المتحدث باسم جيش جنوب السودان: لولا حكمة وطول بال سلفا كير لعادت الحرب منذ عام 2005
اللواء كوال ديم كوال لـ«الشرق الأوسط»: الخرطوم تسلح ميليشيا جنوبية لزعزعة الاستقرار
مصطفى سري
اتهم المتحدث الرسمي باسم جيش جنوب السودان كوال ديم كوال، المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير بمواصلة تدريب وتسليح المليشيات السابقة التي كان يدعمها الجيش السوداني، خلال فترة الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من 22 عاما في الجنوب، وقال إنه لولا حكمة زعيم الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب، الفريق أول سلفا كير، وطول باله، لعادت الحرب الأهلية منذ عام 2005، وهو العام الذي وقّعت فيه الحركة الشعبية اتفاق سلام مع المؤتمر الوطني، المسمى باتفاق «نيفاشا»، نسبة إلى المدينة الكينية التي شهدت توقيع الاتفاق بعد مفاوضات ماراثونية دامت نحو 3 أعوام. وقال كوال في حديث عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط»، من مقره في جوبا عاصمة الجنوب، إن الوحدات المشتركة بين الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية في الجنوب المسماة «الجيش الشعبي»، التي كونت بعد اتفاقية السلام، والتي من المفترض أن تكون نواة الجيش السوداني المستقبلي إذا اختار الجنوبيون البقاء ضمن حدود السودان في استفتاء تقرير المصير، المقرر عام 2011، «أصبحت قوات منعزلة بعضها عن بعض داخل المعسكرات الخاصة بها»، محملا مؤسسة الرئاسة إهمال هذه القوات من حيث التدريب والتسليح.
ونفى كوال ما يتردد كثيرا بشأن وجود خبراء إسرائيليين يقومون بتدريب جيش الجنوب، وقال إن التدريبات تقوم بها جهات أخرى من الولايات المتحدة وبريطانيا وكينيا وجنوب أفريقيا وزمبابوي، وليس بينهم إسرائيليون. وأشار إلى أن التدريبات لا تتضمن عمليات عسكرية. وأضاف: «أرسلنا وفدا من قيادة الجيش الشعبي إلى القاهرة في العام الماضي للمساعدة في تدريب قواتنا في مجالات مختلفة، ووعدت القاهرة بدراسة الأمر لكنها لم ترد حتى الآن». وتابع: «نحن لسنا ضد العرب.. ومصر ما زالت تقدم لنا مساعدات في مجالات مدنية».
* ما مدى تطبيق بروتوكول الترتيبات الأمنية الوارد ضمن اتفاقية سلام نيفاشا، عام 2005؟
ـ هناك إشكاليات كثيرة.. وخروقات.. وعلى سبيل المثال فإن الوحدات العسكرية المشتركة التي تم تشكيلها من الجيش السوداني والجيش الشعبي، والتي يفترض أن تصبح نواة لجيش السودان، حالها مؤسف.. وقد لا تصدق إذا زرت معسكرات هذه القوات، فإنك ستجدها منقسمة إلى قسمين، فعناصر الجيش الشعبي تجدها في ناحيته والجيش السوداني في ناحية أخرى، لا يجمع بينهما أي شيء. واتضح لنا منذ أربعة أعوام أن القوات المسلحة السودانية لا تريد إطلاقا الاندماج مع وحدات الجيش الشعبي، ولا نعرف السبب، ربما لا يحترمون الجيش الشعبي.
الأمر الثاني هو أن مجلس الدفاع المشترك المكون من الجيشين يصدر الكثير من القرارات لكن لا يتم تنفيذها، ويقوم برفع عدد من القرارات إلى مؤسسة الرئاسة، ومعظمها لا ينفذ ولا يلقى لها بال. أصبحنا نعيش في حلقة مفرغة.. والمشكلات تتراكم وقد تنفجر بأفظع مما هي عليه الآن. أما بالنسبة إلى الخروقات التي ارتكبت خلال تنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية فكثيرة للغاية.. وتحدث يوميا من قبل المؤتمر الوطني ومليشياته، لكنني سأحصر نفسي في الخروقات الكبيرة. أكبر الخروقات التي حدثت كانت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007 في عاصمة ولاية أعالي النيل ملكال، وراح ضحيتها العشرات من المدنيين، كذلك المعارك التي دارت في منطقة أبيي في مايو (أيار) من العام الماضي وقتل فيها العشرات وشرد الملايين.
