الحرب في جهات كانت آمنة ومستقرة، وإستشرى الفساد بصورة لم يألفها السودان من قبل, وإنهار الإقتصاد ومؤسساته, وأصبح الوطن مهدداً في وحدته الوطنية وتماسكه الإجتماعي. هذه الاسئلة والإخفاقات التي لازمت عملية التطبيق هي التي قادت أطرافا من الحركة الشعبية إلي إعتبار المشورة (حقا لتقرير المصير) كنوع من الهروب إلى الأمام.
ثالثا: المشورة الشعبية و تقرير المصير والحكم الذاتي
نتيجة لحالة الغموض التي إكتنفت معني (المشورة الشعبية) والهدف من ورائها حدث خلط في المفاهيم والمصطلحات في أوساط الشريكين وخارجهما, أدي الي مساواتها بالحكم الذاتي أو بحق تقرير المصير, هذا علي الرغم من إختلاف المصطلحين وما يحويانه من مفاهيم وإستحقاقات في غاية الخطورة علي مستقبل الدولة, سيما في الحالة الراهنة, خاصة حق تقرير المصير, وعلي الرغم من إستقرار مفهوم مبدأي تقرير المصير والحكم الذاتي في الأدبيات السياسية والإدارية والدستورية والقانونية. ولفك هذا الإشتباك في الفهم والمفاهيم لابد من التعرف أولا علي هذين المبدأين.
(أ) حق تقرير المصير
لقد طُرح هذا الحق إبان الحقبة الإستعمارية وذلك لمعالجة حق قانوني لدول واقعة تحت الاحتلال الأجنبي لكيما تأخذ مكانها كدولة ذات سيادة، وكعضو أصيل في المنظمة الدولية. فهو يُعطى للشعوب التى ترزح تحت الإستعمار أو للدول الملحقة بدول أخرى. إذن هذا الحق وُجد لمحاربة الظاهرة الإستعمارية، ومنسجما مع نضالات الشعوب وقضايا التحرر من ربقة المحتل الأجنبي. ولذلك يبقي وجوده رهين بالحيلولة دون رجوع هذه الظاهرة الإستعمارية أو رهين بمواجهتها. وبهذا المعنى فإن حق تقرير المصير مرتبط بمرحلة معينة تسبق الإستقلال السياسي والإقتصادي للدول الخاضعة لهيمنة دولة ما أو عدة. وبالتالي لا يجوز الحديث عن حق تقرير المصير إذا كانت الدولة قد إستقلت بالفعل, وتديرها حكومة وطنية. حيث أنه فى حالة حق تقرير المصير يكون كل الشعب في مواجهة سلطة أجنبية أو إستعمار أجنبى أو تدخل دولي يسيطر على مقدراته السياسية والإقتصادية، و بالتالى يعمل هذا الشعب على إستعادة هذه السلطة حتى يدير شئونه بنفسه.
كذلك يختلف حق تقرير المصير عن الحرية السياسية من حيث القواعد القانونية التي تحكم كل منهما. بالنسبة لحق تقرير المصير فإنه تحكمه القواعد القانونية الدولية منذ بداية الصراع إلى نهايته حتى ينال الشعب هذا الحق، في حين أن الحرية السياسية تحكمها القواعد الدستورية الداخلية للدولة مع بعض القواعد القانونية الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان وتكون الدولة طرفاً فيها. و على الرغم من تأكيد كل الدول على أن حق تقرير المصير لا يتم إعمال أحكامه إلا في مواجهة القوى الاستعمارية، إلا أنه قد ظهرت إتجاهات في أعقاب إنتهاء مرحلة الحرب الباردة، تقول بإمكانية إعمال هذا الحق فى بعض الأقاليم لمواجهة سلطة الدولة للإنفصال عن الوطن الأم. و هذا ما دفع بعض الجماعات و القوى في ظل ظروف المرحلة الإنتقالية المسماة ب(النظام العالمى الجديد)، تحت مسوغ الدفاع عن حقوق الإنسان أو الأقليات لأقاليم الدول التي تعاني نزاعات وصراعات مزمنة، إلى المطالبة بحق تقرير المصير لها، دون أدنى مراعاة لحرمة الدول في سيادتها ووحدتها الوطنية كحقوق شرعية ضمنتها كافة المواثيق والمعاهدات الدولية. بل إن مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأى دولة، والمساواة بين الدول هي العمود الفقري للتنظيم الدولي. لذلك فإن محاولات تمرير حق تقرير المصير علي الدول تحت مظلة الشرعية الدولية هو لخدمة مصالح القطب الواحد فقط، و لا علاقة له من قريب أو بعيد بمصالح سكان الأقاليم التى يُمارس فيها. وهو ما يمكن رصده و ملاحظته في الحالات التي تم إعمال هذا المبدأ فيها, مثل تيمور الشرقية في إندونيسيا، ودويلات الإتحادين اليوغسلافي والسوفيتي السابقين. فبينما أُقتطعت تيمور (المسيحية) من قلب إندونيسيا المسلمة، أُريقت الدماء في البوسنة وكسوفو (المسلمة) في بلاد البلقان عندما طالبت بحق تقرير المصير. و بينما جرت معالجة حالة قبرص بحق تقرير المصير (التعويضي) بمساواة طرفيها (التركي و اليوناني) ضمن وحدة الدولة, نجد صورة أخري مغايرة يتم غض الطرف عنها كما هو الحال بالنسبة ل(الشيشان) في روسيا و(أيرلندا الشمالية) في بريطانيا. وعلي ذات النسق تتم الترتيبات بدقة لسلخ الشطرالجنوبي للسودان عن الوطن الأم. فالجنوب جزء أساسى من السودان و ليس جزءاً مُستعمراً أو ملحقا إلحاقا به، بل هو جزء أصيل من البلاد. إن هذه الحالة التي تكشف عن إزدواجية في المعايير تعيد إلي الأذهان ذات المقص الذي أُستخدم في (سايكس بيكو) ولكن هذه المرة يُُستخدم لصناعة دول جديدة تُبتر بترا عن جسم الدولة الموحدة تاريخيا.
وإستباقاً للتداعيات والمخاطر قامت الكثير من الدول بتسوية نزاعاتها المتعلقة بحق تقرير المصير تسوية سلمية، بدلاً من جعل الإنفصال هو الخيار الوحيد. فأخذت بالنظام الفيدرالي، أو وضعت ضمانات لمصالح الجماعات و الأقليات، أو بوضع معين معترف به لجماعة ما، أو عن طريق الديمقراطية المبنية على المشاركة المتساوية، أو إعطاء جنسيتين منفصلتين للسكان للحيلولة دون تطبيق حق تقرير المصير وبالتالي الحفاظ على سيادة الدولة ووحدتها، و هكذا و هكذا. وقد واجهت معظم الدول لا سيما دول عالم الجنوب حق تقرير المصير، من زاوية أن وجود مجتمعات
متجانسة كليا حالة نادرة لظروف مفهومة فيها, وأن محاولات تطبيق هذا الحق علي أى دولة يعني
التفتيت والتصدع و الإنهيار.
و كانت منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي حالياً) قد أكدت منذ البداية إلتزامها بالحدود الموروثة من الإستعمار، ورفض أي محاولة من المجموعات التى تدعو للإنفصال أو الإنضمام من دولة لأخرى، نظراً لتعدد الجماعات القبلية والأثنية والدينية داخل معظم الدول الأفريقية، الأمر الذى سيفتح الباب لنزاعات معقدة و متسلسلة تمزق القارة و تنسف إستقرارها. وهو ما عززته العديد من المواقف الأفريقية المشتركة والثابتة إزاء الصراعات الأفريقية الكبرى، حيث رُفضت محاولات إنفصال كل من إقليم كاتنقا في الكنغو عام 1960، وإقليم بيافرا في نيجريا عام 1967، إلى جانب إعترافها بالحكم الذاتي لجنوب السودان في اتفاقية أديس أبابا 1972م. هكذا تكون إتفاقية نيفاشا 2005م أول وأخطر سابقة في القارة، خاصة عند إرتباط هذا الحق بانفصال الجنوب، ما ينذر بفتح شهية الحالات المماثلة في أفريقيا. لذلك فإن الأمر يقتضي مجابهة قوية لهذا الحق الذي يُعطي في غير مكانه وخطورة كونه يؤدي إلي الانفصال دون مراعاة للحالات السالبة التي يخلفها هذا الفعل.