* أين دور الأمم المتحدة الإشرافي على القوات المشتركة؟
ـ الأمم المتحدة ليس لديها إشراف على الجيشين أو الوحدات المشتركة، هناك أجسام خلقتها اتفاقية الترتيبات الأمنية، منها اللجنة السياسية لوقف إطلاق النار، واللجنة العسكرية المشتركة لوقف إطلاق النار، ومجلس الدفاع المشترك. الأمم المتحدة تتعامل مع بعض هذه الأجسام لكنها لا تشرف عليها.
* في بروتوكول الترتيبات الأمنية هناك بند للتدريب المشترك، ماذا تم فيه؟
ـ مجلس الدفاع المشترك قرر أن يتم تدريب القوات المشتركة المدمجة، ووضعت تقديرات للميزانية وقدمت لمؤسسة الرئاسة، لكنها وضعتها على (الرف) ولم يتم تنفيذ برنامج التدريب. والجيش الشعبي ليس في استطاعته تدريب تلك القوات، أعتقد أن الجدية غير متوفرة للقيادة السياسية، التي تتحدث يوميا بأنها حريصة على وحدة السودان، لكنها عمليا لم تستطع توفير البنيات التحتية لخلق جيش سوداني موحد، بل في الواقع تلك القيادات ترفض هذا الاتجاه.
* هناك اتهام بأن الجيش الشعبي الذي تحول إلى جيش الجنوب يدافع عن قبيلة واحدة وهي قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها معظم قادة الجيش الشعبي وحكومة الجنوب، ما ردكم على ذلك؟
ـ غير صحيح إطلاقا أن الجيش الشعبي قوامه قبيلة واحدة، بل نحن حتى في أيام الحرب لم يتم اتهام الجيش الشعبي بالاتهامات التي ذكرتها. نحن منذ عام 2006 بدأنا تنظيم الجيش الشعبي لتحويله إلى جيش نظامي منضبط، وقمنا بعمليات نقل كبيرة إلى مناطق مختلفة، وإذا ذهبت الآن إلى أي من المعسكرات ستجد شماليين من قبائل مختلفة وقبائل الجنوب في تلك المعسكرات، لا يمكن أن ينحاز الجيش الشعبي إلى قبيلة معينة، وإذا كان المقصود ما يحدث من صراعات في بعض المناطق وتجد فيها أفرادا من الجيش الشعبي فإنها تصرفات فردية تتم معالجتها في حينها.
* تكررون الاتهامات على المؤتمر الوطني في تسليح المليشيات، هل لديكم أدلة أم أنها اتهامات سياسية؟
ـ في حقيقة الأمر إن المؤتمر الوطني ما زال يتحكم في مليشياته الجنوبية السابقة التي كانت تحارب معه في فترة الحرب الأهلية، كما أن مليشيا «الدفاع الشعبي» الشمالية، التي ظلت تقاتل في الجنوب ومناطق أخرى باسم الجهاد، ما زالت موجودة ويتم تدريبها على حساب ميزانية الدولة وبشكل علني، وهي مليشيا تابعة للقوات المسلحة، وهم منتشرون حاليا في القرى وبأسلحة ثقيلة لقبائل في الجنوب. وهناك مليشيات قبيلة المورلي في مناطق البيبور وتابعة لجيش الخرطوم ويقودها الدكتور رياك قاي، وهو نائب البشير في حزب المؤتمر الوطني، وأدخلت قوات رياك قاي أسلحة في أوكوبو بولاية جونقلي، وأيضا هناك مليشيا تابعة للواء غوردن تاو تابعة للجيش الحكومي، لا تزال تتجول في منطقة الناصر. لدينا أدلة دامغة لكل هذه الاتهامات. وطلبنا من الجيش السوداني نزع سلاح هذه المليشيات ولم يفعل شيئا، لذلك نحن نكرر بأن المؤتمر الوطني غير جاد في تنفيذ اتفاقية السلام، بل إن المؤتمر الوطني ومعه لام أكول (وزير الخارجية السابق ومنشق من الحركة الشعبية) يقومون بتدريب مليشيا في ولاية النيل الأبيض ـ وسط السودان ـ وقاموا بتوزيع أسلحة للمواطنين في مناطق قبيلة الشلك بأعالي النيل، صنعت في مصنع «جياد» للأسلحة يتبع الحكومة، والهدف على زعزعة الاستقرار في الجنوب وإحداث فتنة بين قبائله، ليقول للعالم إن الجنوبيين إذا شكلوا دولتهم ستصبح دولة فاشلة وتعاني من الحروب.