عليه فإن فشل أو قصور الإتفاقية أو تجاوزاتها، و ما حواه مصطلح المشورة الشعبية من غموض لا يجوز ولا يبرر طرح مبدأ تقرير المصير لمعالجة أوضاع الولايتين، خاصة و الكل يعلم أن عجز نظام (الإنقاذ؟!) هو الذي أدخل البلاد في هذه الدوامة التفتيتية. و بالتالى فإن الدخول بمدخل هذا النظام علي أنه هو من يمنح ومن يمنع مثل هذه الحقوق, أو إعتباره معادلا لوحدة البلد، أو الإتكاء علي المجتمع الدولي للضغط عليه, أمر فيه مخاطرة كبيرة بمستقبل البلاد، و سلب لإرادة الجماهير وإستخفاف بدورها وإسهامها التاريخي في بناء الدولة السودانية الحديثة، و بقدرتها على إنجازالفعل المطلوب للمرحلة.
(ب) الحكم الذاتي :
لقد أخذ هذا المسمي عدة صور ومدلولات, ففي مرحلة الإستعمار كان يُعبر عنه كجزء من مضامين (حق تقرير المصير) للدول المسماة بالمستعمرات، أي تلك الأقاليم أو الدول الخاضعة لأنظمة الوصاية أو الإنتداب أو التبعية و المنتقصة لسيادتها بالضرورة, حتي تقوم بإدارة شعوبها بشكل مستقل عن دولة الإحتلال أو الوصاية ….إلخ. ولكن في مرحلة التحرر الوطني, أو في أثناء بناء الدول التي تتأخر بعض الأقاليم فيها نتيجة لظروف تاريخية وموضوعية وذاتية، فإنها تُشمل بنوع من أنظمة الحكم الذاتي وفق قانون يخولها إدارة نفسها بنفسها في إطار وحدة الدولة الأم. ويندرج هذا النظام تحت نظم الحكم اللامركزية مثل الفدرالية وغيرها من أنظمة الإتحاد الشخصي أو التعاقدي التي تتنازل فيها سلطة المركز عن صلاحيات ومسئوليات بقانون يخول أو يفوض أصحاب الشأن أو القضية الذين عانوا من الانقطاع والحرمان والعزلة الطويلة جراء السياسات القصدية، أو ظروف عدم الإستقرار السياسي في البلاد بعامة والأنظمة السياسية خاصة, و عدم مراعاتها وفهمها لطبيعة التطور الإجتماعي، و كذا عدم إستيعاب حالة التنوع والتعدد في المجتمع، أوالإعتراف بحالة التمايز الإقتصادي والثقافي والإجتماعي لهذه الأقاليم التي تميزها عن غيرها. وقد تم تطبيق هذا النظام في السودان إبان الحقبة المايوية (19691985-)م في أعقاب إتفاقية اديس أبابا في عام 1972م, وكذلك في تجارب أخري مثل تجربة الحكم الذاتي للأكراد في العراق. وقد إستمرت تجربة العراق حتي وقع الإحتلال في 2003م, بينما فشلت تجربة الحكم الذاتي في جنوب السودان لأسباب عديدة منها تقسيم الجنوب لثلاثة أقاليم، وتدخلات رئيس الجمهورية، وفشل التنمية الإقتصادية وإكتشاف النفط في بعض مناطق الجنوب بكميات تجارية …إلخ.
نخلص للقول بأنه ومن خلال إستعراض مضامين وصيغ كلا من حق تقرير المصير والحكم الذاتي الإقليمي، نلاحظ عدم تطابقها مع موضوعة (المشورة الشعبية)، حيث من الواضح أن لكل منهما مضامين و آليات و أهداف مختلفة تماما عنها. عليه فإن الدفع بالمشورة بهذا الإتجاه هو محض عمل سياسي يسعي لإحراز أكبر قدر من المكاسب الحزبية الضيقة على حساب مستقبل السودان و وحدة شعبه و أرضه، خاصة في ظل هذا الغموض المتعمد، و التجربة المتعثرة لتطبيق الإتفاقية، وعدم إنسجام شريكيها طيلة سنين عمرها، و إرتمائهما الكامل فى حضن الدوائر الدولية التى فرضتها عليهما.