* هل تعني بذلك أنها مقدمات للعودة إلى الحرب مجددا في السودان؟
ـ حكومة الجنوب لا تسعى إلى عودة الحرب في السودان، ولولا وجود سلفا كير في مؤسسة الرئاسة وحكمته وطول باله كان يمكن أن نعود إلى الحرب، ليس الآن، بل منذ أن بدأنا في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل في عام 2005، والجيش الشعبي ظل يتعامل أيضا بضبط النفس ويفوت الفرصة لمن يسعون إلى تجديد الحرب في الجنوب والسودان.
* هناك معلومات تقول إن حكومة الجنوب أدخلت خبراء من إسرائيل لتدريب الجيش الشعبي، ما صحة ذلك؟
ـ اتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير (كانون الثاني) 2005، والدستور القومي الانتقالي، وكذلك دستور جنوب السودان، منحت الحق للجيش الشعبي في أن يتحول إلى جيش نظامي بدلا عن كونه جيشا لحرب العصابات. والمجتمع الدولي التزم عند التوقيع على اتفاقية السلام أن يتم دعم الجيش الشعبي في مجالات التدريب والتأهيل، ولكن لا وجود لإسرائيل في الجنوب إطلاقا، وقد ظلت حكومات الخرطوم وحتى الحالية تردد ذلك مرارا. وأستطيع أن أقول إن هذه أكاذيب وتضليل معروف أهدافه. الولايات المتحدة طلبت من حكومة الجنوب والجيش الشعبي تقديم مساعدات في بناء معسكرات للجيش الشعبي، ومقار للقيادة العامة للجيش، هذا هو الدعم الأميركي، وهو معروف ومعلن بتوفير مواد غير قتالية. ومسؤولو المؤتمر الوطني حضروا افتتاح مقر القيادة العامة للجيش الشعبي في جوبا وبعض المعسكرات التي ساعد الأميركيون في بنائها، كذلك وصلنا دعم من الأميركيين لسيارات نقل كبيرة لنقل المواد الخاصة بالجيش (لوجستية)، وهناك مستشارون في مجال التدريب. كل هذا الدعم والمساعدات تم تنفيذها وفق اتفاق السلام الشامل. بريطانيا أيضا طلبت أن تقدم لنا مساعدات في مجال تطوير السياسة الدفاعية للجيش الشعبي وصياغة قانون خاص للجيش، وتطوير مسألة المعاشات، كلها مساعدات فنية وليست عسكرية ولا يوجد إمداد أسلحة في هذه المجالات. وكينيا هي التي استقبلت مفاوضات السلام والتوقيع على الاتفاقية، أيضا طلبت أن تقدم مساعدات في تدريب صف الضباط في العمل الإداري وليس العسكري، كل هذه المجالات في التدريب معلن عنها، ولا نخفي شيئا، وأكرر لك: ليس هناك إسرائيلي في جنوب السودان.
* هل هناك مساعدات عربية في هذا الجانب؟
أكشف لك أننا أرسلنا وفدا من قيادة الجيش الشعبي إلى مصر العام الماضي لطلب مساهمتها في تدريب جيشنا، ووعدت مشكورة بدراسة الموضوع والرد علينا، وحتى الآن لم يصلنا رد. ونحن على ثقة بأن مصر سترد ردا إيجابيا، خصوصا أنها تساعدنا في المجالات المدنية مثل مولدات الكهرباء الذي أرسلته إلى مدينة واو غرب بحر الغزال، وبناء مستشفى كبير في جوبا، وغيرها من المساهمات التي ظلت تقدمها.
* مناطق البترول في الجنوب، من الذي يحميها؟ هل الجيش الشعبي أم القوات المشتركة؟
ـ حماية البترول تقع تحت مسؤولية ما يسمى شرطة حماية البترول، وهي في الأصل الجيش السوداني، لكن تم استبدال زي الشرطة الخاصة لحماية البترول بزيهم الخاص بالجيش. ليس هناك دور للجيش الشعبي في حماية مناطق البترول، وأيضا القوات المشتركة للجيشين لا دور لها، وطبعا هناك شكوك حول تقسيم عائدات البترول والإشراف عليه من المنبع وحتى التصدير، وكلها قضايا يتابعها السياسيون.
* ما هي الترتيبات التي وضعتها حكومة الجنوب للجيش الشعبي بعد الاستفتاء؟
ـ بالنسبة للاستفتاء لم تصل إلى الجيش الشعبي أي توجيهات من القيادة السياسية لفترة ما بعد الاستفتاء، لكن قد تصدر في وقت لاحق. ونحن قريبون من مناطق البترول، لدينا الفرقة الرابعة مشاة في ولاية الوحدة وبالقرب من بانتيو، وهي مناطق غنية بالبترول، وأيضا في منطقة بحيرة الأبيض من جهة الجنوب على ولاية الوحدة، ومن الشمال على جهة ولاية جنوب كردفان توجد الفرقة التاسعة مشاة، وغالبيتها من أبناء النوبة وقبائل أخرى.
* هل تقصد استعدادا للحرب أم ماذا؟
ـ نحن مستعدون للدفاع عن شعبنا، ولن نبدأ بالهجوم في أي وقت، لكن إذا تم الهجوم علينا أو على شعبنا فسندافع عنه وعن حقوقه وبكل الوسائل، حتى بالأسلحة البيضاء وكل ما نملك، لأنه دفاع عن الكرامة والحقوق.
* نسب إليك حديث باتهام الخرطوم بدعم «جيش الرب» للمقاومة الأوغندي، هل عاد هذا الجيش لقتالكم مرة أخرى؟ وماذا عن الاتفاقية التي وقعتها حكومات أوغندا، الكنغو الديمقراطية، وجنوب السودان لمحاربة «جيش الرب»؟
ـ في الماضي كان «جيش الرب» يلقى دعما مباشرا من المؤتمر الوطني والقوات المسلحة السودانية خلال فترة الحرب الأهلية في السودان، وكان قائد «جيش الرب» جوزيف كوني يتخذ من جوبا مقرا لقيادته للتمرد. بعد اتفاقية السلام في عام 2005 خرج كوني من جوبا إلى أحراش الكنغو الديمقراطية، لكن ما زال لجوزيف كوني علاقاته بالمؤتمر الوطني والجيش السوداني، وهو الصديق القديم لهما، والمؤتمر الوطني لم ينفِ علاقاته بكوني، وقبل فترة قصيرة شوهدت طائرات «انتنوف» تسقط من الجو أسلحة وذخائر، وليست هناك قوة كبيرة لـ«جيش الرب» لأن أعدادهم لا تزيد عن ألف مقاتل موزعين في غابات «قرنبقا» في الكنغو الديمقراطية، وأخرى في أحراش أفريقيا الوسطى، وهذه المجموعات تقوم بحرب العصابات، تضرب وتختفي في الأحراش، والجيش الشعبي غير مسموح له بمطاردتهم داخل أراضي الكنغو وأفريقيا الوسطى، والدولتان لا تقومان بشيء تجاه هذه العصابات.
الاتفاق مع أوغندا والكنغو لمطاردة «جيش الرب» ما زال قائما، وقبل يومين اجتمع رئيس هيئة الأركان للجيش الشعبي مع مسؤولي الجيش الأوغندي في كمبالا لتقييم التجربة السابقة ووضع خطة جديدة لإنهاء وجود «جيش الرب»، وإذا وافقت هذه الدول للجيش الشعبي في حسم قوات كوني فإنه سيتمكن من ذلك في أقل من شهر، حتى في وجود دعم من المؤتمر الوطني لـ«جيش الرب».
الشرق الأوسط