رابعا : نحو تدبير وطنى موحد للمشورة الشعبية :
إننا نعتقد من خلال هذه المساهمة المخلصة، ومن حصيلة فكر و عمل القوي السياسية والفعاليات الوطنية الأخري، أن المشورة الشعبية يمكن أن تلعب دورا مهما وعميقا يجنب البلاد المزالق والإحتراب ويحميها من التفتت، في حال توفرت الرغبة الصادقة و الإرادة الوطنية المتحررة من الضغوط و الإملاءات و الوصاية لترقيتها والخروج منها بمنهاج عمل موحد يستوعب الآتي:
1- على الرغم من الغموض والضبابية التى إكتنفت موضوعة المشورة الشعبية، إلا أن هناك إمكانية لأن تتحول المشورة إلى وسيلة دفع لمعالجة المشكلات والمعضلات المزمنة و الكبيرة فى الولايتين، بإطلاق الحريات العامة والإهتمام بآراء الجماعات الفاعلة وأصحاب الرأى لإستقطاب الدعم السياسي و الشعبى للعملية نفسها. و بذلك تتحول المشورة إلى أداة فعالة للحوار الموضوعى و الجاد بين مختلف المكونات، بغية تجميع مشتركاتها و ترصينها و تحقيقها. و بذلك تُعتبر المشوره فرصه ثمينه للإنفتاح على الجماهير في التوعية بمخاطر الحرب الأهليه ونزاعات الموارد والهوية، ولخلق بيئه صحية للتعايش والسلام المستدام.
2- إن السلام الشامل والعادل والدائم الذي تتطلع إليه جماهير شعبنا في الشمال والجنوب، وفي الشرق كما في الغرب و فى الوسط، لازال هدفاً يتطلب المزيد من الجهد وبكافة الوسائل السلمية المشروعة من أجل تحقيقه، ومن بينها المشورة الشعبية التى قُتلت منذ البداية، بحصرها و بطريقة إقصائية و فوقية بين الشريكين فقط. فالمشوره الشعبيه ليست حكرآ لطرفى نيفاشا، و لا هى مهمة سلطانية مكتبية، بل هى حق للمواطنين أولا و أخيرا. و بالتالى فإحتكارها أو تزييفها بالتعتيم تارة و بالتغبيش تارة أخرى ينسفها من الأساس و يفقدها أى معنى أو قيمة.
3- المشوره الحقيقيه تقوم على أساس المواطنة التى تحترم الجميع، و تقر بحق الجميع فى ممارستها دون أى تمييز أو تخصيص أو تأثير. و من هنا فهى ممارسة مناطقية و ليست قبلية أو جهوية أو عنصرية أو دينية حتى يتم تصويرها على أنها حق لجزء من المجتمع، دون أن يعنى ذلك تنازل أى جماعة عن حقوقها الخاصة.
4- إن أي تصوير للمشورة الشعبية على أنها حق لتقرير المصير،هو إتجاه خاطئ ومضلل، وهو في مراميه النهائية ضد مبدأ وفكرة المشورة نفسها، و خيانة للشعب.
5- هناك رابط جدلى بين الوحدة والمشورة، لأن المشوره عندما تأخذ وضعها وشكلها الصحيح تكون معززه لوحدة المجتمع والشعب وقيمه، وبالمقابل فإن وحدة البلاد هى التى تخلق البيئة والأرضية الصحية للمشورة، عندما تُربط بكافة قضايا ومشكلات الولاية المزمنة وحقوقها المشروعة، وبإنتزاعها من السلطة المركزية بالوسائل السلمية الضاغطة.
6- ما لم تأخذ عملية المشورة الشعبية صيغتها الصحيحة كإستحقاق ديمقراطى للشعب يجرى الإعداد له فى النور، و ما لم يُشرك فيها الجميع بلا إقصاء أو تهميش، و ما لم تُبعد عن مناورات الشريكين و إتفاقات تحت الطاولة بينهما تحت عنوان (ترتيبات ما بعد الإستفتاء)، فإنها ستكون تزييفا لإرادة الشعب مثلها مثل إنتخابات أبريل 2010م المفضوحة. فى هذه الحالة سوف يكون الخيار الوحيد أمام الشعب و قواه الحية، هو رفض المشاركة فى أى مشورة مفبركة، بل مقاطعتها و تعريتها.
7- بغض النظر عن الظروف والملابسات التي ربطت منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالحرب الأهلية التي دارت في الجنوب، فإن الحل الجزري لمشكلات هاتين المنطقتين يكمن في إحداث تنمية معجلة ومكثفة وخدمات تعليمية وصحية .. الخ ، بما يزيل الفوارق التنموية والإجتماعية بين الأقليمين وبقية أنحاء القطر ، وهو ما لم يتم عمله خلال سنوات إتفاقية نيفاشا، ويظل مهمة أنية ملحة .
1/8/2010م